مدعوم خليجيا.. صحيفة ألمانية تستغرب لا مبالاة الغرب إزاء ديكتاتورية قيس سعيد

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في عام 2011، كانت تونس الدولة الأولى التي أطلقت شراراة ثورات الربيع العربي. ومنذ ذلك الوقت، بدت تونس وكأنها تسير على الطريق الصحيح وتتحول إلى أول ديمقراطية حقيقية في العالم العربي.

لكن في الفترة الأخيرة، غيرت البلاد مسارها إلى طريق أكثر استبدادية. فما حدث في صيف 2021 كان انقلاب بشكل واضح من قبل الرئيس قيس سعيد، كما وصفته صحيفة "مينا واتش" الألمانية.

ومنذ ذلك الحين، تبنى سعيد نهجا مستبدا للغاية، بعد أن أحكم قبضته على السلطتين التنفيذية والتشريعية، وها هو الآن في طور وضع القضاء تحت سيطرته، كما يعمل على أسكات الصحافة ووسائل الإعلام.

سلطوية مستفحلة

وخلال الأسابيع الأخيرة، أُلقي القبض على الكثير من الأفراد غير المرحب بهم بالنسبة لحكومة قيس سعيد.

وقد يكون أبرز هؤلاء الأفراد هو رئيس راديو موزاييك ذي الشعبية المحلية الكبيرة في منتصف فبراير/ شباط 2023. 

ومن خلال مظاهرة احتجاجية على اعتقاله، وجه صحفيون آخرون اتهاما للحكومة بالرغبة في إسكات وسائل الإعلام وترويضها لصالحها.

من جانب آخر، تلفت الصحيفة الألمانية إلى الدعم الذي تلقاه المعارضون من قبل الاتحاد العام التونسي للشغل، مشيرة إلى الدور الرئيس  الذي لعبه الاتحاد في الإطاحة بنظام زين العابدين بن علي عام 2011. 

وتابعت: "على عكس العديد من البلدان العربية الأخرى، تمكنت النقابة العمالية المستقلة -رغم الديكتاتورية- من البقاء الفاعل في تونس إلى حد كبير، مما يجعلها تلعب دورا مهما في النزاعات الاجتماعية والسياسية".

وأكدت أنه "رغم الاحتجاجات والمعارضات، يستمر سعيد في متابعة مساره لإعادة البلاد إلى حكم استبدادي". 

وحول داعمي سعيد، قالت الصحيفة: "مثل نظيره في القاهرة، يتم دعم سعيد بشكل أساسي من قبل السعودية والإمارات".

ولفتت إلى أن "كلتا الدولتين تتخذان مسارات مضادة لإنجازات الربيع العربي في كل مكان".

وحسب مصادر دبلوماسية، تعهدت الدولتان بتوفير مليار و500 مليون دولار كتمويل ثنائي، في سياق توفير العملة الصعبة الضرورية التي تحتاجها الدولة.

وعلقت الصحيفة: "لم تكن تلك هي المرة الأولى التي تلقت فيها إدارة سعيد دعما من دول الخليج".

وأوضحت: "ففي عام 2021، أبدت السعودية دعمها لإجراءات تجميد البرلمان وإقالة الحكومة وفرض إجراءات استثنائية في البلاد".

لامبالة دولية

وفي سياق آخر، تقوم حكومة سعيد حاليا بحملة عنيفة ضد اللاجئين من جنوب الصحراء الكبرى، حيث تحملهم مسؤولية الوضع السيئ الذي آلت إليه البلاد في الفترة الأخيرة.

بالإضافة إلى قيامها بعمليات اعتقالات جماعية للمهاجرين و تهديدهم بالترحيل.

وفي هذه الأثناء، يتهم المعارضون سعيد بنشر الكراهية التي قد تتحول قريبا إلى مسرح عنف لا يمكن السيطرة عليه.

