لماذا تستمر العبودية الوراثية في موريتانيا رغم الترسانة القانونية؟

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تصاعدت دعوات خارجية وداخلية أخيرا للسلطات الموريتانية من أجل القضاء التام على العبودية الوراثية في البلاد، بما تشكله من انتهاك صريح لحقوق الإنسان وقيم المواطنة، وتناف مع مبدأ المساواة بين المواطنين.

وفي هذا الصدد، قالت وكيلة وزارة الخارجية الأميركية للأمن المدني والديمقراطية وحقوق الإنسان، عزرا زيا، إنها ناقشت مع مفوض حقوق الإنسان في موريتانيا، الشيخ أحمدو ولد أحمد سالم، قضايا حقوقية تتعلق بالعبودية الوراثية في موريتانيا.

وأوضحت زيا، وفق ما نقل موقع "تقدمي" المحلي، 15 مارس/آذار 2023، أن قطاع الخارجية في حكومة الولايات المتحدة، "فخور بالشراكة القائمة بين واشنطن ونواكشوط، فيما يتعلق بجهود مكافحة العبودية الوراثية".

كما أكدت المسؤولة الأميركية أن قضايا حقوق الإنسان تشكل تحديا في البلاد، مثل الاتجار بالبشر، بما في ذلك العبودية الوراثية، وفق حوار لها مع موقع "الأخبار" المحلي، 17 مارس 2023.

وقالت المتحدثة ذاتها إن الحكومة الموريتانية أنشأت الهيئة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، ووسعت التنسيق بين الوكالات.

كما زادت من الملاحقة القضائية لحالات الاتجار بالبشر والعبودية، لكن لا بد من القيام بالمزيد، بحسب زيا.

وتابعت: "نأمل أن نرى استمرارا على هذا النحو الجيد مع تزايد عدد المحاكمات والمزيد من الدعم المقدم للضحايا. 

وبينما لا بد من عمل المزيد، نأمل أن نرى هذا الزخم الجيد مستمرا مع زيادة عدد المحاكمات وتقديم المزيد من الدعم للضحايا، وفق قولها.

وعقدت لقاءات بين نائبة رئيس البعثة الأميركية إنغا هيمينك ووفد أميركي من عدة وزارات ووكالات، مع وزير العدل الموريتاني محمد محمود بن بيه، لمناقشة قضايا العبودية الوراثية والاتجار بالبشر، وفق ما قالت السفارة الأميركية في العاصمة نواكشوط.

وذكرت السفارة في منشور بصفحتها على فيسبوك، 4 مارس 2023، أن الوفد ناقش جهود الحكومة المستمرة لمكافحة العبودية الوراثية والتحديات الحالية، وفرص المزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وموريتانيا.

سيف مسلط

أكد بوبكر فودى سنغاري، ناشط حقوقي في مجتمع السوننكي (مجموعة عرقية كبيرة تسكن غرب إفريقيا)، أن ظاهرة العبودية متجذرة في بنية المجتمع الموريتاني.

وقال سنغاري لـ "الاستقلال"، إن هذه الظاهرة لها ارتباط وثيق بالتركيبة العرقية للبلاد في جميع المجتمعات الموريتانية (بيظان أي العرب، السوننكي، والفلان) وغيرها.

وأوضح المتحدث ذاته، أنه رغم رفض الحكومة الاعتراف بوجود الرق بشكل مباشر، لكنها تقر بأن "ممارسات" مرتبطة بهم ما تزال معاشة في البلاد".

وأضاف سنغاري، "الحقيقة أنه توجد حالات من العبودية تمارس في موريتانيا حتى الآن، تتركز أساسا في المناطق القروية، خاصة مجتمع السوننكي".

وكانت منظمة العفو الدولية، قد أصدرت تقريرا سنة 2018 بعنوان "السيف مسلط على رقابنا؛ قمع الناشطين المجاهرين بانتقاد ممارسات التمييز والرق في موريتانيا"، والذي تحدث بتفصيل عن ظاهرة العبودية في البلاد.

