رئيس مركز "أورسام" يكشف لـ"الاستقلال" خريطة سياسات تركيا بالمنطقة والعالم

12

طباعة

مشاركة

أكد البروفيسور التركي أحمد أويصال رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط (أورسام)، أن أحزاب المعارضة بدعم من الغرب تسعى لدفع تركيا إلى أن تعيش بمعزل عن الجغرافيا الشرق أوسطية التي هي جزء منها.

واستبعد أويصال في حوار مع "الاستقلال"، أن يتحقق ذلك، مؤكدا أن تركيا ترتبط بأواصر تاريخية ودينية متينة مع السعودية وتقاربها مع مصر ضروري من أجل مصلحة المنطقة، وبنفس الوقت تريد عراقا قويا ومستقرا على المستويات كافة.

وعن أزمة اللاجئين المتفاقمة بالبلاد، قال إن تركيا احتضنت الهاربين من قمع النظام السوري، وهي ترغب في عودة السوريين لكن ينبغي ألا تفتح هذه العودة الباب لأزمة جديدة. 

وشدد على أن الأتراك بطبيعتهم شعب يرغب بمساعدة الآخرين، لذا يمكن القول إن "حملات التأجيج العنصرية ضد الأجانب مصيرها الفشل".

ودوليا، أوضح أويصال أن تركيا تعمل جاهدة على لعب دور وسيط لتجنب أزمة غذاء عالمية، وهي اليوم بموقفها المستقل غير التابع لأحد تحظى باحترام روسيا والغرب أيضا.

وأويصال بروفيسور مختص في علم الاجتماع السياسي، ومهتم بدراسة الشؤون العربية والعلاقات العربية التركية، وهو مؤسس والمشرف على مركز دراسات الشرق الأوسط "أورسام" (مستقل) في عام 2009، ومقره العاصمة أنقرة، ويجيد العربية والإنجليزية إلى جانب التركية.

منطقة متوترة

ما خلفية اللغط الأخير بين تركيا والعراق وما دور إيران فيه؟ 

أولا تعازينا الحارة لأسر الضحايا والجرحى في حادث دهوك. وأود التأكيد أن تركيا تتجنب إحداث أية خسائر في صفوف المدنيين.

وتعمل على المحافظة على الممتلكات المدنية من خلال أقصى درجة من الدقة وباستخدام أسلحة ذكية مكنت الجيش التركي من تجنب بعض الأخطاء التي كانت تحدث قبل سنوات حكم حزب العدالة والتنمية.

كما أن نجاح حكومة العدالة والتنمية يأتي من تمييزها بين مواقع الإرهابيين والمدنيين داخل تركيا وخارجها.

وتاريخيا عاش الأتراك والعرب والأكراد معا أكثر من ألف عام، وحاليا تربطهم علاقات جوار وصداقة قوية.

لذلك لا توجد مصلحة لتركيا في أن تتعمد قصف المدنيين؛ لا سيما أن تركيا تحتاج العراق قويا ومستقرا على المستويات كافة حتى لا تتضرر المصالح المشتركة.

ومن المعلوم أن هناك أزمة سياسية خطيرة حاليا في العراق، ولا علاقة لتركيا بهذه الأزمة.

وكل الأطراف تعاني من الفوضى الأمنية بمختلف المدن العراقية، وفي مقدمتها تركيا التي تتضرر من الأنشطة الإرهابية لحزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

واليوم يشكل حزب العمال الكردستاني تهديدا ليس لتركيا فقط؛ بل للعراق وكذلك لإقليم كردستان.

وهناك إجماع بين ثلاث جهات هي إيران والولايات المتحدة و"بي كا كا" على ألا ينهض العراق، وأن تضعف الدولة العراقية حتى تظل تابعة لهاتين الدولتين.

في حين يستغل حزب العمال الكردستاني هذه الحالة من التبعية وعدم الاستقرار السياسي والأمني لإيجاد ملاذ آمن لها وبدعم من واشنطن للأسف الشديد. 

عملية شمال سوريا رغم رفض إيران وروسيا.. ما مصيرها؟ 

تركيا ترأى أن وجود المنظمات الإرهابية على حدودها الجنوبية تهديدا لأمنها القومي؛ ولذلك تعمل على اجتثاث هذه الكيانات من المنطقة.

