"صفر كبير".. خبير مياه دولي لـ"الاستقلال": مصر والسودان فرطا بحقوقهما في النيل

12

طباعة

مشاركة

أكد الخبير الدولي السوداني في الموارد المائية الدكتور أحمد المفتي، أن مصر والسودان فرطتا في حقوقهما بنهر النيل منذ 2011، عندما لم يتمسكا بالإخطار المسبق الذي يكفله لهما القانون الدولي، ووافقا على أن يستمر تشييد سد النهضة أثناء المفاوضات.

وأضاف المفتي، وهو عضو سابق في وفد السودان بمفاوضات سد النهضة، أنه لا شك أن إثيوبيا انتهزت عدم الاستقرار السياسي في مصر، ومضايقة الحركات المسلحة للخرطوم، وجرت البلدين إلى مفاوضات وفق شروطها ورؤيتها.

وأوضح لـ"الاستقلال"، أنه إذا أرادت مصر والسودان الحفاظ على حصصهما التاريخية في مياه النيل فيجب عليهما ألا يعودا إلى طاولة المفاوضات؛ إلا إذا أوقفت إثيوبيا كل أنشطتها إلى حين الوصول إلى اتفاق ملزم.

وأشار خبير المياه الدولي إلى أن مصر لم تحصل سوى على صفر كبير من الجهات الأجنبية التي لجأت إليها في قضية سد النهضة، كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأكد أن "الأصابع الصهيونية وراء كافة الموبقات التي يتعرض لها مصر والسودان في ملف سد النهضة"، وإسرائيل كانت أول من شن حرب المياه منذ عقود للاستيلاء على جزء من مياه النيل.

وتتبادل القاهرة والخرطوم مع أديس أبابا اتهامات بالمسؤولية عن تعثر مفاوضات السد، التي يرعاها الاتحاد الإفريقي منذ شهور، ضمن مسار تفاوضي بدأ قبل نحو 10 سنوات؛ بسبب خلافات حول التشييد والتشغيل والملء.

وفي 21 فبراير/ شباط 2022، أعلنت إثيوبيا بدء تشغيل أولى توربينات توليد الكهرباء على سد النهضة بشكل رسمي، في خطوة نددت بها دولتا المصب، مصر والسودان.

بناء مستمر

ما واقع سد النهضة الإثيوبي حاليا من حيث البناء والملء والتشغيل؟

من حيث البناء أنجزت إثيوبيا أكثر من 80 بالمئة، ومن حيث الملء فرغت من الملء الأول والثاني بإرادتها المنفردة، وجملتهما حوالي 8 مليارات متر مكعب.

والآن هي تستعد للملء الثالث بإرادتها المنفردة أيضا، وتقطع الأشجار وتستمر في التشييد.

كما أن أديس أبابا تواصل في الوقت نفسه تجارب التشغيل ونجحت في تشغيل توربينتين بعد خمس محاولات قامت بها حتى الآن، وبلغت قوة كل توربين 375 ميغاوات، ويتوقع أن تكون كفاءة هذه التوربينات 67 بالمئة.

ما خطورة السد على دولتي المصب مصر والسودان ؟

السد خطر جدا جدا جدا، خاصة على السودان؛ لأن سعة أكبر خزان سوداني لا تتجاوز 7 ملايين متر مكعب، وفي المبدأ رقم 8 من اتفاقية إعلان مبادئ سد النهضة لسنة 2015، تعهدت إثيوبيا بالالتزام باستكمال أمان السد.

ولكنها لم تفعل ذلك حتى الآن، ولن تفعله، الأمر الذي يجعل حياة أكثر من عشرين مليون مواطن سوداني مهددة بخطر عظيم بسبب عدم أمان سد النهضة.

ماذا عن الحصص التاريخية لمصر والسودان والاتفاقية الدولية بين الدول الثلاث حول تقسيم الحصص؟

الحصص التاريخية في اتفاقية 1959، لا تعترف بها إثيوبيا، لكن يعترف بها القانون الدولي.

وفي تقديري أنه يمكن منح إثيوبيا حصة من المياه، من دون التأثير على حصتي السودان ومصر، كجزرة لتتوقف إثيوبيا عن تصرفاتها الإحادية. 

