انهيار مقصود.. لهذا تقدمت إثيوبيا وتراجعت مصر بقائمة الطيران العالمية

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار تتويج منظمة "سكاي تراكس" العالمية، للخطوط الجوية القطرية كأفضل شركة طيران بالعالم، ومنح نظيرتها الإثيوبية لقب الأفضل بقارة إفريقيا لعام 2022؛ غضب مصريين، خاصة بعد حلول شركتهم الوطنية بمرتبة متدنية في التصنيف.

جوائز "سكاي تراكس" للطيران العالمي انطلقت عام 1999 من العاصمة البريطانية لندن، لتقيس رضا العملاء عن خطوط الطيران عبر استبيان سنوي عالمي، وشمل هذا العام 14 مليون شخص في 100 دولة من سبتمبر/ أيلول 2021 إلى أغسطس/ آب 2022.

الصادم أن شركة "مصر للطيران" الحكومية الأقدم عربيا وإفريقيا والأكبر في الشرق الأوسط، حلت بالمرتبة السادسة قاريا، والـ95 عالميا، بعد أن كانت الخطوط العربية والإفريقية الأولى.

أرقام صادمة

وبقراءة نتائج استطلاع "سكاي تراكس"، الذي نشر في 23 سبتمبر/ أيلول 2022، ظلت الخطوط الجوية القطرية على ترتيبها الأول في 2022.

"الإمارات"، حلت بالترتيب الثالث عالميا في 2022، متقدمة من المركز الرابع في 2021، بعد الخطوط "السنغافورية"، التي حلت كثاني أفضل شركة طيران بالعالم.

كما حققت الخطوط "التركية"، تقدما بـ10 مراكز في عام واحد لتحل السابعة عالميا بعدما كانت بالمركز الـ17 عالميا، ولتدخل بين العشرة الكبار في 2022.

أيضا، حققت "طيران الخليج" البحرينية 22 مركزا متقدما دفعة واحدة في 2022، لتحصد المركز 22 عالميا بعدما كانت الـ44 عالميا في 2021.

الخطوط الجوية الإثيوبية، هي الأخرى تقدمت من المركز 44 عالميا في 2019، إلى المركز 37 في 2021، ثم إلى المركز 26 في 2022، محققة 18 مركزا متقدما خلال عامين؛ رغم ما تشهده البلاد من صراعات داخلية.

لكن الخطوط الجوية "السعودية" تراجعت 8 مراكز في 2022، لتحتل المركز 34 بعدما كانت بالمرتبة الـ26 عام 2021.

وتقدم "الطيران العماني" 5 مراكز منتقلا من المرتبة 42 في 2021، إلى المركز 37 في 2022.

الخطوط "المغربية"، حققت تقدما لافتا بـ15 مرتبة من المركز 81 في 2021، إلى الـ66 عالميا، لتحل بالترتيب الثالث إفريقيا.

وجاءت "جنوب إفريقيا" للطيران بالمركز 79 عالميا والثالث بالقائمة الإفريقية، لتتبعها "طيران كينيا" بالمرتبة 81 عالميا والرابعة بالقارة، ثم  "موريشيوس" بالموقع 88 عالميا والخامس إفريقيا.

ورغم حلول "مصر للطيران" خلف جميع ما سبق من الشركات العربية والإفريقية، إلا أنها انتقلت من الترتيب رقم 121 عالميا في 2021، لتعود إلى قائمة أفضل 100 طيران بالعالم محققة المركز الـ95 في 2022، ومتقدمة 26 مركزا خلال عام واحد.

لكن يظل بينها وبين قطر 94 مرتبة، و92 مع الإمارات، و88 مع تركيا، و73 مع البحرين، و69 مع إثيوبيا، و61 مع السعودية، و58 مع عمان، و29 مع المغرب، و16 مع جنوب إفريقيا، و14 مع كينيا، و7 بينها وبين موريشيوس. 

أزمة مصر للطيران

تأسست شركة مصر للطيران في 7 مايو/ أيار 1932، لتصبح السابعة في العالم حينها، وهي مملوكة لوزارة الطيران المدني.

وتحولت لشركة قابضة عام 2002، لتضم تسع شركات أهمها "مصر للطيران للخطوط الجوية"، التي تضم 90 طائرة، وبها 35 ألف موظف، وفق موقع الشركة عبر الإنترنت.

