"دبلوماسيا وأمنيا".. كيف تسهم شركات إماراتية بتعزيز نفوذ أبوظبي خارجيا؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بطرقها الملتوية، تسعى الإمارات إلى الظهور كلاعب قوي في العالم، ولجأت خلال الفترة الأخيرة لمواصلة غاياتها في بسط النفوذ إلى قطاع المطارات والموانئ.

وتعمل أبوظبي على تقوية استثمارات شركة الطيران "Terminals Holding" الوليدة والمتخصصة بأمن المطارات والموانئ؛ لتعزيز دبلوماسيتها الأمنية في عدد من الدول.

وتحمل المشاريع العملاقة والحساسة التي تديرها الشركة الإماراتية، التي تأسست عام 2022 برعاية من مستشار الأمن القومي، طحنون بن زايد آل نهيان، أبعادا إستراتيجية لأبوظبي تجعل من نفوذها نشطا حتى على المستوى المالي.

زحف بالشركات

وكشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في شؤون الاستخبارات، في تقرير نشرته بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني 2023، أن أبو ظبي تعمل على تطوير شركة "Terminals" للطيران، والتي تدير العديد من المطارات في الخارج.

وأوضحت المجلة أن "وزير دفاع إمارة أفغانستان الإسلامية محمد يعقوب التقى في 5 ديسمبر/كانون الأول 2022، بالرئيس الإماراتي محمد بن زايد، وتركز النقاش فيما بينهما حول ترميم المطارات في أفغانستان".

وبين سبتمبر/أيلول 2021 وسبتمبر/أيلول 2022، فازت شركة "GAAC" القابضة في أفغانستان بثلاثة عقود امتياز لمدة 10 سنوات، لإدارة مطارات كابول وقندهار ومزار شريف وهيرات.

ويقع مقر شركة "Terminals" في أبو ظبي، وتوضح عبر موقعها الإلكتروني أن "GAAC" هي مشروع مشترك بين شركة "Airport Infrastructure Services" -الوافد الجديد- وشركة "Group 42" للذكاء الاصطناعي المملوكة للإمارات.

وتسعى شركة "GAAC" لتتوافق أحوال مطارات أفغانستان مع معايير الأمن الدولية، لكن حضورها تستغله الشركة الأم "Terminals" لتعزيز سيطرتها على الأصول الإستراتيجية لحلفائها، وفق "إنتيليجنس أونلاين".

وتشكل أفغانستان الدولة التي تبحث الإمارات عن موقع نفوذ فيها منذ أن تسلمت حركة "طالبان" السلطة هناك في منتصف أغسطس/آب 2021، والتي ما تزال تتلمس منذ ذاك الوقت نوافذ تقربها من العالم الخارجي لتتمكن من نيل الاعتراف بشرعيتها ومن ثم تحريك الاقتصاد الوطني من جديد.

وأمام ذلك، وجدت "Terminals" الفرصة سانحة لتحقيق بعض من غايات أبوظبي في بسط النفوذ هناك، انطلاقا من سعي "طالبان" لتجديد البنية التحتية للمطارات في أفغانستان من أجل جذب شركات الطيران الدولية للعودة إلى هذا البلد في أقرب وقت ممكن.

وشددت "GAAC" من إجراءات الأمان المتعلقة بالأمتعة والأفراد في مطار كابول بعد مغادرة التكتل التركي - القطري الذي أنشئ على عجل بعد وصول "طالبان" للحكم.

وتخمن "إنتيليجنس أونلاين"، بأن "GAAC" قد تستخدم رادارات "تاليس" المحمولة جوا التي تسلمتها الحكومة الأفغانية السابقة في يوليو/تموز 2021، أي قبل شهر واحد فقط من سقوط النظام السابق، في إطار عقد وقعته مجموعة الدفاع الفرنسية وسلطات كابول عام 2019.

آنذاك كشفت مجلة "Street Press" الفرنسية أن قيمة العقد تبلغ 110 ملايين يورو، وينص على تسليم 12 رادارا من طراز RSM970S وSTAR NG لتأمين المجال الجوي لأفغانستان.

ولأجل هذا، قدمت أبو ظبي خططها الخاصة بالمشروع في سبتمبر/أيلول 2021 مقسمة إلى عدة مراحل، من الأمن وإمدادات وقود الطائرات إلى بناء بنى تحتية جديدة- لتنفذها شركة "GAAC Holding Afghanistan" التي أنشئت خصيصا لهذه المهمة.

استثمار مدروس

وتمكن "GAAC" الشركة الإمارات من مراقبة الأحداث الإستراتيجية في أفغانستان، بحسب "إنتيليجنس أونلاين"، ووصفت نفسها سابقا بأنها شركة تابعة لشركة "أفروبورت أبوظبي" الإماراتية التي تدير مطار نواكشوط في موريتانيا منذ عام 2018.

وتملك الدولة الموريتانية نسبة 5 بالمئة من أسهم "أفروبورت أبوظبي"، حيث أكد وزير الاقتصاد والمالية الموريتاني المختار ولد أجاي في 5 ديسمبر 2018 أن نواكشوط ستحصل على نفس النسبة من أرباح "أفروبورت أبوظبي"، فيما ذكرت صحيفة "الأخبار" الموريتانية وقتها أن مدة العقد 25 عاما.

