"دومينو التطبيع".. لماذا جلبت إسرائيل رئيس تشاد لفتح سفارة في تل أبيب؟ 

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في الثاني من فبراير/شباط 2023 افتتح رئيس تشاد محمد ديبي، ورئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، سفارة للدولة التشادية في مدينة رمات غان وسط تل أبيب.

وشكلت زيارة رئيس تشاد للأراضي المحتلة وافتتاح سفارة في إسرائيل فرصة لنتنياهو المأزوم داخليا والذي يبحث عن صورة "نصر".

فوجد نتنياهو ضالته في يافطة كُتب عليها "سفارة تشاد في إسرائيل". وجاءت هذه الخطوة "بعد اتصالات سرية استمرت سنوات"، بحسب ما قال رئيس وزراء الاحتلال.

حراك دبلوماسي

زيارة رئيس تشاد تل أبيب، وبعدها بـ 24 ساعة زيارة وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين، السودان للقاء القائد العسكري عبد الفتاح البرهان المأزوم بدوره، هي جزء من خطة إستراتيجية لنتنياهو للهروب من مأزقه الداخلي بتطبيع خارجي يُحسن صورة حكومته.

وانطلقت مظاهرات بالآلاف في تل أبيب خلال يناير/كانون الثاني 2023، ضد حكومة نتنياهو خاصة مع اعتزامها إدخال "إصلاحات" على منظومة القضاء، في وقت اتهمت المعارضة إياها بتنفيذ "انقلاب سلطوي" وتحويل القضاة إلى "سياسيين".

ونالت حكومة نتنياهو ثقة الكنيست (البرلمان) في 29 ديسمبر/كانون الأول 2022، وتوصف بأنها "الأكثر يمينية في تاريخ إسرائيل"، ولا سيما بشأن سياساتها المناهضة للشعب الفلسطيني.

وخطة نتنياهو تتلخص في السعي لتوسيع التطبيع مع الدول العربية والإفريقية والإسلامية، بغية الوصول للجائزة الكبرى وهي تطبيع السعودية معه، مع تجاهل الفلسطينيين وقضيتهم وطيها فلا تصبح قضية العرب الأولى.

نتنياهو أعلن في حوار مع شبكة سي إن إن الأميركية مطلع فبراير 2023 أن التطبيع سيستمر، وشدد على عبارة: لا "تعلقوا" السلام (مع العرب) على إجراء المفاوضات مع الفلسطينيين أولا".

ذكر أنه "عندما ينتهي الصراع العربي الإسرائيلي بشكل فعال، أعتقد أننا سنعود إلى الفلسطينيين ونحصل على سلام عملي معهم".

وأكد موقع "N12" العبري في الثاني من فبراير 2023، أنه بجانب هدف "بيع أسلحة إسرائيلية لتشاد"، كمبرر أول للتطبيع معها، هناك هدف مركزي آخر هو تشجيع دول إفريقية أُخرى كي تحذو حذوها. 

وقد ذكر مصدر سياسي إسرائيلي لصحيفة "هآرتس" أن إسرائيل تتوقع الدفع قدما الآن باتفاقات مع دول أخرى، بينها موريتانيا وإندونيسيا، وتوقع انضمام سبع أو ثماني دول عربية أو إسلامية جديدة إلى اتفاقات أبراهام.

ووقعت أربع دول عربية، هي الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، اتفاقيات لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بوساطة أميركية في 2020، وأطلق عليها اسم "اتفاقيات إبراهام".​​​​

وأوضح موقع "N12" أن هناك هدفا ثالثا "مهما جدا هو إحراز تقدم في التقرب من السعودية، انطلاقا من الإدراك أن دولا إسلامية كبيرة، مثل إندونيسيا وماليزيا، تنتظر إشارة من المملكة لإقامة علاقات مع إسرائيل، وتطبيع تشاد والخليج سيشجعهم على ذلك.

وفي رأي مصادر أمنية إسرائيلية، فإن تحقيق تقدم في اتجاه السعودية سيكون له تأثير "الدومينو" بالنسبة إلى العلاقات مع دول إفريقية أُخرى، وفق "N12".

وقبل عودته إلى منصب رئيس الوزراء، أجرت صحيفة Washington Examiner مقابلة مع نتنياهو في 16 ديسمبر 2022، حدد فيها هدفه، وهو اتفاق سلام مع السعودية. 