تركيا ترغب أن تحل مشكلة تواجد المنظمات الإرهابية في سوريا بالقرب من الحدود التركية بالتنسيق مع كل من روسيا وإيران في إطار طاولة حوار أستانة التي استطاعت من خلالها الدول الثلاث أن توفر حدا أدنى من الاستقرار في سوريا.

ولذلك نتصور أن تستمر تركيا في محاربتها للإرهاب، وهذا ما سمعناه من المسؤولين الأتراك بشكل علني في أكثر من مناسبة.

العلاقات الإقليمية

ما أهمية التقارب التركي- الخليجي على الصعيد الإستراتيجي؟ 

تركيا والسعودية بلدان مهمان وتربطها أواصر تاريخية ودينية متينة، ولذلك ليس من مصلحة أي من البلدين أن تكون هناك خلافات عالقة.

لا سيما في الوقت الذي نرى فيه النظام العالمي بدأ يتشكل من جديد بعد الحرب الروسية- الأوكرانية، وما صاحبها من اشتداد الصراع الأميركي- الصيني.

ولهذا فإن التقارب التركي- الخليجي بصورة عامة والسعودي بصورة خاصة لا يأتي بمعزل عن الأحداث العالمية.

بالإضافة إلى أن العالم يمر بأزمة اقتصادية تؤثر على كل البلدان، ولهذا تركيا ترغب في أن تعبر هذه الأزمات بالشراكة مع دول المنطقة بأقل الخسائر.

بينما تحتاج دول الخليج إلى حلفاء بعد استمرار هجمات إيران وخروج الولايات المتحدة من أفغانستان.

العلاقات التركية- المصرية إلى أين وصلت، لا سيما فيما يخص الوضع بليبيا وشرق المتوسط؟

تركيا تعمل على علاقات صداقة مع كل دول المنطقة العربية بدءاً من العراق وصولاً إلى دول المغرب، وتعمل على حل الأزمات التي تؤثر سلبا على العلاقات التركية العربية.

ويمكن لتركيا ومصر لعب دور مهم في حل أزمات المنطقة، ولهذا فإن التقارب بينهما ضروري للغاية.

ومن الممكن أن نرى في الفترة القادمة تطورا أكثر في العلاقات بين مصر وتركيا، تصب في مصلحة استخراج الغاز الطبيعي وحل الأزمة الليبية.

فضلا عن أنها من الممكن أن تجمع البلدين على طاولة الحوار بشكل أكبر؛ حيث إنه لكلا البلدين مصلحة في الحفاظ على الاستقرار في ليبيا.

كيف تقيم موقف الدولة التركية في دعم القضية الفلسطينية؟ 

تركيا تعمل من أجل السلام والقضية الفلسطينية مترسخة في وجدان الإنسان التركي، والحكومة التركية تقف إلى جانب القضية الفلسطينية سواء كان ذلك من خلال العلاقات الثنائية أو في المحافل الدولية.

فضلا عن أن تركيا تعمل بالشراكة مع الحكومة الفلسطينية وتقدم المساعدات اللازمة لحل الكارثة الإنسانية الموجودة في قطاع غزة بسبب الحصار الإسرائيلي المفروض عليها منذ سنوات.

وعلى الصعيد التركي الداخلي فهناك تأييد شعبي كبير لقضية فلسطين بين مختلف أطياف وأحزاب تركيا.

قوة صاعدة

ما مظاهر تنامي الدور الإقليمي للدولة التركية في الآونة الحالية؟ 

تركيا في الآونة الأخيرة أثبتت أنها فاعل إقليمي موثوق تتحرك مستقلة بقراراتها، ولذلك نراها عملت بفاعلية على جمع الطرفين الروسي والأوكراني على طاولة الحوار في إسطنبول في أكثر من مناسبة.

آخرها كانت فيما يخص فتح ممر آمن لنقل الحبوب والأسمدة من أوكرانيا إلى تركيا وبالتالي إلى السوق العالمي، وذلك لتفادي أزمة غذاء عالمية طرقت الأبواب.

وشرق أوسطيا، تركيا تعمل في إطار محادثات أستانة على حل المشكلة السورية وترغب أن تكون حدودها الجنوبية آمنة، وتربطها علاقات جيدة مع العراق والدول الخليجية.

وذلك بعد الانفراج في العلاقات التركية-الخليجية، ومن الممكن أن نرى تركيا أكثر فاعلية في العمل على حل أزمات المنطقة داخليا.