وآنذاك ألمح ولد أجاي أن الشركة المستثمرة ستطور خدمات المطار، وستقوم ببناء فندقين أحدهما 5 نجوم والثاني 4 نجوم، ومركب لصيانة وإصلاح الطائرات، وسيضم المطار أسواقا عالمية وتوسعة لصالات رجال الأعمال.

وتعد شركة "آفرو بورت" كذلك فرعا لشركة "Terminals" التي كان رئيسها التنفيذي دريتان غونبالاج مستشارا سياسيا لدى وزير دفاع كوسوفو بين عامي 2019- 2020.

يوفر الاستثمار في قطاع الطيران لحكومة أبوظبي "فرصة فريدة" لتعزيز القوة الناعمة على المسرح العالمي، خاصة أنها نجحت في الترويج للإمارات في المنطقة بأكملها وخارجها.

وهذا ما ينطبق على شركة "Terminals" التي ما يزال هيكل المساهمة فيها سريا، لكن تأثير مجموعة G42 التي يديرها طحنون بن زايد واضح عليها.

كما أن المستشار البريطاني ماتجي رينكن يرأس فرع الطيران في G42 Smart Nations، وهو برنامج اختبِر لتأمين معرض "إكسبو 2020 دبي" باستخدام الذكاء الاصطناعي.

ورينكن هو خبير في إعداد تقنية الذكاء الاصطناعي في مجال الأمن، وقد عمل أيضا في شركة تكامل الذكاء الاصطناعي Next50- وهي مشروع مشترك بين G42 وشركة "القابضة ADQ" التي يديرها أيضا طحنون بن زايد. كما شارك رينكن في إنشاء GAAC ولا يزال ضمن مجلس إدارتها.

يد طحنون

وتعد شركتا "القابضة ADQ" و"G42" الأداتين اللتين يستخدمهما طحنون بن زايد للاستحواذ على قطاع الطيران في أبو ظبي، مع تعزيز سيطرته على الإستراتيجية المالية للإمارة، وفق "إنتيليجنس أونلاين".

ومجموعة "G42" تأسست عام 2018 في أبو ظبي، وهي تستثمر في الذكاء الاصطناعي، وتركز على المجال الأمني، وتهدف معظم تطبيقاتها إلى تمكين حكومة الإمارات من معالجة كمية كبيرة من البيانات وتعزيز قدراتها التكنولوجية وسيطرتها في مجالي البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي.

وتبدي G42 اهتماما متزايدا للتعاون مع الشركات الإسرائيلية في هذا المجال، من خلال افتتاح مكتب لها في تل أبيب، وتوقيعها اتفاق تعاون مع شركة (Systems Elta) الإسرائيلية المتخصصة في مجال الحروب الإلكترونية.

ويدلل هذا التشابك في الشركات والمجموعات التي يقف خلفها طحنون البالغ من العمر 53 عاما والملقب بـ"أمير الظل"، على مدى تداخل المصالح الأمنية والإستراتيجية بين الإمارات وهذه الدول.

وتمتلك "Terminals" أيضا شركة تابعة لها في القرن الإفريقي هي Transport Infrastructure Services Ltd، والتي شاركت في تجديد وتشغيل مطارات بوساسو وبربرة في الصومال بين عامي 2020- 2021.

والمدينتان تعدان إستراتيجيتين بالنسبة لأبو ظبي، حيث إن شركة "موانئ دبي العالمية" المملوكة لأحد صناديق الثروة السيادية في دبي مسؤولة عن تشغيل موانئ بوساسو وبربرة.

وبكلفة نحو 442 مليون دولار، وقعت الإمارات اتفاقية مع "أرض الصومال" في فبراير/ شباط 2017، لبناء وتطوير ميناء بربرة، لمدة 30 عاما، ليصبح قاعدة عسكرية إماراتية.

وأثارت الاتفاقية آنذاك موجة غضب سياسية من جانب الأحزاب المعارضة في "أرض الصومال" وكذلك من طرف الحكومة الفيدرالية في مقديشو، حيث اتهمت الإمارات بانتهاك سيادة الصومال عبر اتفاقية غير قانونية.

نحو القرن الإفريقي

وتقع منطقة القرن الإفريقي على طول أحد أهم طرق التجارة البحرية في العالم، وتربط أوروبا والبحر الأبيض المتوسط بالمحيط الهندي وآسيا.

وتشير التقارير إلى أن ما يقدر بنحو 10–20 بالمئة من التجارة العالمية، بما في ذلك أكثر من 6 ملايين برميل من النفط يوميا، تمر عبر البحر الأحمر وخليج عدن.

وبحسب أستاذ العلاقات الدولية بجامعة مقديشو، حسن شيخ، فإن "خطط استثمار الإمارات في موانئ القرن الإفريقي لا تتوافق مع نهج الاستثمارات الأجنبية، وإنما تهدف إلى تجفيف منابع اقتصاد غيرها خدمة لموانئها، التي تجذب ملايين الحاويات يوميا على حساب الدول المطلة على خليج عدن والبحر الأحمر".