قال: "أعتقد أن اتفاقية سلام رسمية مع السعوديين ستوسع دائرة السلام إلى ما هو أبعد من أحلامنا الجامحة".

وأضاف أن "هذه الخطوة، أي السلام مع السعودية، ستكون قفزة غير عادية لأنها ستنهي فعلا، ليس الصراع الإسرائيلي مع الفلسطينيين بل مع العرب عموما".

ونوه إلى أن "هذا سيؤدي لتحقيق السلام مع دول أخرى إذا فعلنا ذلك"، في إشارة إلى التطبيع مع بلدان إسلامية وإفريقية.

ورغم زخم التطبيع، أظهر تحليل لاستطلاعات الرأي العام التي أجريت أخيرا في الدول العربية رفضا واسعا للاعتراف بإسرائيل أو إقامة أي علاقات معها.

وأجمع المستطلعة آراؤهم، وفق التحليل الذي نشره معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي 31 يناير 2023 على رفض مسألة الاعتراف بإسرائيل، بنسبة حوالي 80 بالمائة لأسباب مختلفة، أهمها القضية الفلسطينية وسياسات الاحتلال.

ورفض 70 بالمئة من المستطلعة آراؤهم في منطقة الخليج الاعتراف بإسرائيل، وشكلت القضية الفلسطينية حجر العثرة الرئيسة أمام التطبيع نفسه بين مختلف المناطق في الشرق الأوسط.

ولاحظ ناشطون أن المشترك الوحيد بين الأنظمة المطبعة أخيرا مثل تشاد والسودان هو الحكم العسكري الذي يحتل الشعوب ولا يعبر عنها وينفذ ما هو لصالح بقائه في الحكم.

تشاد والموساد

أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين تشاد وإسرائيل في ستينيات القرن الماضي، قبل أن تقرر العاصمة أنجمينا قطعها عام 1972، بعد ضغط محلي وعربي، بسبب الصراع العربي الإسرائيلي، لكنها أعيدت في 2019 حينما زارها نتنياهو وكان وقتها رئيسا للوزراء.

في ذلك العام أعلن نتنياهو والرئيس التشادي الراحل إدريس ديبي، استئناف العلاقات في حفل بالعاصمة أنجمينا، بعد قطيعة دامت أكثر من 47 عاما.

 لكن "إدريس" قتل في معارك مع المعارضة وتولى ابنه "محمد" زمام الحكم من بعده ومواصلة عملية التطبيع.

تنظيم جهاز المخابرات التابع لأي دولة، زيارة رئيس دولة أخرى ليس أمرا معتادا، لكن في حالة تشاد جرى الإعلان رسميا أن المخابرات الإسرائيلية "الموساد" هي من نظمت زيارة ديبي إلى إسرائيل وحافظت على سرية الزيارة إلى حين وصوله.

موقع "واللا" الإلكتروني نقل مطلع فبراير 2023 عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن "الموساد تولى مسؤولية إدارة العلاقات الحساسة مع تشاد ومع الرئيس الجديد من أجل منع انهيار العلاقات الجديدة".

أيضا كان لافتا أن رئيس الموساد، ديفيد برنيع هو من استقبل رئيس تشاد محمد ديبي في المطار بتل أبيب.

وهو ما يعطي تصورا عن طبيعة العلاقة بين الطرفين، ودور محمد ديبي وأهميته بالنسبة لإسرائيل وسر تركيزها على تشاد وإحضار رئيسها إليها.

وقال ديبي لدى لقائه الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ: "أود أن أثني على الموساد وأجهزة المخابرات التشادية لمساهمتهم الحاسمة، كمهندسين بنوا بأيديهم العلاقات بيننا".

وقال الموساد في تصريح مكتوب: "منذ قرار إعادة العلاقات عام 2019، لعبنا دورا مركزيا في صياغة الاتفاقية وتعزيز العلاقات بين البلدين".

وأضاف: "كان الموساد، بالشراكة الكاملة مع المستويات الدبلوماسية والأمنية، مسؤولا عن الارتباط السري مع كبار المسؤولين في الجمهورية التشادية بما في ذلك الزيارات المتبادلة من قبل الوفود إلى إسرائيل وتشاد".

