"تقارب الأحباب".. دلالات التحول السريع في العلاقات بين الإمارات وإيران

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يعد أحد قادرا على إنكار التقارب الحالي بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإيران، وسط التوتر الذي يسود منطقة الخليج ومضيق هرمز منذ أشهر عدة، لكنه تسارع على نحو غير مسبوق، ليطرح تساؤلا ملحا: هل تعادي أبوظبي طهران أم تتعاون معها؟

ورغم مخالفة التوجهات الإماراتية الجديدة للسلوك السعودي المعلن لعداء المملكة مع إيران، فإنها تتوافق مع إشارات إيجابية تنطلق من الرياض صوب طهران، لينسحب التساؤل على مصير حصار قطر الذي بُني على علاقتها بإيران.

شواهد واضحة

خلال أقل من شهر توالت الشواهد التي تشير إلى تقارب إماراتي مع إيران على نحو لا يقبل الجدال، ولم تفلح معه تحليلات من هنا وهناك أن تهوّن من طبيعة خطوات التقارب وتوقيتاتها ودلالاتها المهمة.

أحدث تلك الخطوات، ما أعلنته رابطة التجار الإيرانيين في الإمارات، الأحد، من أنها تلقت وعودا من حاكم دبي محمد بن راشد بتقديم تسهيلات للمستثمرين الإيرانيين رغم الحظر الذي تفرضه واشنطن على طهران.

وقال رئيس الرابطة عبد القادر فقيهي، إن بن راشد "وعد بتقديم تسهيلات للمستثمرين الإيرانيين رغم الحظر الأمريكي، لكنه اشترط الموافقة على تجارة السلع التي لا تشملها العقوبات" الأمريكية.

وأوضح، في تصريحات نقلتها وكالة "فارس" الإيرانية للأنباء، أن "حاكم دبي وعد المستثمرين الإيرانيين بتمديد تأشيرات السفر الملغاة وإعادة فتح الحسابات المصرفية المغلقة"، مضيفا أنه سيتم إعادة فتح مراكز الصيرفة الإيرانية في الإمارات في غضون أيام، وذلك بإيعاز من البنك المركزي الإماراتي.

قبلها بأيام، وتحديدا الثلاثاء الماضي، عقد البلدان اجتماعا في طهران، جمع قائد قوات حرس الحدود الإيراني وقائد قوات خفر السواحل الإماراتي، واختتم بتوقيع مذكرة تفاهم لتعزيز وترسيخ الأمن الحدودي بين البلدين.

وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية: "يعقد البلدان اجتماعات سنوية منتظمة في طهران وأبو ظبي ويجتمعان كل 6 أشهر في إحدى مناطق مراقبة الحدود بدعوة من بعضهما البعض".

وقبل هذا وذاك، كانت الخطوة الأبرز، حين أعلنت الإمارات أوائل يوليو/تموز الماضي، سحب قواتها من اليمن بعد سنوات من الحرب جنبا إلى جنب مع السعودية ضد جماعة الحوثي المدعمة إيرانيا.

صحيفة "الإيكونوميست" البريطانية، رأت أن السبب المباشر للانسحاب هو الخوف من تصاعد حدة الصراع مع إيران، في ظل توتر غير مسبوق أعقب تخفيض طهران بعض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي، ردا على انسحاب الولايات المتحدة العام الماضي.

أما السبب الثاني، فهو شعور الإماراتيين بالقلق إزاء انتقاص الحرب من سمعة دولة الإمارات بعد مقتل عشرات الآلاف من المدنيين وانتشار المجاعات وتفشي وباء الكوليرا، فضلا عن تأكد من أن القتال انتهى ولم يعد له طائل.

لماذا التقارب؟

تتشابه كثيرا الأسباب التي تدعو أبوظبي إلى مثل تلك الخطوات التقاربية نحو طهران، مع تلك المتعلقة بالانسحاب من اليمن، خاصة فيما يتعلق بضمان عدم تصاعد التوتر الحالي في الخليج ومضيق هرمز إلى مواجهة عسكرية لا تبقي ولا تذر.

الاقتصاد يبدو سببا حيويا آخر، حيث تتصدر الإمارات قائمة الدول العربية في التبادل التجاري مع إيران، وهو ما يظهر من أرقام 2017 التي وصلت فيها قيمة التبادل التجاري إلى 13 مليار دولار، بل إن الإمارات هي أكثر دول العالم تصديرا لإيران.

