تعثّر "الحوار الوطني" في الجزائر.. أزمة جديدة تهدد مسار الحراك

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تجد الأزمة السياسية في الجزائر طريقا إلى الحل منذ خروج الجزائريين إلى الشوارع في 22 فبراير/شباط 2019 رافضين ترشح بوتفليقة لدورة رئاسية خامسة.

حراك الشارع لم يتوقف عند هذا المطلب ليستمر في جمعات متتالية وصلت إلى 24 جمعة، مناديا بإزاحة جميع رموز النظام السابق، وإقامة نظام جديد ديمقراطي مدني.

منذ استقالة بوتفليقة في 2 أبريل/نيسان الماضي والسلطة الجديدة (المؤقتة) تجدّد في كل مرّة محاولاتها من أجل تهدئة الشارع والوصول إلى تنظيم انتخابات رئاسية.

آخر هذه المحاولات تمثل في الإعلان عن تأسيس لجنة لإدارة حوار وطني أطلق عليها تسمية "الهيئة الوطنية للحوار والوساطة".

هذه الهيئة نفسها تحولت إلى محل تجاذبات داخلها وخارجها، وسط مواقف متباينة من الأحزاب السياسية والناشطين، ما يجعل نتائج عملها محلّ شكّ من الجميع.

بداية متعثّرة

في ذكرى عيد الاستقلال الجزائري، أعلن الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح، عن بعث لجنة لإدارة حوار وطني يستثني كل المؤسسات الرسمية بما فيها الجيش من أن تكون طرفا فيها، وتلتزم أقصى درجات الحياد طوال مراحل المسار، و"الهدف الرئيسي هو تهيئة الظروف اللازمة لتنظيم الانتخابات الرئاسية بشفافية كاملة".

ضمت اللجنة 6 أعضاء، ووقع الاختيار على كريم يونس، ليكون منسقا عاما للجنة قيادة الحوار الوطني، وهو وزير سابق ينحدر من منطقة القبائل، تولى رئاسة البرلمان، واستقال منه بعد معارضته استمرار عبدالعزيز بوتفليقة في رئاسة البلاد عام 2004.

كما تضم اللجنة المحامي لزهاري بوزيدي، وهو عضو بمجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، أبعده بوتفليقة من الغرفة العليا للبرلمان عام 2007، ولكنّه يُحسب على السلطة.

أيضا من بين أعضاء اللجنة، الحقوقية فتيحة بن عبو، وهي من أبرز المرجعيات في القانون الدستوري، دعت منذ 2013 إلى عزل بوتفليقة بمقتضى العجز الصحي.

ويشارك في اللجنة أيضا إسماعيل لالماس، وهو أستاذ جامعي وخبير اقتصادي، محسوب على التيار الليبرالي، كما يشارك ناشطان من الحراك الشعبي، هما: عبد الوهاب بن جلول، وهو نقابي من الجنوب، معروف بانتمائه للتيار الإسلامي، وعز الدين بن عيسى، وهو أستاذ جامعي من منطقة الغرب.  

ورغم تطمينات رئيس الدولة المؤقت بحياد مؤسسات الدولة في علاقة بالحوار ولجنته، إلاّ أن مواقف غاضبة من تعامل السلطة مع مطالب اللجنة، إضافة إلى تصريحات رئيس الأركان أحمد قايد صالح، دفعت كل من إسماعيل لالماس، وعز الدين بن عيسى إلى الاستقالة من عضويتها.

وفي وقت سابق لوّح فريق الحوار بالاستقالة في حال عدم تنفيذ السلطة وعودها بإجراءات التهدئة، عقب رفعه 7 مطالب للرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح كشرط للشروع في عملها.

ردود إيجابية

منسق لجنة "الحوار" كريم يونس أعلن في 26 يوليو/ تموز الماضي، أن الرئيس المؤقت بن صالح، وافق على 6 إجراءات تهدئة قدمها الحراك، لكنّه أجل البت في مطلب رحيل حكومة نور الدين بدوي، لوجود عوائق دستورية.

مشيرا إلى أن "ما جرى الاتفاق على تنفيذه هو إطلاق سراح كل معتقلي الحراك، والثاني احترام قوى الأمن لطابع المسيرات السلمي، والثالث وقف كل أشكال تعنيف المتظاهرين".

وفيما يتعلق بالمطلب الرابع فيتمثل في "تخفيف المخطط الأمني الخاص بالمسيرات، والخامس فتح مداخل العاصمة خلال أيام المسيرات، والسادس فتح وسائل الإعلام أمام جميع التيارات".

وأضاف كريم يونس في السياق أن رئيس الدولة "أخذ المطلب السابع بعين الاعتبار"، لكنه اشترط إخضاعه لقراءة قانونية عميقة نظرًا لوجود عوائق دستورية على أمل أن يجد حلًا في أقرب الآجال.

