"لم يحكم العثمانيون المغرب".. ما مدى صحة الرواية التاريخية؟

وصال طنطانا | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

يركز التاريخ الرسمي -الذي يُدرس في المناهج المدرسية وتتضمنه الوثائق الرسمية- على ما يظهر قوة الدول والرواية التي تخدم مصلحتها، لكن هذه الرواية قد لا تكون دائما هي الحقيقة. 

"المغرب هو البلد الوحيد الذي بقي خارج الحكم العثماني"، ملأت هذه العبارة الدنيا وشغلت الناس، لا يزال المغاربة يرددونها حتى الآن، فما مدى صحتها؟ 

أثبتت وثائق عثمانية مختلفة وجود علاقات بين الدولة العثمانية والمغرب الأقصى، إذ أفادت رسالة مؤرخة في أغسطس/ آب 1567 من السلطان العثماني سليم الثاني إلى الأمير السعدي عبدالمؤمن عدم موافقة السلطان على تعيينه "حاكما على فاس"، (كما كانت الوثائق المغربية تسمي المغرب الأقصى) بدلا من أخيه الحاكم عبدالله الغالب، وذلك لأنه تم تعيينه من والده السلطان سليمان القانوني.

الرسالة كتبت بالعربية وختمت بما يوحي بعلاقة المغرب بالدولة العثمانية التي كانت موجودة آنذاك. وأوضح الباحث المغربي المعروف عبدالرحمن المودن، في ندوة سابقة تم التطرق فيها للموضوع، أن "المغرب لم يكن جزءاً من الفضاء العثماني، إلا أنه تأثر بالمجال العثماني المجاور له".

طلب الحماية

كانت أولى الاتصالات مع الدولة العثمانية في القرن السادس عشر، بعد دخول العثمانيين إلى تلمسان في 1517، حين قام سلطانها بالهروب إلى فاس في المغرب لطلب اللجوء.

وقد كان العثمانيون يقاتلون في شمال إفريقيا كأعداء لإسبانيا الكاثوليكية، في حين كانت سلالة السعديين قد أحرزت انتصارات هامة على البرتغاليين الذين اضطروا إلى الانسحاب من الجنوب المغربي، خاصة في أكادير سنة 1514، لتنجح سلالة السعديين فيما بعد بالإطاحة بسلالة الوطاسيين شمال المغرب، وإعادة توحيد المغرب تحت سلطة واحدة.

ورأى ​​أستاذ التاريخ الحديث والتاريخ العثماني، ومدير برنامج التاريخ في معهد الدوحة للدراسات العليا، عبدالرحيم بنحادة، في حديث لـ"الاستقلال"، أنه ينبغي أن نميز بين مسألتين اثنتين؛ المغرب كمجال مستقل سياسيا عن الدولة العثمانية، والمستوى الثاني هو أن المغرب كان يدخل في إطار مجال للحركية البشرية، سواء بين جنوب الضفة الغربية للمتوسط أو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط بين المشرق العربي والغرب الإسلامي، هذه الحركية ظلت مستمرة على مرّ التاريخ وهي التي جعلت التأثيرات الحضارية واردة، سواء الإفريقية أو الأوروبية وأيضا التركية العثمانية. 

وقد قامت الدولة العثمانية بالتدخل في نزاع مغربي داخلي حول السلطة لتؤيد عسكريا عبدالملك الأول السعدي في الحصول على عرش المغرب ضد ابن أخيه ومنافسه محمد المتوكل، فيما يعرف بـ"الاستيلاء على فاس" سنة 1576. هذا الأخير قام باللجوء إلى الإمبراطورية البرتغالية مما أدى إلى نزاع مسلح بينها وبين الدولة المغربية انتهت بانتصار القوات المغربية في معركة "وادي المخازن" سنة 1578 وقيام إسبانيا باحتلال البرتغال. قام السلطان العثماني مراد الثالث ببعث رسالة إلى السلطان المغربي أحمد المنصور سنة 1580 يدعوه فيها إلى الهجوم على الدولتين.

ومن جهتها، اعتبرت الدكتورة نفيسة الذهبي المتخصصة في التاريخ الحديث والباحثة في تاريخ التصوف وتحقيق التراث الإسلامي، خلال حضورها إلى ندوة عن العلاقات المغربية العثمانية، أن التدخل العثماني الذي حصل في المغرب لم يصل في رأيها إلى حد إلحاق المغرب بالدولة العثمانية، كما أن الحكّام السعديين الجدد للمغرب وصلوا إلى الحكم كمجاهدين ولذلك كان من الطبيعي أن يستنجدوا حين الحاجة بقوة إسلامية كبرى مثل الدولة العثمانية.

في مصاف الكبار

الصراع بين القوى الكبرى آنذاك الذي كان يدفع المغرب أحيانا إلى التقارب والتحالف مع الدولة العثمانية "من دون أن يصبح تابعا لها". وبالاستناد إلى ما لديه من وثائق وصل دكتور التاريخ، فاضل بيات، بحسب مصادر صحفية، إلى القول إنه ابتداء من حكم عبدالله الغالب كانت "الدولة العثمانية تتصرف وكأن المغرب تابع لها"، وبيّن أن الدولة العثمانية كانت تتعامل مع السعديين كما تتعامل مع الحفصيين في تونس والأشراف في مكة.

