خيارات انتخابات الرئاسة الجزائرية: "بوتفليقة" ومقاطعة وتشتت

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تأتي الانتخابات الرئاسية في الجزائر مرة أخرى، في وضع لم يختلف كثيرا عن سابقاتها، سوى أن صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تزداد غموضا، وهو المقعد منذ أكثر من 7 سنوات، بعد إصابته بجلطة دماغية، جعلت من مرات حضوره المعدودة يكتنفها الصمت.

ورغم حالة بوتفليقة، فإن الحزب الحاكم تمسك بترشيحه للانتخابات، لمنافسة أكثر من 100 مرشح عبروا عن استعدادهم لخوضها، ليفتح الباب أمام جملة من التساؤلات عن الحياة السياسية في الجزائر بين أحزاب حاكمة، عجزت عن إيجاد بديل لبوتفليقة، ومعارضة مشتتة يحوم حولها سؤال الجدية في معارضتها لنظام منذ نصف قرن.

الخيار الأوحد للأحزاب الحاكمة

استنفرت قيادة حزب جبهة التحرير الوطني الجزائري قواعدها استباقا لإعلان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة رسميا ترشحه للانتخابات الرئاسة حسب ما صرح به عدد من قيادات الحزب لوسائل إعلام محلية .

وقبيل هذا الإعلان المتوقع سارعت عدد من الأحزاب المؤيدة للسلطة مساندتها لهذا الترشح يتقدمهم حزب التجمع الوطني الديمقراطي الذي يتزعمه الوزير الأول أحمد أو يحيى (2) وعدد آخر من التنظيمات السياسية، إلا أن هذه المساندة تخفي وراءها أشهر طويلة من الصراعات داخل أروقة الحكم في الجزائر.

صراع دوائر السلطة

هذا الصراع الذي نشب مبكرا لم تكن ساحته الأحزاب لا المعارض منها ولا الحاكم، إنما في مصنع رؤساء الجزائر، مؤسستي الجيش والمخابرات التي شهدت موجة من الإقالات شملت سبعة من كبار جنرالات الجيش والدرك والشرطة والمخابرات والتي تعتبر الأكبر من نوعها منذ أكثر من عشر سنوات. الغريب في هذه الإقالات أن جلها كان لأسماء مقربة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وصعد نفوذها وسط الجيش بعد وصوله للسلطة في العام 1999.

وبين التبرير الرسمي الذي يصنف هذه الإقالات ضمن تجديد الدماء في المؤسسات الحاملة للسلاح وبين تبرير آخر يجعلها في إطار حرب على الفساد طالت مسؤولين كبارا في الدولة، كما صرح المحلل السياسي والكاتب الجزائري، الدكتور محمد واغني في حوار مع وكالة "الأناضول" إن "التفسير الذي الذي يقدمه محللون يربط التغييرات بالحملة على الفساد التي أطلقتها السلطات بعد ضبط 701 كلغ من الكوكايين في باخرة كانت تنقل لحوما مجمدة مستوردة لشركة يملكها رجل أعمال نافذ" إلا أن واغني يرجح تفسير أن يكون الجيش دخل مرحلة جديدة ينهي بموجبها نفوذ جنرالات أقوياء، خاصة أن بعضهم في مناصبهم منذ 12 عاما (3).

سقوط الجنرال توفيق

هذا التغيير سبقه تغيير أكبر وأهم، أثارت رجة كبيرة في أوساط الحكم في الجزائر، ففي 14 أيلول/ سبتمبر 2015 أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا عن إحالة رئيس دائرة الاستعلامات والأمن "جهاز المخابرات" الفريق محمد مدين المعروف بالجنرال توفيق على التقاعد، وهو الذي يعتبر الرجل القوي داخل الدولة في الجزائر وصاحب الملفات الثقيلة التي يمكن أن تطيح بأي مسؤول أو ترفع آخرين.

هذه الحادثة طرحت اسم سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري إلى الواجهة باعتباره مهندس الإطاحة بالجنرال توفيق.

