من السجن للوزارة.. جزائري طالبه الحراك بقيادة مرحلة انتقالية

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد استقالة بوتفليقة مساء 2 أبريل/نيسان 2019 دخلت الجزائر مرحلة انتقالية، وطبقا للمادة 102 من الدستور تولى رئيس مجلس الأمة عبد القادر بن صالح رئاسة البلاد مؤقتا، لحين موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في 4 يوليو/ تموز 2019.

ما تم من إجراءات عقب استقالة بوتفليقة لم يكن كافيا لإرضاء الجزائريين الذين واصلوا مطالباتهم بإزاحة كافة رموز النظام السابق عن المشهد السياسي من أجل تحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي للسلطة.

أغلب المشاركين في الحراك يرفضون موعد الانتخابات الرئاسية وآليات إجرائها، وهو ما جعل بعض رموز النخب السياسية يبحثون عن مخرج للأزمة ويطرحون أسماء لقيادة المرحلة بديلا عن رموز نظام بوتفليقة.

وجوه جديدة قديمة

نقلت وكالة رويترز للأنباء عن مصدر مسؤول لم يرد الكشف عن هويته، أن السلطة في الجزائر تتجه نحو تأجيل الانتخابات الرئاسية المقررة في الرابع تموز/ يوليو القادم، وأضاف نفس المصدر لرويتز أن "الانتخابات قد تؤجل بسبب صعوبة تنظيم الأمور اللوجستية في الوقت الملائم إلى جانب المعارضة في الشارع".

ويواصل الجزائريون رفضهم  في مسيرات تجوب شوارع البلاد للمسار السياسي الحالي، كما يطالبون بمرحلة انتقالية تقودها شخصيات لم "تتورط" بالعمل مع النظام السابق، كما هو الحال مع الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح الذي رافق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة طيلة فترة حكمه (20 عاما)، كذا الوزير الأول نور الدين بدوي الذي شغل عدة حقائب وزارية خلال حكم الرئيس المستقيل كان آخرها وزيرا للداخلية في حكومتي عبد المالك سلال وأحمد أويحيى.

وفي سياق البحث عن هذه الشخصيّة التي لم تتورط في العمل مع نظام بوتفليقة، برزت عدة أسماء طرحت في ساحات الحراك أو على لسان عدد من الناشطين، كان من أبرزهم السياسي أحمد طالب الإبراهيمي وزير الخارجية الأسبق، الذي وجهت إليه دعوات من جمعيات ومنظمات وناشطين من أجل قيادة المرحلة الانتقالية بدلا من بن صالح.

خلال مسيرة يوم 7 مايو/آيار 2019، رفع طلبة الجزائر العاصمة، لافتة كبيرة كُتب عليها: "الطالب يريد شخصية توافقية"، جاءت مرفوقة بصورة أحمد طالب الإبراهيمي، وفي إحدى جمعات الحراك الشعبي، عبّر المتظاهرون عن رفضهم القاطع، إجراء الإنتخابات الرئاسية، رافعين شعار "مكاش (لن تكون هناك) انتخابات ياحكم (حكومة) العصابات"، كما تردّد اسم الإبراهيمي لقيادة المرحلة الانتقالية وظهرت صوره في عدد من اللافتات خلال التظاهرات.

كما أطلقت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مبادرة لتفويض الإبراهيمي لقيادة مرحلة انتقالية بعد رحيل الرئيس المؤقت الحالي عبد القادر بن صالح، حيث قال نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين، التهامي مجوري في منشور على صفحته بـ"فيسبوك" أن "الساحة السياسية، بأغلبيتها الساحقة، تُطالب الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي، بأن يُدعى ويوافق كرئيس توافقي لمرحلة انتقالية".

ووجّه مجوري خطابًا للإبراهيمي جاء فيه "إن الحراك الشعبي السلمي والذي يقوده شباب لا يعرفونك، هو الذي يدعوك للقيام بمبادرة سياسية قوية، ويطالبك بضرورة تولي زمام الأمر، هو حراك لا يمثله أحد من تلك الوجوه، التي تراها تتحرك كل جمعة وثلاثاء، بل ويرفض كل اسم يروج له من هنا أو هناك، وهذا يفتح بابا، بل ربما أبوابا يصعب غلقها إذا فتحت".

وأضاف قائلا: "معالي الدكتور (الإبراهيمي).. أنت اليوم أمام هذه النداءات المتكررة مرشح الشعب ولست مرشح جهة ما، ورفضك لهذه النداءات يُعد رفضا للشعب الذي تعلق بك وبالقيم التي تدعو إليها في حياتك، فنربأ بك أن ترد يد الجزائر وشعبها الممدودة إليك".

من هو الإبراهيمي؟

من المؤكّد أنّ شباب حراك 22 فبراير/شباط 2019 في الجزائر والذي نجح في إزاحة بوتفليقة بعد 20 سنة من الحكم، لا يعرف الكثير عن أحمد طالب الإبراهيمي الذي تحوّل إلى الاسم الأكثر تداولا في الشارع الجزائري من أجل تفويضه لإدارة المرحلة الانتقالية.

فالدكتور الإبراهيمي اختار البقاء بعيدا عن المشهد الإعلامي والسياسي الذي عرفته البلاد سنوات التسعينات، قبل أن  يقرر سنة 1999 العودة إلى السياسة كمرشح مستقل في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها عبد العزيز بوتفليقة.