وقد كان للإسبان دور مهم في السيطرة على المغرب العربي عندما اتفقوا مع البرتغاليين لاقتسام المغرب العربي بعد سيطرتهم على مدينة عنابة (الجزائر) عام 1462م، حيث وقّع الطرفان اتفاقا عام 1479م أطلقت فيه يد إسبانيا في الجزائر مقابل إطلاق يد البرتغال في المغرب الأقصى.

أما مراكش الواقعة في الركن الغربي من المغرب، فقد ظلت بعيدة عن حكم العثمانيين المباشر، وذلك بسبب تنامي قوة الدولة السعدية الناشئة منذ منتصف القرن السادس عشر. النصر الكبير الذي حققه المغاربة على البرتغاليين في معركة "وادي المخازن" سنة 1578م، جعلهم محط تقدير السلطان العثماني ورغبته في إيقاف الحملات الموجهة ضد مراكش، إضافة إلى ظهور شخصية قوية حاكمة في المغرب، ذلك هو المنصور السعدي.

ما ينبغي أن نؤكده، يقول الدكتور بنحادة لـ"الاستقلال"، هو أن المغرب وبالرغم من استقلاله السياسي عن الدولة العثمانية، إلا أنه ظل يشرئب إلى استقطاب النماذج العثمانية على مستويات متعددة وعبر تاريخه، وزاد موضحا: "يكفي أن نشير إلى 3 محطات":

  • الأولى تتعلق بالإدارة السعدية، عندما عاد عبدالملك وأحمد المنصور من معركة "وادي المخازن"، عملا معا على استلهام نموذج التدبير الإداري في الدولة السعدية من العثمانيين، وبدا ذلك أيضا في بعض الأسماء والألقاب التي أضيفت إلى القاموس الإداري المغربي في هذه الفترة وهي ألقاب عثمانية بامتياز، ويكفي أن نشير إلى لقب "الباشا"، الذي دخل إلى الإدارة السعدية ولا زال موجودا إلى الآن. 
  • المحطة الثانية؛ في القرن السابع عشر عندما قام المولى إسماعيل باستلهام النموذج العسكري من خلال إحداث  "جيش العبيد البخاري" وهناك عبارة في كتاب للمفكر عبدالله العروي "تاريخ المغرب" تفصح عن ذلك، أن نموذج هذا الجيش هو عثماني بالأساس. وكانت هناك الاستفادة من مدربين أتراك في المجال العسكري. 
  • المحطة الثالثة؛ تتعلق بالتجارب الدستورية الإصلاحية بشكل عام بالمغرب في بدايات الإصلاح مع السلطان عبدالرحمن بن هشام ومحمد بن عبدالرحمن. وظهر استلهام التجارب العثمانية في الدساتير المغربية بعد ذلك، التي استُلهمت أساسا من التجربة الدستورية التركية. 

مغاربة عثمانيون

أفاد كتاب "الجزائريون في تطوان خلال القرن 19م"، لكاتبه الدكتور إدريس بوهليلة، بأن سكان مدينة تطوان (شمال المغرب) هم من أصل جزائري وعثماني خاصة، ومن أصل مشرقي بصفة عامة، معتبرا أن التشكيلة الاجتماعية للجزائريين الذين هاجروا إلى المدينة، لم تنل اهتمام الباحثين والمؤرخين المحليين المحدثين.

وأشار الدكتور إلى أن الهجرة الكبرى للجزائريين التي جرت في القرن 19م، خلال الاحتلال الفرنسي للجزائر -الذي كانت له عواقب سيئة إذ خلت مدن جزائرية بالكامل بعد دخول الفرنسيين إليها- أثرت في المجتمع التطواني في مختلف المجالات؛ الاقتصادية (التجارية والحرفية)، والاجتماعية (اللباس - الطبخ)، والثقافية (إدخال بعض المصطلحات العثمانية إلى اللغة العامية التطوانية). 

وكان من بين الجزائريين الذين اختاروا المغرب وجهة لهم، علماء وأدباء ومؤرخون أكفاء؛ بينهم: المؤرخ والأديب محمد المشرفي، وأبو حامد العربي المشرفي، ومحمد السليماني الأعرج، والفقيه والمؤرخ والمصلح محمد بن الحسن الحجوي. 

وأوضح الكاتب، أن هذه الجالية كانت مهمة في تطوان، وأن أصولها الاجتماعية المحترمة وطاقتها وإمكانياتها المهنية والحرفية، ساهمت بشكل فعال وإيجابي في المجتمع التطواني خلال القرن التاسع عشر. وبيّن أن ذلك يحيل على مفهوم الهجرة الإيجابية، وليس كما فهمه وروّج له كتاب "الاستعمار"، الذي اعتبر أن الجزائريين سهلوا احتلال الفرنسيين للمغرب. 

وأثبتت دراسة استعان بها الكاتب، أن العنصر الكرغلي تصدر ترتيب المهاجرين الجزائريين، وهم ليسوا عربا أقحاحا وإنما مخضرمون: أتراك جزائريون، بفعل الزمن، وطول مدة إقامتهم وتزاوجهم واندماجهم في الجزائر، حسبوا من أهل البلد، وإن احتفظوا بلقب: "الكرغليون". ولما عانوا القتل وسلب الأملاك والتضييق الديني خلال الاحتلال الفرنسي لمدينة الجزائر، هاجروا إلى جانب العناصر العربية وغيرها نحو مدينة تطوان المتوسطية، آملين أن يجدوا موطنا آمنا.