الجزائر.. أسبوع الحلول السياسية

ادريس ربوح | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع قرب انتهاء الآجال القانونية لسحب استمارات الترشح لانتخابات الرئاسة الجزائرية المزمع تنظيمها في 4 يوليو/ حزيران المقبلة ودخول الحراك الشعبي جمعته الـ13؛ طُرحت عدة مبادرات واقتراحات وبشكل مكثف للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد منذ قرابة ثلاثة أشهر. 

فقد نشرت جريدة "المجاهد" الحكومية في صفحتها الرئيسية خبر تنظيم مؤتمر وطني قريب دون أن تحدد مصدر معلوماتها، لكن يبدو أن ضغط الوقت وتسارع الأحداث وغياب الخطاب الأسبوعي لرئيس أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح، على علاقة بهذا الموضوع. وهو توطئة لطرح مبادرة حل أو حلول كما تفضل قيادة المؤسسة العسكرية التعبير عن رؤيتها، وهي في الحقيقة خطتها لحل الأزمة وهذا ماتعود عليه الرأي العام الوطني والدولي  منذ بداية الأزمة.

وقد صاحب هذا الخبر طرح مجموعة من المقترحات من طرف شخصيات سياسية وازنة سواءا عبر تصريحات أومساهمات في وسائل الإعلام المحلية ؛ فهل اقتربت ساعة  الحل السياسي للأزمة؟

ما يميز المرحلة السابقة بعد تنحية الرئيس عبد العزيز بوتفليقة هو أولوية "يتحاسبوا  كاع" على "يتنحاو كاع" أي أولوية المحاسبة والمتابعة القضائية على حساب  تنحية الباءات الثلاث وهم بن صالح رئيس الدولة وبدوي الوزير الأول وبوشارب رئيس الغرفة الثانية للبرلمان. 

فهل تم تنظيف الساحة بشكل تام وأخذت المحاسبة والعدالة طريقها دون رجعة، وذلك في توجه غير مسبوق في تاريخ الجزائر المستقلة؟ إذ تم حبس رموز الفساد المالي لنظام بوتفليقة واستدعاء عدد كبير من وزرائه، وعلى رأسهم أحمد اويحي وعبد المالك سلال أكثر المعمرين على رأس حكومات بوتفليقة المتعاقبة. في حين تكفل القضاء العسكري بتوقيف من كانوا مصدر السلطة قبل وأثناء حكم بوتفليقة وهم قائدي المخابرات السابقين الجنرالين محمد مدين وعثمان طرطاق بالإضافة إلى السعيد بوتفليقة وزميلته التروتسكية لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، هولاء يواجهون عقوبات كبيرة في حالة إدانتهم بالتهم الموجهة إليهم في المساس بسلطة الجيش والمؤامرة ضد سلطة الدولة.

وأمام خطورة التهم الموجهة إليهم سارعت كثير من الشخصيات وأبرزهم قائد إنقلاب جانفي (يناير/ كانون الثاني) 1992 الجنرال، خالد نزار، المستدعى إلى تقديم شهادته أمام المحكمة العسكرية بالبليدة بخصوص هذه القضية حيث سارع أيام قبل ذلك بالكشف عن محتوى إتصالاته مع السعيد بوتفليقة مبرزا تحذيره له بخطورة مساعيه في الدفع بالمواجهة بين الجيش والحراك عبر إعلان حالة الحصار أو الطوارئ وذلك بغية البقاء في السلطة بأي ثمن .

وهذا التصريح هو إدانة واضحة للسعيد بوتفليقة في محاولته الإنقلابية رفقة رفقائه في سجن البليدة وربما ستظهر شخصيات أخرى شاركت في المؤامرة والتي لا يعرف أعضاءها إلا المعنيون والجيش الذي نبه وحذر ثم نفذ إجراءات المتابعة عبر القضاء العسكري. لهذا شهدت الساحة حالة من الخوف والرعب ممن كانت لهما لقاءات وعلاقات  سابقة مع السعيد بوتفليقة أو شريكه الرئيسي في المؤامرة الجنرال محمد مدين المدعو توفيق.