هناك أيضا مصر للطيران "للصيانة والأعمال الفنية"، و"للخدمات الأرضية"، و"للشحن"، و"للخدمات الجوية"، و"للصناعات المكملة"، و"للسياحة والأسواق الحرة"، و"للخدمات الطبية"، و"للفنادق".

كذلك بها شركات طيران "إير سفنكس"، و"إكسبريس"، ولها أسهم في "سمارت للطيران"، و"سيناء للطيران"، و40 بالمئة من "أير كايرو"، و70 بالمئة من "أل أس جي سكاي شيف للتموين"، 20 بالمئة من "سياف – للتأجير".

وتعاني مصر للطيران من تركة ثقيلة من الديون، لم تكشف عنها التقديرات الرسمية.

وفي ظل عدم الشفافية وغياب المعلومات طالبت النائبة البرلمانية أميرة أبوشقة، في أكتوبر/ تشرين الأول 2021، الشركة والحكومة بالإفصاح عن حجم مديونية مصر للطيران.

النائبة، أشارت إلى أن بعض التقديرات أوصلت ديون الشركة لنحو 40 مليار جنيه نحو (2.55 مليار دولار حينها)، ما يمثل أكثر من نصف رأس مال الشركة، بحسب أبوشقة.

وفي 2020، كانت قد حصلت مصر للطيران من البنك المركزي على قرض بقيمة 5 مليارات جنيه (نحو 318 مليون دولار) حتى تتمكن من صرف رواتب الموظفين في المواعيد المحددة، وسداد أقساط الطائرات الجديدة التي دعمت بها أسطولها.

وفي يناير/كانون الثاني 2020، أعلن رئيس الشركة القابضة لمصر للطيران في ذلك الوقت رشدي زكريا، تكبد الشركة خسائر بنحو  700 مليون جنيه (نحو 45 مليون دولار) شهريا، بسبب جائحة كورونا.

وقال في تصريحات صحفية محلية إن "إجمالي الخسائر منذ بدء الجائحة وصل لما يقارب 10 مليارات جنيه؛ بما يعادل (635 مليون دولار)".

وتثار المخاوف على مستقبل الشركة الخاسرة، خاصة في ظل توجه مصري ببيع الشركات والأصول الحكومية لسداد الديون وتوفير العملات الصعبة التي تعاني البلاد نقصا كبيرا منها.

في مارس/ آذار 2020، أعلنت الشركة عن خطة "إعادة هيكلة" بالتعاون مع الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة، تتبنى دمج الشركات التسعة لتصبح ثلاثة؛ لتعظيم العائد وتقليل النفقات والمعاملات البينية.

تردي مطار القاهرة

مصر للطيران ليست وحدها التي تواجه أوضاعا صعبة وتوضع في تصنيف عالمي متدن،  فمطار القاهرة الأقدم عربيا وإفريقيا يعاني من نفس الأزمات والتصنيف المتراجع عن نظرائه الإقليميين والعرب والأفارقة.

ووفقا لتصنيف "سكاي تراكس" الصادر في يونيو/ تموز 2022 بحق مطارات العالم؛ تصدر مطار "حمد الدولي" بالعاصمة القطرية الدوحة قائمة أفضل مطارات العالم، وهو نفس ترتيب 2021.

مطار "إسطنبول" في تركيا تقدم 9 مراكز ودخل قائمة العشرة الكبار عالميا بتحقيقه المرتبة الـ8 عالميا في 2022، متقدما من رقم 17 في 2021.

مطار "دبي" حل بالمركز الـ14 عالميا متقدما 5 مراكز عن عام 2021 الذي حل خلاله بالمركز الـ19 عالميا.

وحقق مطار "الرياض" بالعاصمة السعودية تقدما من المركز 58 في 2021، إلى المركز 29 في 2022، فيما حل مطار جدة بالمرتبة 44 عالميا من المركز 50 في 2021.

كذلك تقدم مطار "البحرين" من المرتبة الـ85 في 2021، إلى 32 في 2022، أما مطار العاصمة العمانية "مسقط"، فقد حل بالمرتبة الـ42 عالميا في 2022، متقدما من المركز الـ56 في 2021.

إفريقيا، كان مطار "كيب تاون" الجنوب إفريقي الوحيد بالقارة الذي حل في قائمة الـ50 الأولى عالميا محققا المركز الـ49 في 2022، وذلك إلى جانب 3 مطارات أخرى بجنوب إفريقيا بقائمة أفضل 100 مطار.