الإبراهيمي هو ابن العلامة الشيخ البشير الإبراهيمي نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين في الجزائر، وأحد مؤسسيها رفقة الشيخ عبد الحميد باديس رئيسها الأول في 5 مايو/أيار 1931.

واحتك الإبراهيمي الذي ولد في يناير/كانون الثاني 1932 بالحركة الوطنية الجزائرية منذ صباه على خلفية نشاط والده، والعلاقات التي كانت لديه بقادة النضال الوطني وقتها، كما أنه كان من القلة القليلة من الجزائريين حينها الذين التحقوا بالمدرسة الفرنسية، واجتاز جميع مراحلها التعليمية، قبل أن ينال شهادة البكالوريا ويلتحق بجامعة الجزائر نهاية الأربعينيات في تخصص الطب.

ومع اندلاع ثورة التحرير في الجزائر، انتقل إلى فرنسا لإكمال دراسته، وهناك انخرط بشكل مباشر في النضال السياسي مع "جبهة التحرير الوطني" وتولى رئاسة الاتحاد العام للطلبة المسلمين الجزائريين، قبل أن يتعرض للسجن على أيدي السلطات الاستعمارية الفرنسية حتى عام 1961.

وحتى بعد  الاستقلال في 5 يوليو/تموز 1962، عارض الإبراهيمي السياسة التي انتهجها الرئيس أحمد بن بلة في تسيير شؤون البلاد ما أدى إلى اعتقاله سنة 1964، وبقي مسجونا حتى الانقلاب العسكري الذي نفذه الرئيس هواري بومدين في 19 يونيو/حزيران 1965، ليتم تعيينه وزيرا للتربية الوطنية، وفي منتصف السبعينات وزير للإعلام، قبل أن يتقلد منصب وزير الخارجية في عهد الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد.

ومع التحولات السياسية التي رافقت انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988، والتي أوصلت البلاد إلى تنظيم أول انتخابات تعددية أدت إلى فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ وفجرت صراعا بين النظام والإسلاميين، حاول الإبراهيمي لعب دور الوساطة لكنه فشل.

ويصنف الإبراهيمي كواحد من أهم الشخصيات السياسية القريبة من الإسلاميين، خاصة وأنه كان من الرافضين لقرار توقيف المسار الانتخابي الذي اتخذه النظام  عام 1992.

وبعد انسحاب الإبراهيمي من السباق الانتخابي في عام 1999، اختار معارضة نظام بوتفليقة من خلال تأسيس حزب سياسي أطلق عليه اسم "حركة الوفاء والعدل"، إلا أن السلطة رفضت منحه الاعتماد، ليبتعد بعدها عن المشهد السياسي لفترة استمرت قرابة 20 عاما.

بوابة الحراك

قرابة شهرين يفصلان الجزائريين عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية، الذي أيدته قيادة المؤسسة العسكرية بدعوى التمسك بالنص الدستوري ومادّته رقم 102، التي تحدد آليات التداول على السلطة في حال استقالة الرئيس، إلا أنّ هذا التمشي يقابل برفض واسع تأطّد باستمرار الحراك الشعبي الذي يدخل شهره الثالث، وكذلك برفض الأطراف السياسية الجلوس على طاولة واحدة مع الرئيس المؤقت عبد القادر بن صالح.

وأمام هذا الانسداد ومع صعود أسهم أحمد طالب الإبراهيمي السياسية في الفترة الأخيرة، توجه الابراهيمي برسالة إلى الجزائريين في محاولة لإيجاد حل للأزمة السياسية حسب وصفه.

حيث توجه بالحديث للمؤسسة العسكرية قائلا: "إنها لعبت دورا هاما في الحفاظ على سلمية الحراك الشعبي من خلال حرصها على تجنب استعمال العنف، وتجلّى هذا واضحا في عمل قوات الأمن من شرطة ودرك التي هي على تماس دائم مع المحتجين".

الإبراهيمي طالب المؤسسة العسكرية بأن "تُصغي إلى اقتراحات النخب وعقلاء القوم، وألّا تكون سندا لمؤسسات لا تحظى بالرضى الشعبي حتى وإن كانت في وضع دستوري ثابت كان مبرمجا لحالات عادية، وليست استثنائية كالتي نمر بها اليوم. المؤسسة العسكرية عليها أن تكون قناة لتحقيق هذه الشرعية عبر الاستجابة الواضحة للمطالب الشعبية".

ويقترح الإبراهيمي للخروج من الأزمة "الجمع بين المرتكزات الدستورية في المادتين السابعة والثامنة وما يتسع التأويل فيهما على اعتبار أن الهبة الشعبية استفتاء لا غبار عليه، وبين بعض المواد الإجرائية التي تساهم في نقل السلطة دستوريا".

وأضاف: "أرى أن الحكمة تقتضي تغليب المشروعية الموضوعية على المشروعية الشكلية انطلاقا من حق الشعب في التغيير المستمر، فالدستور هو من وضع البشر، أي أنه لا يجب أن يكون متخلفا عن حركة الواقع، ولا ينبغي أن يكون مُعوقا لحركة المستقبل"، وفي ختام رسالته توجه بالشكر لكل مواطن ردّد اسمه أو رفع صورته أثناء المسيرات "المباركة" حسب قوله.