سرقة غيوم وسلاح بالحروب.. تعرف على الاستمطار الصناعي ومخاطره

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في الثاني من يوليو/تموز 2018 اتهم القائد بالحرس الثوري الإيراني العميد غلام رضا جلالي، إسرائيل بسرقة "غيوم المطر الإيرانية"، ما أدى إلى "تغير المناخ والجفاف في البلاد".

نقلت عنه وكالة الأنباء الإيرانية (إسنا) قوله: "تعمل إسرائيل ودولة أخرى على جعل السحب الإيرانية غير ممطرة.. إنهم يسرقون المطر والثلج أيضا ".

الجنرال "جلالي" قال ردا على احتجاجات شعبية حينئذ بسبب نقص المياه، إن "التغيرات المناخية في إيران غير طبيعية وتنجم عن التدخل الأجنبي، وأبحاث المراكز العلمية الإيرانية توصلت إلى هذا الاستنتاج".

كانت "الدولة الأخرى" التي لم تذكر إيران اسمها هي الإمارات التي بدأت برنامجا هائلا لاستمطار السحب منذ سنوات.

إذ تحقن مواد كيميائية في السحب لمحاولة استمطار الأمطار، بحسب ما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 28 أغسطس/آب 2022.

والاستمطار هي تقنية لتعديل الطقس بشكل متعمد وحث السحب على إفراغ حمولتها من المياه من خلال خلق بيئة فيزيائية دقيقة داخلها باستخدام مواد كيميائية مثل يوديد الفضة ويوديد البوتاسيوم والثلج الجاف.

إذ تجري استثارة السحب وتحفيزها لإسقاط محتواها من المياه الكامنة بها، أو الثلوج المتجمدة فوق مناطق جغرافية محددة، من خلال عوامل كيميائية أو بيولوجية محددة يجري إسقاطها في كتلة السحابة بهدف زيادة كثافة السحابة.

وترجع تقنيات الاستمطار إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، عام 1943، عندما اكتشف علماء في مختبرات شركة "جنرال إلكتريك" الأميركية إمكانية استخدام مركب يوديد الفضة في زيادة تشكل بلورات جليدية في السحب وتحفيز الغيوم على إفراغ حمولتها.

وعلى الرغم من أن هذه المادة لا تزال تستخدم حتى الآن في تقنية الاستمطار، فإن الأبحاث التي أجريت على مدى أكثر من 7 عقود أدت إلى تحسن كبير في التقنيات وإدخال مواد كيمائية جديدة أخرى.

سرقة السحب

والآن، ومع تزايد نقص المياه في العالم، وانتشار الجفاف الشديد، وارتفاع درجات الحرارة، وتغير المناخ الذي يهدد بحروب مياه، تصاعدت المخاوف من أن يصل الأمر لسرقة الدول لغيوم وأمطار بعضها البعض لتعويض نقص المياه.

صحيفة نيويورك تايمز حذرت بالفعل مما أسمته "حرب الغيوم" و"تصاعد تنافس قوى الشرق الأوسط على سرقة السحب".

كما حذرت من أن عمليات "الاستمطار" الصناعية لبعض الدول تثير مخاوف من تجفيف بلد ما السحب على حساب رياح وغيوم بلدان أخرى، ما قد يؤدي إلى "حروب غيوم".

أوضحت أنه مع وجود 12 دولة يبلغ متوسط هطول الأمطار فيها أقل من 10 بوصات سنويا، وهو رقم ينخفض بنسبة 20 بالمئة على مدار الثلاثين عاما الماضية، فإن حكوماتها بحاجة ماسة إلى أي زيادة في المياه العذبة، لذا يتزايد اللجوء للأمطار.

وبسبب تزايد الجفاف في مناطق وسط وشرق وشمال إفريقيا، انطلقت دول المنطقة في سباق لتطوير المواد والإستراتيجيات الكيميائية التي يأملون أن تسمح لهم باستمطار السحب بطرق صناعية، بحسب ما نشر موقع بي بي سي البريطاني في 25 أغسطس 2022.

ويتوقع معهد "بوتسدام" الألماني لبحوث تقلبات المناخ في دراسة أجراها خلال يوليو 2022، أن 40 بالمئة من سكان العالم سيعانون من شح المياه بسبب تغيرات المناخ.

وتشير تقارير الأمم المتحدة عام 2022 إلى أن 17 من أصل 22 دولة عربية تعيش على خط الفقر المائي، بينها 12 دولة تحت هذا الخط، و16 مهددة بالجفاف بحلول العام 2040 من أصل 33 دولة حول العالم.

