لأجل غاز الجزائر.. هكذا تعتزم فرنسا تجاوز "الخطوط الحمراء" للمغرب
.jpg)
في سابقة بتاريخ العلاقات بين البلدين، قررت فرنسا تجاوز "خطوط المغرب الحمراء"، عبر قرارها طرح نزاع إقليم الصحراء للنقاش في قمة الاتحاد المتوسطي المقبلة، حسبما كشفت وكالة الأنباء الإسبانية الرسمية "إفي".
وكان من المقرر أن تحتضن مدينة أليكانتي (شرق إسبانيا) قمة الاتحاد المتوسطي نهاية سبتمبر/ أيلول 2022، غير أن حكومة مدريد أجلتها في 30 من الشهر ذاته، لأجل غير مسمى، بسبب إصابة رئيس وزرائها بيدرو سانشيز، بفيروس كورونا.
وقمة "الاتحاد المتوسطي"، كانت تحمل في الماضي اسم "مسلسل برشلونة" الذي يعد منتدى أسس في 2008، لتبحث فيه الدول المطلة على البحر المتوسط المشاكل القائمة وسبل تعزيز التعاون.
وتقترح الرباط حكما ذاتيا موسعا بإقليم الصحراء تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة "البوليساريو" إلى استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
سابقة تاريخية
ونقلت وكالة الأنباء الإسبانية، في 30 سبتمبر عن مصادر فرنسية مطلعة لم تسمها، رغبة باريس في طرح ملف نزاع الصحراء وتأثيراته على الطاقة.
وقالت إنه رغم عدم وجود نزاع الصحراء في أجندة اللقاء، غير أن باريس قررت طرحه للنقاش بحكم ما يمكن أن يحمله من تأثيرات على أزمة الطاقة وتزويد أوروبا بالغاز.
قرار فرنسا بطرح الموضوع، يأتي في وقت يتجنب فيه المغرب والجزائر دائما طرح ملف الصحراء على مائدة "الاتحاد المتوسطي"، وهو القرار نفسه باستبعاد النزاع من كل "القمم العربية" وتركه في يد الأمم المتحدة التي تشرف عليه.
مراقبون وصفوا مبادرة فرنسا بأنها سابقة في هذه القمة، معتقدين أن قرار باريس يؤكد استمرار تفاقم الأزمة الصامتة بينها وبين الرباط.
ومنذ سبتمبر 2021، ظهر التوتر بشكل علني بعد قرار باريس تشديد القيود على منح تأشيرات للمواطنين المغاربة، وتعزز بعدم تبادل البلدين الزيارات الدبلوماسية منذ تلك الفترة.
كما زادت "قضية التجسس" من توتر العلاقات بين البلدين بعد اتهام صحف فرنسية، الرباط في يوليو/ تموز 2021، باختراق هواتف شخصيات مغربية وأجنبية عبر برنامج التجسس الإسرائيلي "بيغاسوس".
غير أن الحكومة المغربية، نفت في 28 يوليو 2021، هذا الاتهام، وأعلنت في بيان، عن رفع دعوى قضائية ضد كل من صحيفة "لوموند" وموقع "ميديا بارت" و"فرانس راديو" بتهمة التشهير.
كما أعلنت في نفس الشهر، رفع دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية في باريس ضد منظمتي "فوربيدن ستوريز" والعفو الدولية، بتهمة التشهير، على خلفية اتهامه بالتجسس في ملف برنامج "بيغاسوس".
واستُخدم برنامج "بيغاسوس" للتنصت على ناشطين بمجال حقوق الإنسان وسياسيين وصحفيين عبر اختراق هواتفهم ومراقة البريد الإلكتروني والتقاط صور وتسجيل محادثات.
فما خلفيات قرار باريس بطرح ملف نزاع الصحراء وتأثيراته على الطاقة في قمة الاتحاد المتوسطي؟ وهل هي محاولة للضغط على الرباط؟ أم أن وراءها أسبابا أخرى؟
انحياز مفهوم
رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، نبيل الأندلوسي، قال إن "خبر طرح فرنسا لقضية الصحراء في قمة الاتحاد المتوسطي، الذي نشرته وكالة الأنباء الإسبانية، إذا تأكد ومن المرجح أنه كذلك، يعد سابقة في تاريخ الاتحاد المتوسطي منذ تأسيسه".
