جوازات سفر حوثية وفتح مطار صنعاء.. محاولات لاختراق سماء الأزمة باليمن

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رضوخا لضغوط أممية ودولية، وافقت الحكومة اليمنية في 12 مايو/أيار 2022، على اعتماد جوازات السفر الصادرة عن الحوثيين، للمسافرين المغادرين عبر مطار صنعاء الدولي، في محاولة لإنقاذ الهدنة الإنسانية السارية المهددة بالانهيار.

وفي الأول من أبريل/نيسان 2022، أعلنت الأمم المتحدة، عن الهدنة التي تستمر لمدة شهرين قابلة للتمديد. ويشمل الاتفاق السماح برحلات تجارية من مطار صنعاء الدولي المفتوح فقط لرحلات المساعدات منذ 2016، ما يمثل بارقة أمل نادرة في الصراع بعد حرب مدمرة.

ونقلت وكالة "سبأ" الرسمية، عن مصدر مسؤول قوله إننا "نشدد على التعهدات الواردة في مبادرة المبعوث الأممي (هانس غروندبرغ) والتي تؤكد على أنه لا يترتب على ذلك أي تغيير في المركز القانوني للحكومة اليمنية".

وأضاف أن "موقف الحكومة جاء انطلاقا من التزامها الكامل بخدمة شعبنا العظيم وتخفيف معاناته وتقديرا لجهود المبعوث الأممي ومساعيه لتجاوز التعنت الحوثي في التطبيق الكامل لبنود الهدنة".

وذكرت الحكومة اليمنية وفق المصدر، أنها وجهت سفارتها في الأردن بتسهيل إصدار جوازات شرعية على نفقتها للمواطنين اليمنيين المسافرين كافة في هذه الرحلات وفقا للإجراءات القانونية المتبعة.

وفي 16 مايو، أقلعت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية اليمنية من صنعاء، في أول رحلة تجارية منذ ست سنوات تنطلق من العاصمة اليمنية الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ضمن إطار الهدنة.

 ويتهم الحوثيون المدعومون من إيران الرياض بفرض "حصار" على اليمن في حين يقول السعوديون إنهم يريدون منع تهريب الأسلحة إلى المتمردين.

 ويدور النزاع في اليمن بين الحوثيين الذين يسيطرون على صنعاء ومناطق أخرى في شمال وغرب البلاد، وقوات الحكومة المدعومة من تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسبّب النزاع في مقتل أكثر من 377 ألف شخص بشكل مباشر أو بسبب تداعيات الحرب، وفق الأمم المتحدة. 

رحلات جوية

وكانت الحكومة اليمنية تمسكت بتشغيل الرحلات عبر مطار صنعاء طبقا للإجراءات المعمول بها في مطاري سيئون وعدن، بما في ذلك اعتماد جوازات السفر الصادرة من الجهات الرسمية.

لكن الحوثيين رفضوا ذلك، ما تسبب في تأجيل أول رحلة تجارية، والتي كانت مقررة في 24 أبريل في إطار الهدنة الأممية.

وجاء الموقف الحكومي، بعد زيارة المبعوث الأممي إلى عدن ولقائه رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي في 10 مايو/أيار 2022.

سبق ذلك إطلاق عدد من أسرى الحوثيين لدى التحالف السعودي، ضمن المشاورات الجارية في العاصمة العمانية مسقط، والمتزامنة مع استمرار الهدنة الإنسانية.

وأكد رشاد العليمي أن الحكومة الشرعية قدمت الكثير من المقترحات، فيما يخص مطار صنعاء، إلا أنها قوبلت بتعنت واضح من قبل المليشيات الحوثية.

وأشار إلى أن مليشيا الحوثي حولت مطار صنعاء من ملف إنساني إلى قضية سياسية، وحرفت هذا الملف عن أهدافه الإنسانية التي أبرم الاتفاق من أجلها.

ويتهم التحالف بقيادة السعودية الحوثيين باستخدام منشآت مدنية تتمتع بحصانة لأغراض عسكرية بما في ذلك مطار صنعاء الدولي.

وقال التحالف، إن المليشيا حولت المطار إلى قاعدة عسكرية في انتهاك صارخ للقانون الإنساني الدولي، وهو اتهام نفاه الحوثيون المتحالفون مع إيران.

ونفذ التحالف الذي تقوده السعودية في 20 ديسمبر/كانون الأول 2021، غارات جوية استهدفت ما وصفه بـ"أهداف عسكرية مشروعة" في مطار صنعاء، بعدما رفع الحماية عن مواقع محددة في المطار وطلب من المدنيين إخلاءه.

وفي بداية فبراير/شباط 2022، كثف التحالف الضربات الجوية ضد المعسكرات ومخازن الأسلحة في صنعاء، بما في ذلك منصات إطلاق صواريخ تحت الأرض مرتبطة بمطار العاصمة ومنشآت في قاعدة الديلمي الجوية المستخدمة في تجميع وإعداد طائرات مسيرة محملة بالمتفجرات، بحسب ما ذكر المتحدث باسم التحالف تركي المالكي.

وأغلق مطار صنعاء الدولي أمام الرحلات الجوية التجارية منذ بدء الحملة العسكرية بقيادة السعودية عام 2015، ويستقبل فقط رحلات الأمم المتحدة والرحلات الإنسانية.

