الشبكة فيها "قنبلة إسرائيلية".. لا تستخدم الإنترنت وأنت داخل الإمارات

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم يكن استهداف إسرائيل السيطرة على قطاع الإنترنت الإماراتي، مهمة سهلة أو مستجدة، بل هي خطة إستراتيجية ممتدة منذ سنوات، لها أقطابها الذين استخدمتهم دولة الاحتلال للوصول إلى عمق ذلك القطاع. 

والإمارات الأولى عالميا من حيث نسبة مستخدمي الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، بحسب تقارير دولية عديدة، راصدة لكفاءة الشبكة العنكبوتية، وسرعة الإنترنت، منها مؤشر "Ookla"، وموقع "سبيد تيست".

كما أوردت مؤسسة "أفضل برنامج محاسبة" المتخصصة في مراجعة البيانات، في تقرير بتاريخ 14 يناير/كانون الثاني 2021، أن 99 بالمئة من سكان الإمارات وزوارها يستخدمون كلا من الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

وهو ما جعل سوق الإنترنت مفصليا لتل أبيب وضباط جهاز المخابرات الإسرائيلي "موساد"، فإضافة إلى الأبعاد الأمنية والاقتصادية، هناك أبعاد تتعلق بالحرب السيبرانية وتداول المعلومات، وجميعها مهمة للكيان الصهيوني.

الرواد الجدد 

وكشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، في عددها الصادر بتاريخ 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، أن الشركات الإسرائيلية، ورؤساءها أصبحوا هم الرواد الجدد لسوق الإنترنت في الإمارات، ويلعبون دورا بارزا في السيطرة على الشبكة العنكبوتية داخل البلاد. 

وأوردت المجلة المتخصصة في شؤون الاستخبارات أن إسرائيل، بدعم من عائلة آل نهيان الحاكمة في أبوظبي، تستهدف أن تكون الإمارات قاعدتها السيبرانية، للتحكم في بقية الأسواق الإقليمية المحيطة. 

وذكرت أن "الضابط السابق في القوات الخاصة الإسرائيلية تومير آفنون، وهو من رواد قطاع الإنترنت في إسرائيل، يتطلع للاستيلاء على حصة كبيرة من سوق الإنترنت في الإمارات مع شريكته المجموعة الذهبية العالمية "أي جي جي"، المقربة من العائلة الحاكمة". 

وينشط آفنون، الذي يرأس شركة الدفاع والاستخبارات الإسرائيلية "آفنون جروب"، منذ سنوات في العاصمة الإماراتية أبوظبي ويحرص مع "أي جي جي" على تطوير الإنترنت بشكل مشترك، كما أظهرت المجلة الفرنسية. 

وبدأ آفنون حياته ضابطا في القوات الخاصة الإسرائيلية، واتجه بعد تقاعده إلى القطاع الخاص كوكيل لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية (IAI) في إفريقيا، وهناك التقى بمسؤولين من إمارة دبي بما في ذلك مدير الإدارة العامة للعمليات في شرطة دبي كامل السويدي.

وزادت "إنتيليجنس أونلاين" أن من ذلك الحين توجه الضابط الإسرائيلي إلى الإمارات ليبدأ نشاطه السيبراني، حتى قبل أن تتجه الدولة الخليجية بسنوات إلى التطبيع الرسمي مع تل أبيب. 

المجموعة الذهبية 

طبيعة العلاقة بين الخبراء والشركات الإسرائيلية، وقطاع الإنترنت الإماراتي، بدأت عام 2006، عندما قدمت دولة الاحتلال عبر وكلائها، أدوات الاستخبارات والأمن السيبراني، كمشاركة في برنامج أبوظبي للنهوض بسوق الإنترنت المحلية، حسبما أظهر موقع "إمارات ليكس" في 24 يوليو/تموز 2019. 

