قروض وتبرعات.. ماذا يخفي "الكرم الجزائري" تجاه تونس المأزومة؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة فرنسية عن ما أسمته "السخاء الجزائري" تجاه الجارة تونس، التي تعاني أزمات سياسية واقتصادية لا حصر لها في عهد الرئيس قيس سعيد.

فقد قدمت الجزائر، في 22 ديسمبر/كانون الأول 2022، قرضا لتونس قيمته 200 مليون دولار أميركي، بفائدة مخفضة، مصحوبا بتبرع قيمته 100 مليون دولار.

وسبق ذلك قرض آخر بقيمة 300 مليون دولار، منحته الجزائر إلى جارتها الشرقية، في ديسمبر 2021.

وذكرت صحيفة "تي في 5 موند" الفرنسية، أنه منذ وصول قيس سعيد إلى منصب الرئاسة في تونس، كانت الجزائر سخية بشكل خاص تجاه جارتها. 

لكن تتساءل الصحيفة ما إن كان يخفي هذا الكرم الجزائري مقابلا سياسيا أكثر قيمة من ذلك بكثير.

وخلال لقاء شهري مع الصحافة الجزائرية، أكد الرئيس عبد المجيد تبون في 22 ديسمبر 2022، أن "بلاده لن تخذل تونس في خضم أزمتها الاقتصادية، أوعلى الأقل حتى تتلقى هذه الأخيرة القرض المنتظر بقيمة 2.2 مليار دولار من صندوق النقد الدولي".

واستذكرت الصحيفة الفرنسية "إصرار الجزائر على بيع الكهرباء والبنزين لتونس بأسعار تفضيلية، ناهيك عن دعمها لها بمادة السكر الإستراتيجية، في وقت أصبحت الكثير من المواد الخام مفقودة في السوق التونسية". 

كما سهلت السلطات الجزائرية -حسب الصحيفة- توافد السياح الجزائريين بأعداد كبيرة، في عام 2022، لمساعدة قطاع السياحة التونسي الذي يعاني من أزمة.

كارثة فعلية

وحول الوضع الاقتصادي، يرى أستاذ العلوم السياسية جميل سايح، أن تونس في كارثة فعلية، مؤكدا أنه "لم يعد لدى البلاد الوسائل لدفع ثمن وارداتها، لا سيما الضروريات الأساسية كالحليب والحبوب. كذلك انهارت صناعة السياحة مع جائحة كورونا".

وأردف: "الأزمة السياسية في تونس منذ انقلاب قيس سعيد تنفر المستثمرين الأجانب، فالبلاد لم تعد تجلب العملات الصعبة، والمنتجات الغذائية والأدوية غائبة".

ومنذ 25 يوليو/تموز 2021، تعيش تونس أزمة سياسية حادة، بعد أن قرر سعيد تجميد اختصاصات البرلمان، ورفع الحصانة عن النواب، وإقالة رئيس الحكومة، على أن يتولى هو السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، ثم أصدر أوامر بإقالة مسؤولين وتعيين آخرين.

ورفضت غالبية الأحزاب هذه التدابير، واعتبرها البعض "انقلابا على الدستور"، وتمهيدا لعودة الاستبداد وحكم الفرد، بعد ثورة شعبية أطاحت بنظام الرئيس الراحل، زين العابدين بن علي (1987-2011)

بينما أيدت أحزاب أخرى تلك التدابير، معتبرة أنها "تصحيح للمسار"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية (جائحة كورونا).

وبين سايح أن الدولة، في ظل هذه الأزمة الاقتصادية، لم تعد قادرة على دفع جزء من مستحقات الموظفين العموميين.

وأوضح أستاذ العلوم السياسة أنه "لا يوجد ما يكفي من احتياطيات النقد الأجنبي، ولا من الاحتياطيات الغذائية".

كما لفت إلى أن "خطابات الرئيس العمومية حول حملاته ضد التهريب تعد تهربا واضحا من صلب المشكلة".

ولم يكن المحلل جميل سايح يغرد وحده في السرب، إذ نقل التقرير أيضا التحذيرات الأخيرة لمحافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي، في 6 يناير/كانون الثاني 2023.

وحذر العباسي من أن الوضع سيكون "معقدًا" في ظل ضعف النمو وارتفاع التضخم، ومع عدم الوصول لاتفاق سريع مع صندوق النقد الدولي. 

وحسب التقرير، وصلت تونس -المثقلة بديون تمثل أكثر من 80 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي- إلى اتفاق مبدئي من صندوق النقد الدولي، منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022، للحصول على قرض جديد بأكثر من ملياري دولار، وهو ما ينبغي أن يفتح لها صلاحية تلقي مساعدات أخرى.