وأضاف الأندلوسي لـ"الاستقلال"، أنه "لم يسبق لأي قمة من قمم الاتحاد المتوسطي أن طرحت على طاولة النقاش موضوع الصحراء".
وتابع أن "هذا تأكيد على استمرار الأزمة بين المغرب وفرنسا، التي باتت تتعمق وتتعقد بسبب الانحياز الفرنسي للنظام الجزائري في الفترة الأخيرة، لحسابات كثيرة وعلى رأسها حاجة باريس للغاز الجزائري".
وبعد توتر استمر نحو سنتين، زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجزائر نهاية أغسطس/ آب 2022، ووقع البلدان على هامش الزيارة اتفاقات في مجال الأمن والدفاع، والسياسة الخارجية، والاقتصاد، والغذاء، والطاقة.
من جهته، رأى نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية بحزب العدالة والتنمية، العبادلة ماء العينين، أن "أساس العلاقات الدولية هو المصالح، إذ ليست هناك صداقات دائمة ولا عدوات دائمة، بل هناك مصالح يتم الحرص على الحفاظ عليها".
وأضاف ماء العينين، لـ"الاستقلال"، أن "ما نقلته وكالة الأنباء الإسبانية، لا يمكن فصله عن السياق العام لما يجرى من أزمة صامتة ومتصاعدة في بعض الأوقات بين المغرب وفرنسا".
وأوضح أن "العلاقات بين الرباط وباريس تعيش أخيرا أزمة واضحة للعيان، ولعل آخر تجلياتها سحب السفيرة الفرنسية".
وفي 29 سبتمبر 2022، أعلنت سفيرة فرنسا لدى الرباط هيلين لو غال، مغادرتها منصبها بعد أن شغلته لمدة 3 سنوات، واصفة فترة عملها بالمنصب بـ"التعاون المثمر واللقاءات الغنية".
وقالت السفيرة الفرنسية لدى الرباط، في تغريدة نشرتها عبر تويتر، إنها "ودعت وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، خلال اجتماع معه قبل مغادرتها".
Lors de mon audience de départ avec N. Bourita, Min. des Aff. étrangères, de la Coop. afr. et des ���� de l'étranger, à la fin de mon mandat de 3 ans, je me suis souvenue de cette première rencontre. 3 ans riches de partenariats, de rencontres ��������. Merci à ceux qui les font vivre! https://t.co/VTuNFlQDB4
— Hélène Le Gal (@HeleneLeGal) September 29, 2022
دبلوماسية الغاز
قرار فرنسا بطرح نزاع الصحراء في قمة الاتحاد المتوسطي، يأتي في وقت قامت فيه الجزائر بتجميد العلاقات مع إسبانيا نتيجة دعم مدريد لمقترح الحكم الذاتي في مارس/ آذار 2022.
وفي هذا السياق، رأى الأندلوسي، أن "الجزائر تضغط بقوة على دول الاتحاد الأوروبي والدول التي تربطها بها علاقات دبلوماسية ومصالح اقتصادية، باستعمال ورقة الغاز الجزائري أو ما يمكن تسميته (دبلوماسية الغاز)".
وتابع أن "الجزائر لم تفوت الفرصة للضغط من أجل عرقلة مجهودات ومساعي المغرب في حل النزاع المفتعل حول الصحراء والتنديد بأي تأييد لمشروع الحكم الذاتي الذي تطرحه المملكة المغربية، لدرجة اتخاذ قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع الدول الداعمة للطرح المغربي كما فعلت مع إسبانيا".
في المقابل، أوضح عضو العدالة والتنمية ماء العينين، أن هناك تنافسا فرنسيا إسبانيا، -ليس وليد اليوم- على استدامة المصالح في المنطقة المغاربية ولتبوء الصدارة في الشراكات التي تكون مع الدول المغاربية.
وأكد أن موضوع الطاقة مطروح بقوة، في هذا السياق، سواء الطاقات التقليدية من غاز وبترول أو غيرها، مشيرا إلى أن "مشروع أنبوب الغاز بين المغرب ونيجيريا حاضر بقوة في هذا الإطار وعليه رهانات كبيرة وفيه مصالح مجموعة من الدول".
