عسكريون مصريون حملوا السلاح وقاتلوا النظام.. لماذا؟

أحمد يحيى | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

في 5 سبتمبر/ أيلول 1981، وقبل شهر من اغتياله، ألقى الرئيس المصري محمد أنور السادات خطابا عاصفا، أمام الاجتماع المشترك لمجلسي الشعب والشورى، بدا من حدة لهجته مدى الغضب المسيطر على المشهد السياسي في البلاد.

بعد توجه السادات للصلح مع إسرائيل، وعقد اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية كامب ديفيد في 17 سبتمبر 1978، ثم قرر السادات تحفظه على 1536 من قيادات ورموز المعارضة، وألغى التراخيص الممنوحة بإصدار بعض الصحف والمطبوعات مع التحفظ على أموالها، ما خلق أجواء مشحونة تنذر بالخطر.

وفي السادس من أكتوبر/ تشرين الأول 1981، تم اغتيال السادات في العرض العسكري الحاشد للقوات المسلحة المصرية بمناسبة ذكرى الانتصار على إسرائيل، وتبين لاحقا أن الذين قاموا بعملية الاغتيال ضباط من الجيش.

عسكريون مصريون آمنوا بفكرة حمل السلاح في مواجهة النظام، بداية من مقدم المخابرات الحربية عبود الزمر، ورائد سلاح المدرعات عصام القمري، مرورا بأعضاء تنظيم الفنية العسكرية، الذين حاولوا تنفيذ أول وآخر محاولة "انقلاب" في مصر وصولا لـ "هشام عشماوي" ضابط الصاعقة، الذي انشق عن الجيش، وأنشأ تنظيم "المرابطون" المسؤول عن تنفيذ العديد من العمليات المسلحة ضد الأجهزة الأمنية في سيناء، والصحراء الغربية.

اغتيال السادات

كان مقتل الرئيس محمد أنور السادات، من أبرز أحداث التاريخ المصري المعاصر، وتداول الإعلام الرسمي للدولة، بالإضافة إلى الروايات التاريخية أن "عناصر تابعة لتنظيم الجهاد، والجماعة الإسلامية هم من أقدم على تلك العملية"، متجاهلين الطبيعة العسكرية لأولئك الأفراد الذين عملوا ضمن منظومة القوات المسلحة.

من شاركوا ونفذوا حادثة الاغتيال هم، خالد الإسلامبولي، وهو الشخصية المحورية في الحدث، وكان ضابطا عاملا باللواء 333 مدفعية، ويعد المخطط والمنفذ الرئيسي، وهو الذي تقدم نحو المنصة في المشهد الشهير، ووجه طلقاته مباشرة إلى صدر الرئيس السادات، وهي الرصاصات المتسببة في مصرعه.

عبود الزمر، الضابط بجهاز المخابرات الحربية، وهو الذي اختار فكرة الهجوم المباشر على المنصة من الأمام، وإحداث الصدمة للرئيس، وللأجهزة الأمنية المعنية بالحراسة.

أما حسين عباس القناص البارع بالقوات المسلحة، فجاء ضمن فريق الاغتيال المنفذ للعملية، وكان يجلس فوق سيارة نقل الجنود التي كانت تقل فريق التنفيذ، وانتظر حتى حصل على فرصة اقتناص السادات وبالفعل أطلق طلقة واحدة اخترقت رقبة الرئيس الراحل وكانت من الأسباب الرئيسية لوفاته.

شكّل هؤلاء الفريق الأساسي، بالإضافة إلى عطا طايل الملازم أول مهندس بقوات الاحتياط، وعبد الحميد عبد السلام الضابط السابق بسلاح الدفاع الجوي.

لا شك أن هؤلاء العسكريين تأثروا بالمناخ السياسي المحيط في ذلك الوقت، بداية من الاحتقان الناتج عن معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، والرغبة في التغيير المهيمنة على الأجواء، وتسربت داخل الجيش، وتمت ترجمتها إلى عمل حركي ذي تأثير واسع.