وذكرت منظمة العفو الدولية أن الرق والتمييز العنصري ظلا منتشرين في موريتانيا، على الرغم من الإلغاء الرسمي للرق عام 1981، وتجريمه في 2007، واعتباره جريمة ضد الإنسانية عام 2012.

وأوضح التقرير، أنه في غياب البيانات الرسمية، قدرت المجموعات الدولية المناهضة للرق أن عدد الأشخاص الذين يعيشون تحت رقبته 43 ألفا في عام 2016، ويشكلون حوالي 1 بالمئة من مجموع السكان.

وقالت إن ما لا يقل عن 20 مجموعة من منظمات حقوق الإنسان، من بينها جمعيات مسجلة ونقابات، أخبرت منظمة العفو الدولية بأنها نظمت تجمعات سلمية جرى منعها وتفريقها بالقوة منذ 2014.

ووثقت المنظمة أكثر من 168 حالة اعتقال للمدافعين عن حقوق الإنسان اعتقالا تعسفيا.

يشمل ذلك 17 حالة على الأقل تعرض أصحابها للتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين السلميين، وحظر منظمات المجتمع المدني.

تفاعل رسمي

وتحاول السلطات الحكومية الموريتانية التخفيف من حجم ظاهرة العبودية بالبلاد، ومن ذلك ما صرح به رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، خلال لقائه بوفد أميركي في موريتانيا، 13 مارس 2023.

فوفق ما ذكر المجلس في منشور بصفحته على فيسبوك، دعا رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، أحمد سالم ولد بوحبيني، الوفد الأميركي إلى أن يعاينوا بأنفسهم الوضع الحقوقي وهم على أرض موريتانيا.

وخلال العرض الذي قدمه في ملتقى نظمته الأكاديمية الدبلوماسية الموريتانية بعنوان: "دروس حول الساحل"، بالشراكة مع جامعة ييل جاكسون الأميركية وبحضور وفد واشنطن، أبدى بوحبيني أسفَه لكون بعض المهتمين بمجال حقوق الإنسان في الخارج يظن أن البلد ما يزال فيه عبيد.

وخلال الندوة وزع رئيس اللجنة نسخا من كتابه، "الرق في موريتانيا.. الشجرة التي تخفي غابة الرهانات الحقوقية"، على أعضاء الوفد الأميركي. وتحدث عن جهود اللجنة في ميدان محاربة العبودية، ومقاربتها في المجال.

وتطرق ولد بوحبيني لدور الحملات المشتركة مع مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان للبحث والتحقيق في حالات العبودية، كلما ذكرت حالة بأي منطقة من البلد.

وفي الجانب المتعلق بمحاربة آثار الرق، تحدث المسؤول الموريتاني عن الاتفاق المبرم مع المندوبية العامة للتضامن الوطني ومكافحة الإقصاء "تآزر"، والذي ينص على التكفل بالضحايا المتضررين من آثار العبودية. 

وأكد المتحدث ذاته خلال عرضه أن هذا التحسن لا يعني عدم وجود عبودية، أو حالات من انتهاك حقوق الإنسان أو غياب المساواة.

وختم رئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان عرضه بالقول إنه لم يعد من المرغوب إلصاق صفات بالبلد غير موجودة، وإن موريتانيا تعترف بما هو موجود، وتطلب العون للتغلب عليه.

غير أن الناشط الحقوقي في مجتمع السوننكي، بوبكر فودى سنغاري، يرى أن الحكومة غير جادة في محاربة العبودية، رغم أن القانون الموريتاني يجرمها.

وذكر سنغاري لـ "الاستقلال"، أن القانون المجرِّم للعبودية، والذي يتكون من 26 مادة، تنص مادته الثانية على أن الاستعباد يشكل جريمة ضد الإنسانية غير قابلة للتقادم.

