شركة المتحدة للرياضة.. ذراع إعلامي جديد لأخطبوط المخابرات المصرية

بعد سيطرتها على قطاعات واسعة من مجالات الإعلام والفن والإعلانات، توجهت "الشركة المتحدة" التابعة لجهاز المخابرات العامة لعالم الرياضة، في خطوة أثارت جدلا كبيرا عقب نشرها من قبل الصحف المصرية في 23 أغسطس/ أب 2022، ما دفع مراقبين لوصفها بالأخطبوط.
"المتحدة للرياضة" أحدث نسخ "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، حصلت على حق رعاية فريق كرة القدم بالنادي الأهلي المصري الأعرق عربيا والأكبر إفريقيا مقابل 1.3 مليار جنيه (68 مليون دولار)، في رقم هو الأضخم في تاريخ رعاية النادي، وذلك لمدة 4 سنوات.
ويشمل العقد بين الشركة وأكبر الأندية التابعة قانونا للحكومة المصرية، رعاية فريق الكرة وحقوق البث، وحقوق الرعاية، والسلع والمنتجات المرخصة، والإعلان خلال المباريات وكذلك ملابس الفريق الأول.
صيغ مقتضبة
في ظل ندرة المعلومات عن الاتفاق ونشر صيغة مقتضبة تكاد تكون واحدة بأغلب الصحف المحلية، أكد موقع "القاهرة 24" النسخة الأحدث من المواقع التابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، أن العقد غير محدد القيمة، وللأهلي نسبة من إعلانات رعاية الفريق.
لكن، عميد لاعبي العالم السابق ولاعب الأهلي ومنتخب مصر أحمد حسن، كشف عبر صفحته بـ"فيسبوك"، أن "المتحدة للرياضة شركة جديدة، حصلت على حق المسوق الحصري لحقوق رعاية الأهلي 4 سنوات مقابل 1.3 مليار جنيه".
خبر رعاية الشركة، للأهلي الأكثر شعبية وجماهيرية في مصر والوطن العربي، غير المعروف عنها حتى الآن من يقودها وأعضاء مجلس إدارتها، ومتى جرى تدشينها، والأنشطة التي ستمارسها، سبقه الحديث عن عقد رعاية ضخم من شركة "الخطوط القطرية" للأهلي.
اختفاء اسم الشركة القطرية من أنباء رعاية الأهلي، أثار صدمة وتساؤلات وتكهنات بين محبي وعاشقي الفريق الأحمر، خاصة وأنه تزامن مع خبر استقالة شركة الكرة الراعية للفريق والتي يرأسها رجل الأعمال المحبوب من جماهير الأهلي ياسين منصور.
وهو ما قابله بعض أنصار رئيس النظام عبدالفتاح السيسي بترحاب شديد، وتبرير لدخول "المتحدة للرياضة" بدلا من الشركة القطرية بأنه حرص من الدولة المصرية على الأمن القومي ومخافة سيطرة الدوحة، مع الترويج لشائعات سابقة بأنها ترعى الإرهاب في مصر.
ساعات قليلة وجاءت دفقة جديدة من الأنباء، تؤكد رعاية "الخطوط القطرية" لفريق الأهلي، ولكن الاتفاق جرى مع "المتحدة للرياضة" كونها المسوق الحصري لرعاية الأهلي وليس مع النادي مباشرة.
تلك الأخبار حرصت على التأكيد على وضع اسم الشركة القطرية على صدر قميص فريق الكرة بالأهلي.
المرحلة الثالثة، من الأخبار بشأن تلك الصفقة، جاءت لتوضح دور "المتحدة للرياضة" في عقد رعاية الأهلي، وأنها ستسوق منتجات وحقوق الأهلي إلى الشركات المختلفة الراغبة برعاية قميصه، إلا أن جميع الأخبار لم تتطرق إلى نسب الشركة التابعة للمخابرات من ذلك الاتفاق.
الصحفي الرياضي رمضان حسان، نقل عن مصادر لم يذكرها أن "المتحدة للرياضة، ستحصل على نسبة 20 بالمئة من اتفاق الرعاية بين الأهلي والشركة القطرية".