موقف متصلّب

رد الفريق أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الثلاثاء 30 يوليو/تموز على مطالب "الإفراج عن سجناء الرأي"، وتخفيف الإجراءات الأمنية المتخذة على مداخل العاصمة والمدن الكبرى، معتبرا أنها من أفكار العصابة وأنها من أجل تضليل الرأي العام.

سبق وأن منحت لجنة "الحوار" السلطات المسيّرة لشؤون البلاد، مهلة لا تتعدى الأسبوع، لتطبيق العديد من المطالب والتعهدات التي قطعتها على نفسها لإحداث التهدئة بالبلاد، حيث طلبت الهيئة من السلطات إطلاق معتقلي الحراك الشعبي وتخفيف إجراءات الأمن المشددة التي تحيط بالمظاهرات.

وهددت لجنة الحوار في حال التلكؤ أو التباطؤ بتنفيذ التعهدات، بتجميد عمل اللجنة، وصولا في نهاية المطاف لقرار حلها نهائيا والعودة لنقطة الصفر.

وقال الفريق قايد صالح في كلمته أثناء تكريم أشبال الأمة "ويجدر بي في هذا المقام الإشارة إلى بعض الأفكار المسمومة التي بثتها العصابة وتبنتها بعض الأصوات التي تدور في فلكها، والمتمثلة في الدعوة إلى إطلاق سراح الموقوفين الموصوفين زورا وبهتانا بسجناء الرأي، كتدابير تهدئة حسب زعمهم".

مضيفا: "وعليه، أؤكد مرة أخرى أن العدالة وحدها من تقرر، طبقا للقانون، بشأن هؤلاء الأشخاص الذين تعدوا على رموز ومؤسسات الدولة وأهانوا الراية الوطنية، ولا يحق لأي أحد كان، أن يتدخل في عملها وصلاحياتها ويحاول التأثير على قراراتها".

وأوضح: "ونحن في الجيش الوطني الشعبي نشجعها (مؤسسات العدالة القضائية)، وندعوها لمواصلة مسعاها الوطني المخلص بنفس العزيمة والإصرار بعيدا عن كل التأثيرات والضغوط التي تحاول منح فرصة للعصابة وأذنابها من أجل التملص من العقاب والعودة إلى زرع البلبلة والتأثير في مسار الأحداث".

وحول مطالب تخفيف الإجراءات الأمنية، أكد قايد صالح قائلا: "وبخصوص الدعوة المشبوهة وغير المنطقية المطالبة بتخفيف الإجراءات الأمنية المتخذة على مداخل العاصمة والمدن الكبرى، أود التوضيح أن هذه التدابير الوقائية التي تتخذها مصالح الأمن لتأمين المسيرات، هي في مصلحة الشعب وحماية له وليس العكس".

مضيفا: "وهو الأمر الذي طالما أكدنا عليه أكثر من مرة بضرورة تنظيم وتأطير المسيرات لتفادي اختراقها، وعليه، فمن غير المقبول التشكيك في نوايا وجهود مصالح الأمن، ومن غير الأخلاقي تشويه الحقائق واختلاق الأكاذيب، بغرض إعطاء نفس جديد لأصحاب النوايا الخبيثة، الذين يعملون على تأجيج الوضع وإطالة أمد الأزمة".

السير للمجهول

إثر تصريحات نائب وزير الدفاع الجزائري التي دفعت بعضوين من اللجنة إلى الاستقالة، عقد كريم يونس رئيس  لجنة "الحوار" اجتماعا مع من تبقى من أعضاء اللجنة، أبلغهم فيه بقرار استقالته حسب ما تداولته صحف محلية.

وأبلغ كريم يونس الأعضاء الثلاثة عند بداية الاجتماع، أنه يعاني أزمة صحية تضاعفت تداعياتها الأسبوع الماضي، قائلا: "تابعت تلك الحملة التي تعرضت لها ولست أفهم سرها ولا دواعيها إلى غاية اللحظة. أعتقد أني لبيت نداء الوطن ونداء فكرة الحوار المقدسة".

وفي بيان للجنة نشرته الوكالة الرسمية، فإن كريم يونس تراجع عن الاستقالة، وذلك "شعورا بروح المسؤولية تجاه الله ثم الوطن، والثقة التي وضعها أعضاء الهيئة في شخصه".

وأعلنت "الهيئة" في نفس البيان "الشروع الفوري" في عملها، رغم رفض الجيش شروطها المسبقة، و"مباشرة الحوار الوطني وفقا لروزنامة (أجندة) سيتم الإعلان عنها لاحقا"، لكن منسق الهيئة لم يستبعد حلّها إذا لم تستجب السلطة لطلباتها في غضون أسبوع.