ما مكاسب تركيا السياسة من لعب دور الوسيط بين روسيا وأوكرانيا؟

العالم يمر بأزمة طاقة واشتداد التنافس بين القوى الكبرى، وليس من الخطأ إذا قلنا إننا نعيش صراعا عالميا يهدد السلم والأمن الدوليين.

وتركيا تعمل جاهدة على لعب دور وسيط لتجنب أزمة غذاء عالمية، وهي اليوم بموقفها المستقل غير التابع لأحد تحظى باحترام روسيا والغرب أيضا.

الأزمة الاقتصادية العالمية تؤثر على كل البلدان، ومنها تركيا، والدور الذي تلعبه أنقرة كوسيط يمنح انطباعا جيدا بأنها دولة موثوقة في حل الأزمات العالمية وتعطيها حرية الحركة في النظام العالمي.

كيف ترى دور تركيا في حل أزمة الغذاء العالمية؟ 

تركيا لحد الآن نجحت في جمع الأطراف المتحاربة في أوكرانيا، ولذلك يمكن القول إن دور تركيا سوف يستمر بعد أن لاقت جهودها ترحيبا دوليا كبيرا من الغرب وأميركا وروسيا. 

الوضع الداخلي

ما طبيعة المنافسة بين حزب العدالة والتنمية وأحزاب المعارضة في إطار الاستعدادات لانتخابات 2023؟ 

تركيا تتمتع بنظام ديمقراطي تنافسي، ومن الطبيعي أن نرى تنافسا بين الأحزاب السياسية.

لكن الأحزاب المعارضة تعمل على تأجيج الوضع اجتماعيا من خلال الضخ الإعلامي المناهض للأجانب المقيمين في تركيا.

فهذه الأحزاب المعارضة بدعم من الغرب تسعى لدفع تركيا إلى أن تعيش بمعزل عن الجغرافيا الشرق أوسطية التي هي جزء منها، وهذا ما لا يمكن تحقيقه.

فضلا عن أن محاولات التعميم السلبية للسلوكيات النادرة من قبل أفراد بعض الجاليات الأجنبية في تركيا والتي تتعارض مع القيم التركية، على أنها سلوكيات جميع الأجانب ستبوء بالفشل.

لأنها ليست من مصلحة تركيا وسوف تضر سمعتها واقتصادها أيضا. 

وماذا عن سياسة حزب العدالة والتنمية في التعامل مع معضلة الأجانب ومواجهة العنصرية ضدهم؟

يمكن القول إن سياسة حزب العدالة والتنمية قائمة على احتضان اللاجئين الهاربين من الحروب والأزمات الإنسانية.

فتركيا احتضنت الهاربين من قمع النظام السوري، وهي ترغب في عودة السوريين لكن ينبغي ألا تفتح هذه العودة الباب لأزمة جديدة. 

وهل أقنع حزب العدالة والتنمية الناخب التركي بتحركاته لمواجهة أزمة اللاجئين؟ 

كثير من الشعب التركي متعاطف مع هؤلاء اللاجئين المظلومين الذين تركوا بلادهم بسبب الحروب والقمع، كما أن العنصرية التي نراها في وسائل التواصل الاجتماعي لا يمكن أن نلمسها في أرض الواقع.

فالأتراك بطبيعتهم شعب يرغب بمساعدة الآخرين، لذا يمكن القول إن حملات التأجيج العنصرية ضد الأجانب مصيرها الفشل.

ما تفسيرك لمحاولات إسقاط الحكومة التركية عبر الأزمة الاقتصادية؟ 

الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا جزء من الأزمة العالمية التي تعيشها كل دول العالم، وهذا ما رأيناه في بلدان كثيرة من مظاهرات ضد الحكومات، على خلفية وباء كورونا، والحرب الروسية- الأوكرانية.

وبالرغم من أن الدولة التركية ازدهرت اقتصاديا في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، إلا أن البلاد تضررت أيضا اقتصاديا، بسبب الأزمات العالمية المتتالية التي تنال من كل البلدان.

ومن جانب آخر فإن الأحزاب المعارضة في تركيا لا تملك رؤية اقتصادية واضحة يمكن أن تقدمها إلى الشعب التركي، لأن الكل يعلم أبعاد الأزمة وأنها ليست منحصرة في داخل تركيا.