ما انعكاس النزاعات المسلحة في الداخل الإثيوبي على مستقبل بناء وتشغيل السد؟

رغم اشتداد المعارك والمواجهات بين حكومة آبي أحمد وجبهة تيغراي؛ إلا أن إثيوبيا حتى وهي في أوج الصراعات الداخلية لم تتوقف أعمالها في استكمال بناء سد النهضة.

والأشد من ذلك أن حكومة آبي أحمد عقدت اجتماعا لمجلس الوزراء في موقع السد أثناء المعارك لتؤكد مضيها بلا تردد في مشروع إنهاء السد.

صفر كبير

لماذا لم تنجح الخرطوم والقاهرة في إرباك أديس أبابا وتعطيل مشروع السد؟

لا شك أن الإصرار الإثيوبي كان أقوى من كل ما يمكن عمله من قبل السودان ومصر لإرباكها، ولم تفلح القاهرة والخرطوم في تعطيل أو إلهاء أديس أبابا أو حتى إرباك مسيرتها في مشروع السد الذي تسير نحو إنهائه بخطى متسارعة.

التدخلات الخارجية في المفاوضات بين العواصم الثلاث .. كيف ترى مردودها؟

لا تخطئ العين الصفر الكبير الذي حصلت عليه مصر منذ أول تدخل أميركي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، مرورا بالاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوربي، والجامعة العربية، والمبعوث الأميركي للقرن الإفريقي، والجزائر.

وكل هذه المحاولات ذهبت دون جدوى ولم تجن مصر من ورائها شيئا.

ما تفسيرك لمفاوضات استمرت عشر سنوات دون أن تسفر عن اتفاق ملزم أو مرض لدولتي المصب؟

الخطأ يقع على عاتق الخرطوم والقاهرة اللتين فرطتا في حقوقهما منذ أول يوم عام 2011، حيث لم يتمسكا بالإخطار المسبق الذي يكفله لهما القانون الدولي واتفاقية 1902، ووافقا على أن يستمر التشييد أثناء المفاوضات.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ بل وقعتا على إعلان مبادئ يعطي إثيوبيا كل شيء، كما قبل كلاهما بالملء الأول الأحادي، وكذلك الملء الثاني المنفرد، بل دخلا في مفاوضات بعد ذلك ما أعطى شرعية لذلك الملء.

هذا بخلاف أن جميع الطلبات التي يطلبها الطرفان حتى الآن لا تعطيهما كافة حقوقهما المائية، ولم يطالبا بالأرض التي يقام عليها السد في إقليم "بني شنقول ".

على الرغم من عدم التزام إثيوبيا بالشرط الذي منحتها السودان تلك الأرض بموجبه في عام 1902 .

ما قصة تلك الأرض التي بني عليها السد؟

السودان منح إثيوبيا هذه الأرض في عام 1902، واشترط عليها آنذاك عدم تدشين أية منشآت مائية على مجرى نهر النيل على هذه الأرض بدون موافقة حكومة الخرطوم، حسب عقد تسليم تلك الأرض لحكومة إثيوبيا. 

ولكن أديس أبابا لم تحترم ذلك العقد، وأقامت على تلك الأرض سد النهضة، وهو ما يعطي الحق للسودان أن يطالب باستعادة هذه الأرض، خاصة وأن الطرفين سبق واتفقا على ذلك.

ما الفرص المتاحة أمام القاهرة والخرطوم للحفاظ على حصصهما التاريخية بمياه النيل؟

إذا أرادت مصر والسودان الحفاظ على حصصهما التاريخية في مياه النيل فيجب عليهما ألا يعودا إلى طاولة المفاوضات؛ إلا إذا أوقفت إثيوبيا كل أنشطتها إلى حين الوصول إلى اتفاق ملزم.

ويجب عليهما في الوقت نفسه رفع سقف مطالبهما لتشمل المطالبة بالأرض التي يقام عليها السد (عصا)... ومد جزرة لإثيوبيا مثل الاعتراف لها بحصة مائية ، وبمشروعاتها المستقبلية. 

حضور صهيوني

هل هناك أصابع إسرائيلية في هذه الأزمة؟

لا شك أن الأصابع الصهيونية وراء كافة الموبقات التي يتعرض لها دول المنطقة، لا سيما مصر والسودان في حرب المياه التي شنتها إسرائيل منذ عقود للاستيلاء على جزء من مياه النيل.

ولعل تقصير السودان ومصر هو سبب ضياع حقوقهما المائية، أما الدول الأخرى والصهاينة فيعملون في اتجاه حماية مصالحهم وتلك هي اللعبة الدولية.