وذلك "بناء على تعليمات القيادة السياسية وفي سياق الجهود المبذولة لدفع التطبيع مع دول المنطقة".

وبرر رئيس الموساد أهمية تشاد بقوله إنها "دولة إسلامية مهمة أخرى في إفريقيا تقيم معها دولة إسرائيل علاقات دبلوماسية، وتوسيع دائرة الشراكات الدبلوماسية هدف مهم في توسيع العمق الإستراتيجي لدينا".

وأردف "ينبع هذا النشاط من قبل الموساد من مسؤوليته عن تطوير وتعزيز الروابط السرية الخاصة، بما في ذلك الدول والكيانات التي لا تقيم علاقات رسمية مع إسرائيل".

وهو ما يشير لدور جديد للموساد الإسرائيلي يتمثل في ترتيب اللقاءات السرية التي تفضي في نهاية المطاف لتطبيع العلاقات مع دول عربية وإسلامية لتحقيق هدف إستراتيجي.

وقد ذكر موقع "N12" العبري أيضا أن الموساد لعب دورا مهما في عملية استئناف العلاقات مع تشاد، وأن الهدف الإسرائيلي من ترسيخ العلاقات هو السماح للشركات التكنولوجية الأمنية الإسرائيلية تصدير منتوجاتها الأمنية إلى الدولة الإفريقية.

هدف آخر ذكرته وكالة رويترز البريطانية مطلع فبراير 2023، هو حصار ما وصفه الإسرائيليون بـ "نفوذ خصومهم اللدودين إيران وحزب الله في منطقة الساحل بإفريقيا".

وترى إسرائيل في تطبيع العلاقات مع تشاد فرصة لتعزيز حضورها في الساحل الإفريقي ضمن سعيها لتقوية وجودها في البحر الأحمر.

كما تشير مصادر عبرية إلى أن سعي تشاد لتطوير علاقاتها مع إسرائيل يرجع لرغبتها في تقوية قواتها الجوية والبرية.

وتسعى أيضا للاستفادة من التعاون مع شركة "إلبيت سيستمز" الإسرائيلية لتصنيع الأسلحة في ظل تأخير دول مثل تركيا وبلجيكا احتياجاتها العسكرية.

وقد أشار موقع "أكسيوس" الأميركي مطلع فبراير 2023 أيضا لدور الموساد في تسريع التطبيع مع تشاد وإقناع رئيسها بزيارة إسرائيل وفتح سفارة تشادية.

أوضح أنه "خلف الكواليس جرى تنظيم زيارة ديبي لإسرائيل من قبل الموساد، الذي أخذ زمام المبادرة في التعامل مع العلاقة الدقيقة والحديثة لمنعها من الانهيار"، وفق ما قال مسؤولو الموساد للصحيفة.

وقبل إحضار الرئيس، جرى استدعاء شقيقه وساعده الأيمن، عبد الكريم إدريس ديبي لإسرائيل في زيارة سرية عام 2021، وفقا لثلاثة مسؤولين إسرائيليين.

وكانت هذه خطوة ضمن محاولات إقناع الرئيس التشادي الحالي بزيارة إسرائيل وتوثيق العلاقات.

وعن سبب سرية الزيارة ورعاية الموساد لها، نقل "أكسيوس" عن مسؤولين إسرائيليين أن السبب هو "مخاوف من أن دولا مثل الجزائر ستضغط على ديبي كي لا يذهب".

توسيع التطبيع

واتخذت القمة العربية في سرت عام 2010 قرارا بالتباحث مع الحكومة التشادية حول انضمامها إلى الجامعة، بمبادرة من الأمين العام الأسبق لها عمرو موسى بفتح باب انضمام الدول التي تنص دساتيرها على اعتماد العربية لغة رسمية.

وكان الهدف هو تشاد وجنوب السودان ودول إفريقية أخرى، لكن إسرائيل بادرت بقطف ثمرة العلاقات مع هذه الدول قبل الجامعة العربية التي تكاسلت وتصارعت دولها لاحقا.

ولم ينس محرر "أكسيوس"، وهو باراك رافيد مراسل موقع "واللا" الإسرائيلي، أن يؤكد أن هدف تل أبيب هو "أن يوجه زخم رسالة التطبيع مع تشاد إلى دول عربية وإسلامية أخرى في المنطقة مثل النيجر والسودان لإقامة علاقات مع إسرائيل".