ويرى مراقبون، أن أبوظبي تدرك أهمية الجانب التجاري في تعزيز قوتها الإقليمية، وأن الاستقرار في المناطق المحاذية لها مهم جدا لاستمرار أدوارها التجارية، وهو ما ظهر في تصريحات وزير خارجيتها، عبدالله بن زايد.

"بن زايد" قال قبل أيام، إن بلاده "ترحب بأية جهود لتهدئة التوتر في المنطقة وتتطلع لأن ترى منطقتي الشرق الأوسط والخليج العربي هادئتين مستقرتين".

ولعل المنطق يقول، إنه في حال سقوط مجرد صاروخ واحد في منطقة استثمارية بها أو حتى مجرد لغم، فإن الإمارات القائمة على التجارة والاستثمارات ستشهد نزوحا جماعيا لأموال المستثمرين ما يقود إلى انهيار اقتصاد الدولة.

ووفق مراقبين، فإن أحد الأسباب التي تدفع الإمارات للتقارب نحو إيران سعيها لأن تكون طرفا في الاتفاق النووي الإيراني، وهي خطوة تتعارض مع موقفها السابق عندما أيدت، مع السعودية، انسحاب الولايات المتحدة من هذا الاتفاق، بل ودعت الدول الأخرى المشاركة في الاتفاق إلى أن تحذو حذو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

السعودية على الخط

كثيرون قالوا، إن التقارب الإماراتي الإيراني موجه بالأساس إلى السعودية، التي تتخذ مواقف معادية ضد طهران ووكلاءها في المنطقة مثل الحوثيين في اليمن وحزب الله في لبنان، وغيرهما، خاصة بعد الأنباء المنتشرة عن خلافات عميقة بين الحليفين الخليجيين دفعت إلى انسحاب القوات الإماراتية من اليمن.

إلا أن شواهد عديدة تشير إلى عكس ذلك، وتكشف أن السعودية هي الأخرى تعزف على نغمة التقارب مع إيران، لكن على استحياء، وبتبريرات لا تجد آذانا صاغية، مثل تلك التي تقال بشأن التعاون بين الجانبين فيما يخص شؤون الحجاج والمعتمرين الإيرانيين.

وكالة أنباء الطلبة الإيرانية "إيسنا" أعلنت، السبت، أن السلطات السعودية تجاوبت مع طلب طهران في افتتاح مكتب لرعاية المصالح الإيرانية في السفارة السويسرية لدى السعودية.

وقالت، إن وزیر الحج السعودي محمد صالح بن طاهر بنتن، رحب باستئناف إيفاد الزوار الإيرانيين إلى العمرة وتعهد بمتابعة ملف تدشین ممثلیة إيرانية في سفارة سویسرا شخصیا، لافتا إلى أن تأشیرات الدخول السعودیة ستصدر إلكترونيا للزوار الإيرانیین فقط.

من جهته، قال رئيس منظمة الحج والزيارة الإيراني علي رضا رشيديان خلال اجتماعه مع وزير الحج السعودي، إن "الحفاظ على كرامة وأمن الحجاج الإيرانيين من شروطنا لاستئناف العمرة"، مشددا على أن الخطوة الأولى في هذا الشأن هي افتتاح قنصلية أو مكتب لرعایة المصالح الإيرانية في السعودية.

بالتزامن مع هذا اللقاء، كانت هناك تصريحات لافتة من مسؤول إيراني نشرتها قناة "العالم" الإيرانية الناطقة بالعربية، حيث نقلت عن أكبر تركان مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني قوله، إن هناك رسائل إيجابية وصلت طهران من الرياض، وأن كبار المسؤولين الإيرانيين ردوا عليها بشكل إيجابي.

وتابع تركان: "هناك رسائل ومؤشرات إيجابية تصلنا من السعودية، أولها التعامل الجيد مع الحجاج الإيرانيين.. في المقابل فإن كبار المسؤولين الإيرانيين تعاطوا مع المبادرات السعودية بشكل إيجابي.. وفي الوقت الحاضر، فإن الأرضية باتت مناسبة لتطبيع العلاقات بين البلدين".

بعيدا عن اللقاءات والتصريحات العلنية، فإن التسريبات تقود في الاتجاه ذاته، فقد كشف موقع "ديبكا" الإسرائيلي، أن الإمارات والسعودية دخلتا في اتصالات سرية مع إيران لمناقشة أمن الملاحة في منطقة الخليج.

ونقل الموقع القريب من الاستخبارات الإسرائيلية عن مصادره الخاصة، أن الإمارات والسعودية توصلتا إلى الاستنتاج بأن أهداف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ما يخص إيران لا تتطابق مع أهداف أبوظبي والرياض.