كيف يمكن مواجهة أزمة نقص المياه في الخرطوم والقاهرة عند اكتمال بناء السد وتشغيله؟

أزمة نقص المياه في القاهرة والخرطوم ليس لها أي حل سوى أن يسعى كلا البلدين لدى دول المنبع والتعاون معها لزيادة الإيراد.

أما الحلول المتاحة مثل تحلية مياه البحر، وترشيد الاستهلاك، وإعادة تدوير مياه الصرف الصحي، فإنها تخفف المشكلة ولكن لن تحلها.

لا توجد أي طريقة، إلا الشراء من إثيوبيا، لأنها ستكون قد امتلكت القنبلة المائية،  التي سوف تهددهما بها.

الأمن الغذائي في مصر وانعكاس نقص مياه الري وخطر الجفاف والتصحر.. كيف تراه؟ 

من دون أمن مائي لا يوجد أمن غذائي على الإطلاق، وكما ذكرت فقد فرط السودان ومصر في أمنهما المائي يوم فرطوا في حقوقهم التاريخية منذ 2011 وحتى اليوم.

ما تجربتك الذاتية في صراع المفاوضات التي تستمر بلا سقف وبلا نتيجة؟

تفاوضنا كدول حوض النيل من 1995 حتى 2010، ووصلنا إلى توافق لا يقل عن 90 بالمئة، بمساعدة دولية من أميركا وأوروبا وكندا والأمم المتحدة والبنك الدولي، وكانت المحادثات تسير على قدم وساق لتجاوز نقاط الخلاف.

 وكان ذلك وفقا للمقترح السوداني الذي تقدمنا به آنذاك لوزراء مياه دول حوض النيل في يوليو/ تموز 2012، بمدينة كيغالي عاصمة رواندا.

إلا أن إثيوبيا انتهزت عدم الاستقرار السياسي في مصر، ومضايقة الحركات المسلحة للخرطوم، وإحالة ملف دارفور للمحكمة الجنائية الدولية، وجرت القاهرة والخرطوم إلى مفاوضات وفق شروطها ورؤيتها.

ولذلك رفضت شخصيا الاستمرار في المشاركة بهكذا مفاوضات، وفارقت ملف مياه النيل الذي كنت رقما ضخما فيه منذ 1994. 

إرادة غائبة

كيف ترى نجاح السودان في استعادة أراضي الفشقة التي استولت عليها إثيوبيا؟

كل المطلوب كان إرادة سياسية وبمجرد توافر الإرادة تم استرجاع الأرض، ولكن لا توجد إرادة مماثلة في مفاوضات سد النهضة، ومن ناحية قانونية موقف السودان سليم 100 بالمئة، لكن ذلك من دون إرادة سياسية لا يكفي. 

ألا يمكن للخرطوم أن تحقق انتصارا بشأن السد في ظل هذه الظروف المرتبكة داخل إثيوبيا؟

يمكنها تحقيق ذلك إذا غيرت من إستراتيجيتها التفاوضية الحالية، سواء كانت ظروف إثيوبيا مرتبكة أو غير مرتبكة.

هل ترى أن الأوضاع الداخلية في السودان تؤثر على ملف السد؟

بلا شك تؤثر سلبا على ملف سد النهضة ببساطة؛ لأنه ليس على أجندة الحكومة ولا المعارضة حاليا.

ماذا حول الصراع الحدودي بين مصر والسودان وانعكاسه على أزمة سد النهضة؟ 

لا علاقة له بمفاوضات سد النهضة مطلقا، وذلك أمر يديره السودان بحكمة منذ خمسينيات القرن العشرين.

ألا يمكن لمصر والسودان معا تكوين جبهة موحدة قوية في مواجهة إثيوبيا للحفاظ على مصالحهما؟

تكوين جبهة موحدة وقوية في مواجهة إثيوبيا من أجل الحفاظ على مصالحهما ذلك هو المطلوب الآن؛ لأن مستقبلهما المائي مرتبط ببعض، وقد كان موقفهما موحدا طوال مفاوضات عنتبي.

ماذا عن محاولات مصر جر جيبوتي إلى مربع الصراع باعتبارها المنفذ البحري الوحيد لإثيوبيا.. هل ينجح؟

الموضوع معقد ويصعب التكهن بمآلاته .