"شعارات زائفة".. هكذا وظفت روسيا الشذوذ الجنسي لتبرير غزو أوكرانيا
.png)
بصورة لافتة، يوظف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قضية الشذوذ الجنسي في خدمة حربه ضد أوكرانيا، ضمن إستراتيجية لتطويع القضايا الداخلية المثيرة للجدل لصالحه طالما أنها تسهم في تبرير الغزو.
وفي 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، مرر مجلس الاتحاد الروسي "الدوما"، قانون "حظر الدعاية للشواذ جنسيا ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسانية وإعادة تحديد النوع".
وكذلك حظر "الدعاية للاعتداء الجنسي على الأطفال، أو عرض معلومات وبيانات بشأن الشواذ جنسيا، ما قد يشجع على تغيير الجنس بين المراهقين".
وبموجب القانون الجديد، يحظر الآن في روسيا "الترويج للعلاقات الجنسية غير الطبيعية"، في شبكة الإنترنت ووسائل الإعلام والكتب والوسائط السمعية والبصرية والسينما والإعلانات.
وحدد القانون غرامات مالية على "الدعاية للشذوذ الجنسي"، وقسمها على حسب طبيعة الشخص المروج، وتبدأ من 50 ألف روبل (820 دولارا) وحتى 400 ألف روبل (6600 دولار) للمواطنين.
ومن 100 ألف روبل (1600 دولار) وحتى 800 ألف روبل (13 ألف دولار) للمسؤولين، ومن 800 ألف روبل (13 ألف دولار) وحتى 5 ملايين روبل (82 ألف دولار) أو تعليق الأنشطة حتى 90 يوما للكيانات القانونية.
وبالنسبة للمواطنين الأجانب وعديمي الجنسية، فينص القانون على الطرد الإداري من روسيا بسبب الجرائم المذكورة أعلاه، كما لا يسمح ببيع البضائع، بما في ذلك البضائع المستوردة، التي تحتوي على معلومات عن الشذوذ الجنسي.
وقبيل اعتماد القرار بأربعة أيام، أعرب الاتحاد الأوروبي عن أسفه إزاء اعتماد مجلس الدوما الروسي هذا القانون، وعده "يساهم في التحريض على رهاب الشذوذ الجنسي وتعزيز قمع الخطاب النقدي والبديل".
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا لا تستخدم في الوقت الراهن مصطلح "الشذوذ الجنسي"، وبدلا منه تقول "العلاقات الجنسية غير التقليدية".
مسوغات المعركة
في العهد السوفيتي كان يحكم بالسجن على ممارسي الشذوذ الجنسي بصفته "جناية"، ولكن جرى إلغاء تجريم الشذوذ الجنسي في روسيا عام 1993، لكن المشاعر المناهضة لهذا السلوك بقيت قوية.
ومن هنا يتضح أن القرار الروسي الجديد الذي جاء في خضم الحرب على أوكرانيا ضد الترويج للشذوذ الجنسي، لم يكن لتحصين المجتمع الروسي "أخلاقيا"، أو لأنه يتعارض مع الانحلال الأوروبي فحسب، بل يأتي أيضا كتبرير للهجوم على أوكرانيا.
إذ وظف الكرملين بعناية محاربة الدعاية للشذوذ الجنسي في روسيا، كونها تكسب الرئيس بوتين نقاطا سياسية في الداخل، وتدعم روايته في الحرب من أوكرانيا.
فقبل الحرب بسنوات وتحديدا في منتصف يناير/ كانون الثاني 2014، تحدث بوتين عن قانون "منع الترويج للشاذين جنسيا" في روسيا، وذلك قبيل احتضان منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود دورة الألعاب الأولمبية الشتوية.
وآنذاك قال بوتين في مقابلة مع برنامج "أندرو مار شو" على قناة "بي بي سي 1" إنه "ليس متحاملا على الشاذين جنسيا"، مبينا "أنهم لم يتعرضوا لأي تفرقة سواء في العمل أو داخل المجتمع الروسي".
وأضاف بوتين قائلا: "أنا شخصيا أعرف أناسا شاذين جنسيا. ونتعامل بود. لست متحاملا بأي شكل من الأشكال".