ونقل عن مصادر تأكيدها، أن الإمارات سحبت قوات تابعة لها من اليمن وسلمت جزر في مضيق باب المندب وجزء من المناطق الساحلية لـ "مليشيا يمنية كان بعض أفرادها على صلة بالحوثيين سابقا".

وبحسب مصادر الموقع، فإن "هذه التطورات شجعت طهران على التوجه بشكل سري إلى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بمقترح إجراء مباحثات إيجابية مماثلة لتلك التي جرت مع الإمارات، وإن هناك مؤشرات على أن بن سلمان يدرس هذا المقترح بجدية".

خلافات الإمارات وأزمة قطر

بالعودة إلى الإمارات وفي خضم الحديث عن توجهاتها المنفتحة على إيران وأسبابها، تبرز تقارير إعلامية تحدثت عن خلافات إماراتية داخلية، أفضت إلى تغير سياستها الخارجية وزيادة رغبتها في تحسين العلاقات مع إيران.

التقارير نقلت عن مصدر مطلع رفض الكشف عن هويته، أن أمراء دولة الامارات عقدوا اجتماعا سريا عقب إعلان إيران، في 20 يونيو/حزيران الماضي، إسقاطها طائرة أمريكية مسيرة، حضره ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وحاكم دبي محمد بن راشد.

وأضاف المصدر، أن ابن راشد انتقد خلال الاجتماع سياسة بلاده الخارجية، وشدد على ضرورة إعادة النظر فيها، قائلا: "علينا إعادة النظر بشكل كلي في سياساتنا الخارجية، ننفق يوميا مئات الملايين من الدولارات، فماذا نجني مقابل ذلك؟ علينا أن نتخلى مباشرة عن سياسة التدخل في شؤون الدول، فهذه السياسة تكلفنا كثيرا ودون أي مقابل".

مباشرة تقودنا تلك الخلافات، إلى الأزمة الخليجية التي كانت انعكاسا لسياسة التدخل في شؤون الآخرين التي انتقدها حاكم دبي، ولعل التقارب الحالي المتعلق بالسياسة الخارجية أيضا، يرتبط بشدة بالأزمة.

الإمارات قادت تحالفا خليجيا يحاصر قطر منذ يونيو/حزيران 2017، لأسباب معلنة، كان أبرزها العلاقات التي تقيمها الدوحة مع طهران، المتهمة من دول الحصار بزعزعة الأمن في الخليج.

وفي مقال له نشرته "الواشنطن بوست" في سبتمبر/أيلول الماضي، قال السفير الإماراتي في الولايات المتحدة يوسف العتيبة: "في الوقت الذي شددت فيه الولايات المتحدة العقوبات على إيران الشهر الماضي بسبب تدخلها في اليمن وعبر الشرق الأوسط، برهنت قطر مرة أخرى على موقفها المتسامح مع التطرف الإسلامي".

وأضاف العتيبة: "اتصل الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أمير قطر، بالرئيس الإيراني حسن روحاني ليعرض دعما قطريا موسعا على صعيد التعاون في مجال النقل البحري، إلى جانب تقديم حزمة من الاستثمارات، وعقود البناء".

المثير، أن تلك الإمارات التي تنتقد تعاون قطر مع إيران، هي ذاتها التي تهرول حثيثة نحو تمتين علاقاتها مع "العدو الإيراني" الذي دفعتها عداوته إلى مقاطعة وحصار أحد الجيران وثيق الصلة جغرافيا ودينيا ولغويا وقبليا.

لم يكونا أعداء

ولعل الحديث عن التقارب الحالي، لا يمكن أن يغني عن تاريخ من التقارب الذي وصل إلى حد لم يمنع فيه النزاع حول جزر طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى الإمارتية التي تحتلها إيران، البلدين من تدشين علاقة سياسية واقتصادية متقاربة.

وتمتعت العلاقة بين الإمارات وإيران منذ استقلال الإمارات عام 1971، بحالة من الإدارة المنضبطة لخلافاتهما، وخلال الحرب العراقية الإيرانية، اتخذت الإمارات موقفا محايدا عبر دعوة الطرفين إلى وقف الحرب.وفي مطلع 2015، وعلى الرغم من الخلاف السعودي الإيراني في أزمة النفط، كانت الإمارات تغرد خارج سرب الخليج؛ حيث وقعت أبوظبي وطهران مذكرة تفاهم مشتركة، تتضمن 17 بندا حول تسهيل تأشيرات الدخول والإقامة بين البلدين؛ إضافة إلى مواصلة التعاون القضائي في مجال مكافحة المخدرات.