ولاحقا أعلن رئيس مجلس إدارة النادي الأهلي محمود الخطيب، عن الموافقة على العرض المقدم من الشركة المتحدة لتسويق عقود رعاية النادي الأهلي خلال السنوات الأربع المقبلة.
وقال النادي الأهلي في بيان عبر موقعه: "قرر مجلس إدارة النادي الأهلي اعتماد الشركة المتحدة كمسوق حصري لحقوق الرعاية لقطاع كرة القدم لمدة 4 مواسم، اعتبارًا من موسم 2022/2023 وحتى 2025/2026، وذلك وفق سياسات البيع والتسويق التي تم التوافق حولها".
وقد انتهى عقد الأهلي الحالي مع شركة "برزنتيشن"، التي حصلت على حقوق رعاية الأهلي في أكتوبر 2018 مقابل 510 ملايين جنيه لمدة أربع سنوات تنتهي بانقضاء الموسم الكروي الجاري.
غضب ومخاوف
أمر تلك الصفقة أثار التساؤلات والمخاوف من سيطرة الأجهزة السيادية على النادي الأهلي صاحب الـ115 عاما والذي تأسس في 4 أبريل/ نيسان 1907، ومن اقتضام كعكة أمواله الغزيرة، بل وتملك النادي والسيطرة عليه ماليا وإداريا.
تلك المخاوف تأتي في ظل أزمة النظام الحاكم المالية والاقتصادية والتي تبعها بيع أصول وممتلكات الدولة لتسديد الديون، بل مبادلة الديون بأصول سيادية من مطارات وموانئ، وفق تسريبات صحفية عن اتفاقيات مصرية مع الصين وفرنسا وألمانيا.
حجم المخاوف وصل للتحذير من دور تخريبي للنادي الأكثر حصدا للبطولات محليا وإفريقيا وعربيا، والذي ينافس عالميا على هذا اللقب، واعتلى صدارة أكثر الأندية تتويجا بالقرن الـ21 برصيد 41 لقبا، متفوقا على فرق منها "بايرن ميونيخ" الألماني.
وعبر المصريون عن غضبهم، مؤكدين أن وساطة الشركة المتحدة بين الأهلي والشركة القطرية هي للحصول على العمولة ومشاركة الأهلي "السبوبة"، فيما أشار البعض لكشف عديد من المسؤولين عن هويتهم الكروية المناهضة للأهلي وبينهم وزير النقل الفريق كامل الوزير.
وأعرب الناشط عمر فتوح، في تدوينة عبر فيسبوك حذفت لاحقا، عن مخاوفه من استقلالية قرار الأهلي في ظل "المتحدة للرياضة"، قائلا: "استقلال الأهلي عن الدولة كان سر تميزه وتفوقه عن التابعين المنافقين".
ورأى البعض أن قرار رعاية الشركة المتحدة للأهلي تأميم لمقدارات النادي إلى "صندوق تحيا مصر".
قرار رعاية الشركة المتحدة برعاية الأهلى هو قرار تأميم مقدارات الأهلى إلى صندوق تحيا مصر هو الصندوق ده مخروم #مايركبش_بسكلته pic.twitter.com/HnxLwgiTDj
— Saad Mohamed Shiha (@SaadMoh22033848) August 24, 2022
بداية للقادم
أحد الصحفيين الرياضيين وهو أيضا عضو بالنادي الأهلي، أكد أن "العقد واضح المعالم وهدفه مشاركة الأهلي مكاسبه المالية، خاصة وأنه يشارك بأكبر البطولات القارية (دوري وسوبر) والعالمية (كأس العالم للأندية) والمحلية (الدوري والكأس والسوبر)".
وأوضح الصحفي، الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، لـ"الاستقلال"، أن "نسبة كبيرة سيفقدها الأهلي وتحصل عليها المتحدة للرياضة المولود مجهول الهوية، والذي يأتي على غرار الشركة الأم التي تسيطر على مليارات الإعلام والدراما والسينما".
وعن مستقبل تلك الشركة، يعتقد أن "دخولها من بوابة الأهلي هي بداية فقط، وسيتبعها سيطرة على النادي، ثم تأتي بقية الأندية كرها أو طوعا لتنضم إلى حظيرة المتحدة، بخدعة الاستثمار، بينما في الباطن الهدف الأموال والسيطرة، ولا أستبعد رئاسة لواء جيش للأهلي والزمالك".