أمام تسارع الأحداث وحدة الآلام التي أحدثها "المنجل" وهو المصطلح الذي يفضل الحراك الشعبي استخدامه لوصف عملية التوقيفات والحبس الذي طال رموز عشريتي الفساد البوتفليقي ؛ انقسم الحراك إلى توجهين:

الأول: توجه غالب وهو مع الدور المركزي للجيش في مرافقة الانتقال الديمقراطي والترحيب بالإجراءات المتخذة لحد الآن وخاصة المتابعات القضائية، والتي استقبلها بكثير من الارتياح والاستمتاع خاصة أنها استهدفت كل رموز نظام بوتفليقة التي كانت تصدر القرارات وتنفذها عبر العديد من الوزراء الفاسدين ورجال المال الفاسد، وهذا التوجه في الحراك مازال منتبها ويقظا ويطالب الجيش بتوفير الضمانات الأساسية للذهاب للانتخابات الرئاسية في أقرب وقت ويعتبرها بوابة الدخول في مسار التحول الديمقراطي الحقيقي. 

الثاني: هو توجه أقلية من الحراك كشفته بل وفضحته المتابعات القضائية، والتي استهدفت أولياء نعمتهم وأسيادهم في مصادر القرار المندحرين والذين توزعوا على سجني البليدة والحراش. 

هذه الأقلية زادتها عزلتها الجهوية ودفاعها عن رموز الفساد وذلك بتحويل النقاش واستهداف الجيش الوطني الشعبي شريك الجماهير الشعبية في حراكها السلمي؛ حيث شهدت الأيام الأخيرة تصريحات من هذه الأقلية في اتجاه الجيش وصلت إلى حد الخطيئة الكبرى بوصفه استعمارا جديدا مما أفقدها كل تعاطف شعبي بل وربطها بالمشاريع الأجنبية في ضرب الوحدة الوطنية، وضرب المؤسسة الوحيدة التي مازلت متماسكة ويحتمي بها الشعب الجزائري في معركته من أجل تحقيق الاستقلال الحقيقي عن جميع أنواع النفوذ، وخاصة النفوذ الفرنسي الذي يعيش أسوأ مرحلة في تاريخه في الجزائر. 

هذه الأقلية حاولت تكييف ووصف المتابعات القضائية بأنها حملة انتقامية وتصفية حسابات بين عصب الحكم لكنها لم تحافظ على هذا الحد الأدنى من التوصيف السياسي وذهبت بعيدا في غيها والتي أوردها المهالك السياسية. رغم أن الجميع يدرك بأن عملية تنظيف الساحة من المافيا السياسية والمالية مرحب بها شعبيا، حتى وان كانت تحت إشراف حكومة لا تحظى بالمصداقية الشعبية وقضاء لم يتحرر بعد من هيمنة السلطة التنفيذية، لكن إصرار المؤسسة العسكرية على عملية التطهير أعطى لها مصداقية أكثر وجدية أكبر وهذا ماشجع الحراك على دعم هذه المساعي في انتظار إيجاد الحلول السياسية للأزمة.

هذه الحلول عاود الحراك طرحها من جديد، ويراها أولوية قصوى قبل الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية وهي:

أولا: استقالة رئيس الدولة والوزير الأول ورئيس المجلس الشعبي الوطني أو مايعرف بالباءات الثلاث وتعويضهم بشخصيات مقبولة جماهيرا؛ وذلك ضمن الأطر الدستورية حتى لا يتحجج الجيش بأنه لا يمكن أن يدعم أي حل خارج الدستور.

ثانيا: إنشاء لجنة مستقلة للإشراف على الانتخابات الرئاسية، ويكون محلها قانون الانتخابات المعدل. 

ثالثا: تعديل قانون الانتخابات بشكل جذري حتى يوفر جميع الضمانات اللازمة لإجراء عملية انتخابية حرة ونزيهة. 

