رغم اغتياله عام 2001.. أحمد مسعود حاضر في نقاشات مستقبل أفغانستان

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعد عام ونيف من الانسحاب الأميركي، تحاول بعض القوى الخارجية ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة خلفها في أفغانستان، الدولة التي ابتعدت عن تصدر العناوين الإخبارية خلال الفترة الأخيرة.

ويقول موقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن "أفغانستان ابتعدت عن العناوين الإخبارية باستثناء تبادل الرهائن، واستمرار دعم حركة طالبان لتنظيم القاعدة، وحرمانها المرأة من حقوقها الأساسية".

في هذا السياق، حذر عضو الكونغرس الأميركي في نهاية الحرب الباردة، تشارلي ويلسون، من أن تجاهل أفغانستان سيكون له تداعيات دولية.

وأوضح الباحث المتخصص في التاريخ العسكري المعاصر للشرق الأوسط، كمال علم، أن صدى الصراعات في أفغانستان يتردد في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بدءا من المنتسبين لتنظيم القاعدة في سوريا الذين يرون ما فعلته طالبان تجربة ملهمة، وليس انتهاء بدول الخليج التي تتنافس على النفوذ في العاصمة كابول.

ويضيف أن إيران عززت نفوذها بشكل مطرد في أفغانستان، بالتزامن مع انزلاق البلاد مرة أخرى إلى فراغ يُمَكِّن قوى الشرق الأوسط من التنافس على النفوذ في البلد الآسيوي عبر وكلائهم المحليين. 

ويرى الكاتب أن كل المشكلات التي تواجهها أفغانستان في الوقت الحالي، تنبأ بها وزير الدفاع الأفغاني السابق، أحمد شاه مسعود، في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

ويُعد "مسعود" أحد قادة المقاومة ضد الاحتلال السوفيتي بين 1979 و1989 في أفغانستان، واغتيل قبل يومين من تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، كما أُعلن بطلا وطنيا من قبل الحكومة الأفغانية السابقة.

ويعتقد الكاتب أن الاغتيال الأخير لزعيم تنظيم القاعدة السابق، أيمن الظواهري يؤكد مجددا تحذيرات الأمم المتحدة من أن تصبح أفغانستان مرة أخرى قاعدة رئيسة للمنظمات الإرهابية، وفق تقديره.

ويضيف أنه "مع ترسيخ تنظيم الدولة وجوده في شمال أفغانستان، ومع استمرار الهجمات في جميع أنحاء البلاد، تجدد القلق في عواصم الشرق الأوسط، لأن ما يبدأ في كابول قد لا يظل محصورا داخلها"، في إشارة إلى احتمالية انتشار "العمليات الإرهابية" في الخارج.

خلاف تاريخي

وهذا يعود بنا إلى الخلاف التاريخي بين "مسعود"، والمقاتلين العرب والأجانب الذي تمحور حول كيفية إدارة الحرب ضد السوفييت، وفق الكاتب.

اليوم، وبينما تعاني حركة طالبان من تداعيات الصراع المستمر منذ عقدين في أفغانستان، هناك جدل متزايد حول التأثير المتزايد للمجموعات الأجنبية في البلاد.

حتى إن طالبان تردد ما قاله "مسعود" من خلال إطلاق لقب "الخوارج" أو "المنشقين"، على خصومها، حسب قول الكاتب.

ويشير "علم" إلى أنه بعد سقوط كابول، هنأت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة طالبان على إنهاء الاحتلال الأميركي. 

علاوة على ذلك، نظرت المجموعات المسلحة في إدلب السورية إلى سيطرة طالبان على أنها لحظة محورية بالنسبة لقضيتهم.

كذلك، عاد أحد المقربين من زعيم تنظيم القاعدة الأسبق، أسامة بن لادن، مرة أخرى إلى أفغانستان منذ ذلك الحين، حسب الكاتب.

ويشير "علم" إلى أن "الخيط الناظم الذي كان يربط هذه الجماعات هو الشيخ عبد الله عزام، الذي كان في طليعة الإسلام السياسي الذي جرى إحياؤه بفوهة البندقية، كما أنه يُعد عنوانا للبسالة في أجزاء من العالم العربي والإسلامي".

ووصف "علم" كتاب "ولادة الأفغان العرب" للكاتب عبد الله أنس، بأنه "مذكرات باهرة"، ساعدت على تبديد بعض الأساطير الموجودة حتى يومنا هذا، "مثل أن مسعود كان جزءا من نفس المجموعة المتطرفة التي أدت إلى تأسيس القاعدة".