وفي هذا السياق، أكد المدرب الرياضي السابق بالنادي الأهلي كابتن حكيم يحيى، أنه ليس لديه معلومة مؤكدة عن ماهية تلك الشركة، معلقا أنها "خرجت علينا فجأة ودون مقدمات".
وأضاف لـ"الاستقلال": "لكن من الشواهد ومن تكرار العته والفشل المستمر فالنظام ينظر للشعب نظرة سواق (الميكروباص) للزبون وأنه جنيه يقف على الطريق"، مشيرا إلى "طمع النظام في أموال الأهلي دون أن يقدم له خدمة حقيقية".
وشبه "ما يحدث الآن للنادي، بسطو النظام على جزيرة (الوراق) وسط النيل، و(نزلة السمان)، و(مثلث ماسبيرو)، بالقاهرة وغيرها"، لافتا إلى رغبة النظام الدائمة بالسيطرة والحصول على الأموال.
ويرى أن تدخل المتحدة في الأهلي، "مجرد سبوبة حين عرفوا أن الشركة القطرية مهتمة بالارتباط بالنادي"، معتبرا أنها "مجرد سمسرة وشركة الرعاية اهتمامها بالدعاية والإعلان، لكن سياسة النادي لا تحتاج من يسيطر عليها لأن مصر كلها عادت لعصر سيطرة ستينيات القرن الـ20".
لكن وعلى الجانب الآخر، قال الحكم الدولي المصري السابق ناصر صادق: "دخول شركة تابعة للدولة لرعاية فريق الأهلي أمر جيد من شركة وطنية، ولمصر أن تستفيد من المؤسسات الكبيرة لديها".
وأضاف صادق لـ"الاستقلال": "الأهلي وإن خسر أية بطولة فهو الأول إفريقيا من حيث الإنجازات التاريخية، ويتفوق على أندية عالمية كبيرة، ويظل بالصف الأول بين أندية العالم من حيث عدد البطولات وكأحد الأندية العظمى بالعالم، وتبقى علامته التجارية من الأكثر قيمة".
وأوضح أن "سعي المتحدة للحصول على حق رعاية فريق بهذا الحجم أمر طبيعي، وأن تفوز الشركة باعتبارها تمثل الدولة طبيعي، خاصة وأن المبلغ المذكور كبير جدا، ومن الطبيعي أيضا تولي الراعي الداخلي الاتفاق مع الرعاة الخارجيين".
وأكد أنه ولأن "المتحدة الراعي الرئيس يضمن للأهلي مبلغا ضخما جدا فمن حقه أن يحصد أكبر عائد مالي ويحقق مكاسب مالية".
كعكة كبيرة
المثير أن عقد رعاية "المتحدة للرياضة" لفريق الأهلي يأتي في ظل أزمة فنية يعاني منها فريق الكرة منذ خسارته بطولة أفريقيا للأندية أمام الوداد المغربي 30 يونيو/ حزيران 2022، وتراجع نتائجه في البطولات المحلية وخسارة الدوري العام.
وهي الحالة التي عبر عنها الملياردير المصري نجيب ساويرس بالقول إنه حزين على حال الفريق، علما أنه من أبرز الداعين إلى خصخصة الأندية الحكومية وفي مقدمتها الأهلي.
انا أهلاوي ولست علي خلاف معاه ، انا كنت مقتنع بمحمود طاهر لانه صديق و رجل اعمال له فى الإدارة و الخطيب يظل ما احسن لعيبة مصر اما وضعنا الحالى فأنا حزين عليه https://t.co/hq7gBv1kIH
— Naguib Sawiris (@NaguibSawiris) August 23, 2022
وذكرت وكالة "بلومبرغ" الأميركية في 17 أغسطس 2022، أن الأهلي المصري المنافس الوحيد للأندية السعودية التي تسيطر على قوائم الأندية العربية الأعلى إيرادا ومصروفا وربحا وخسارة.
