المنصف المرزوقي لـ"الاستقلال": على برلمان تونس مواصلة الانعقاد وعزل سعيد

شدوى الصلاح | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد الرئيس التونسي الأسبق (بين عامي 2011 و2014) محمد المنصف المرزوقي، أن قيس سعيد لم يعد رئيسا شرعيا منذ انقلابه على الدستور الذي حلف على القرآن بحمايته واتباعه، والمؤسستان العسكرية والأمنية تنتظران وصول شعبيته للحضيض لوضع حد لحكمه.

وأضاف المرزوقي (76 عاما) الذي يعد رمزا للربيع العربي في حوار مع "الاستقلال"، أن مبادرة الاستشارة الإلكترونية التي أعلنها سعيد كانت مسخرة، ولم يبق إلا انتظار مسخرة الاستفتاء على الدستور الجاهز ثم الانتخابات الصورية نهاية 2022.

وتعليقا على قرار سعيد حل البرلمان، دعا المرزوقي البرلمان إلى مواصلة مهامه، وطالبه بعزل سعيد، لأن الدستور يعطيه هذه الصلاحية، وهذا ما سيضع المؤسستين العسكرية والأمنية أمام مسؤولية تاريخية: إما الوقوف مع قوة الشرعية أو مع شرعية القوة.

وعن حال الربيع العربي بعد الانقلاب في تونس، لم ينكر المرزوقي أن أعداء الحرية ربحوا معركة لكنهم سيخسرون الحرب، لأنهم يجدفون ضد تيار التاريخ، مضيفا أن "الذين يقفون في وجه تحرر الشعوب سيكون مصيرهم كمن حاولوا تأبيد العبودية والاستعمار".

وشدد على أنه إذا أرادت الأجيال الحالية والمقبلة العيش الكريم داخل وطنها فلا خيار لها غير النضال، حتى تحقيق اتحاد الشعوب العربية الحرة على أنقاض الجامعة العربية.

ومنذ انقلاب قيس سعيد في 25 يوليو/ تموز 2021، توالت أحداث بارزة في تونس من تجميد لاختصاصات البرلمان إلى إعلان حله نهائيا في 30 مارس/ آذار 2022، بعد ساعات من عقده جلسة افتراضية، أقر فيها قانونا يلغي إجراءات سعيد.

وشملت تلك الإجراءات أيضا إعفاء رئيس الحكومة هشام المشيشي، وتعيين حكومة جديدة، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وحل المجلس الأعلى للقضاء، فيما تواصل البلاد المشاورات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض لحل الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي يئن من ويلاتها الشعب التونسي.

تجدر الإشارة إلى أن سعيد أمر في 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بسحب جواز السفر الدبلوماسي من المرزوقي، على خلفية مطالبة الأخير باريس بعدم مساعدة "النظام الديكتاتوري" في تونس ومساهمته في إلغاء قمة فرانكفونية كانت مقررة بتونس في نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2021، صدر حكم غيابي بحق المرزوقي يقضي بسجنه أربع سنوات مع الإذن بالنفاذ العاجل، بتهمة "الاعتداء على أمن الدولة الخارجي والتواصل مع دولة أجنبية ما نتج عنه الإضرار بحالة البلاد التونسية دبلوماسيا". 

الداخل التونسي

هل يمكن نزع الشرعية عن قيس سعيد وعزله من منصبه؟  

هو لم يعد رئيسا شرعيا منذ انقلابه على الدستور الذي حلف على القرآن بحمايته واتباعه.

وقرار البرلمان الأخير قبل حله بإلغاء كل التدابير الاستثنائية التي اتخذها المنقلب أكد انعدام شرعية المنقلب وقراراته.

المشكلة لم تعد قانونية ولا حتى أخلاقية، نحن حاليا أمام تجدد غلبة شرعية القوة على قوة الشرعية وهذا ما يجب أن ننهيه.

بعد حل البرلمان، من الجهة الباقية اليوم في تونس القادرة على إسقاط سعيد؟

المنقلب يتاجر اليوم بشعبية كان محركها كره حركة النهضة وكره البرلمان، لكن بافتضاح فشله في حل المشاكل الاقتصادية خاصة وهو يتمتع بكل السلطات تبخرت هذه الشعبية.