هذه المطالب الرئيسية للحراك الشعبي. أيام قليلة قبل انقضاء الآجال القانونية لسحب استمارات الترشح لانتخابات الرئاسة الجزائرية، وإلا فإن الإنتخابات القادمة ستكون محل مقاطعة شاملة من طرف الناخبين الجزائريين، هذا إذا افترضنا أن من سحبوا الاستمارات يمكن بعضهم ان يقدم ملفات كاملة وصحيحة في ظل الرفض الشعبي للانتخابات. وبالتالي رفض التوقيع على أي استمارة ترشح لمرشح مفترض خاصة أن قائمة المترشحين التي قدمتها وزارة الداخلية تخلو من أي شخصيات وازنة بل أغلبيتها الساحقة أسماء مغمورة وغير معروفة في الساحة السياسية، وبالتالي سنكون أمام موعد انتخابي بدون مرشحين وانتخابات بدون موضوع. 

فهل سنشهد هذه الأيام قرارات سياسية في مستوى قوة وجرأة المتابعات القضائية التي دعت إليها ودعمتها المؤسسة العسكرية؛ المطالبة بدعم مطالب الحراك والدعوة إلى قرارات سياسية تنقذ المسار الدستوري، التي تحرص عليه منذ بداية الأزمة؟

إنها قرارات معقولة وشرعية يطالب بها شعب يريد أن يقرر مصيره بنفسه، وبمرافقة جيشه الذي أثبت قدرا عاليا من المسؤولية والجاهزية في التعامل مع الأزمة، وهو مطالب بالتجاوب أكثر مع مطالب الحراك وشروطه للذهاب للانتخاب في 4 جويلية/يوليو المقبل. أم سنشهد عملية تأجيل للإنتخابات لمدة معقولة كما تطالب الكثير من المبادرات.

أعتقد أن المشهد السياسي سيشهد تحولا سريعا لصالح ترشيح شخصيات وازنة ومقبولة شعبيا ومنها الشخصيات التي طالب بها تيار عريض من الحراك الشعبي؛ للذهاب إلى انتخابات يوليو/ حزيران المقبل. وستكون الشخصية الرئيسية المرشحة تحمل مشروع الحراك في تحقيق الانتقال الديمقراطي المنشود وتنفذه بعد وصولها لرئاسة الجمهورية، وهو مشروع يهدف إلى:

أولا: تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية مسبقة وفق قانون الانتخابات الجديد، وتحت إشراف اللجنة المستقلة للإنتخابات والتي ستصبح لجنة دائمة للإنتخابات كما هو معمول به في كثير من الدول الديمقراطية. 

ثانيا: مراجعة الدستور لتحقيق التوازن بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، خاصة وأن بوتفليقة أعطى لنفسه صلاحيات سلطانية من خلال التعديلات التي أحدثها على الدستور طيلة حكمه.

ثالثا: تشكيل حكومة معبرة عن الإرادة الشعبية التي ستفرزها الانتخابات التشريعية لتبقى هذه الحكومة تحت الرقابة والمساءلة البرلمانية.

إن الجيش حريص على التقيد الصارم بالدستور وذلك منذ دعوته إلى ضرورة تنفيذ أحكام المادة 102 من الدستور، التي تم بموجبها ذهاب بوتفليقة ومجيء بن صالح لرئاسة الدولة وبقاء حكومة بدوي بموجب أحكام الدستور، وهي وضعية دستورية يمكن معالجتها بحلول سياسية دستورية تحقق أهداف الحراك بذهاب رموز العصابة وتوفير شروط الذهاب إلى الانتخابات المقبلة.

فالجيش يملك النفوذ الكافي للاستجابة للحراك كما فعلها مع تنحية بوتفليقة؛ ليؤكد نهائيا بأنه جزء من حراك الشعب الجزائري التواق لإنجاح تجربته الديمقراطية المتعثرة منذ ثلاثين سنة خلت.