وعبر المتحدث ذاته عن أسفه لكون القانون لا يطبق بشكل تام، نظرا لأن استقلالية القضاء واحدة من بين العقبات والتحديات الكثيرة التي تواجه تطبيقه، حيث من الصعوبة بمكان، محاكمة شخصيات نافذة متورطة في ملفات عبودية في البلد.

الداء والدواء

داء العبودية خطير وكبير، ومواجهته لا تكتفي بالنص القانوني، بل تحتاج إلى تغيير العقليات وتوعية المجتمع وإصلاح الأفكار.

وفي هذا الصدد، تعمل جمعيات المجتمع المدني على تنظيم ورشات ودورات تكوينية بخطورة العبودية، ومن ذلك ما نظمته جمعية غانباناخوا فيدي في موريتانيا، من فعاليات مختصة بهذا الإطار، 3-6 مارس 2023.

ونشرت الجمعية بصفحتها على فيسبوك، أخبار أنشطتها وورشاتها التدريبية، عن المناصرة ضد العبودية الوراثية، والتي تستهدف تعزيز قدرات الشباب وتدريبهم على فكرة المناصرة.

وأكدت سعيها لتحقيق عنصر التوعية، من أجل نشر الرسالة التي تعزز إنهاء ممارسات العبودية الوراثية، واحترام حقوق الإنسان على النحو الأمثل.

وأشارت إلى أن هذه الورشات نُظمت بالتعاون والمشاركة مع برنامج إيميفو حول الرق والهجرة القسرية، ورابطة المالية لمكافحة العبودية الوراثية.

في الأثناء، انتشر في موريتانيا مقطع فيديو لرجل يقول فيه بأنه "عبد" لدى نائب برلماني، لتتصاعد مطالبات بفتح تحقيق فوري بخصوصه، وتفعيل القانون المجرِّم للممارسات الاستعبادية.

من جانبه، يرى الناشط الحقوقي بوبكر فودى سنغاري، أن الإشكال في معالجة ظاهرة العبودية لا يكمن في الجانب التشريعي.

إذ صدرت تباعا من قبل الدولة مختلف القوانين والمراسيم التشريعية بشأن العبودية إلغاءً وتجريما بل وتحديد عقوبات وغرامات، لكن دون أثر حقيقي.

وفي تقييمه للجانب الاجتماعي ودور المجتمع في محاربة الظاهرة، قال سنغاري، بأن المجتمع الموريتاني في أكثريته صار ينزعج ويبغض هذه المسألة.

وأردف: "كما صار يعبر عن رفضها هي وكل الممارسات والتصرفات الاستعبادية، ولذلك جرى إنشاء جمعيات ومنظمات بمختلف أنواعها غرضها وقصدها محاربة العبودية جملة وتفصيلا".

وانتقد سنغاري الأداء الإعلامي الرسمي أو الحكومي في تعامله مع مسألة العبودية.

وبين أن تناول الظاهرة من الإعلام الأجنبي أو الخارجي هي أكثر وأحسن بكثير مما تقدمه مؤسسات الإعلام الرسمي في البلاد، مما يدل على عدم الجدية في التعامل مع المسألة، بحسب المتحدث ذاته.

وشدد الناشط الحقوقي أن الإشكال الحقيقي الذي له كلمة الفصل في مجابهة العبودية الوراثية في موريتانيا، يكمن في غياب الإرادة السياسية.

وأكد سنغاري أن تحقيق الإرادة السياسية سيغير الكثير، ذلك أنه سيجعل القوانين والتشريعات المتعلقة بالعبودية تُطبق على أرض الواقع، وسيجعل القضاء أكثر التزاما وجدية في المسألة.

كما أنه سيجعل الإعلام يتناول القضية بكل فعالية، وسيعطي دفعة قوية للمجتمع المدني في هذا المستوى، وصولا إلى محاربة العبودية والقضاء عليها تماما، وفق تقديره.