بدلا من مواجهة الاحتلال.. لماذا تطارد سلطة رام الله الفلسطينيات؟

عدنان أبو عامر | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

منذ تأسيسها في العام 1994، دأبت السلطة الفلسطينية على ممارسة الاعتقال السياسي ضد معارضيها، والزج بهم في المعتقلات ومراكز التوقيف، لمدد تصل إلى سنوات طويلة، والتهمة جاهزة وهي تهديد أمن السلطة، ومحاولة تنفيذ هجمات مسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.

حالة صدمة تعيشها الأوساط الفلسطينية حاليا إثر إعادة السلطة اعتقال الفتاة آلاء من الضفة الغربية، تارة بتهمة تحويل أموال لحماس، وأخرى بتهمة الانتماء لتنظيم الدولة، وتارة ثالثة بأنها تثير النعرات الطائفية.

سبق حادثة آلاء اعتقال السلطة للفتاة سهى جبارة التي مارس معها المحققون تعذيبا شديدا شمل الضرب والتهديد.

اعتقال واستدعاء السلطة الفلسطينية للفتيات والسيدات، وتجاوزها للأعراف العائلية، وانتهاك المواثيق القانونية، في ظل غياب شبه كامل للمنظمات الحقوقية والمؤسسات النسوية، يمثل ظاهرة خطيرة خاصة مع تعرض المعتقلين لشتى صنوف التعذيب والإهانة.

سياسة ممنهجة

إحصائية حديثة صدرت في يناير/كانون الثاني 2019 أظهرت أن أجهزة أمن السلطة الفلسطينية اعتقلت 1250 مواطنا فلسطينيا خلال عام 2018، و949 حالة استدعاء، و721 حالة احتجاز، و401 عملية مداهمة، و204 حالات قمع حريات، و83 حالة مصادرة لممتلكات المواطنين، و23 حالة إحباط أعمال للمقاومة ضد الاحتلال، و49 حالة أعلن فيها معتقلون الإضراب عن الطعام.

الجديد في الاعتقال السياسي من قبل السلطة الفلسطينية أنه شمل الفتيات والسيدات، حيث يعيش الشارع الفلسطيني منذ أسابيع حالة من الصدمة مع استمرار اعتقال الفتاة آلاء بشير 22 عاما معلمة القرآن الكريم من مدينة قلقيلية شمال الضفة الغربية.

فقد أعاد جهاز الأمن الوقائي يوم 13 يونيو اعتقال آلاء عقب يومين من الإفراج عنها بعد اعتقال دام 34 يومًا، حيث قررت المحكمة الإفراج عنها بكفالة قيمتها 2000 دينار أردني (2820 دولار)، حيث تم التحقيق معها بتهمة "إثارة النعرات العنصرية"، وهو ما نفته آلاء جملة وتفصيلا.

وكانت آلاء اعتقلت يوم 9 مايو/آيار 2019 من داخل مسجد عثمان بن عفان بإحدى قرى قلقيلية أثناء تحضيرها لدروس تحفيظ القرآن الكريم خلال شهر رمضان، بعد مداهمته من قبل 25 من عناصر الأمن دون إبراز إذن قضائي، ودون موافاة أسرتها بأسباب الاعتقال.

تلفيق التهم

أسمهان، والدة آلاء، قالت لـ "الاستقلال": "عناصر الأمن الوقائي حين داهموا المنزل لم يراعوا حرمته، فاقتحموه وأنا غير مرتدية الحجاب، وشرعوا في التفتيش مباشرة بكل دقة، وأحدثوا ربكة كبيرة في محيط المنزل، واعتدوا على مواطنين في ساحته بالهراوات".

مضيفة: "صادروا جميع الأجهزة الإلكترونية المتعلقة بالحاسوب، وبعد اعتقالها مارس عليها الأمن ضغوطًا لتتوقف عن توكيل محامي لها مقابل وقف الاعتداء عليها، وأخبروها أنها ممنوعة من زيارتها، أو التواصل معها بأي طريقة".

وأعلن مسئول أمنيّ فلسطينيّ للصحافة الإسرائيليّة في 26 مايو/آيار الماضي، أنّ السلطة الفلسطينيّة اعتقلت آلاء لأنها سعت لتنفيذ عمليّة انتحاريّة بحزام ناسف لصالح تنظيم الدولة داخل إسرائيل، وأنّها اتصلت بعناصر التنظيم في سوريا وقطاع غزّة عبر تطبيق تيليغرام، وتعلّمت إنتاج عبوات ناسفة.

وأطلق نشطاء على مواقع التواصل حملة تضامنية مع آلاء، وغرد العشرات منهم على هاشتاغ #كلنا-آلاء-بشير، مطالبين السلطة بالإفراج عنها فورا، ووقف الاعتقالات السياسية في الضفة.

حازم قاسم الناطق باسم حماس قال لـ "الاستقلال": "استمرار اعتقال أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في اعتقال المحفّظة لكتاب الله آلاء بشير، وقبلها معتقلات أخريات، فيه تحد سافر لقيم ومبادئ وأعراف شعبنا الفلسطيني، واستمرار لسياسة القمع والتنكيل التي تمارسها هذه الأجهزة بحق أهلنا في الضفة الغربية، وانتهاك لكل المحرمات الوطنية".

