ألبروس كوتراشيف.. سفير روسي يتملق شيعة العراق رغم عدائه لنظام ما بعد الغزو

يوسف العلي | a year ago

12

طباعة

مشاركة

"يلطم على الحسين، وتجذبه العمامة الشيعية"، هكذا بدا سفير روسيا الاتحادية فوق العادة لدى العراق، ألبروس كوتراشيف، الذي يتفاخر بعلاقة متميزة مع أعوان إيران في "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد، رغم أنه يفضل فصل الدين عن إدارة الدولة.

سفير موسكو ببغداد، أثار موجة من الجدل على مواقع التواصل الاجتماعي في 25 يوليو/ تموز 2023، عندما شارك بمجلس عزاء شيعي أقامه رئيس تيار "الحكمة الوطني" عمار الحكيم بمناسبة حلول شهر محرم، الذي يعده الشيعة شهرا للحزن واللطم.

ويحيي الشيعة في العراق والعالم عاشر أيام محرم (عاشوراء) من كل عام، لأن فيه ذكرى وفاة الإمام الحسين، حفيد النبي محمد، الذي استشهد سنة 680 ميلادية، وتستمر مظاهر الحزن واللطم، في المناطق ذات الغالبية الشيعية لمدة أربعين يوما.

سفير فوق العادة

ألبروس كوتراشيف المولود في عام 1975، عينه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، سفيرا فوق العادة ومفوضا لروسيا لدى جمهورية العراق في 8 أبريل/ نيسان 2021، بعد إعفاء سلفه مكسيم ماكسيموف من مهامه.

كوتراشيف تخرج عام 1998 من معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية التابع لوزارة الخارجية الروسية، وهو حاصل على الرتبة الدبلوماسية لمبعوث فوق العادة ومفوض من الدرجة الثانية، مُنحت له في ديسمبر/ كانون الأول عام 2017.

السفير الروسي يجيد اللغتين العربية والإنجليزية إضافة إلى لغته الأم، فهو يعمل في المجال الدبلوماسي منذ عام 1998، ثم امتلك خبرة واسعة في العديد من المناصب في المكتب المركزي للوزارة وفي الخارج.

وكان كوتراشيف يعمل موظفا في السفارة الروسية بالعراق منذ 1999 حتى 2005، وبعدها في عام 2008 حتى 2013 عمل كموظف في سفارة بلاده بسوريا.

ومن 2013 إلى 2015، تولى كوتراشيف رئاسة قسم مركز المواقف والأزمات في الخارجية الروسية، ثم تولى منصب مستشار في السفارة الروسية في سوريا من عام 2015 إلى 2018.

وفي عام 2018 وحتى 2021، شغل كوتراشيف منصب رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في وزارة الخارجية الروسية، ثم بعدها جرى تسميته سفيرا فوق العادة ومفوض لروسيا لدى العراق.

صديق الشيعة

حضور كوتراشيف إلى مجلس عزاء شيعي لم يأت من فراغ، بل هو معروف بعلاقته الوثيقة مع أغلب السياسيين والزعامات الدينية الشيعية في العراق، والتي يتحدث عنها السفير الروسي في وسائل الإعلام.

وقال كوتراشيف خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "الشرقية" العراقية في 27 فبراير/ شباط 2022، إن "الإطار التنسيقي كلهم أصدقاؤنا، لكن موقف روسيا ليس منحازا لأي جهة سياسية على حساب الشعب العراقي، ولا يوجد أي تفضيل لأي طرف، وأن العراقيين مقاتلون لذلك نحن نحبهم". 

وأكد السفير الروسي أن لديه "علاقة طيبة مع جميع الأطراف، وأن عمار الحكيم (زعيم تيار الحكمة) وهمام حمودي (رئيس المجلس الأعلى العراقي الشيعي) ونوري المالكي (زعيم ائتلاف دولة القانون) وهادي العامري (قائد مليشيا بدر) وفالح الفياض (رئيس الحشد الشعبي) جميعهم أصدقاؤنا". 

وعن اللقاءات مع الزعماء السياسيين، قال السفير الروسي "التقيت بزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر 3 مرات، وهو شخصية محترمة، ولنا لقاءات أخرى"، واصفا إياه بأنه "شخصية لها جاذبية". 

وردا على سؤال حول شخصية المالكي، قال السفير الروسي إنه "من الشخصيات المحترمة جدا، لكن مشكلة العراق هو شخصياته البارزة على الساحة السياسية كثيرة جدا، ولا يمكن أصف أن هناك شخصية غير جيدة". 

وبخصوص رأيه عن الأحزاب الدينية في العراق، قال: إنه "يفضل أن يكون الدين بعيدا عن السياسة، لكن من هذه الناحية الإسلام في العراق وضعه جيد، فالبلد مكان للعلماء البارزين في تاريخ الإسلام من سنة وشيعة". 

