قادها "مواطنو الرايخ".. 5 أسئلة تشرح القصة الكاملة لمحاولة الانقلاب بألمانيا

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

استيقظت أوروبا في 7 ديسمبر/كانون الأول 2022 على أخبار محاولة انقلاب فاشلة في ألمانيا، هي الثانية بالقارة في عامين، ما يشير بجدية إلى انزلاقها بسرعة نحو تيارات النازية والفاشية اليمينية المتطرفة.

ويرافق ذلك تصاعد ملحوظ في نسبة مؤيدي الأحزاب اليمينية الحالمة بواقع جديد في مختلف أنحاء القارة الخاضعة تحت قبضة عليها الليبرالية الأميركية منذ عقود.

وأعلنت السلطات الألمانية صباح 7 ديسمبر، اعتقال مجموعة يمينية متطرفة خططت لاقتحام مبنى البرلمان، والاستيلاء على السلطة، تضم 25 متطرفا ينتمون إلى تنظيم "مواطني الرايخ" (رايخسبرغر) النازية.

وأكدت الاستخبارات العسكرية الألمانية أن من بين المعتقلين سليلا للأسرة الإمبراطورية يُدعى هنري الثالث عشر، يبلغ من العمر 71 عاما، وكان له دور محوري في خطة الانقلاب.

وهذه ثاني محاولة انقلاب فعلية ينفذها اليمين المتطرف في دولة أوروبية بعد محاولة سابقة في فرنسا عام 2021.

وكانت قد كشفت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أن عدوى الانقلابات انتقلت للمرة الأولى إلى أوروبا وتحديدا فرنسا، من إفريقيا والبلدان العربية، ليذوق طباخو الغرب سم دعمهم انقلابات إفريقيا والشرق الأوسط.

وقالت حينها إن فرنسا بلد الحريات في أوروبا، أحبطت محاولة انقلابية كان يقودها سياسي يميني متطرف وخطط لاقتحام قصر الرئاسة (الإليزيه)، لكن المخابرات قبضت عليه إضافة إلى 36 نقيبا عسكريا. 

ماذا جرى؟

إثر حملة مداهمات واسعة شملت أكثر من 130 موقعا بينها ثكنات عسكرية، اعتقلت الشرطة الألمانية 25 شخصا ينتمون إلى تنظيم "مواطني الرايخ" النازي، اتهمتهم بالتخطيط لانقلاب عسكري.

أكثر من ثلاثة آلاف عنصر أمني من بينهم وحدات النخبة لمكافحة الإرهاب شاركوا في عمليات الدهم والاعتقال، فيما وصفته وسائل إعلام ألمانية بأنها واحدة من أكبر عمليات الشرطة التي شهدتها البلاد.

واستهدفت عمليات الدهم بشكل أساسي أعضاء تنظيم "مواطني الرايخ" الذين يشتبه في "تنفيذهم استعدادات فعلية لاقتحام البرلمان الألماني بدعم من مجموعة مسلحة"، حسبما جاء في بيان النيابة الألمانية.

من جانبها، كشفت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية في اليوم نفسه، أن المواقع التي جرى تفتيشها شملت ثكنات وحدة القوات الخاصة الألمانية في بلدة كالو الجنوبية الغربية، والتي خضعت لتحقيق سابق بشأن تورط بعض جنودها مع جماعات يمينية متطرفة.

وإلى جانب الأمير "هنري الثالث عشر"، أكدت أن من بين المشتبه بهم قاضية، ونائبة سابقة من حزب "البديل" اليميني المتطرف، وجنود سابقين، واثنان من المعتقلين الـ 25 أوقفا في النمسا وإيطاليا.

وسبق أن اتهم زعماء الانقلاب المعتقلين نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2021 بتأسيس "منظمة إرهابية بهدف قلب نظام الدولة الحالي في ألمانيا واستبداله بدولة خاصة بهم، والسعي لتحقيق ذلك بالوسائل العسكرية وبالقوة"، وفق الصحيفة.

وقالت النيابة الألمانية إن "المتهمين يجمعهم رفض عميق لمؤسسات الدولة والنظام الأساسي الحر والديمقراطي لجمهورية ألمانيا الفيدرالية".

من وراءها؟

فيما أكدت صحيفة "بيلد" الألمانية أن الخلية يرأسها الأمير هنري الثالث عشر، وعضوة سابقة من حزب البديل اليميني المتطرف، والقاضية بيرجيت مالساك وينكمان.

ونقلت عن مصادر خاصة أنه "بعد نجاح الانقلاب، كانت المجموعة تريد تأسيس نظام حكم ملكي، وتشكل حكومة تنقسم إلى وزارات مختلفة وفق المبادئ الملكية".