وأعتقد أن المؤسستين العسكرية والأمنية تنتظران وصول هذه الشعبية للحضيض لوضع حد لحكم رجل واضح أنه غير سوي وغير قادر على إدارة دولة.

نفذت نقابة الصحفيين التونسيين مؤخرا إضرابا عاما، كيف تنظر لذلك وهل يمكن أن تكون انتفاضة الإعلام بداية لإسقاط سعيد؟

اللهم لا شماتة، لكن كما يعرف الجميع في تونس، الإعلام هو الذي دمر الثورة وكان من أهم أسباب هزيمتي في الانتخابات الرئاسية بما حشد ضدي وضد الثورة من أكاذيب.

ها هي الثورة التي أتت للإعلام التونسي بكرامته وحريته قد ذهبت ضحية أخطائها وأخطائه، وها هو الإعلام يواجه وحيدا البعبع الاستبدادي الذي ساهم في عودته والذي سيذيقه الأمرين إن تواصل.

ولعل الدرس ينفع من يتعلمون من الدروس، وهم للأسف ليسوا الأغلبية.

ما تعليقك على تسخير قيس سعيد لكل أجهزة الدولة للدعاية لمشروعه السياسي وفرضه على الجميع؟

إنه التمشي الكلاسيكي لكل ديكتاتور.. ما علينا إلا انتظار بقية السيناريو الركيك، بعد الاستشارة الإلكترونية التي أطلقها سعيد منتصف يناير/ كانون الثاني 2022، واستمرت حتى 20 مارس/ آذار، بدعوى استفتاء التونسيين بخصوص اهتماماتهم.

ويتفق الجميع أنها كانت مسخرة، ولم يبق إلا انتظار مسخرة الاستفتاء على الدستور الجاهز ثم الانتخابات الصورية التي ستمنع منها الأحزاب لصالح غبار من الأفراد المجهولين والذين ستكون فرصتهم للوجود سياسيا واجتماعيا طبعا على حساب أي مشروع سياسي.

على كل حال يجب ألا نصل لهذه الفترة ولا بد للسعي لكي يزول الانقلاب قبل ذلك.

ينفذ التونسيون في الخارج مسيرات من أجل العودة إلى الديمقراطية في تونس فما جدوى هذه الفعاليات وتأثيرها على الداخل التونسي؟

دور التونسيين والتونسيات أيا كانوا التصدي لعودة الاستبداد.

وأملي أن تكون هذه المحنة فرصة جديدة لكي يتبلور أكثر فأكثر شعب المواطنين من رحم شعب الرعايا الذي لم يفهم حتى الآن أن من سيخلصه من مشاكله ليس زعيما منقذا يرعاه بعدل كما يرعى راعي الغنم قطيعه.

وإنما خلاصه في دولة قانون ومؤسسات تكون في خدمة الجميع لا في خدمة الزعيم وعصابته.

كيف يمكن الخروج من الأزمة السياسية الراهنة في تونس؟ وما مشروعكم لتصحيح المسار؟

قدمت مشروعا وهو مواصلة البرلمان الاضطلاع بمهامه وعدم الاستكانة لقرار الحل، ثم على البرلمان عزل سعيد، لأن الدستور يعطيه هذه الصلاحية، هذا ما سيضع المؤسستين العسكرية والأمنية أمام مسؤولية تاريخية: الوقوف مع قوة الشرعية أو مع شرعية القوة.

والمطلوب طبعا ليس انقلابا عسكريا على الطريقة السودانية وإنما إعادة تفعيل الدستور.

أي أن يسمي البرلمان رئيسا مؤقتا يدعو في ظرف أسابيع قليلة لانتخابات رئاسية وتشريعية تعطي للبلاد أخيرا نظاما سياسيا مستقرا يستطيع تحريك الماكينة الاقتصادية المتوقفة.

ثورات الربيع

بعد انقلاب 25 يوليو في تونس، هل يمكن القول إن قوى الشر وأعداء الحرية في الإقليم والعالم نجحوا في إجهاض ثورات الربيع العربي؟

دون أدنى شك، لكنهم ربحوا معركة وسيخسرون الحرب، لأنهم يجدفون ضد تيار التاريخ.

أنا أردد لكل المحبطين انظروا كم من وقت ومن معارك ومن دم ومن دموع قبل أن ينتهي الرق والاستعمار والتمييز ضد المرأة. 

