لماذا يصر الحوثيون على إحياء مناسباتهم باستعراضات عسكرية ضخمة؟

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تطورات دراماتيكية في قدرات مليشيا "الحوثي" وعروضها العسكرية المتواصلة في اليمن، منذ بدء سريان الهدنة الإنسانية التي ترعاها الأمم المتحدة مطلع أبريل/نيسان 2022.

ففي سبتمبر/أيلول 2022 أقام الحوثيون استعراضا عسكريا بمحافظة الحديدة للمرة الأولى منذ إعلان اتفاق "استوكهولم" مع الحكومة في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018، الذي أوقف تقدم القوات الحكومية نحو المدينة الإستراتيجية على البحر الأحمر.

وتضمن الاتفاق صفقة لإخلاء مدينة الحديدة من السلاح، بالإضافة إلى آلية لتبادل الأسرى، وتفاهم لتهدئة القتال في محافظة تعز (وسط) وفتح طرقها.

لكن الحوثيين تنصلوا من التزاماتهم بشأن فتح الطرق وإخلاء المدينة من المظاهر المسلحة، واكتفوا بصفقة تبادل أسرى مع القوات الحكومية في أكتوبر/تشرين الأول 2020، بوساطة الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

التقاط الأنفاس

وفي 15 سبتمبر 2022 نظم الحوثيون بصنعاء عرضا عسكريا للوحدات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية الخاضعة لسيطرتهم، تحت شعار "لهم الأمن"، وبحسب موقع "26 سبتمبر" التابع للحوثيين فإن الاستعراض "هو الأكبر في تاريخ اليمن".

واحتفل الحوثيون الذين نهبوا مؤسسات الدولة، بما في ذلك الاحتياطي النقدي للبنك المركزي اليمني المقدر بـ 5.6 مليارات دولار وأكثر من تريليون من العملة المحلية، في 21 سبتمبر 2022، بميدان السبعين في العاصمة صنعاء بمناسبة الذكرى الثامنة لانقلابهم.

وقاموا بتوزيع الحلوى عبر إسقاطها من طائرات الهيلوكوبتر، التي حلقت لأول مرة منذ بدء الصراع، الأمر الذي أثار سخرية اليمنيين الذين يحملون مليشيات "الحوثي" مسؤولية نهب مرتبات موظفي الدولة في القطاعين المدني والعسكري.

واستعرض الحوثيون قوتهم العسكرية في عرض ضخم نظمته المليشيا المدعومة من إيران، شمل أسلحة جديدة لم يكشف عنها سابقا، منها طائرات مسيرة حديثة، وصواريخ باليستية، وأخرى جوية وبحرية.

وبحسب قناة "المسيرة" التابعة للحوثيين التي بثت مشاهد من الاستعراض، تضمن العرض "أسلحة إستراتيجية جديدة لم يتم الكشف عنها من قبل، بعضها دخل الخدمة قريبا وبعضها جربت ولم تستخدم بعد".

وفي كلمته خلال العرض أكد رئيس "المجلس السياسي الأعلى" التابع للحوثيين، مهدي المشاط، على ما أسماه "الحرص الكبير على السلام والانفتاح على كل الجهود والمساعي الخيرة".

ودعا المشاط "قيادة الحرب في الجانب الآخر إلى الانتقال المشترك من إستراتيجيات الحرب والسياسات العدائية إلى السلام".

وشكلت الهدنة الإنسانية في اليمن، التي أعلنت مطلع أبريل/نيسان 2022 والمستمرة للشهر الخامس على التوالي، استراحة محارب وفرصة للحوثيين لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراقهم، وهو ما ظهر جليا في عروضهم العسكرية الأخيرة التي بلغت أكثر من 5 عروض.

ويحتفل الحوثيون سنويا بذكرى انقلابهم، بزعم أن إسقاط الدولة وسيطرتهم عليها كان "ثورة"، أو ما يطلقون عليها بـ"المسيرة القرآنية"، حيث يرون أن ما حدث "استحقاق إلهي" في منحهم الحكم.