فمن حيث الإيرادات تبلغ 75.29 مليون دولار، فيما تصل مصروفاته 6.35 مليون دولار، ليأتي خلف الأندية السعودية الـ6، الهلال والنصر والاتحاد والأهلي والشباب والفتح.
وعن قيمة كعكة الاستثمارات الرياضية بمصر، أكد الخبير الاقتصادي المصري الدكتور علي عبدالعزيز، أن "الاستثمار الرياضي في مصر يساهم بنسبة نحو 2 بالمئة من الناتج المحلي بما يساوي الـ100 مليار جنيه".
وقال لموقع "عربي21"، في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، إنه "في ظل سوء الإدارة الحالية للنظام، وفقدان الرؤية الاقتصادية والإدارية والتسويقية للنشاط الرياضي في مصر؛ يعد رقما ضعيفا، خصوصا إذا ما قارنا ذلك الناتج بنتائج الأنشطة الرياضية المصرية على المستوى العالمي".
وفي سبتمبر/ أيلول 2020، أكد المركز المصري للدراسات الاقتصادية، أن الرياضة المصرية تحتل مكانة متميزة على المستويين العالمي والإقليمي، وتشكل 25 بالمئة من حجم الاستثمار الرياضي بالوطن العربي، وتساهم بنسبة 2.7 بالمئة من إجمالي الاستثمارات بمصر.
ومبكرا ومع ظهور الشركة "المتحدة للخدمات الإعلامية" عام 2016، كشركة قابضة تندرج تحتها مجموعة شركات تعمل في مجال الإعلام، تواصل الشركة اقتحام مجال صناعة الاقتصاد الرياضي، بمشروعات متتابعة.
"المتحدة" الأم ضمت إلى إمبراطوريتها شركة "بريزنتيشن سبورتس"، التي رفعت القيمة المالية للسوق الإعلاني في مصر إلى 5 أضعاف ما كان عليه قبل 4 سنوات، والتي حصلت على عقد رعاية النادي الأهلي أكتوبر/ تشرين الأول 2018، مقابل 510 ملايين جنيه، تنتهي بانقضاء الموسم الكروي 2022.
وفي 22 أغسطس 2022، وقبل يومين من الحصول على عقد رعاية الأهلي أطلقت الشركة المتحدة برنامج "كابيتانو مصر"، كأكبر برنامج لاكتشاف المواهب بكرة القدم بسبعة محافظات بينها القاهرة.
وفي سبتمبر/ أيلول 2018، أعلن اللاعب المصري السابق أحمد حسام ميدو عن تكليف جهات سيادية له بمشروع الألف محترف، تلبية لرغبة السيسي بأن يكون لمصر ألف محترف مثل محمد صلاح المحترف بنادي ليفربول الإنجليزي.
وفي مايو/ أيار 2020، أُعلن عن اتفاق وزارة الشباب والرياضة، والمخابرات، لتطوير 27 ناديا رياضيا حكوميا بعواصم المحافظات برعاية شركة "سيتي كلوب"، وضخ 2 مليار جنيه لتحديث وتحويل الاستادات والأندية لمجمعات رياضية وترفيهية، فيها منتجعات صحية وحمامات سباحة وملاعب للألعاب الجماعية والفردية.
وفي أغسطس/ آب 2020، اعترف وزير الرياضة أشرف صبحي، أن مشروع تطوير الاستادات مع شركة "استادات الوطنية" التابعة لجهات سيادية يحقق عوائد بزيادة 16.5 مرة، واستثماراته تبلغ 3.907 مليار جنيه.
وفي 12 سبتمبر/ أيلول 2020، دشن "صندوق مصر" السيادي التابع للإدارة المباشرة للسيسي، "صندوق الرياضة المصري"، ليكون يد الصندوق للسيطرة على عوائد قطاع الرياضة أحد أهم القطاعات الجالبة للأموال.
لكن، الأكاديمي المصري، علي عبدالعزيز، يرى أنه لا فائدة لمصر، وأن "تدخل النظام والأجهزة السيادية في النشاط الرياضي بالاستثمارات والأندية والملاعب يعد عامل ضعف بسبب سوء الإدارة وضعف الرقابة وانتهازية الجيش في استغلال موارد الدولة لصالح القلة الحاكمة منهم".