وسبق ذلك إعلان الرئيس بوتين في يونيو 2013، استعداده للمصادقة على القانون الخاص بالشذوذ الجنسي.
وقال وقتها "ما يخص قانون منع الشواذ جنسيا من تبني الأطفال من روسيا ليس موجودا عندي، ولم أره، ولكن إذا أقره البرلمان فسوف أصادق عليه".
ومضى بوتين يقول: "أعتقد أن قوانيننا في هذا المجال ليبرالية جدا، وليست هناك أي تفرقة، الكل يعمل دون النظر إلى اتجاهاته ونحن نقيمهم على أساس عملهم".
لكن مع بدء غزو أوكرانيا فجر 24 فبراير/ شباط 2022، بحث بوتين ومسؤولون آخرون في موسكو بشكل لافت عن مبررات للحرب، وخاصة عقب اصطفاف الغرب مع كييف.
فبدأ الكرملين وأذرعه الإعلامية الترويج إلى أن كييف "يقودها النازيون"، ثم قدمت روسيا نفسها على أنها المدافع عن "القيم التقليدية" في مواجهة "عالم غربي يجري تصويره على أنه ينحو نحو الانحطاط"، في إشارة إلى دفاعه عن حرية الشذوذ الجنسي.
عنوان الغزو
ولهذا كان محاربة "مجتمع الشاذين جنسيا" هو أحد العناوين العريضة للغزو الروسي على أوكرانيا، وإسباغ مبررات لها من هذا القبيل.
كما أن انخراط العديد من الأوكرانيين "الشاذين جنسيا" في الدفاع عن بلدهم في وجه الغزو الروسي، دفع بوتين لاستغلال هذه النقطة.
في المقابل، دفع بوتين حليفه رئيس جمهورية الشيشان الإسلامية رمضان قديروف، لزج المزيد من المقاتلين الشيشان لمحاربة الأوكران الشواذ، مستغلا أن قديروف معروف بوقوفه ضد الشاذين جنسيا في بلاده.
ولهذا أشاد أبتي علاء الدينوف، قائد القوات الشيشانية بأوكرانيا، في 17 يونيو/ حزيران 2022، بقرار بوتين ببدء الحرب ووصفها بأنها "حرب مقدسة" ضد "القيم الشيطانية" لأوروبا وأميركا ومجتمع الشواذ.
ووصف علاء الدينوف في مقابلة مع "قناة روسيا -1" التلفزيونية الحكومية، قواته التي تقاتل مع روسيا بأنها "جيش المسيح".
وراح علاء الدينوف يقول إن "بوتين هو الرجل الذي رفض قبول ما يسمى بالقيم الأوروبية (..) نحن لسنا تحت أعلام مجتمع الشواذ، وطالما هو على قيد الحياة، لن نكون تحت تلك الأعلام".
وبحسب موقع "أوبن ديموكراسي"، فإن الجنود الروس يقومون بتفتيش الهواتف المحمولة للشباب الأوكران في المناطق التي قاموا باحتلالها شرق أوكرانيا، وفي حال اكتشفوا شخصا شاذ جنسيا يقومون باعتقاله على الفور وزجه في سجون مؤقتة هناك.
وذكر الموقع البريطاني في 16 نوفمبر 2022 أن "مدراء السجن الروس يقومون بإخبار السجناء الآخرين عن التوجه الجنسي للشخص، الأمر الذي يعرضه للعنف الجنسي المتكرر بشكل يومي من قبل النزلاء".
يذكر أن أوكرانيا ألغت تجريم علاقات الشذوذ الجنسي في عام 1991 إلى جانب العديد من البلدان الأخرى في الاتحاد السوفيتي السابق.
وتحتل أوكرانيا المرتبة 39 في أوروبا في مساواة مجتمع الشواذ، لكنها تحظر الزواج من الجنس نفسه.
لكن مع دعم دوائر أوروبية لعدد من الجنود الأوكرانيين الشواذ، حصدت عريضة على الإنترنت تطالب بإضفاء الشرعية على زواج الشواذ في أوكرانيا أكثر من 25 ألف توقيع.
