التعديلات الانتخابية في تونس.. هل تحرم "الشعبويين" من الترشح؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أخيرا ورغم الجدل الذي رافق طرحه، وافق مجلس نواب الشعب التونسي بغالبية أعضائه على تعديل القانون الانتخابي في جلسة صاخبة مساء الثلاثاء 18 يونيو/حزيران 2019.

تعديلات لم تتطرق إلى جوهر القانون أو شكله العام، إنّما وسّعت دائرة المحرومين من الترشح للانتخابات المقبلة التي سينطلق مسارها بانتخابات تشريعية في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2019، ومن ثم رئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

التعديلات الجديدة قد تقصي بعض الطامحين إلى الرئاسة من الترشح مثل صاحب قناة "نسمة" والقيادي السابق في حركة نداء تونس نبيل القروي، إضافة إلى رئيس جمعية "عيش تونسي" سليم بن حسن وممولة الجمعية ألفة تراس زوجة رجل الأعمال الفرنسي غويوم رامبورج، ورئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي، أحد أبرز وجوه حزب التجمع المنحل بعد سقوط نظام بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011".

نقاط جدلية

منذ 8 أشهر من الآن أودعت الحكومة مشروع تعديلات على القانون الانتخابي، والذي تمّ إقراره أول مرّة بمرسوم رئاسي خلال الفترة الانتقالية الأولى، التي ترأسها فؤاد المبزع آخر رؤساء البرلمان في عصر الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وتولى حينها الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي مهام الوزارة الأولى في 7 مارس/آذار 2011.

هذا القانون اقترحته حينها هيئة الإصلاح السياسي وتحقيق أهداف الثورة والتي ترأسها أستاذ القانون الدستوري عياض بن عاشور، وتميّز هذا القانون بإقرار مبدأ التناصف والتناوب بين الرجال والنساء في تركيبة القوائم الانتخابية المترشحة والاعتماد على نظام التمثيل النسبي.

كانت أول النقاط التي فتحت جدلا بين الأحزاب السياسية في تونس، هو إقرار عتبة انتخابية بنسبة 5 في المائة حين احتساب الأصوات لتوزيع المقاعد في الانتخابات التشريعية، وهو ما تواصل لمدّة طويلة كاد أن يعصف بالتعديل برمّته ما دفع الائتلاف الحاكم إلى الموافقة على تخفيضها إلى 3% فقط.

بطلب من كتلتي نداء تونس وحركة مشروع تونس تمّ رفع الحظر المفروض على التجمعيين (أعضاء حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم قبل الثورة)، وهو ما وافقت عليه كتلة حركة النهضة بعد نقاش طويل ومعمق، ويعتبر عدد من الفاعلين السياسيين أن التجمعيين يمتلكون سجلاّ أسود من عمليات المشاركة في تزوير الانتخابات منذ إقرار التعددية السياسية في تونس في العام 1981.

أما الفصل الذي يعتبر أكثر خلافا فهو الذي أقر منع الترشح للانتخابات التشريعية "لكل شخص أو قائمة تبين للهيئة العليا المستقلة للانتخابات قيامه أو استفادته خلال 12 شهرًا التي تسبق الانتخابات بأعمال تمنعها الفصول 18 و19 و20 من المرسوم المتعلق بتنظيم الأحزاب على الأحزاب السياسية أو مسيريها".

مضيفا: "وهو ما ينص على تحجير (منع) تقديم أية امتيازات مالية أو عينية للمواطنين ومنع التمويل الأجنبي، أو قبول المساعدات والتبرعات والهبات الصادرة عن المؤسسات والشركات خاصة كانت أو عمومية، أو تبين قيامه أو استفادته من الإشهار السياسي وتقرر الهيئة إلغاء نتائج الفائزين في الانتخابات التشريعية إذ ثبت لها عدم احترامهم لأحكام هذا الفصل".

متابعا: "وتتخذ الهيئة قرارها بناء على ما يتوفر لديها من إثباتات بعد الاستماع إلى المعنيين بقرار رفض الترشح أو إلغاء النتائج. وتكون قراراتها قابلة للطعن أمام القضاء وفق الإجراءات المنصوص عليها بالقانون الانتخابي".

كما اشترط التعديل الجديد خلوّ ساحة المترشحين من السوابق العدلية في الجرائم القصدية (متعمدة) وتقديمهم ما يفيد التصريح بمكاسبهم (ثرواتهم) بالنسبة للأشخاص الخاضعين لواجب التصريح بالمكاسب.

وأضاف القانون فصلا يحرم كل من لا يحترم خطابه النظام الديمقراطي ومبادئ الدستور والتداول السلمي للسلطة أو يهدد النظام الجمهوري ودعائم دولة القانون، أو يدعو للعنف والتمييز والتباغض بين المواطنين، أو يمجد ممارسة انتهاك حقوق الإنسان.

على المقاس

تعدّدت الأسباب التي رفعها رافضو التعديلات على القانون الانتخابي الجديد، حيث اعتبرت الأحزاب المعارضة داخل مجلس نواب الشعب (البرلمان) أنه ليس من المنطقي تعديل قانون الانتخابات قبل أسابيع قليلة من بدايتها.

الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية حمّه الهمامي قال خلال ندوة صحفية الأربعاء 19 يونيو/حزيران 2019 إنّ مصادقة مجلس نوّاب الشعب أمس (الثلاثاء 18 يونيو/ حزيران 2019) على قانون الانتخابات والاستفتاء مهزلة جديدة وفضيحة أخرى تضاف إليه قبل انتهاء مدّته النيابية وتؤكّد أنّ البلاد متجّهة نحو الاستبداد.

واعتبر الهمامي أنّ المصادقة على القانون قبل أشهر من الانتخابات التشريعية والرئاسية حصل "في ظلّ سيطرة ائتلاف سياسي فاشل وفي ظلّ مناخ سياسي واقتصادي متأزّم ازداد تعفّنا بالمال السياسي الفاسد وانخرام (انحراف) مؤسّسات الدولة".

من جهته اعتبر النائب ياسين العياري في تغريدة على "تويتر" أنّه "يوم حزين على الديمقراطية في تونس بعد التصويت على التعديلات"، وأضاف: "خلاصة قانون اليوم أننّا فشلنا في كل شيء، فكرهتنا الناس، فعملنا قانونا حتّى نترشح بمفردنا ونواصل فشلنا، القانون يخرج في أحسن الحالات، 10 أيام قبل الترشحات".

أما رجل الأعمال ومالك قناة نسمة والمرشح المحتمل للانتخابات الرئاسية نبيل القروي فاعتبر أنّ القانون يستهدفه شخصيا حينما قال في بيان نشره على فيسبوك: "هذا القانون سيّئ الذّكر صيغ على القياس ليستهدفني شخصيّا، لكنّي أؤكّد لكم أنّ ذلك لن يؤثّر علّي ولن يوقف ديناميكيّة مشروعنا. مشروعنا يتجاوز شخصي ويهمّ ملايين من المواطنين لن أخذلهم وأعدهم أنّنا معا سننتصر".

وأضاف مهددا الائتلاف الحاكم: "كلمة أخيرة أسوقها لبعض السياسييّن الذين صاغوا وقدّموا وصوّتوا لصالح هذا القانون: "خذوا حذركم، السيادة الوطنيّة خطّ أحمر وتونس ليست للبيع".

تحمي نفسها

في آخر استطلاع رأي نشرته مؤسسة سيغما كونساي يوم 12 يونيو /حزيران 2019، أظهر تصدّر نبيل القروي نوايا التصويت للانتخابات الرئاسية بـ 23.8 بالمائة مقابل 23.2 بالمائة لأستاذ القانون الدستوري قيس سعيد الذي حاز المرتبة الثانية، كما سجّلت القوائم التي ينوي ترشحها على المرتبة الأولى متقدّمة على حركة النهضة.

كما سجّلت قوائم جمعية "عيش تونسي" التي تدّعي جمعها أكثر من 500 ألف توقيع على عريضة أعدتها للمطالبة بتغييرات جذرية في إدارة الدولة حضورها في استطلاع الرأي الأخير.

ورغم التشكيك الواسع في هذا الاستطلاع وأمثاله، إلا أن ناشطين اعتبروا أن هناك حالة صعود لـ"الشعبويين" الذين يقومون بعملية تحايّل على التونسيين وتوزيع رشاوى انتخابية تحت لافتة العمل الخيري والإنساني.

أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك قال في تصريح لإذاعة "جوهرة" إن هناك انفلاتا انتخابيا كبيرا يضرب مبدأ المساواة وتهديدات جدية على المسار الانتخابي وعلى نزاهة هذه الانتخابات وديمقراطيتها.

وأوضح بن مبارك أن "التهديدات تتمثل في الخرق الواضح للضوابط الموجودة في قانون الأحزاب مثل علاقة المال السياسي والأجنبي والإشهار السياسي واستعمال وسائل الإعلام للدعاية لأشخاص قبل الحملة الانتخابية".

وأضاف: إن "الخطير هو أن يتخفى حزب سياسي وراء جمعية ويستعمل قانون الجمعيات ويستعمل موارد مالية غير محددة المصدر ويطوعها لخدمة مشروع انتخابي وهو ما يضرب مبدأ المساواة أمام القانون الذي ينص عليه الدستور".

وينتظر القانون مصادقة رئيس الجمهورية عليه ونشره بالرائد الرسمي (الجريدة الرسمية)، ويتوقع أن يحرم كلاّ من مالك قناة نسمة ورئيس جمعية خليل تونس نبيل القروي من الترشح للانتخابات الرئاسية.

كما سيقطع القانون الطريق أمام مسيري جمعية "عيش تونسي" وفي مقدمتهم ألفة التراس، كما قد يهدّد رئيسة الحزب الحر الدستوري عبير موسي وحزبها في صورة استمرارها في تمجيد النظام القديم ورموزه وفي مقدمتهم المخلوع زين العابدين بن علي.

كما يخشى عدد من المستقلين والأحزاب الصغيرة من عدم قدرتها على تجاوز العتبة الانتخابية المحدّدة بـ 3 % من مجمل الأصوات في الدائرة الانتخابية.