وأضاف حسن شيخ لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية في 25 سبتمبر/أيلول 2019، أن "الإمارات تستغل احتياجات الدول الفقيرة عبر إغرائها بأموال باهظة بغية تمرير مساعيها للسيطرة على موانئ ومصادر اقتصاد هذه الدول، لكن معظم تلك الدول أدركت خفايا تلك الاستثمارات، وفسخت اتفاقياتها، مثل جيبوتي".

وألغت جيبوتي، في فبراير/ شباط 2018، اتفاقية إدارة ميناء "دورالي" مع شركة موانئ دبي الإماراتية، لتضمنها بنودا مجحفة تنتقص من سيادتها، وهو ما دفع الشركة للجوء إلى التحكيم الدولي.

بينما في إريتريا هذا البلد العربي الصغير، فالقوات الجوية الإماراتية حاضرة في مطار أسمرة، مما يوفر للإمارات قنوات تأثير مفيدة في المنطقة.

وربط مراقبون تقوية أبوظبي حضورها في إريتريا التي تضم منافذ بدائية على البحر الأحمر بطول 150 كيلومترا شمالا، بهدف تدارك الخسارة التي تحققت لها نتيجة قطع علاقتها مع جيبوتي التي كانت توفر لها امتيازات كبرى تساعدها في القيام بمهامها في المنطقة.

وحصلت الإمارات على عقد إيجار لمدة 30 عاما للاستخدام العسكري لميناء عصب العميق ذي الموقع الإستراتيجي في مضيق باب المندب، ومطار عصب المجاور الذي يمكن لطائرات النقل الكبيرة من الهبوط عليه بما في ذلك طائرات "سي 17 جلوب ماستر" الضخمة.

واستخدمت الإمارات قاعدتها العسكرية في مرفأ عصب ضمن سياق الحرب في اليمن.

لكن تقريرا لوكالة "أسوشيتد برس" ذكر في فبراير/ شباط 2021، أن الإمارات فككت قاعدتها العسكرية في عصب بإريتريا، والتي كانت قد أنشأتها عام 2015.

لاعب قوي

وأمام تلك المعطيات، فإنه من الواضح أن الإمارات منذ سنوات تسعى إلى الظهور كلاعب قوي في منطقة القرن الإفريقي، لما لهذه المنطقة من أهمية كبرى، إذ يحتل القرن الإفريقي موقعا إستراتيجيا قبالة شبه الجزيرة العربية وفي خليج عدن، على مفترق طرق البحر الأحمر والمحيط الهندي.

وفي هذا السياق، يرى بن هانتر، محلل شؤون شرق إفريقيا في شركة "فيريسك ميبلكروفت" البريطانية للاستشارات المتعلّقة بتقييم الأخطار، أن "تجربتها في القضايا الأمنية في الخليج تظهر أنها ستركز على البحر الأحمر".

وأكد هانتر لوكالة "فرانس برس" في 22 يونيو/حزيران 2022، أن "السعودية والإمارات أصبحتا لاعبين رئيسين على الصعيدين الأمني والاقتصادي في القرن الإفريقي".

ولعبت الإمارات الراغبة بالتقرب من دول القرن الإفريقي ومنطقة شرق إفريقيا المطلة على البحر الأحمر، دور الوسيط برفقة السعودية في سياق التوصل إلى اتفاق سلام منتصف 2018 بين إثيوبيا وجارتها إريتريا.

وكانت إثيوبيا أعلنت في يونيو/حزيران 2018 عن التزام الإمارات بضخ 3 مليارات دولار في الاقتصاد المحلي، بالأخص عبر استثمارات.

أما في الجمهوريات السوفياتية السابقة في آسيا الوسطى، وهي بلدان لا منفذ لها على البحر، فهي الأخرى تشهد زحفا إماراتيا.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فازت "Terminals" بعقد لإدارة محطة الشحن في مطار نافوي في أوزبكستان، تماما كما كلفت "موانئ دبي العالمية" بالعمليات اللوجستية لمنطقة نافوي الحرة هناك.

وفي الوقت نفسه، يسير المسؤولون الإماراتيون على خطى طحنون بن زايد حيث يسافرون بشكل متزايد إلى آسيا الوسطى لتعزيز مصالحهم الدبلوماسية والمالية هناك.

وكان وزير الطاقة والبنية التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، كشف في 17 أغسطس/آب 2022، أن بلاده تسعى لفتح طرق تجارية جديدة بهدف تعزيز قدرة وترابط القطاعات اللوجستية داخل آسيا الوسطى.

وخلال ترؤس المزروعي لوفد أبوظبي المشارك في المؤتمر الوزاري للنقل للدول النامية غير الساحلية في منطقة أفازا بمدينة تركمانباشي في تركمانستان، أكد أن الشركات الإماراتية التي تعمل في قطاع النقل لديها خبرة كبيرة في مجال تطوير البنية التحتية للدول النامية غير الساحلية.