تنازلات ومفاوضات

وتعليقا على هذا الأمر، قال رئيس تحرير صحيفة أخبار اليوم، سيف الحاضري، إن "من الواضح أن هناك مفاوضات تدور في مسقط بعيدا عن الشرعية بين السعودية والإمارات من جهة ومليشيا الحوثي وإيران من جهة أخرى".

ويبدو أن ما يجرى الآن هو تنازلات سعودية ترغم قيادة الشرعية اليمنية على القبول بها دون أن يكون لها رأي في ذلك "وهذا هو الواقع المؤسف الذي نعيشه اليوم".

وأضاف الحاضري لـ"الاستقلال": "بالنسبة لمسألة السماح للحوثيين بإصدار الجوازات اليمنية، هذا إنتاج خطير جدا وتنازل عن حق سيادي للدولة اليمنية. لا يجوز أن يصدر جواز يمني إلا من قبل الحكومة الشرعية".

ورأى أن "السماح لمليشيات بإصدارها سيمس بمستقبل هذه الوثيقة وسيجعل كل اليمنيين الذي يحملونها عرضة للتشكيك في جميع مطارات العالم".

وستنعكس القضية بالضرر على المجتمع اليمني بشكل عام وخاصة الموجودين في الخارج والعازمين على مغادرة اليمن أو العودة إليه عبر المطارات الدولية، وفق قوله.

وأكد الحاضري أن "هذا التنازل يأتي دون أن يقدم الحوثيون أي تنازلات من طرفهم، فهم لم يفعلوا أي خطوة تجاه تأكيد نيتهم على العمل ببنود الهدنة الراهنة، فكيف بمسألة تمديدها؟".

وأضاف الصحفي اليمني، "الهدنة التي جرت هي بين السعودية والإمارات بين جهة ومليشيا الحوثي وإيران من جهة أخرى مقابل أن تتوقف الطلعات الجوية للتحالف في سماء اليمن لمساندة الجيش".

ومضى قائلا: "الهدنة بين إيران والسعودية وإيران لا علاقة للشرعية بها، ومن سيقرر تمديدها من عدمه هم الدول المتحكمة بالقرار السياسي والسيادي اليمني اليوم".

وبين الحاضري أن "الأمم المتحدة تأخذ ما اتفقت عليه الأطراف المتفاوضة في مسقط وتتبناه لكي يقال إن هذه الهدنة تجرى بإشرافها، لكنها ما هي إلا عنوان يستخدم لتلك المفاوضات".

إجراء مؤقت

من جانبه قال مسؤول العلاقات الدولية بوزارة الاعلام اليمنية، أكرم توفيق إن "الحكومة تتعامل بفاعلية تامة من منطلق المسؤولية الأخلاقية والمجتمعية أولاً ثم القانونية".

وأضاف "تأتي هذه الاستجابة الإنسانية في سياق حرصها على تذليل الصعاب والمشقة أمام العالقين من مرضى الداخل الذين تعاملت المليشيا معهم كرهائن، في حين وظفت الرحلات الأممية لخدمة ونقل قيادات الانقلاب وعناصرهم دون الالتفات لمعاناة الشعب".

وأوضح في حديث لـ"الاستقلال": "هذه الاستجابة المشروطة جاءت بناء على ضمانات تؤكد أن الإجراء مؤقت ولا ينبني عليه أي تغير قانوني في مشروعية الوثائق الصادرة من مرافق محتلة في إطار الهدنة".

وأردف: "ووجهت الحكومة سفارة بلادنا بعمان ويليها القاهرة للعمل وبشكل فوري على استبدال وثائق السفر القادمة بجوازات شرعية مجانا وإدخالها في سجلات البيانات".

ومضى شارحا: "من خلال التنسيق الأمني المشترك بين الحكومة الشرعية والدول الشقيقة، سيكون هناك تدقيق معلوماتي وتحر إجرائي للمغادرين كافة لضمان سلامة تدفق المعلومات في منظومة مصلحة الهجرة والجوازات بشكل صحيح".

وأكد توفيق، أن "الشرعية حريصة على استمرار الهدنة وتثبيتها وصولا لإرساء السلام وتحقيقه، وهذا ما أكده رئيس مجلس القيادة رشاد العليمي".

وأردف بالقول، إن "تجاهل استفزازات المليشيا المتكررة والتعاطي بإيجابية مع الدعوات كافة، تؤكد رغبة الدولة بإفشال ما من شأنه إعادة الصراع، لذا فالحكومة تحاول جر الحوثيين الى مربع السلام دون أن تدع لهم مبررا للتمترس خلف ادعاءاتهم".

وختم بالقول، "ليست تنازلات، بل استجابة إنسانية مشروطة، تتعامل الدولة بمسؤولية تجاه مواطنيها في حين تتجاهل العصابات وتستغل هذه الفرص لتحقيق مكاسب سياسية وميدانية، لا نزال نعول على الدور الأممي الكثير لإنجاح مساعيهم باحتواء الأزمة وصولا إلى سلام عادل وشامل يلبي تطلعات الشعب".

واتهم ناشطون يمنيون الحكومة، بتقديم تنازلات للحوثيين دون الحصول على مقابل، خصوصا فيما يتعلق بفتح المعابر والطرقات في تعز.

وتحصد مليشيا الحوثي المزيد من المكاسب، التي تقدم لها من قبل الحكومة والسعودية، وتستخدمها لتعزيز نفوذها في مناطق سيطرتها، منذ العام 2014.