وقالت إن المجموعة التي خططت للانقلاب حددت بالفعل المسؤولين عن إدارة البلاد، وذوي المناصب المؤثرة في المجالات القوية اجتماعيًا أو ماليًا في الحياة العامة في النظام الجديد.

من جانبه، أكد موقع "بليك" المحلي أن بيان النيابة أكد أن أعضاء الحركة مقتنعون بشدة بأن ألمانيا يحكمها حاليا أعضاء ما يسمى بـ "الدولة العميقة".

ويعتقدون كذلك، وفق الموقع، أن جمعية سرية من الحكومات وأجهزة المخابرات والجيش من مختلف الدول، بما في ذلك الاتحاد الروسي والولايات المتحدة تدير البلاد حاليا.

وسبق أن حذرت تقارير استخباراتية ألمانية من تنامي حجم "مواطني الرايخ"، وقالت إنهم يخططون لتأسيس جيش خاص، وأكدت صحف ألمانية أن أغلب من اعتقلوا في محاولة الانقلاب الأخيرة ينتمون إلى هذا التنظيم.

وبدأت هيئة حماية الدستور الألمانية (المخابرات الداخلية) بتتبع المنتمين إلى "موطنو الرايخ"، منذ عام 2016 بعد قتل شخص ينتمي إلى هذه الحركة لضابط شرطة ألماني في 19 أكتوبر/ تشرين الأول 2016.

من هم "مواطنو الرايخ"؟

بحسب إذاعة صوت ألمانيا الحكومية "دويتشه فيلا" يرجع تاريخ ظهور تنظيم "مواطني الرايخ" (Reichsbürger) إلى عام 1871.

ويضم التنظيم أفرادا من النازيين الجدد وأصحاب نظريات المؤامرة ومؤيدين مسلحين يرفضون شرعية الجمهورية الألمانية الحالية ويرون ضرورة العودة لألمانيا النازية ضمن حكم ملكي تسلطي.

ولا يعترف أتباع التنظيم بالجمهورية الألمانية الحديثة، التي تأسست بعد انهيار النازية "الرايخ الثالث" (الإمبراطورية الألمانية الثالثة) عقب الحرب العالمية الثانية عام 1945. 

ويصرون على أن الإمبراطورية الألمانية لا تزال قائمة بحدود 1937 أو بحدود 1871، والتي تضم أجزاء من بولندا وفرنسا حاليا، لذا فكروا في تنصيب الأمير السابق هنري الثالث زعيما جديدا بعد الانقلاب الفاشل.

ويرفضون أداء الضرائب أو الغرامات، حيث يرون أن كل ما يجنونه مالهم الخاص وأن ممتلكاتهم يجب أن تبقى بعيدة تماما عن إشراف سلطات الدولة التي لا يعترفون بها.

كما يرفضون الإقرار بالدستور الألماني وبقية القوانين، ويقومون بإعداد أوراقهم الخاصة غير المعترف بها كجوازات السفر ورخص القيادة.

وبدأ التنظيم ينشط ويجتذب أتباعا جددا خلال الثمانينيات، لكن ما بدا أنه مجموعة ضعيفة دون قيادة، تطور إلى حركة تضم حوالي 19 ألف منتسب بحسب ما تؤكده الاستخبارات الألمانية.

وتصنف الشرطة الألمانية حوالي 950 من أعضاء التنظيم "متطرفين أقصى اليمين"، وتؤكد أن ألف عضو في الحركة يملكون رخص حيازة السلاح، وعدد كبير منهم يتبنون إيديولوجيات معادية للأجانب.

وقضية "فولفغانغ ب"، الذي حُكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2017 بعد إدانته بقتل ضابط شرطة عام 2016، هي المنعطف الذي دفع السلطات الألمانية إلى التعامل بشكل أكثر جدية مع متطرفي التنظيم. 

إذ قام هذا المتطرف بإطلاق النار على ضباط كانوا يفتشون منزله بحثا عن إمكانية حيازته أسلحة نارية، وأحدثت الجريمة ضجة كبيرة وجذبت أنظار العالم كما طرقت ناقوس الخطر حول العنف اليميني بألمانيا. 

ومنذ ذلك الحين، تكررت المداهمات الأمنية لأهداف التنظيم، كما قامت السلطات بحظر العديد من أنشطته، كذلك حقق جهازا الشرطة والجيش داخليا لمعرفة إذا ما وُجد أعضاء أو متعاطفون مع التنظيم بين صفوفهما. 