وإضافة إلى الطاقات التقليدية، هناك أيضا الطاقات المتجددة، يقول ماء العينين، التي تشهد تقدما مهما بالنسبة للمغرب، سواء فيما يخص الطاقة الشمسية أو الريحية، فضلا عن الطاقات الخضراء.
وأفاد ماء العينين، بأن هناك صراعات حول هذه المصالح، مبينا أنه "شيء طبيعي أن تعمل كل دولة على تحقيق أكبر قدر من المصالح".
ولاحظ أن "هذا التنافس والصراع يشتد بشكل متصاعد بدخول فاعلين آخرين من قبيل أميركا وبريطانيا والصين وحتى الكيان الصهيوني أخيرا على الأقل فيما يخص المغرب بعد تطبيع العلاقات".
وجاء تطبيع العلاقات بشكل رسمي بين البلدين بعد توقيع "الإعلان الثلاثي المشترك" بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل، في 22 ديسمبر/ كانون الأول 2020 بالعاصمة الرباط.
أزمة حقيقية
وأمام تجنب المسؤولين بكلا البلدين الخوض في هذه الأزمة الصامتة بين الرباط وباريس، يرى مراقبون أن تجليات هذه الأزمة "أصبحت حادة وواضحة".
وهو ما ذهب إليه، رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية، الأندلوسي، الذي يرى أن "العلاقات الدبلوماسية المغربية الفرنسية، في أزمة حقيقية تتعمق يوما بعد يوم ومؤشراتها بادية للعيان".
وأردف أنه "رغم أهمية السفارة الفرنسية بالرباط، لم يعلن قصر الإليزيه –لحد الآن- عن تعيين أي خلف للسفيرة الفرنسية، لوغال، التي غادرت منصبها وتم تعيينها بمنصب في الاتحاد الأوروبي".
وبعد أن عدد الأندلوسي، جملة من المؤشرات الدالة على استمرار الأزمة بين البلدين من قبيل "أزمة التأشيرات"، وتوقف الزيارات الدبلوماسية الرسمية، أكد أن استمرار هذه الأزمة لا تخدم أيا من البلدين، نظرا للمصالح الإستراتيجية التي تربط بينهما.
بدوره، قال ماء العينين: "في تقديري إنه شيء طبيعي أن يتم اللجوء إلى الضغط والابتزاز والبحث عن إضعاف الخصم الدبلوماسي، فهذا أمر وارد في العلاقات الدولية".
وخلص إلى أنه "من المفترض أن يتوقع المغرب مثل هذه الأمور والمزيد منها، طالما أنه يطلب موقفا واضحا وصريحا من فرنسا فيما يخص مشروع الحكم الذاتي ومغربية الصحراء".
واستدرك ماء العينين قائلا: "نجد أن فرنسا تتلكأ في التعبير عن موقفها بهذا الخصوص، لأن عندها أيضا مصالح إستراتيجية مع الجزائر".
وكان ملك المغرب دعا في خطاب بمناسبة العيد الوطني "ثورة الملك والشعب" في 20 أغسطس 2022، "الدول التي تتبنى مواقف غير واضحة بخصوص مغربية الصحراء أن توضح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل".
وفي الوقت الذي أشاد العاهل المغربي في خطاب نقله التلفزيون الحكومي، بدعم إسبانيا لمقترح الحكم الذاتي، لم يرد ذكر فرنسا ضمن الدول الداعمة للمغرب في ملف إقليم الصحراء.
ورأى مراقبون أن فرنسا هي المعنية الأولى بهذا الخطاب، لأنها ما تزال تمسك العصا من الوسط في ملف الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، ولم تقدم حتى الآن أي دعم واضح للرباط، فهل نشهد فصولا أخرى للأزمة بين البلدين أم أن الأمور ستعود لنصابها؟
المصادر
- في سابقة.. باريس أرادت طرح ملف الصحراء الغربية في قمة الاتحاد المتوسطي وعلاقته بالغاز
- سفيرة فرنسا تغادر رسميا منصبها بالمغرب
- بيغاسوس: المغرب يرفع دعوى تشهير وماكرون يغير رقم هاتفه على خلفية قضية التجسس
- الملك محمد السادس يطلب من فرنسا وإسرائيل موقفا واضحا من مغربية الصحراء الغربية
- ماذا وراء الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا؟