ومع تبادل الزيارات بين البلدين في هذه الفترة، وصف مساعد وزير الخارجية الايرانية للشؤون العربية والافريقية حسين أمير عبداللهيان، الرؤية الإيرانية والإماراتية فيما يتعلق بمكافحة الارهاب بـ"المتقاربة جدا".

فيما وصف وزير الثقافة الإماراتي الشيخ نهيان بن مبارك، علاقات بلاده وإيران بـ"التاريخية والعريقة"، وفي مطلع 2016، وعلى خلفية اقتحام السفارة السعودية بطهران، وقرار المملكة ودول خليجية وعربية وإسلامية سحب سفرائها من طهران، أو قطع علاقتها بها، اكتفت أبوظبي فقط بتخفيض تمثيلها إلى مستوى القائم بالأعمال، وتخفيض عدد الدبلوماسيين الإيرانيين في الإمارات.

ويشهد الواقع بمستويات قياسية في التعاون التجاري بين الإمارات وإيران، حيث حافظت الإمارات على كونها الشريك التجاري العربي الأول مع إيران، فخلال العام الماضي بلغ حجم التجارة غير النفطية بين إيران والإمارات 16.83 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 20 مارس/آذار 2018، بارتفاع بلغ 21.18 بالمئة مقارنة بالعام السابق، وفقا لإحصائيات إدارة الجمارك الإيرانية.

وتحتل إيران المرتبة الرابعة في قائمة الشركاء التجاريين للإمارات، في حين تعتبر الأخيرة الشريك التجاري الثاني لإيران بعد الصين، وتستحوذ الإمارات على 90 بالمئة من حجم التجارة بين دول الخليج وإيران، وكان التبادل التجاري بينهما قد سجل أعلى معدل له عام 2011 عندما بلغ 23 مليار دولار.

ووفق تقديرات صادرة عن وزارة الخارجية الإيرانية، يعيش في الإمارات من 400 إلى 500 ألف إيراني، نسبة كبيرة منهم من التجار ورجال الأعمال، في حين نقلت وكالة أنباء "فارس" عن إحصاءات صادرة عن دائرة الأحوال الإيرانية أن عدد الإيرانيين المقيمين في الإمارات يبلغ 800 ألف نسمة.

هناك 4 جامعات إيرانية في الإمارات، وما يزيد عن 30 ألف طالب إيراني يتلقون تعليمهم هناك، كما تعتبر حركة الطيران بين البلدين نشطة جدا، إذ توجد 200 رحلة طيران أسبوعية بين الإمارات وإيران، منها 50 رحلة أسبوعية بين طهران ودبي، وفق إحصاءات وزارة الخارجية الإيرانية.

وبحسب مجلس الأعمال الإيراني في دبي، فإن الاستثمارات الإيرانية في الإمارات تحتل المرتبة الثانية بعد الأمريكية، إذ تتراوح بين 200 و300 مليار دولار، كما تمثل ثروة الجالية الإيرانية في الإمارات ما بين 20 و30 بالمئة من حجم ثروة الأصول المادية في الإمارات، وفقا لإحصاءات عام 2012.

مصادر إيرانية، تقدر عدد الشركات الإيرانية المسجلة رسميا في دبي وحدها بنحو 7660 شركة، كما تتحدث مصادر أخرى عن وجود ما يقرب من 13 ألف رجل أعمال إيراني برؤوس أموال ضخمة يستثمرون في الإمارات.80 ألف إيراني يعيشون في دبي، منهم 8200 تاجر يديرون شبكة ضخمة من الأعمال ويستثمرون بشكل رئيسي في قطاع المواد الغذائية والمواد الخام والحديد والفولاذ والإلكترونيات والإطارات والمعدات المنزلية وغيرها من المواد.

وفي تقرير لها عقب الاتفاق النووي مع إيران، قالت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، إن الإمارات تستضيف على أراضيها أكثر من 10 آلاف رجل أعمال إيراني وشركات تجارية إيرانية.

وكانت الإمارات من أكثر الدول التي حققت فوائد اقتصادية بفضل موقعها كمنطقة ترانزيت للتجارة الإيرانية في سنوات الحصار والعقوبات على إيران، فمنذ فرض العقوبات الأممية عليها كانت إمارة دبي بمثابة الرئة للاقتصاد الإيراني والباب الرئيسي لأهم الواردات التي يحتاج إليها الاقتصاد الإيراني.