وازداد التنظيم تطرفا في السنوات الأخيرة وعد خطرا أمنيا متزايدا وزاد خطره انضمام جنود سابقين له.

وذكرت مجلة "فوكوس" الألمانية في 7 ديسمبر 2022، أن تنظيم "مواطني الرايخ" يخطط منذ سنوات لتأسيس جيش سري خاص به، خاصة في ولايات شرق ألمانيا.

وقالت إن أعضاء التنظيم من عدة ولايات ألمانية التقوا في "اجتماع تآمري" لتأسيس منظمة مسلحة للتحضير لليوم الموعود.

وكانت قد أعلنت النمسا في 12 ديسمبر 2020 توجيه ضربة لهذا التنظيم الألماني بعد ضبط أسلحة وذخائر كانت مخصصة لتشكيل ميليشيا يمينية متطرفة.

هل روسيا متورطة؟

وكان لافتا أيضا أن النيابة الألمانية أكدت أن الأمير هنري الثالث عشر "اتصل بمسؤولين روس بهدف التفاوض على نظام جديد في البلاد بمجرد الإطاحة بالحكومة الألمانية".

ورغم إعلان تنظيم "مواطني الرايخ" تشبثهم بالإمبراطورية الألمانية، إلا أن عددا من أعضائها ظهروا مع العلم الروسي، ما قوى اتهامات للحركة بأنها مدعومة من روسيا. 

لذا سارعت السفارة الروسية في برلين بالتزامن مع الإعلان عن الانقلاب، إلى نفي أي علاقة مع "مجموعات اليمين المتطرف الإرهابية" في ألمانيا.

وقالت السفارة في بيان: "تلفت السفارة الروسية في ألمانيا الانتباه إلى حقيقة أن المكاتب الدبلوماسية والقنصلية الروسية في ألمانيا لا تقيم اتصالات مع ممثلي جماعات إرهابية أو كيانات غير شرعية أخرى".

واهتمت صحف ومواقع روسية، مثل "روسيا اليوم" بالتركيز  على تأكيد مكتب المدعي العام الألماني، بأنه "لا تتوفر أدلة تثبت ضلوع أي من المسؤولين الروس في دعم مخطط الانقلاب المزعوم في ألمانيا".

هل تتكرر؟

وفي 25 أغسطس/ آب 2022 قالت صحيفة "التايمز" البريطانية إن المخابرات الألمانية حذرت من أن البلاد ينتظرها "خريف الغضب"، بسبب تنامي المد اليميني المتطرف في البلاد.

وحذرت من أن اليمين المتطرف يستغل حالة الغضب العامة، تزامناً مع ارتفاع تكاليف المعيشة وأزمة الوقود وانقطاع الغاز، بسبب تبعات الحرب الروسية الأوكرانية ودعم برلين لكييف، كي ينفذ خططا إرهابية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين استخباراتيين ألمان إن "البلاد تواجه شهوراً من الاضطرابات الاقتصادية، وارتفاع أسعار الطاقة، والاضطرابات الجيوسياسية، وتصاعد أصوات اليمين المتطرف في الرأي العام الألماني".

وشددوا على أن "هناك حالة قلق من أن المتطرفين من النازيين الجدد سيحاولون توحيد قوى المعارضة المتباينة وتعبئتها في انتفاضة واسعة ضد النظام الديمقراطي، وخاصة في ألمانيا الشرقية".

وفوز اليمين المتطرف في فرنسا والنمسا والسويد وإيطاليا والمجر وألمانيا وأخيرا بريطانيا لم يقرع أجراس الخطر، بقدر ما قرعها بشدة ظهور تيارات يمينية مسلحة أكثر تطرفا لا ترضى بالديمقراطية وترغب في عودة بلادها لعصر الإمبراطوريات.

القلق من تصاعد هذه التيارات التي تتبنى العنف ليس أوروبيا فقط بل عالميا لأنه حين سيطرت الفاشية والنازية على أوروبا من قبل كانت النتيجة حروب عالمية أدت لمقتل 60 -70 مليون شخص في الحرب العالمية الثانية لوحدها.

ولم تنهض أوروبا إلا حين نفضت عنها غبار النازية والفاشية وحاولت دفن هذه الأفكار اليمينية المتطرفة، لكنها الآن ليست مهددة، ومعها العالم، فقط بأفكار سياسيين عنصريين متطرفين، بل وبتنظيمات شبه عسكرية مسلحة تسعى لانقلابات تحكم بموجبها وتستعيد "أمجاد" إمبراطورياتها.

فهل ستكفي عمليات إجهاض الانقلابات في ألمانيا وفرنسا لإنقاذ أوروبا؟ أم يستمر الخطر؟