يأتي هذا في وقت تجاوز معدل تضخم المنتجات الغذائية 15 بالمئة في عام 2022. وبذلك، أشارت الصحيفة إلى أن تونس لجأت إلى صندوق النقد الدولي للمرة الخامسة خلال 10 سنوات.

ويستدرك سايح: "الأموال المخصصة لهذه الشريحة الجديدة من المساعدات طال انتظارها، فصندوق النقد الدولي يأخذ بعين الاعتبار معايير الحوكمة والاستقرار السياسي كشرط للحصول على قروضه".

لكن الصندوق يدرك جيدا -حسب سايح- أن هذه المعايير غير متوفرة بالشكل الكافي، فالرئيس قيس سعيد مستمر في تجاهل حكم القانون، منذ انقلابه في يوليو 2021، مضيفا أن هذا الوضع يخيف المستثمرين الأجانب.

وبالتالي، يرى الخبير السياسي أن تونس لم تعد قادرة على جلب تمويل لنفسها عبر الأسواق الدولية بدون قرض من صندوق النقد الدولي.

وهو ما اضطر الرئاسة التونسية إلى محاولة إيجاد بدائل للمؤسسات المالية الدولية، وتحولت أخيرا إلى دول الخليج، مثل السعودية والإمارات. ووفقا له، يأتي التدخل الجزائري في هذا السياق.  

تبعية سياسية

وحول المقابل الذي تريده الجزائر مقابل دعمها لتونس، أكد حسني عبيدي، الخبير السياسي الجزائري ومدير مركز الدراسات والبحوث حول العالم العربي والمتوسطي بجنيف، أن  الدولة المغاربية "تريد ضمان صوت تونس داخل المؤسسات الدولية، وكذلك تأييد مواقفها الدبلوماسية بشأن علاقاتها مع المغرب".

وفي ذات السياق، أوضح الخبير الجزائري أن "السلطات الجزائرية سرعان ما حاولت الاستفادة من الأزمة التونسية، فعلى مدار عام من القروض والتبرعات، موضعت نفسها كطرف لا غنى عنه بالنسبة لقيس سعيد".

إذ إن المنح والقروض المقدمة تسمح لسعيد بالتشبث لفترة أطول في كرسي السلطة، ودفع رواتب الموظفين العموميين، حسب الصحيفة.

ويرى جميل سايح أن "الموقف الحالي يعد شكلا من أشكال التبعية التونسية للجزائر، ودلل على ذلك بانضمام تونس أخيرا إلى المواقف الدبلوماسية الجزائرية كافة، سواء في ليبيا أو الصحراء الغربية".

وأضاف: "لم تعترف تونس من قبل أبدا بجبهة البوليساريو، سواء في عهد الحبيب بورقيبة (رئيس تونس من 1957 إلى 1987)، أو زين العابدين بن علي (رئيس تونس من 1987 إلى 2011)، أو خلال حكومات ما بعد الثورة عام 2011".

لكن الموقف الحالي هو أن الرئيس التونسي استقبل، عام 2022، زعيم جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، إبراهيم غالي، وهو ما أثار جدلا كبيرا.

 كما أشار المحلل السياسي إلى قمة "تيكاد" بين اليابان وإفريقيا، التي انعقدت في تونس العاصمة في 26 أغسطس/آب 2022.

حينها سعت الحكومة التونسية إلى فرض حضور البوليساريو خلال القمة، مما أثار حفيظة الرباط.

واستدعى المغرب سفيره من تونس، كما أدانت المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا هذا التواجد.

وحول دوافع دعم الجزائر للرئيس التونسي، يحاجج سايح بأن هذه الدولة لا تدعمه لأسباب مصلحية براغماتية فقط، لكن لأسباب أيديولوجية.

إذ يدعي أن "الجزائر لا تريد بقاء الديمقراطية في تونس، نظرا لوجود صراع داخلي جزائري بين القوة العسكرية والحراك الشعبي الداعم للديمقراطية".

في المقابل، كان رأي حسني عبيدي أقل تحاملا بشأن الدوافع الحقيقية للسلطة الجزائرية، فهو يعتقد أن السلطات الجزائرية قلقة من وجود تونس هشة وغير مستقرة سياسيا على حدودها.

وأكد عبيدي أن "الجزائر لا تريد سوى أن تكون جارتها تونس مستقرة سياسيا وفقط". 

من جهته، يرى جميل أن العلاقة التونسية الجزائرية "تشعر التونسيين أن بلادهم أصبحت ولاية جزائرية، فالبلد منذ استقلاله يعرف على الدوام كيف يتبنى سياسة خارجية مستقلة عن الجزائر".

كما يأسف "لاعتماد التونسيين على الجزائر، واعتيادهم عبور الحدود الجزائرية لشراء طعامهم من أرفف المتاجر الجزائرية المملوءة بالمنتجات محدودة الأسعار بسبب دعم الدولة الجزائرية".