وبينما تلقى سعيد إشادة من داخل الجبهة الوطنية الفرنسية لتصريحاته العنصرية، اتهمه المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رمضان بن عمر، بخلق أعداء وهميين للتغلب على المشاكل.

ورغم كل ذلك، ترى "مينا واتش" أن سعيد لا يزال يتمتع بشعبية كبيرة بين فئة معينة من الشعب، وقد عزت ذلك إلى أن سعيد "يبدو شعبويا ويلعب دور الرجل القوي".

هذا بالإضافة إلى تشتت المعارضة وانقسامها المزمن، مما يجعلها لا تمثل تهديدا خطيرا على الرئيس في الوقت الراهن، حسب الصحيفة.

ووسط كل هذه الأحداث التي تمر بها تونس، تقف أوروبا والولايات المتحدة بعيدا عن المشهد السياسي في البلاد.

وقالت الصحيفة الألمانية إنهما "غير مهتمتين باحتضار الديمقراطية في تونس".

وفي هذا الصدد، قال إيشان ثارور، وهو كاتب متخصص في العلاقات الخارجية في واشنطن بوست: "يبدو أن الديمقراطية الوليدة في تونس على حافة الهاوية، حيث تدخل البلد فترة مظلمة من الحكم الاستبدادي".

وتابع: "وبعيدا عن أن تكون البلاد مثالا ناجحا فريدا للربيع العربي، أصبحت  مثالا آخر للخطر في منطقة البدايات الزائفة والآمال المحطمة". 

وأكد أن كل ذلك يحدث في ظل ما أسماه "تغافل الإدارة الأميركية وشركائها الغربيين لسياسات سعيد".

فترة مظلمة

وأضاف ثارور أنه يلاحظ "وجود تفكيك منهجي للمعارضة"، واستدل على ذلك بتصريح قام به سعيد بن عربية من اللجنة الحقوقية الدولية لصحيفة "المونيتور".

حيث قال: "يعتقل المعارضون بشكل غير قانوني دون إبلاغهم بأسباب اعتقالهم أو بالتهم الموجهة إليهم. وبدون استجابة داخلية وخارجية قوية، من غير المرجح أن تغير الحكومة مسارها".

وتابع ثارور: "مع ذلك، لم يكن هناك رد فعل قوي من المجتمع الدولي الخارجي. وأثناء قيام إدارة بايدن بحملة فعالة من أجل الحرية والديمقراطية في أوكرانيا، أصدرت فقط بيانات دورية تعبر عن مخاوفها بشأن الأحداث في تونس".

وأكد ثارور أن الولايات المتحدة لم تفعل شيئا يُذكر لحشد استجابة دولية للدفاع عن الديمقراطية المتعثرة في تونس.

بل إنها أشادت بالتصويت الذي سُخر منه كثيرا لانتخاب البرلمان في الأسابيع الأخيرة، باعتباره "خطوة أولى أساسية" في استعادة الديمقراطية.

ولم يكن رد فعل الاتحاد الأوروبي أكثر حدة هو الآخر، وفقا لإيشان ثارور.

وتعتقد الصحيفة الألمانية أن "أوروبا لن تنظر لهذه الأحداث على أنها مشكلة، إلا في حالة نزوح أعداد كبيرة من القوارب التي تحمل لاجئين تونسيين على سواحل إيطاليا".

كما يرى ثارور أن التاريخ يعيد نفسه، وأن سعيد يعود بالبلاد إلى حيث بدأت.

وفي هذا السياق، كتب المعلق السياسي في تونس أمين السنوسي: "في عام 1987، نظم زين العابدين بن علي انقلابا ليصبح رئيسا لتونس. وفي ذلك الوقت، تعهد بإحلال الديمقراطية في البلاد قبل أن يطلق حملة اضطهاد واسعة النطاق ضد خصومه السياسيين بعد أشهر قليلة".

وأضاف: "وبعد ذلك بعامين، كان بن علي المرشح القانوني الوحيد للرئاسة، وبدأ حكمه لمدة 23 عاما من ديكتاتوريته الوحشية".