رئيس موريتانيا الجديد.. صديق لـ"البوليساريو" أم مقرّب من المغرب؟

زياد المزغني | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أنّ تحسّن العلاقات بين المغرب وموريتانيا ليس مطروحا في الزمن القريب، إذ تتجه العلاقات نحو مزيد من التأزم بعد دعوة النظام الموريتاني زعيم "جبهة البوليساريو" إبراهيم غالي، لحضور حفل تنصيب الرئيس الجديد، محمد ولد الغزواني، مطلع أغسطس/آب 2019.

لم يتغيّر الشيء الكثير في أعلى هرم السلطة بموريتانيا، بعد أن استبدلت جنرالا بجنرال جديد، لا يبدو هذا التغيير الحاصل سيغيّر الكثير من مواقف الدولة في موريتانيا وعلاقاتها الخارجية خاصّة تلك التي تعنى بجوارها.

يأتي انتخاب الرئيس الجديد لموريتانيا ولد الغزواني، الذي كان يوصف بأقربِ المرشحين تقديرا للموقف المغربي من قضية الصحراء، في وقت تعيش فيه العلاقات المغربية الموريتانية أسوأ مراحلها.

فالرّئيس المنتهية ولايته محمد ولد عبد العزيز، ارتمى في أحضان المؤسسة العسكرية الجزائرية وجبهة البوليساريو وأبعد موريتانيا عن امتدادها الاجتماعي والعائلي والتاريخي والديني المتمثل في المغرب.

العديد من الأقلام المغربية كتبت مبشّرة بتحسّن العلاقات بين المغرب وموريتانيا مع وصول ولد الغزواني إلى الحكم، واصفة إياه بعدوّ البوليساريو وصديق المغرب.

وفي تقرير لموقع هسبريس المغربي قال: "يعد ولد الغزواني أقرب المرشحين تقديرًا للموقف المغربي من قضية الصحراء، وله علاقات جيدة مع الرباط حيث تلقّى دراسته بداية قبل أن يتوجه نحو مملكة الأردن لمواصلة تكوينه".

ولا زال البعض داخل المغرب يبرّر القرار الموريتاني (دعوة البوليساريو لحفل تنصيب ولد الغزواني) بأنّه استتباعات لفترة حكم محمد ولد عبد العزيز، مؤمّلين بتغيرها على يد ولد الغزواني الذي سيباشر السلطة رسميا بداية أغسطس المقبل.

استفزاز جديد

وجّهت الحكومة الموريتانية دعوة رسمية إلى "البوليساريو" من أجل حضور حفل تنصيب ولد الغزواني مطلع أغسطس/آب المقبل، وذلك خلافا للأخبار التي راجت بخصوص استبعاد نواكشوط للجبهة الانفصالية في أول حدث رسمي لرئيس البلاد الجديد.

فعلى هامش القمة الإفريقية المنعقدة بالنيجر خلال يوليو/تموز الجاري، سلم وزير الشؤون الخارجية الموريتاني، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، دعوة إلى القيادي بالبوليساريو محمد سالم ولد السالك، موجهة إلى زعيم "الجبهة"، إبراهيم غالي، من أجل المشاركة في مراسيم واحتفالات تنصيب محمد ولد محمد أحمد ولد الشيخ الغزوانى.

قبلها التقى إسماعيل ولد الشيخ أحمد بالوزير المنتدب المكلف بالتعاون الإفريقي محسن الجزولي وسلمه رسالة خطية من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز المنتهية ولايته ليسلمها إلى عاهل المغرب الملك محمد السادس.

جرى اللقاء على هامش أشغال الدورة العادية الـ35 للمجلس التنفيذي للاتحاد الإفريقي، التي انعقد في العاصمة النيجيرية نيامي، وخلال هذه المباحثات نوه المسؤولان بجودة العلاقات التي تجمع المغرب بموريتانيا.

هذه هي المرة الأولى التي يشارك فيها رئيس جبهة "البوليساريو" في نشاط رسمي موريتاني، بعدما سبق له أن شارك في قمة الاتحاد الإفريقي، التي نظمت العام الماضي بموريتانيا، باعتبار أن بلاده عضو في الاتحاد.

تاريخ من النزاع

ترجع جذور ملف الصراع في "الصحراء الغربية" إلى خمسينات القرن الماضي، أي قبل استقلال موريتانيا عام 1960، عندما بدأت تظهر في المغرب أطروحة الحق التاريخي التي عبَّر عنها العاهل الراحل محمد الخامس في خطاب له  في 25 فبراير/شباط 1958.

الخامس قال وقتها "يسعدنا أن يستقبلنا في قرية المحاميد التي هي باب الصحراء، أبناؤنا الذين استقبلوا جدنا في قرية أخرى من الركيبات وتكنة وأولاد الدليم، وسواها من القبائل الشنقيطية، وأن نستمع إليهم.. سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا، وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان".

في 16 تشرين الأول/أكتوبر 1975 منحت محكمة العدل الدولية في لاهاي سكان الصحراء الغربية حق تقرير مصيرهم، على الرغم من أنها أقرت بوجود روابط بين المنطقة أثناء خضوعها للاستعمار والمغرب وموريتانيا، لكنها اعتبرتها روابط غير وثيقة.

وفي 6 تشرين الثاني/نوفمبر من نفس العام، لبى 350 ألف مغربي نداء الملك الراحل الحسن الثاني للتوجه في "مسيرة خضراء" نحو الصحراء، لتأكيد "انتمائها" للمملكة، ليتم في 14 من نفس الشهر الاتفاق في مدريد على إنهاء استعمار إسبانيا للصحراء، على أن يسترجع المغرب شمال ووسط المنطقة بينما يعود جنوبها لموريتانيا.