بينما يستذكر اليمنيون في المقابل مأساتهم الإنسانية بدءا بسقوط الدولة وفقدان وظائفهم، والمبرر الذي سمح للتدخل الخارجي بشن حرب واسعة في 25 مارس/آذار 2015، وما تلاه من حالة صراع وتمزيق للبلاد، بسبب التداخلات الإقليمية ومشاريع التحالف السعودي الإماراتي لتمزيق اليمن.

مشروع حرب

وتعليقا على "استعراض الحوثيين" قال الخبير العسكري محمد الكميم: "تهديد واضح وصريح وتحد كبير للمجتمع الدولي، وهذا هو نهج المليشيا كمشروع حرب".

وأكد الكميم لـ"الاستقلال" أن "مليشيا الحوثي استغلت الهدنة الأخيرة كما استغلت الهدن السابقة".

ولفت إلى "الحوثي يلجأ للهدنة عندما يكون في حالة انهيار عسكري تام، وعندما يواجه مشاكل في التحشيد والتعبئة، ولذلك يقبل بالهدنة استعدادا للحرب، وهي جزء من إستراتيجياته".

وذكر أن "الحوثيين إلى الآن أقاموا 6 عروض عسكرية، ونستطيع القول إن الأسلحة التي استعرضها تشكل تهديدا حقيقيا للشعب اليمني، فالتكنولوجيا في الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية نسخة طبق الأصل من الأنظمة والتكنولوجيا الإيرانية". 

وعد أن "ذكرى الانقلاب الحوثي الإيراني المشؤوم على الدولة اليمنية نكبة قضت على الدولة وأوصلت المليشيات إلى السلطة دون أي مقاومة تذكر".

وأرجع الكميم هذه النكبة إلى "تخاذل القيادات العسكرية وعلى رأسهم القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس السابق، عبدربه منصور هادي، ووزير دفاعه الذي لم يصدر أي أمر عملياتي من أجل التحرك لمواجهة الحوثيين". 

وأكد أن "أن "مليشيات الحوثي تستعد لجولة صراع جديدة، ولا يمكن أن تقدم أي تنازلات في المستقبل لصالح الشعب اليمني، كونها مرتبطة بالمشروع الإيراني، رغم كثير من التنازلات التي قدمت من قبل مجلس القيادة الرئاسي".

وشدد الكميم على أن "المليشيات لم تقدم أي تنازلات، بما في ذلك فتح الطرقات وتسليم المرتبات، واستفادت من موارد ميناء الحديدة ومطار صنعاء والاعتراف بالجوازات الصادرة عنها، وتطالب الآن بالمزيد من المكتسبات السياسية والاقتصادية على حساب مطالب الشعب في السلام والاستقرار".

ودفع اليمن كلفة بشرية واقتصادية باهظة جراء الانقلاب الحوثي منذ 2014، وطوال 7 سنوات من النزاع المسلح تحولت حياة ملايين من اليمنيين إلى جحيم لا يطاق.

وكانت أبرز فصوله الكارثية مقتل وإصابة عشرات الآلاف من المدنيين على يد الحوثيين بنيران قناصة وألغام محرمة دوليا، وتفجير المنازل ودور العبادة وتجنيد الأطفال وتدمير القطاع الصحي والتعليمي، إلى جانب الانتهاكات التي تعرض لها مئات من المدنيين عبر الهجمات الجوية والبرية للتحالف السعودي الإماراتي.

فشل التحالف

وأدى الانقلاب الحوثي إلى تزايد الانتهاكات والاعتقالات التعسفية والإخفاءات القسرية وتكميم الأفواه ومصادرة الحريات واستهداف المنشآت وتدمير المدارس، والتسبب بمواجهة 70 بالمئة من السكان البالغ عددهم 30 مليون نسمة خطر المجاعة، حسب تحذيرات البنك الدولي والأمم المتحدة.

وحول ذكرى الانقلاب الحوثي، قال الباحث والكاتب اليمني نبيل البكيري، إن "احتفال الحوثي هذا العام بهذا الشكل هو من قبيل رسالة مهمة بانتهاء الحرب بالنسبة لهم، وبالنسبة للخليج والمملكة تحديدا".

وأضاف البكيري، في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الهدف من حرب ثماني سنوات قد تحقق، وهو ضرب الشرعية اليمنية وتفكيك جغرافيتها وتوزيعها بين المليشيات شمالا وجنوبا".