مضيفا: "ما وقع مع آلاء هو عمل خارج القانون، وإعلاء لمنطق العربدة، وما تمارسه أجهزة أمن السلطة الفلسطينية من اعتقالات واستدعاءات بحق أخواتنا يأتي في سياق حملة واسعة لتكميم الأفواه، وقمع الحريات، وفرض سياساتها التعسفية على شعبنا".

المنظمة العربية لحقوق الإنسان في بريطانيا حمّلت السلطة الفلسطينية مسؤولية سلامة آلاء، وطالبتها بإطلاق سراحها فورا، وفتح تحقيقات عاجلة في كافة الانتهاكات التي تعرضت لها، وإحالة المسؤولين عنها للمساءلة القانونية، وحذرت المنظمة من تعرض آلاء للتعذيب لإجبارها على الإدلاء باعترافات تخالف الحقيقة، ودعت لتمكينها من زيارة محاميها وأهلها.

التهديد بالاغتصاب

آلاء ليست الحالة الأولى في اعتقال الفتيات والسيدات لدى السلطة الفلسطينية، فقد سبقتها سهى جبارة 29 عاما من مدينة رام الله، التي اعتقلت في نوفمبر/تشرين أول 2018، وقضت 67 يومًا بعيدة عن أطفالها الثلاثة، في سجن جهاز المخابرات العامة بمدينة أريحا، المعروف لدى الفلسطينيين بـلقب "المسلخ"، حيث أمضت 27 يومًا من الإضراب المتواصل عن الطعام، واتهمت حينها بجمع أموال ومساعدة أهالي الشهداء والأسرى.

سهى تروي قصتها لـ "لاستقلال" قائلة "تعرضت أول الأمر لصدمة نفسية أدت لإصابتي بتشنجات عصبية كاملة في يدي وقدمي، كوني أعاني من تسارع دقات القلب، ثم فقدت الوعي كلياً، ثم داهم رجال الأمن المستشفى، ورفعوا الأجهزة الطبية عني، وأخرجوني المشفى حافية القدمين، مقيدة، متعبة، ثم ألقوني على أرضية سيارة الأمن، أغيب عن الوعي وأستيقظ من شدة التعب".

وأضافت: "بدأ التحقيق معي، وأنا مقيدة اليدين ومعصوبة العينين، تعرضت لتعذيب بالضرب من المحققين على جسدي، تحديدًا بمناطق الكتف والعظام، فضلًا عن تهديدي وعائلتي، وسكب الماء على وجهي، والحرمان من النوم، ومن دخول دورة المياه، كنت أتنقل من غرفة إلى غرفة، ويتعمدون إجباري على مشاهدة المعتقلين الجنائيين، أراهم ممددين على الأرض تسكب عليهم المياه، عشت ظروفًا صعبة، فالطقس بارد، ومياه السجن باردة جدًا، وفرش الأسرة في السجن مهترئة".

وكشفت سهى عن تعرضها لتهديدات بالاغتصاب برفقة شقيقاتها من قبل المحققين في سجن أريحا، أثناء التحقيق معها، ونعتها بألفاظ خادشة للحياء.

مهند كراجة محامي مؤسسة الضمير لحقوق الإنسان، قال لـ "الاستقلال": "عدد من المعتقلات يحاكمن في قضايا غير تلك التي توجه إليهن، فمثلا سهى جبارة اعتقلت على خلفية تلقي أموال فاتهمت بالتخابر مع الاحتلال الإسرائيلي، وآلاء اتهمت بقضية إثارة النعرات، وأخريات وجهت لهن تهم حيازة أسلحة، وهكذا فإن تلفيق التهم مسألة واردة".

التكتم والتخويف

يبدو مستهجنا غياب جمعيات حقوق المرأة وحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية عن الوقوف مع المعتقلات السياسيات، حتى يبدو الأمر وكأن تلك المؤسسات تساند السلطة في سلوكها ضدهن، وتؤيد ما يحدث.

مركز حماية لحقوق الإنسان أعرب عن قلقه من استمرار الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتطبيق سياسة الاعتقال على خلفية الانتماء السياسي، ومنهم الفتيات، مما يشكل خطراً حقيقياً على حالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وفيه مخالفة واضحة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، لاسيما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومواد القانون الأساسي الفلسطيني.

هدى نعيم، عضو لجنة الرقابة وحقوق الإنسان في المجلس التشريعي، قالت لـ "الاستقلال": "الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حين تعتقل الفتيات والسيدات، فهي تتبنى عقيدة أمنية إسرائيلية أمريكية، تبيح اعتقالهن واستدعاءهن، سواء بصورة مباشرة، أو لأنهن بنات وأخوات وزوجات معارضين سياسيين للسلطة، أو مطلوبين لها".

مضيفة: "لكن اللافت حالة الصمت التي تسود المنظمات الحقوقية والنسوية تجاه الانتهاكات بحق الفتيات، فضلا عن حالة إرهاب المواطنين في عدم التبليغ عن اعتقال واستدعاء بناتهم، الأعداد المتوفرة تتحدث عن اعتقال واستدعاء العشرات من الفتيات، لكن تكتم العائلات خوفاً وإرهاباً لا يوفر أرقاما دقيقة".