وأدت انتصارات البوليساريو في السبعينيات إلى إضعاف موريتانيا، وقام جيشها بانقلاب عسكري على ولد داداه تذمرا من الصراع الصحراوي، وآل الأمر بالعسكر إلى توقيع اتفاق في الجزائر مع البوليساريو في 5 أغسطس/ آب 1979 تخلت بموجبه موريتانيا عن وادي الذهب الإقليم الصحراوي الذي كان تحت حوزتها.

الانقلاب العسكري في موريتانيا الذي وقع صباح 10 يوليو/تموز 1978 وضع حدًّا للتفاهم الذي كان بين المملكة والجمهورية، والذي كان يقضي باقتسام إقليم الصحراء الغربية مخلِّفًا وراءه نزاعا حدوديا وشريطا فاصلا بين قوات البوليساريو والقوات المغربية تحت رقابة قوات الأمم المتحدة، ليصبح الوضع مثار مؤتمرات وبعثات دولية وأممية.

من هنا يصبح الموقف الموريتاني مهمًّا بالنسبة للمغرب، إذ أن انحياز موريتانيا للجانب الآخر يعني إضعاف موقف المغرب دوليًّا وتشكيل حاضنة سياسية واجتماعية أخرى أكثر فعالية لغريم المغرب البوليساريو، وتطويق المغرب بالعداوات السياسية.

رسائل من الجانبين

مباشرة بعد الإعلان على فوز الرئيس الموريتاني الجديد محمد ولد الغزواني، سارعت جبهة البوليساريو بتهنئته بالفوز، والإعلان عن استعدادها للعمل معه من أجل توطيد علاقات التعاون والتشاور والتنسيق.

جاء ذلك في برقية تهنئة بعث بها الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، للرئيس الموريتاني المنتخب، أبدى فيها رغبة  جبهة البوليساريو "تعزيز أواصر الأخوة والصداقة والجوار والمصير المشترك التي تربط بين موريتانيا والصحراء الغربية".

وخاطب غالي ولد الغزواني قائلا: "إننا لعلى يقين بأن ما تتمتعون به من مؤهلات وقدرات وتجربة ثرية ومكانة متميزة في تاريخ موريتانيا المعاصر ستتمكنون، بإذن الله، من شق طريقكم بكل نجاح في تحقيق برامجكم وخططكم، النابعة من خيارات وآمال وطموحات الشعب الموريتاني الشقيق الذي اختاركم لهذه المهمة السامية".

وأضاف: "باسم شعب وحكومة الجمهورية الصحراوية، وإذ أجدد لكم صادق التهنئة، أؤكد لكم إصرارنا وإرادتنا الصادقة في تعزيز أواصر الأخوة والصداقة والجوار والمصير المشترك التي تربط بين شعبينا وبلدينا في الجمهورية الإسلامية الموريتانية والجمهورية الصحراوية".

وتابع: "كلنا استعداد للعمل معكم في قادم الأيام من أجل توطيد علاقات التعاون والتشاور والتنسيق لما يخدم صالح بلدينا وشعبينا وشعوب وبلدان المنطقة والعالم في السلم والأمن والاستقرار والازدهار".

صفحة جديدة

في المقابل يسعى المغرب لفتح صفحة جديدة مع موريتانيا، حيث أعلن الملك محمد السادس، مساء الإثنين، استعداده العمل من أجل تعزيز وتطوير التعاون مع موريتانيا عقب انتخاب محمد ولد الغزواني رئيسا لموريتانيا.

وقال العاهل المغربي في برقية تهنئة نشرتها وكالة المغرب العربي للأنباء: "وإنها لمناسبة سانحة، لأؤكد لفخامتكم حرصي الشديد على العمل سويًا معكم من أجل إعطاء دفعة قوية لعلاقات التعاون المثمر القائم بين بلدينا، وتعزيز سبل الاستغلال الأمثل للفرص والمؤهلات المتاحة لهما، تجسيدًا لما يشد شعبينا الجارين من وشائج الأخوة والتضامن والتقدير المتبادل، وتحقيقاً لما ينشدانه من تقارب وتكامل واندماج جدير برفع مختلف التحديات التي تواجههما".

وجاء في البرقية أيضًا: "وإننا لنبارك لكم الثقة الغالية التي حظيتم بها من لدن الشعب الموريتاني الشقيق، تقديرًا منه لما توسمه فيكم من غيرة صادقة على خدمة مصالحه، وإرادة قوية للمضي به قدمًا على درب تحقيق التنمية الشاملة، في ظل الأمن والطمأنينة والعدالة الاجتماعية".

وتعترف موريتانيا رسميًا منذ عام 1984، بما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، وهو الاعتراف الذي جاء بعد 5 سنوات من توقيعها اتفاق سلام مع جبهة البوليساريو ينهي حالة القتال بينهما، وتنسحب بموجبه موريتانيا من جزء كانت تسيطر عليه في الصحراء الغربية.

غير أن هذا الاعتراف الرسمي لم يتطور إلى سفارة أو تمثيل دبلوماسي للبوليساريو في موريتانيا، حيث شهدت علاقات الطرفين الكثير من المد والجزر وصلت حد انقطاعها في فترات معينة، حسب الظروف الدولية وتغير أنظمة الحكم في موريتانيا، وكذا حسب مؤشر العلاقات مع الجزائر أو المغرب.