نفوذ متمدد للأسرة

مما يثير الانتباه في الجزائر إضافة إلى صحة الرئيس المتدهورة، وضعه الاجتماعي، فعبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر 81 عاما لم يتزوج في حياته قط . ربما هذا الوضع الذي يعيشه الرئيس الأعزب ألغى من الخيارات التي أتيحت لغيره من الرؤساء العرب ألا وهو خيار التوريث. إلا أن غياب الزوجة أو الأبناء لم يغيب دور العائلة في التأثير في الحياة السياسية في الجزائر وخاصة في هذه المرحلة الحرجة التي يتراوح فيها التفكير بين بين خليفة للرئيس أو التمديد له عبر صناديق الاقتراع أو تعديل دستوري.

وأبرز اللاعبين من آل بوتفليقة هو شقيقه سعيد الذي تم تداول اسمه باعتباره أحد المرشحين لخلافة أخيه في منصب رئاسة الجمهورية كما ينسب إليه العديد من التعيينات كما الإقالات على رأس كبرى أجهزة الدولة، إلا أن وثيقة أصدرها رئيس حركة مجتمع السلم المعارضة عبد الرزاق المقري كشفت عن لقاءات جرت بينه وبين شقيق الرئيس من أجل مناقشة مبادرة قدمتها الحركة من أجل إيجاد توافق وطني حول تأجيل الانتخابات لمدة محددة يتم فيها التمديد للرئيس بوتفليقة والاتفاق على مرشح وطني جامع لخلافته وهو ما يتلاءم مع تصور العائلة التي تخشى من انتقال مفاجئ للسلطة قد يتسبب في عمليات انتقام منها من الحاكم الجديد للبلاد (4).

أصوات مقاطعة

في الوقت الذي دعا فيه أعرق أحزاب المعارضة في الجزائر "جبهة القوى الاشتراكية" إلى "مقاطعة فعلية مكثّفة وسلمية" لعمليات الاقتراع لأن "شروط إجراء انتخابات ديمقراطية حرّة ونزيهة وشفافة ليست متوفرة" حسب لائحة صادرة عن مجلسه الوطني (5)، قرر حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" المعارض والممثل في البرلمان عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية مؤكدا أنه "يرفض تعيينا آخر لرئيس الدولة" (6) .

تشتت الصف الإسلامي

في المقابل، فإن حركة مجتمع السلم أكبر الأحزاب الإسلامية والممثلة في البرلمان بـ 34 نائبا، أعلنت ترشيح رئيسها عبد الرزاق المقري للانتخابات الرئاسية بعد نحو 24 عاماً على آخر مشاركة جدية نافس فيها الحزب مرشّح السلطة والتي كانت عام 1995 حين نافس رئيسه الشيخ محفوظ النحناح مرشح السلطة لمين زروال. وقد أعلن رؤساء أحزاب إسلامية ترشحهم لانتخابات الرئاسة بأهداف سياسية متباينة، ولكن تصب كلها عند منعطف القطيعة مع خيار دعم مرشح السلطة الذي انتهجه معظم الإسلاميين في الاستحقاقات منذ عام 1999 ورغم ما يجمعه من التقاء فكري إلا أنه ولحد الآن فشلوا في صياغة اتفاق يجمعهم على مرشح واحد.

أسماء كبيرة في المنافسة

من بين العشرات الذين توجهوا لمقر وزارة الداخلية 14 رئيس حزب سياسي، آخرهم الأمينة العامة لحزب العمال اليساري لويزة حنون التي قدمت رسالة نية الترشح باسم حزبها بعد ترددها بهذا الشأن ومن بين المرشحين أيضا رئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس والقيادي السابق في جبهة التحرير والذي سبق له وأن نافس بوتفليقة على منصب الرئاسة في انتخابات 2014.

و قدم أيضا، أربعة عسكريين سابقين في الجيش والاستخبارات ترشحهم من أبرزهم اللواء السابق في الجيش علي غديري، الذي أنهى استكمال فريق حملته الانتخابية ويستعد كما بقية المترشحين لاستكمال الإجراءات اللازمة لتقديم أوراق ترشحهم لدى المحكمة الدستورية قبل 4 مارس/ آذار 2019.