الفنية العسكرية

القصة تبدأ من صالح سرية، الفيلسوف والمفكر الفلسطيني، الذي وضع وثيقة تحمل عنوان "رسالة الإيمان"، بمثابة المرجع الرئيسي لجماعته، وللكثير من الحركات التي اختارت حمل السلاح فيما بعد.

نجح سرية داخل مصر في تأسيس تنظيم محكم، متعدد الأذرع، وُجد في العديد من المحافظات، ولكن الثغرة الأكبر والأهم نجاحه في تشكيل عناصر منتمية إليه داخل القوات المسلحة، متمثلين في الضابط بالكلية الفنية العسكرية.

وفي 18 أبريل/ نيسان 1974، تم تنفيذ الخطة التي وضعها صالح سرية، بمساعدة كارم الأناضولي، وطلال الأنصاري، وتعتمد على الاستيلاء على الفنية العسكرية بمهاجمة حرس بوابة الكلية في صمت لإدخال عدد كبير من الشباب إلى الكلية.

ثم بعد ذلك الاستيلاء على الأسلحة، والسيارات، والمدرعات، من الكلية الفنية العسكرية بمساعدة إخوانهم الطلبة داخل الكلية مستغلين صلاحياتهم كقادة مناوبين أثناء الليل، ثم التوجه بما حصلوا عليه إلى مقر الاتحاد الاشتراكي لمهاجمة السادات وأركان حكمه أثناء اجتماعهم.

انقلاب فاشل

وفي بداية حركة الانقلاب، تسلل اثنان من عناصر التنظيم، أحدهُما إلى وزارة الداخلية والآخر إلى رئاسة الجمهورية، وتم الإبلاغ عما ينوي إليه سرية ورفاقه، ثم بدأ المنفذون، وكان عددهم 18 شخصا، في مهاجمة الفنية العسكرية، واشتد الاشتباك بين الطرفين ما أدى إلى مقتل 6 أشخاص من التنظيم و7 من حراس الفنية.

ومع نهاية العملية بالفشل تم مقتل 17 فردا وجرح بضع وستين آخرين، وتم اعتقال صالح سرية من منزله الكائن في حي الدقي وباقي أفراد التنظيم البالغ عددهم 92 فردا.

وحكمت المحكمة على سرية والأنصاري والأناضولي بالإعدام، ونُفذ الحكم على سرية والأناضولي، وخُفف إلى المؤبد على الأنصاري لوساطة والده الشاعر السكندري عبد المنعم الأنصاري عند السادات.

وشكلت مجموعة صالح سرية، أول تنظيم مسلح حقيقي يعمل داخل أروقة الجيش المصري، ويحاول تنفيذ انقلاب على النظام، وإحداث تغيير كامل في مؤسسات الدولة.

هشام عشماوي

في 29 مايو/ آيار 2019، وصل هشام عشماوي زعيم جماعة "المرابطون"، المحكوم عليه بالإعدام في طائرة عسكرية برفقة قوات خاصة تابعة لجهاز المخابرات المصرية، وذلك بعد زيارة خاطفة قام بها رئيس الجهاز عباس كامل، إلى بنغازي في ليبيا حيث التقى اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وسائل الإعلام المصرية، وسياسيون بارزون، ونواب بالبرلمان، ومن قبلهم رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، اعتبروا وصول عشماوي للقاهرة إنجازا أمنيا يحسب لصالح جهاز المخابرات، مؤكدين أن عشماوي كنز معلوماتي ثمين، ووصوله ضربة موجعة للجهات والجماعات المتعاملة معه، على حد قولهم.

عشماوي الموصوم بالإرهاب، لم يكن إلا ضابطا ضمن صفوف الجيش، بدأت رحلته مع انضمامه للكلية الحربية عام 1996 عندما كان عمره 18 عاما، وأثبت تفوقا ونباهة مقارنة ببقية الطلاب، بحسب شهادة قادته، وهو ما أهله إلى الانضمام إلى سلاح المشاة ثم الصاعقة "من أخطر وأشرس فرق الجيش"، ليقر بتميزه عسكريا.