إلا أن مطار "القاهرة الدولي"، وباقي المطارات المصرية الأخرى مثل "شرم الشيخ"، و"الغردقة"، و"برج العرب"، وغيرها، لم تدخل في قائمة المطارات المئة وفقا لهذا التصنيف.

ويعود تأسيس مطار القاهرة الدولي إلى أربعينيات القرن الـ20 عندما جرى بناء قاعدة القوات الجوية الأميركية لخدمة قوات "التحالف" بالحرب العالمية الثانية، لتستحوذ عليه هيئة الطيران المدني عام 1945، ليسمى "مطار الملك فاروق الأول".

وجرت على المطار تعديلات كبيرة في عهود الرؤساء جمال عبدالناصر، وحسني مبارك.

واحتل مطار القاهرة المركز الـ100 على مستوى العالم في تصنيف أفضل المطارات لعام 2012، ليصبح الرابع إفريقيا والخامس عربيا، متراجعا بمقدار 18 مركزا بعد أن كان يحتل المركز الـ82 عام 2011.

ومنذ 2017 خرجت مصر للطيران ومطار القاهرة من قائمة نادي المئة بحسب نتائج التصنيف السنوي لـ"سكاي تراكس"، وذلك في الوقت الذي تقدمت فيه شركات عربية نحو المراكز العشرة الأولى لأفضل شركات طيران عالمية.

خدمة سيئة

ومنح تصنيف "سكاي تراكس" مطار القاهرة الدولي نجمتين فقط من خمس للمرافق والراحة والنظافة والتسوق والأطعمة والمشروبات وخدمة الموظفين والأمن.

وقال إن المطار يتكون من ثلاثة مبان، يتميز رقم (1) بمعايير رديئة، في حين أن المبنى رقم (3) هو الأحدث والأكثر ملاءمة للركاب من بين المرافق.

ولفت إلى أن نقاط اتصال العملاء مرهقة، وتوفير شبكة (WiFi) ووصلات النقل العام رديئة.

وعبر موقع "ترافيلر" (traveller)، انتقدت الكاتبة بليندا جاكسون، خدمات مطار القاهرة في 6 يونيو/ تموز 2022، مشيرة إلى أنه رغم أن المظهر يبدو فيه الرخام وكأنك في أوروبا إلا أن هناك "مراحيض القرفصاء المخيفة، وسائقي سيارات الأجرة النهمين". 

ولفتت إلى وجود طوابير كثيفة تستغرق وقتا طويلا، ومعركة بين عربات الأطفال، والسوائل غير المصرح بها، متحدثة عن الدخول من باب واحد فقط.

وعبرت جاكسون عن انزعاجها من نقص الموظفين الذين يراقبون الناس، موضحة أن كل معاملة تستغرق أكثر من 20 دقيقة.

وقالت: "إجمالا، يستغرق الأمر 70 دقيقة من دخول المطار للمرور عبر الأمن، وتسجيل الوصول، والمزيد من الأمن، ثم الجمارك".

وألمحت الكاتبة أيضا إلى أن الطعام أقل جودة وأعلى سعرا، وأن الهدايا التذكارية والملابس الموجودة بمحلات مرفقة في المطار أغلى 5 أضعاف من مثيلاتها بالشارع المصري.

وانتقدت جاكسون تأخير مواعيد الإقلاع، وعدم وجود ما يشغل ذلك الفراغ، مشيرة إلى أن شبكة الـ"Wi-Fi" سيئة وبعيدة المنال، وفي الغالب لا تعمل.

في السياق، اشتكى ركاب مصريون عائدون من أوروبا، لـ"الاستقلال"، سوء خدمات مصر للطيران ومطار القاهرة معا، مؤكدين أنها "خدمة سيئة وأسعار غير عادلة، ومعاملة مهينة".

وقالوا إن "طائرات الشركة لا تلتزم بموعد للإقلاع أو الوصول، ودائما ما تتأخر لدواع لا يعرفها الركاب"، مشيرين إلى "سوء المعاملة داخل المطار، وطلب بعض العاملين مبالغ مالية من الركاب، وتخلف الحقائب، بل وفتحها في بعض الأحيان".