برغم تصور علماء أن تقنية "الاستمطار" ستستخدم لوضع حد لحروب المياه بين الدول، فإن التجارب أظهرت أنها خلقت حربا جديدة، لأنها ستؤدي إلى سيادة الجفاف في الدول المتخلفة تقنيا.

ورغم توقيع اتفاقية دولية لحظر استخدام تقنية الاستمطار بشكل يضر بالبيئة ويخلق تغييرات مناخية شديدة في أماكن أخرى عام 1978، استمرت دول في اتهام أخرى بالإضرار بها بسرقة السحب والغيوم من أجواءها.

فقد اتهمت الهند، الصين في أكتوبر/تشرين الأول 2021 بأنها تستخدم تقنية الاستمطار كسلاح من خلال سرقة أمطارها وتعطيل أنماط وفترات الهطول، والمساهمة بزيادة حدة الجفاف بشكل متعمد ومدروس في نيودلهي.    

وجاء هذا بعد إعلان بكين عن مشروعها الجديد "نظام متطور لتعديل الطقس" والذي سيكون جاهزا بحلول عام 2025، وهدفه استمطار المطر فوق نحو 5.5 ملايين ميل مربع، أي ما يعادل مساحة أكبر من مساحة جارتها الهند بمرة ونصف.

وتجري الصين أبحاثا ودراسات في هذا الجانب منذ أكثر من نصف قرن، وقد وظفت طائرات ومدافع خاصة لتلقيح السحب بيوديد الفضة أو الثلج الجاف (ثنائي أكسيد الكربون)، من خلال تقنية "بذر السحب". 

وبسبب موجة جفاف قاسية، نقلت صحيفة "جلوبال تايمز" الصينية في 22 أغسطس 2022 عن وزير الزراعة تانج رين جيان أن السلطات "ستحاول زيادة هطول الأمطار عن طريق الاستمطار بالمواد الكيميائية، في ظل نقص مياه الزراعة والشرب".

وبعدها بيوم، نشرت صحيفة "ساوث تشاينا مورنينغ بوست" الصينية مقطع فيديو، قالت إنه يرصد جانبا من حملة لاستمطار السحاب أطلقتها الصين وتستمر لمدة 3 أشهر، عبر منصات تشبه راجمات الصواريخ في الحروب.

ولدى الإمارات برنامج قديم للاستمطار يعود إلى عام 2010، ويجري تخصيص مبالغ ضخمة له، آخرها برنامج يتكلف مليار دولار لتنفيذ عمليات الاستمطار عام 2022، عن طريق تلقيح السحب بمواد كيميائية، لفرض هطول الأمطار.

بموجب هذا البرنامج يمكن لشحنة كهربائية أن تحفز تساقط قطرات المطر الصغيرة، لتندمج في القطرات الأكبر التي تتساقط على شكل أمطار، وفقا لما ذكرته صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية 16 مارس/آذار 2021.

وقد أسهم هذا الاستمطار في "رفع الحصاد السنوي من مياه الأمطار، ودعم الوضع المائي للإمارات، عبر زيادة المخزون الإستراتيجي من المياه الجوفية"، وفق ما نشرت وكالة الأنباء الرسمية في 16 يونيو/حزيران 2022.

لكن صحيفة نيويورك تايمز تحدثت عن توجس إيراني من سرقة الإمارات غيومها وسحبها، ما قد يتسبب في مشكلات مستقبلية بين البلدين.

سلاح عسكري

لأنها تقنية ترتبط بأمن الدول المائي والقومي، وقد تستخدم في مجالات "حرب الغيوم"، كما يحذر علماء، لا تزال الجهات التي تجري الأبحاث في تقنية الاستمطار أغلبها مؤسسات عسكرية ربما لاستخدامها كسلاح في صراعاتها على النفوذ.

كانت دراسة ريبيكا بينكوس المحاضر بأكاديمية حرس السواحل الأميركية بشأن "مراقبة والتحكم في المناخ وتسليحه من جانب وزارة الدفاع" (البنتاغون) في مايو/أيار 2017 مؤشرا واضحا لاستخدام واشنطن وموسكو سلاح "المناخ" في حربهما الباردة.

بحسب الدراسة، درس الجيش الأميركي ومول أبحاثا عن التغير المناخي منذ الحرب العالمية الثانية بهدف التحكم في المناخ من خلال السلاح الجوي، كما أجرى بعض التجارب للتحكم في الأمطار، لكنها لم تنجح وأدت لمشكلات بيئية.