بدأ التحول في مسيرة وشخصية عشماوي عام 2006، بحسب ما أوردته وكالة "رويترز" عندما نسبت لأحد أقربائه قوله: "عندما اعتقل أحد أصدقاء هشام وتوفي وهو في السجن، تحول هشام إلى شخص آخر".

بعدها وقعت مشادة بينه وبين خطيب مسجد في معسكر تدريبي، بعدما أخطأ الإمام في ترتيل القرآن، ثم رأى بعض الضباط عشماوي يوزع كتيبات دينية على زملائه.

تنظيم "المرابطون"

في عام 2007، أُحيل إلى محكمة عسكرية بتهمة تحريض زملائه على العصيان ضد النظام الحاكم، وتم نقله إلى أعمال إدارية ووضعه تحت الملاحظة، وفي عام 2011، فُصل كليا من الخدمة العسكرية، مع عدد من الضباط لأسباب مشابهة.

بعدها عمل عشماوي بالتجارة لفترة في القاهرة، وكان يجتمع مع ضباط سابقين بالجيش في مسجد أسفل العقار الذي يقطنه والده، وفي 2012، انضم عشماوي لجماعة "أنصار بيت المقدس" ليقود خلية مختصة بتدريب أعضاء التنظيم على الأعمال القتالية مستغلا خبرته العسكرية، واستخدم أسماء حركية مثل شريف وأبو مهند وأبو عمر المهاجر، حسب ما نقلته وكالة رويترز عن مسؤولين أمنيين.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2014، أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس التي ينتمي إليها عشماوي البيعة لـ"تنظيم الدولة"، لكن عشماوي رفض المبايعة وانشق عنها، ليقوم بتأسيس مجموعة "المرابطون" التي عرفت بموالاة تنظيم القاعدة في ليبيا.

واتهمت السلطات المصرية ضابط الصاعقة السابق، بمحاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق اللواء محمد إبراهيم، واغتيال النائب العام السابق هشام بركات.

كما اتهمته باستهداف مديرية أمن الدقهلية، وحافلات الأقباط بالمنيا التي راح ضحيتها 29 قتيلاً، ومهاجمة مأمورية الأمن الوطني بالواحات التي راح ضحيتها 16 قتيلا، وحملته المسؤولية عن أحداث الفرافرة في عام 2014 التي راح ضحيتها 21 قتيلا من قوات حرس الحدود في كمين للجماعة.

حاضنة للعنف

أحمد فريد مولانا الباحث المصري وعضو المكتب السياسي للجبهة السلفية، قال: "من الدوافع الرئيسية وراء توجهات بعض الضباط نحو العمل المسلح، هو الوضع السياسي المغلق، الذي يخلق حاضنة مناهضة للاستبداد، بسبب القمع الذي تمارسه الدولة ويعمل النظام على تأصيله".

وأضاف مولانا لـ"الاستقلال": "الشخص العسكري له مسارات تتسق مع تكوينه وفهمه، فالضابط عندما يعترض على سياسات النظام وينشق، يعمل من خلال طبيعته العسكرية في الأساس، فيتجه مباشرة نحو العمل المسلح والعنيف، وهو ما حدث في عدة نماذج منها ضباط حزب البعث في العراق، والانشقاقات العسكرية في سوريا، وليبيا، واليمن، كلها أنتجت مسارات عسكرية مسلحة معارضة للأنظمة".

لكن الباحث المصري أكد أن "ضابطا مثل هشام عشماوي، بالإضافة إلى العسكريين المماثلين، لا يعبّرون عن توجه كبير داخل الجيش المصري الذي يوجد به مئات الآلاف من الأفراد، تحكمهم قواعد شديدة القسوة والرقابة، فالمؤسسات السيادية داخل القوات المسلحة تعمل على ضبط الولاءات، وعمل التحريات المستمرة على جميع العناصر".

وتابع مولانا قائلا: "بعد حادثة اغتيال السادات تحديدا، عمل جهاز المخابرات الحربية، على إبعاد المتدينين من هيكلة الجيش، وإحالتهم للتقاعد، ولو لزم الأمر محاكمتهم عسكريا، وهو بذلك يغلق مسارات خروج حالة استثنائية، كما حدث مع عشماوي".