وعد أن "الاحتفال كان بمثابة إعلان من الحوثيين بتحقيق هدفهم وهو التمسك بما تحت يديهم من أرض وفي مقدمتها صنعاء، وأنه يمكنهم التفاهم مع المجتمع الدولي حول المرحلة القادمة".

وتابع: "هذا الاحتفاء هو إعلان فشل التحالف المتفق عليه مسبقا بين ممالك الخليج والحوثي التي كانت أهم أدوات الثورة المضادة المدعومة خليجيا لضرب ثورة 11 فبراير اليمنية كما تم ضرب ثورة مصر وليبيا وتونس وسوريا بالمليشيات".

وختم البكيري قائلا: "اليوم الصورة غدت أكثر وضوحا عن دور ما سمي بالتحالف العربي وهو التخلص من الشرعية اليمنية وتفكيك الجمهورية". 

واستطرد: "يعتقدون أن الحرب في اليمن بالنسبة لليمنيين قد انتهت، باعتقادي حرب اليمنيين الحقيقة لاستعادة دولتهم وجمهوريتهم لم تبدأ بعد".

من جهة أخرى، سخر الناطق باسم الحوثيين محمد عبدالسلام من إعلان التحالف بعد شهر من تدخله العسكري في اليمن القضاء على ترسانة الأسلحة والصواريخ.

وفي 20 أبريل/نيسان 2015 أعلن الناطق باسم التحالف السعودي الإماراتي أحمد عسيري تحييد تهديد صواريخ الحوثيين الباليستية، وتدمير نحو 80 بالمئة من مستودعات الذخائر والأسلحة للمليشيات. 

وقال عبدالسلام في تغريدة على حسابه في "تويتر" بعد يوم من احتفال الحوثيين واستعراضهم لقوتهم العسكرية أن "ما شهدته صنعاء من عرض عسكري مهيب هو بعض ما أعلنوا القضاء عليه من ترسانة صواريخ في أول العدوان قبل ثماني سنوات".

تجويع وإتاوات

ويدور النزاع في اليمن بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى شمال وغرب البلاد، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. 

وتسبب النزاع في مقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو بسبب تداعيات الحرب، وفق الأمم المتحدة.

إلى جانب نهب المال العام سعت المليشيا إلى استغلال سلطتها بتوريد أموال الزكاة إلى السلطات المحلية من خلال فتح حسابات خاصة بزكاة كبار المكلفين في البنك وجباية أموالها إلى هذا الحساب الذي لا يخضع لأي إشراف حكومي.

وفي يونيو/حزيران 2020 شرع الحوثيون بتعديلات عنصرية تحت مسمى "اللائحة التنفيذية لقانون الزكاة"، جرى فيها تخصيص امتيازات حصرية لمن وصفوهم بـ"بني هاشم" في إيرادات الدولة عن بقية اليمنيين.

كما فرض الحوثيون جمارك جديدة على كافة البضائع القادمة من منافذ سيطرة الحكومة الشرعية.

بالإضافة إلى تحصيل الضرائب ورسوم إضافية من الشركات والمحلات التجارية وفرض مجهود حربي على معظم التجار ورجال الأعمال وتسخيرها لحروبها ضد اليمنيين وإقامة الاحتفالات الطائفية.

وبحسب وثائق تداولها ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن تكلفة العرض الحوثي الواحد تزيد عن 5 مليارات ريال (الدولار يساوي 560 ريالا) ويتم حسابها من عوائد المشتقات النفطية والجمارك ورواتب الموظفين المتوقفة.

وقال الصحفي وليد الراجحي في تغريدة عبر "تويتر" في 23 سبتمبر، أن "مبالغ أكبر مخصصة لفعاليات الاحتفالات ذات الطابع الطائفي المستوردة من إيران والتي تزيد عن 22 فعالية".

ويعيش الموظفون في القطاعين المدني والعسكري "وضعا مزريا" جراء انقطاع رواتبهم للعام السادس على التوالي.

وتحول الكثير من الموظفين إلى العمل الخاص والغربة خارج اليمن، بينما يعيش آخرون على المساعدات الإنسانية المقدمة من المنظمات الإغاثية.