لذلك قدم الاتحاد السوفيتي عام 1974 مشروع اتفاقية للجمعية العامة للأمم المتحدة تحظر استخدام التعديل المناخي والبيئي لأغراض عدائية كرد على التحركات الأميركية المتسارعة في مجال التعديل المناخي.

وجرى توقيع اتفاقية دولية لـ "حظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة لأغراض عسكرية أو عدائية أخرى"، دخلت حيز النفاذ أكتوبر/تشرين الأول 1978.

وطورت الولايات المتحدة بعد ذلك الأبحاث عن غاز الكيمتريل، وجرى التوصل إلى قواعد علمية وتطبيقات تؤدي إلى الدمار الشامل يطلق عليها الأسلحة الزلزالية، يمكنها إحداث زلازل مدمرة اصطناعية في مناطق حزام الزلازل.

كما طورت تقنيات لاستحداث ضغوط جوية عالية أو منخفضة تؤدي إلى حدوث أعاصير مدمرة.

في دورة الألعاب الأولمبية الصيفية لعام 2008 في بكين، أطلقت السلطات الصينية 1100 صاروخ محملة بمادة يوديد الفضة لإنزال المطر من السحب قبل وصولها إلى المدينة الأولمبية، لتجنب تأجيل حفلي الافتتاح والختام بسبب الظروف الجوية.

ولجأ الجيش السوفيتي إلى توظيف الاستمطار الصناعي لمنع الجسيمات المشعة العالقة بالسحب من الوصول إلى موسكو، لتجنب تداعيات كارثة مفاعل تشرنوبيل النووي عام 1986.

كما جرى استخدم الاستمطار الصناعي في جاكرتا، لتفريق الغيوم تحسبا لفيضانات شديدة في عام 2013.

وخلال حرب فيتنام، وبعد فشل الولايات المتحدة من صد الهجمات الفيتنامية على القوات الأميركية، استعان الجيش عام 1963 لأول مرة بطائرته من أجل حقن السحب وخلق جو ماطر.

وذلك بغرض تعطيل الطرق الزراعية وقطع خطوط الإمدادات الفيتنامية، في عملية أطلق عليها اسم (Popeye)، وكلفت هذه العملية الخزينة الأميركية وقتها أكثر من 3.5 ملايين دولار، بحسب ما نشرت وكالة "الأناضول" مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وفي أثناء انعقاد قمة مجموعة الثمانية الصناعية الكبرى عام 2006، التي استضافتها روسيا، تحدث الرئيس فلاديمير بوتين بفخر عن استمطار الطائرات السحب لضمان صفاء السماء وصولا إلى فنلندا، وسقطت بعض الأمطار.

مخاطر وصعوبات

من مخاطر الاستمطار الصناعي، وفق خبراء الأرصاد الجوية، أنه بمجرد إطلاق المواد الكيماوية في الغلاف الجوي لن تكون هناك قدرة بشرية على التحكم بنوع الطقس الذي سيتشكل.

يؤكدون أنه من المحتمل أن تؤدي العملية إلى أمطار غزيرة تتسبب بفيضانات، وتصبح المسألة أكثر تعقيدا في مناطق تفتقر بنيتها التحتية لنظام لاحتواء أزمات السيول والفيضانات، وبالتالي وقوع خسائر جسيمة في الممتلكات والحقول الزراعية.

ورغم ذلك، يقول علماء الغلاف الجوي إن العمر الافتراضي للسحابة، وخاصة السحب الركامية التي من المرجح أن ينتج عنها المطر، نادرا ما يكون أكثر من ساعتين.

وفي بعض الأحيان يمكن أن تستمر الغيوم لفترة أطول، لكن نادرا ما تكون طويلة بما يكفي للوصول إلى بلد آخر، حتى في منطقة الخليج، إذ توجد سبع دول بالقرب من بعضها البعض.

وهناك شكوك علمية في فعالية استمطار السحب للحصول على كميات وفيرة من الأمطار، وتتمثل العقبة الرئيسة للعديد من علماء الغلاف الجوي في صعوبة، وربما استحالة، توثيق الزيادات في هطولها.

ويؤكد آلان روبوك، عالم الغلاف الجوي في جامعة روتغرز أن "المشكلة هي أنه بمجرد التلقيح لا يمكنك معرفة ما إذا كانت السحابة ستمطر على أي حال"، وفق ما نشرت نيويورك تايمز في التقرير السابق ذكره.