ويحكي أنس – صهر عزام- تجربته التي عاشها في أفغانستان خلال الاجتياح الروسي لهذا البلد، كما يروي علاقاته مع "المجاهدين وأمراء الحرب، والقادة خلال هذه الفترة، مثل أحمد شاه مسعود".

ويناقش الكتاب كيف كان مسعود في الواقع معارضا للمقاتلين الأجانب الذين أتوا إلى أفغانستان بأجنداتهم الخاصة، ومن ثم بدأت معارك وخلافات بين قوى الإسلام السياسي، دامت ثلاثة عقود.

وأدت تلك المعارك في النهاية إلى انتصار "المتطرفين" المتمثلين في طالبان– وفق الكاتب- وكذلك الجماعات الأخرى التي شاركت في الحرب الأهلية الجزائرية والصراع السوري، وفق وصف كاتب المقال.

كما حذر مسعود الأميركيين والباكستانيين والمصريين والسعوديين لسنوات من أنهم إذا استمروا في تسوية خلافاتهم على الأراضي الأفغانية، فإن "مقاتليهم" سيعودون ليطاردوهم هم أنفسهم، وقد فعلوا ذلك.

وينوه الكاتب إلى أن رئيس المخابرات السعودية السابق، تركي الفيصل، أكد ذلك في كتاب "الملف الأفغاني"، الصادر عام 2021، في الذكرى العشرين لكل من أحداث 11 سبتمبر واغتيال مسعود.

معارك النفوذ

ووفق الكاتب، فإن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، الذي اغتالته إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عام 2020، كانت تربطه علاقة وثيقة بمسعود، بل إنه أجرى بعض التدريبات معه.

فقد ساعدت العلاقة الخاصة بين الرجلين الولايات المتحدة، في الأيام الأولى لما بعد أحداث 11 سبتمبر فيما سُمي "الحرب على الإرهاب"، وذلك عندما ساندت طهران واشنطن ضد طالبان.

ويضيف "علم" أن (إسماعيل قاآني) خليفة سليماني- الذي ساهم في إعادة صياغة المشهد الأفغاني وربما تغلب على نفوذ باكستان الذي امتد لعقود- يعمل على تحويل أفغانستان مرة أخرى إلى ساحة للقتال، ما يدفع القوى الخليجية للعودة إلى الساحة الأفغانية مرة أخرى.

كما أن لإيران أيضا مقاتليها الشيعة، الذين أعادت توزيعهم من سوريا إلى أفغانستان، حسبما أورد المقال.

فحتى قبل سقوط كابول في يد طالبان في أغسطس/ آب 2021، قال وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، إن "المقاتلين الأجانب التابعين لإيران يمكن أن يساعدوا في حل مشكلة انعدام الأمن في أفغانستان". 

وفي الصيف الماضي، هرع المقاتلون الأجانب مرة أخرى إلى ولاية بنجشير، شمال العاصمة الأفغانية "كابول"؛ لمساعدة طالبان في محاربة القوات المتحالفة مع أحمد نجل أحمد شاه مسعود.

ويقول "علم" إنه "بينما تتنافس كل من الدول العربية وإيران على النفوذ في أفغانستان، فإن هناك مخاوف من أن يجعل الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، البلاد مركزا للتنافس الإقليمي".

ومع وصول الحرب الأوكرانية- الروسية إلى ذروتها، فإنه من المحتمل أيضا أن تحاول موسكو استخدام قربها الجغرافي من أفغانستان لكسب المزيد من النفوذ، وفق الكاتب.

ويذكر المقال أن مسعود خاض وحده حربا ضد المقاتلين الذين قتلوه في النهاية قبل يومين فقط من تفجيرات 11 سبتمبر، وكما كانت تحذيراته تنطبق على أفغانستان في ذلك الوقت، فإنها تنطبق اليوم أيضا على الشرق الأوسط.

ويضيف "علم" أن المعركة الجارية حاليا في ولاية بنجشير، بين نجل مسعود وطالبان، سيكون لها تداعيات في جميع أنحاء المنطقة.

ويختم الكاتب مقاله بالقول إن "العديد من المجموعات السياسية لديها دروس لتتعلمها، أما السؤال ما إذا كانت دروس مسعود أم طالبان، فالأيام وحدها كفيلة بإجابته".