وهو ما عبر عنه رئيس الموساد ديفيد برنيع عقب استقبال رئيس تشاد بقوله: "إن القادة الآخرين في الشرق الأوسط وإفريقيا سيستلهمون هذا الاتفاق المهم، وسيعملون على تعزيز علاقاتهم مع إسرائيل"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 3 فبراير 2023.

وقد تداول ناشطون على مواقع التواصل، مطلع فبراير 2023، فيديو يُظهر رئيس تشاد محمد ديبي وهو يدخل المسجد الأقصى المبارك بحراسة قوات الاحتلال، خلال زيارته لإسرائيل، رغم أن نفس القوات تقمع وتمنع دخول الفلسطينيين.

ولم تختلف أهداف زيارة وزير خارجية إسرائيل إيلي كوهين للسودان ولقائه القائد العسكري الحاكم عبدالفتاح البرهان، عن جلب تل أبيب رئيس تشاد لإسرائيل، وهو اختراق جدار المقاطعة وصولا لدول إفريقية وإسلامية ثم السعودية.

رغم أن "كوهين" تباهى بأنه عاد من الخرطوم بـ "ثلاثة نعم"، بعد أن كانت الخرطوم عاصمة "اللاءات الثلاث"، فقد كان من الواضح أن هدف الزيارة يصب في صالح خطة "دومينو التطبيع".

وفي أغسطس/آب 1967، استضافت الخرطوم، مؤتمر القمة العربية، عقب هزيمة العرب أمام إسرائيل، وهي القمة التي عرفت باسم "اللاءات الثلاث"، إذ خرج بيانها الختامي بـ"لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بها، ولا مفاوضات معها".

ورأى كوهين أن "توقيع اتفاقية مع السودان سيفتح الباب أمام إقامة علاقات مع الدول الأخرى في القارة الإفريقية وتعزيز العلاقات القائمة مع دول القارة".

وكوهين الذي زار الخرطوم بصفته وزير خارجية إسرائيل سبق أن زارها في 26 يناير 2021، بصفته وزيرا لشؤون الاستخبارات في حكومة نتنياهو آنذاك، لبدء ترتيبات التطبيع، وكان أول وزير إسرائيلي يزور السودان.

وهو ما يشير إلى دور متعاظم للموساد الإسرائيلي في التطبيع هذه المرة بالتعاون مع المخابرات الأميركية لتحقيق هدف أكبر هو التطبيع مع الأنظمة الموالية للغرب وإسرائيل على حساب رغبات الشعوب.

وأعلنت السلطات الإسرائيلية، أنها وضعت مع السودان "اللمسات الأخيرة" على نص اتفاقية التطبيع بين الجانبين، خلال زيارة إيلي كوهين، للخرطوم في الثاني من فبراير 2023.

وقالت إسرائيل إن هذه الزيارة التي جاءت "بمباركة الولايات المتحدة"، تأتي تمهيدا لتوقيع "اتفاق سلام مع السودان خلال العام 2023" بعد نقل السلطة إلى حكومة مدنية.

وكان لافتا قول إسرائيل إن جزءا من هدف الزيارة هو "إجراء مباحثات مع المسؤولين العسكريين السودانيين تناولت التنسيق الأمني وتبادل المعلومات بين البلدين".

وضم الوفد الزائر إلى العاصمة السودانية مدير عام وزارة الخارجية رونان ليفي، ونائب مدير إفريقيا في وزارة الخارجية شارون بار لي، ورئيس وكالة المعونة الوطنية الإسرائيلية بوزارة الخارجية اينات شالين والمستشارة القانونية لوزارة الخارجية كاتش ديو.

وأواخر 2020، أعلنت إسرائيل والسودان تطبيع العلاقات بينهما، بعد تعهّد الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، بشطب السودان من قائمة الدول ما تعدها واشنطن "راعية للإرهاب" وتقديم مساعدات للخرطوم. 

إلا أن السودان لم يوقع رسميا حتى الآن على الاتفاقية الثنائية مع إسرائيل كما لم تقدم لها واشنطن مساعدات جدية، واكتفت بالإعلان عن إزالة اسمها من القائمة المذكورة.