وأضاف: "سياستنا أن نتعامل مع الجميع مهما كانوا إسلاميين أو غيرهم، فهذه الأحزاب تمثل جزءا من الشعب العراقي ويجب التعامل معها"، لافتا إلى أنه "في روسيا منذ الثورة البلشفية (عام 1917) تم فصل الدين عن السياسة، فلا يمكن تحقيق أهداف دينية عبر السياسة، لكن في العراق الوضع مختلف". 

معادٍ للغرب

طالما صرح كوتراشيف، بمواقف جريئة ضد دول غربية، لا سيما الولايات المتحدة وبريطانيا، فهو يرى أن مشاكل العراق اليوم ترجع بدرجة كبيرة للعدوان العسكري الذي قامت به القوات المتعددة الجنسيات بقيادة الولايات المتحدة في عام 2003.

ونقل موقع "روسيا اليوم" عن كوتراشيف في 20 مارس 2023، قوله إن "حينها قامت الولايات المتحدة وبريطانيا، والدول التابعة لهما، بمغامرة عسكرية كبيرة غير محسوبة وغير مبررة دون قرار من مجلس الأمن الدولي في انتهاك صارخ للقانون الدولي، وغزت العراق".

وأضاف: "هذا العمل كان قبيحا جدا وغير متوقع. لقد غزوا دولة ذات سيادة وهي عضو في الأمم المتحدة، واحتلوا أراضيها".

وأردف: "البلاد حاليا في وضع صعب حقا، والمشاكل العراقية اليوم ترجع أسبابها للأحداث التي وقعت في ذاك الوقت، وبعد ذلك حاول المحتلون بغباء وحماقة أن يعيدوا ترتيب الحياة هناك. ويعدون العدة للرحيل ولكنه رحيل البقاء في نفس الوقت".

ولفت السفير الروسي الانتباه إلى أن "المغامرة الأميركية البريطانية فتحت الأبواب أمام خطر الإرهاب الدولي في العراق"، لافتا إلى أن "هناك فترة كان فيها هذا البلد مرتعا له، فكانت تقع هجمات انتحارية يومية من تنظيم القاعدة، وأحيانا كانت تقع 20 عملية انتحارية في اليوم".

وأكد كوتراشيف أن "الغزو خلق توترا عرقيا وطائفيا، وهذا أجبر الناس على مغادرة أماكن إقامتهم، والانتقال إلى أماكن جديدة".

وفي مقابلة مع موقع وكالة "ريا نوفوستي" الروسية نشرت في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2022، قال كوتراشيف إن "الولايات المتحدة تتدخل في التعاون بين روسيا والعراق في المجال العسكري".

وأوضح السفير الروسي إن "العراقيين يحبون الأسلحة الروسية والسوفيتية أكثر من الأسلحة الغربية باهظة الثمن، لكنهم يحاولون منع التعاون العسكري التقني بين موسكو وبغداد".

وتابع: "كان لدينا تعاون ممتاز مع العراقيين في المجال العسكري خلال الحقبة السوفيتية. ثم توقف هذا العمل بسبب العقوبات التي فُرضت على العراق بعد غزو الكويت عام 1990. وانتهت هذه العقوبات بإسقاط نظام صدام حسين وظهور عراق جديد".

ولفت كوتراشيف إلى أن "العراقيين يحبون الأسلحة السوفيتية والروسية لأنهم على دراية بها، إضافة إلى أسعارها التنافسية. وإذا لم يتدخل الأميركيون وحلفاؤهم معنا ومع العراقيين فإن هذا التعاون كان سيتقدم إلى المستوى الذي كان عليه في ظل الاتحاد السوفيتي".

وأكد أن "هناك منافسة غير عادلة: الولايات المتحدة تتدخل في العمل العادي وتفرض أسلحتها وخدماتها على العراقيين. الشيء الرئيس الذي لا يحبه العراقيون هو تكلفة وصيانة الأسلحة الأميركية، وهي أغلى أربع مرات من الأسلحة الروسية".

علاوة على ذلك، يضيف كوتراشيف، أن "الأميركيين لا يسمحون للعراقيين، بكل بساطة، بالنظر في المعدات التي تم تسليمها. يقومون أيضا بإغلاق جميع الخدمات على أنفسهم. حتى إن هناك شكوكا حول ما إذا كان هناك شيء مخفي بالداخل لا يمكن عرضه لأي شخص، بما في ذلك المستهلك".

أما عن حلف الناتو، أكد السفير الروسي أن "مهمته استشارية في العراق بالأساس، هذا لا يزعجنا، لكن يعيقنا الدور المهيمن الذي فرضه الأميركيون على هذا البلد. لكي نكون منصفين، لا يعارض كل العراقيين وجود الولايات المتحدة بصفتها الحالية. الوضع في البلاد غامض للغاية".

ورأى كوتراشيف أن "العراق في حالة أزمة داخلية دائمة منذ عام 2003 على الأقل. ثم احتلت الولايات المتحدة البلاد، ومثل فيل في متجر صيني، تحطم كل شيء هنا. بعد ذلك، بدأوا في إنشاء نظام جديد، كانت مهمته الرئيسة التأكد من أن العراق لن يصبح قوة إقليمية قوية".