تخسير مقصود

خبر تدني ترتيب مصر للطيران وفقا منظمة "سكاي تراكس"، يأتي في توقيت كشف فيه عن شراء رئيس النظام عبدالفتاح السيسي طائرة رئاسية جديدة من طراز "بوينج 8-747"، بقيمة بلغت وفق تقديرات مواقع متخصصة في الطيران نصف مليار دولار.

وأثيرت ضجة عبر مواقع التواصل في مصر، وسط مخاوف من أن تطال الشركة يد الخصخصة والبيع البخس للأجانب، مع اتهامات للحكومة بتخسير الشركة، مطالبين بتقديم الكفاءات للقيادة.

وتحت هاشتاغ  "#تخسير_مصر_للطيران"، عد الناشط الدكتور محمود فؤاد ذلك "خبرا أسود"، متسائلا كيف تأتي إثيوبيا بالمركز الأول ويسبق مصر بالقارة 5 دول؟! 

وكتب في تدوينةعبر فيسبوك، أن هذا ليس ترديا إنما هو انهيار لشركة وطنية لصالح شركات منافسة عربيا وإفريقيا، منتقدا الإجراءات الأمنية وعمليات التفتيش وطوابير مطار القاهرة.

وفي الوقت الذي لفت فيه إلى أن تجربة سنغافورة الاقتصادية كان عمودها الفقري شركة الطيران الوطنية، طالب أجهزة الدولة الرقابية بالتحقيق فيما وصلت إليه الشركة، نتيجة اختيارات (أهل الثقة).

 وفي تقديره لأسباب هذا التراجع ودور الفشل الإداري والفساد المالي وضعف الكوادر الفنية، وحديث النظام الدائم عن الحرب على الإرهاب، أكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبدالعزيز أن "النظام المصري سبب لكل الأزمات".

الأكاديمي المصري، أضاف لـ"الاستقلال"، إنه "وضع أولوية حماية النظام فوق كل الأولويات، فطبيعي أن تتأخر مصر على كافة الأصعدة".

ولفت إلى أن "قطاع الطيران من القطاعات التي تشهد تطورا في إثيوبيا وجنوب إفريقيا وقطر والإمارات، وغيرها".

وتابع: "يكفي أن تحجز تذكرة لدى مصر للطيران لترى سوء الخدمة، وعشوائية الإجراءات، وارتفاع التكلفة، وعندما تقارن ذلك بشركات أخرى عربية تدرك أن مصر تأخرت كثيرا".

"كما يكفيك أيضا، زيارة واحدة لإحدى صالات الوصول بمصر وتنتظر أحد القادمين لتعاني بشدة من عدم وجود أماكن مناسبة للانتظار، وكثرة المدفوعات منذ دخولك لأماكن الانتظار وغيرها، من مقاييس تنعكس على عدد الرحلات وحجم الإيرادات".

وفي إجابته على التساؤل: "كيف حققت إثيوبيا معدل النجاح رغم الحرب الأهلية، بينما عجزت مصر؟ قال أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: "طيران إثيوبيا، وضعت خطة إدارية ضخمة منذ 2010".

وأكد أن "تحالف (ستار الينز) نفذ خطة إستراتيجية اسمها (فيجن) لمدة 15 عاما لجعل الخطوط الإثيوبية رائدة".

"وهو ما يحدث بالفعل من خلال رقمنة الشركة، وزيادة وجهاتها، وتحديث أسطولها، وصيانة طائراتها، ووضع إرضاء العميل كأولوية تسويقية، ما انعكس على تصنيفها من قبل العملاء كشركة رائدة بإفريقيا".

وعن تأثير تراجع مصر للطيران على دخل مصر وقطاع السياحة، يرى عبدالعزيز أن "ذلك ينعكس على السياحة بالسلب وعلى الاقتصاد ككل"، موضحا أن "خدمة الطيران هي أول تعامل للسائح مع الدولة المضيفة".

وبين أنه "بمجرد إدراك السائح لسوء الخدمة، وصعوبات التعامل، وبطء الإجراءات، وعشوائية الخدمة، بشكل عام، وسوء مستوى الطائرات من الداخل، فقد يكون هذا آخر تعامل للسائح مع الدولة نفسها".

وختم بالقول: "والعكس صحيح إذا توفرت خدمة مميزة، وهذا يتطلب إرادة نظام دولة يمتلك رؤية حقيقية للتطوير والتغيير".