وأصحاب هذه المشاريع خسروا الحرب حتى ولو ربحوا ألف معركة وأخروا النصر.

والذين يقفون في وجه تحرر الشعوب ونهاية الاستبداد سيكون مصيرهم مصير من حاولوا تأبيد العبودية والاستعمار.

ماذا تستفيد هذه القوى وعلى رأسها الإمارات ودول الخليج من إعادة إنتاج الأنظمة المستبدة والبائدة في دول الربيع العربي؟

- لا يجنون غير كراهية واحتقار الشعوب لهم، إنهم حقا مساكين لا يفهمون أنه لا قيمة للمال والسلطة إلا لتظفر بالاحترام والسمعة التي تتناقلها الأجيال. 

- هؤلاء الأغبياء يستعملون كما هائلا من الأموال وسلطات لا حد لها ليشوهوا سمعتهم ويجعلوا من أسمائهم لعنة يتركونها لأبنائهم وأحفادهم.

هل كفر الشعب التونسي بالديمقراطية والربيع العربي؟

الشعب التونسي ككل طيف واسع من البشر المختلفين، جزء منه كفر بالديمقراطية لأنه لم يؤمن بها يوما، وقد روضته قرون الاستبداد على أن يكون أعلى سقف توقعاته راع لا يفرط عليه بجز صوفه وذبح صغاره.

وهناك جزء آخر يتوسع يوما بعد يوم هو الذي أسميه شعب المواطنين وهذا الشعب الذي جاء بالديمقراطية وهو الذي سيسترجعها وسيدافع عنها بل سيطورها.

أثبتت الانقلابات فشل قادتها في إدارة البلدان كما الحال في مصر وتونس لكنها ما زالت تحظى بداعمين، فما تفسيرك لذلك؟

الداعمون من الداخل طبقة مستفيدة من وضع الاستبداد وهم مئات الآلاف وموزعون في كل مراكز القرار الاقتصادي والاجتماعي والإعلامي.

وهناك داعمون من الخارج وهم سادة ساداتنا، إنها كل الأنظمة الديمقراطية وغير الديمقراطية التي تعتبر حكامنا بيادق يخدمون مصالحها.

هذه القوى المجتمعة والمنظمة والخبيثة والعنيفة قادرة على حماية الاستبداد طويلا، لكن عجز هذا الأخير عن حل مشاكل الناس وفساده وصراعاته الداخلية وتنامي قوة شعب المواطنين.

وكل هذه الأمور عوامل ستنتهي عاجلا أو آجلا، كما بعث الرئيس السوداني السابق عمر البشير وراء القضبان أو إجباره على الفرار، وكما حدث مع الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي.

ربيع واحد

حدثنا أكثر عن مشروع الربيع العربي الواحد الذي تتبناه؟

بتجدد الثورة الديمقراطية السلمية وعلى امتداد العقود المقبلة يجب أن يضع الجيل الجديد نصب عينيه تحقيق ثلاثة أهداف:

- بناء دولة القانون والمؤسسات على أنقاض الدولة الاستبدادية.

- بلورة شعب المواطنين بالنضال الديمقراطي من داخل شعب الرعايا الذي خلقه ويتعهده الاستبداد.

- تحقيق اتحاد الشعوب العربية الحرة على أنقاض الجامعة العربية.

وبهذه الأهداف الثلاثة ستعود للشعوب وللأمة مكانتها المفقودة.

 ما الأدوات المتاحة لتحقيق المشروع؟

ربح معركة العقول والقلوب بفكر سياسي عربي جديد، والتشبيك بين القوى الديمقراطية العربية، وإعداد البدائل على ضوء التجارب التي خضناها حتى لا تتكرر الأخطاء، ومن أهمها توهم إيجاد أي نوع من التوافق مع النظام القديم.

 ما مدى قدرة المشروع على النجاح والصمود في وجه الأنظمة الديكتاتورية؟

إذا أرادت الأجيال الحالية والمقبلة العيش الكريم داخل وطنها فلا خيار لها غير النضال، لن يأتي أحد من الخارج ليحقق لها مطالبها.

إنه قدرها، لكنني كما سبق أن قلت المعارك لهم والحرب لنا، ومن ثم الشعار الذي رفعته دوما "ننتصر أو ننتصر".