ليرد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على هذه المطالب بالقول إنه "من المستحيل تعديل الدستور الأوكراني عندما تكون في حالة الحرب".
لكنه وعد "بإيجاد حل بديل عن طريق التشريع لزواج مدني، من شأنه أن يضمن للأزواج من الجنس نفسه حقوق الزيارة على الرغم من استمرار الحرب".
يذكر أنه عام 2019 وبعد تسلمه السلطة قال زيلينسكي: "نعيش جميعا معا في مجتمع مفتوح حيث يمكن لكل شخص اختيار توجهه الجنسي".
فرض الرقابة
وفي تعليقها على قانون مكافحة مروجي الشذوذ الجنسي، رأت الباحثة السياسية إيكاترينا شولمان، أنه "يمثل فوزا كبيرا لهيئة تنظيم الاتصالات الروسية التي ستتولى بالفعل سلطات الشرطة السياسية، وسيزيد القانون من سلطتها وقدرتها على مراقبة المعلومات".
وأضافت شولمان لوكالة "رويترز" الدولية في 24 نوفمبر 2022: "المواطنون والمؤلفون والناشرون، سيفكرون مرتين قبل أن يذكروا أي شيء يتعلق بقضايا مجتمع الشواذ".
وسبق أن قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية إن "روسيا واصلت مسارها المتمثل في التمييز ضد الشواذ واستخدمت حظر دعاية الشواذ لتبرير الملاحقة الجنائية".
وادعت أن هذا ما يشير إلى أن "موسكو تستغل تلك الدعاية فقط لسحق خصومها في الداخل، لا لتبني القيم الأخلاقية السوية" كما يحاول الكرملين الترويج لها في خضم غزو أوكرانيا.
وتابعت: لا سيما أن مهاجمة شخصيات روسية مختلفة للشذوذ الجنسي في ظل حرب أوكرانيا، يبدو أنه بإيعاز مباشر من جهة واحدة، وهذا ما يقدم دليلا على استغلال الكرملين بعض القضايا الداخلية فقط من أجل تبرير الغزو على أوكرانيا.
كما أن عواقب هذا القانون الجديد في حالة حرب أوكرانيا هو ما يثير المخاوف من إمكان استخدامه بشكل تعسفي من قبل السلطات الروسية، ضمن سياسة تكميم الأفواه ومنع ارتفاع أي صوت معارض لغزو أوكرانيا بزعم محاربة الشواذ جنسيا.
وهذا ما دعا مركز تحليل السياسة الأوروبية (CEPA)، للقول في يونيو 2022 إنه "على الرغم من أن حقوق مجتمع الشواذ في روسيا قبل الحرب في أوكرانيا كانت سيئة، إلا أنه بعد بدء الحرب جرى توسيع الدعاية المعادية للشواذ من أحد الأعمدة الداعمة لشبه الأيديولوجية الروسية لتشمل تبرير حربها العدوانية".
كما أن بطريرك موسكو ورئيس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية كيريل الأول، الذي يعد البطانة الدينية للرئيس الروسي، برر خلال خطبة في مارس/ آذار من العام المذكور حرب أوكرانيا بأنها "قتال ضد مُثُل مجتمع الشواذ".
وكان كيريل قد أعلن في 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، تعيين بوتين بمنصب "كبير طاردي الشياطين".
وبوتين منذ اعتلائه سدة الرئاسة عام 2000، يبدي تمسكه بالتقاليد، ويشدد على أن روسيا، بلد القيم الأصيلة، وأنها "تواجه الوثنية الغربية الجديدة".
وفي أكتوبر 2021، رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، أن "الزعيم الروسي المستبد يسعى لتصوير نفسه على أنه رمز للرجولة"، ردا على انتقاده الدعوات الرامية لتعزيز "حقوق الشواذ والمتحولين جنسيا".
ووقتها كتبت رئيسة مركز أبحاث "آر بوليتيك" المتخصص بالسياسة الروسية، تاتيانا ستانوفايا، على قناتها في تلغرام، أن بوتين يحاول من خلال هذه التصريحات "جمع المحافظين المتشددين وأنصار القيم التقليدية حوله".