ويشير علماء آخرون أنه ليست كل السحب لديها القدرة على إنتاج المطر، وحتى السحابة التي تبدو مناسبة للتلقيح قد لا تحتوي على رطوبة كافية والتحدي الآخر في المناخات الحارة هو أن قطرات المطر قد تتبخر قبل أن تصل إلى الأرض.

وفي بعض الأحيان يمكن أن يكون تأثير التلقيح أكبر من المتوقع، مما ينتج عنه الكثير من الأمطار أو الثلوج، أو يمكن للرياح أن تتحرك وتحمل الغيوم بعيدا عن المنطقة التي جرى فيها التلقيح.

وهو ما يزيد من احتمال حدوث "عواقب غير مقصودة"، وفق بيان صادر عن جمعية الأرصاد الجوية الأميركية في أغسطس 2022.

ومن الأمثلة التي يمكن ذكرها في هذا السياق، إطلاق رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في 3 أبريل/نيسان 2021، مشروع استخدام تقنية "الاستمطار الصناعي" والذي عدت صحف مصرية أنه "شروع لبناء مزيد من السدود"، على نهر النيل.

رغم تضرر مصر من حجز إثيوبيا أجزاء من مياه النيل لملء وتشغيل سد النهضة، وتكرار احتجاز المياه ثلاثة مرات أعوام 2020 و2021 و2022، وتميز أجواء القاهرة بالجفاف وعدم سقوط الأمطار بصورة منتظمة، لم تهتم بتقنية الاستمطار.

ونفذت مصر تجربة واحدة بالتعاون مع شركة ألمانية عام 2016 أشرف عليها الجيش وفشلت، وكانت المفاجأة أن إثيوبيا التي تسقط عليها الأمطار بغزارة هي التي لجأت لهذه التقنية لزيادة المياه المتساقطة وبناء مزيد من السدود.

وفي الشهر التالي أعلنت وكالة الأرصاد الجوية الإثيوبية أنها بصدد استخدام تقنية تلقيح السحب في عملية الملء الثاني لسد النهضة المقررة في يوليو 2021، بحسب صحيفة "الإمارات اليوم" 30 مايو/أيار 2021.

وقال نائب المدير العام لوكالة الأرصاد الجوية الإثيوبية، كينفي هيلي ماريام، في تصريحات صحفية، إن "الوكالة تخطط لاستخدام تكنولوجيا التلقيح السحابي، بالإضافة إلى هطول الأمطار في عملية لسد النهضة".

لكن الدكتور وحيد سعودي خبير الأرصاد الجوية، قال إن التصريحات التي أطلقتها إثيوبيا بشأن البدء في استخدام عملية تلقيح السحب لاستدرار الأمطار هو كلام من المستحيل حدوثه على أرض الواقع.

وأرجع ذلك لموقع "صدى البلد" مطلع يونيو/حزيران 2021 إلى أن هذه العملية مكلفة جدا وكمية الأمطار الناتجة منها غير كافية تماما لملء سد النهضة كما يدعي الجانب الإثيوبي.

وعد "هذه التصريحات التي صدرت عن الجانب الإثيوبي هي عبارة عن حرب نفسية ليس إلا".


وعام 2016، أعلنت هيئة الأرصاد الجوية المصرية توقيعها بروتوكولا تعاونيا مع الشركة الألمانية weathered لتنفيذ أولى تجارب الاستمطار الصناعي، بالتعاون مع القوات المسلحة.

وصرح رئيس الهيئة أحمد عبد العال بأنه "في حال نجاح التجربة ستكون بمثابة مصدر ثالث للمياه في مصر"، بعد مياه النيل والمياه الجوفية والمعاد معالجتها.

لكن علي قطب خبير الأرصاد الجوية كشف لصحيفة "المال" 6 سبتمبر 2016 فشل التجربة وعدم قدرتها على إسقاط الأمطار في الأماكن المرغوب إسقاطها بها، فضلا عن أنها "تحتاج إلى ماديات ضخمة".

وأوقفت إسرائيل أيضا برنامجها لاستمطار السحب عام 2021 بعد 50 عاما، لأنه لا ينتج في أقصى درجاته سوى كميات هامشية من هطول الأمطار مقارنة بالتكاليف، بحسب "بنحاس ألبرت" الأستاذ في كلية تل أبيب لصحيفة صنداي تايمز 16 مارس 2021.