حينها تم الحديث عن شخصيتين إسرائيليتين لعبوا دورا محوريا في سياسة الاختراق الإسرائيلية للشبكة الإماراتية، أولهم تومير آفنون الذي وصف بـ"رائد هذه السوق السرية"، إلى جانب آفي لئومي، المدير السابق لأنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية، المتداخل بقوة في هذه العملية، وتربطه علاقة وطيدة بأمراء أبوظبي. 

أما من الجانب الإماراتي فالذي ساهم في تذليل كل العقبات أمام الخبراء الإسرائيليين، وسهل لهم السيطرة والتحكم، هي مجموعة "أي جي جي"، وهي شركة دفاعية مملوكة جزئيا للدولة عبر صندوق "توازن"، الذي تستخدمه عائلة آل نهيان في عمليات الدعم المسلح لحلفائها الإقليميين.

وبالنسبة لإسرائيل، فإن ما قدمته لصناعة الإنترنت والأمن السيبراني في الإمارات، كان وفق "إمارات ليكس" بمثابة الخطوة الأهم لإقامة دبلوماسية متقدمة في الشرق الأوسط، استطاعت عبرها جذب الحكومات بصورة علنية إلى التطبيع، وهو ما ظهر بوضوح في عام 2020. 

طحنون وباردو 

الجزء الآخر المتعلق بأبعاد الوجود الإسرائيلي في قلب قطاع الإنترنت والاتصالات الإماراتي، تلك العلاقة المتقدمة بين عراب التطبيع، مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد آل نهيان، وتامير باردو الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، راعي التعاون السيبراني الإسرائيلي الإماراتي. 

وهو ما تناولته صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، في 25 يناير/ كانون الثاني 2021، في تقرير حول دور طحنون بن زايد، لا سيما فيما يتعلق بملف التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

وأكدت أنه لضمان حسن سير عمليات الأمن السيبراني في أبوظبي، يقدم باردو الاستشارات لشركة رأس المال المغامر "سينابتك كابيتال" ولها مقران في تل أبيب وأبو ظبي. 

وأضافت أن هذه الشركة فور تأسيسها أقامت علاقة مع "ترست إنترناشيونال غروب"، وهي شركة دفاعية وجزء من الإمبراطورية لطحنون. 

وأشرف باردو أيضا على وصول عملاق الأمن السيبراني الإسرائيلي "إكس إم سايبر" إلى أبو ظبي، وهي شركة شارك هو في تأسيسها بين عامي 2011 و2015، عندما كان رئيسا للموساد، وحينها زاد الجهاز بشكل كبير من تعاونه مع نظرائه في الإمارات فيما يتعلق بسوق الإنترنت، بحسب الصحيفة البريطانية. 

 

عمليات تجسس

وكان أخطر ما أنتجه الوجود الإسرائيلي المكثف في قطاع الإنترنت الإماراتي، ليس فقط استهداف المعارضين، بل ترقب وتتبع المواطنين والمقيمين في الدولة الخليجية. 

وكشف موقع "مجهر الجزيرة" في 15 يوليو/ تموز 2021، عن وثائق تؤكد أن الإمارات قدمت معلومات متعلقة بأكثر من تسعة ملايين مقيم فيها لـ"إسرائيل".

بينها وثيقة مسربة تفيد بإرسال وزارة الخارجية الإماراتية معلومات تفصيلية في رسالة رسمية موقعة من مدير إدارة شؤون الدبلوماسيين حمد مطر الشامسي، لتتحكم السلطات الإسرائيلية في معرض "إكسبو 2020" الدولي بصورة مبرمجة ودقيقة لتوفير الأمن".

وأظهرت الوثيقة أن معلومات المقيمين في الإمارات المرسلة إلى الجانب الإسرائيلي تشمل صورهم، وأسماءهم، وجنسياتهم، ونسخا من جوازات سفرهم، وعناوين إقامتهم، وأرقام هواتفهم.

ومن بين هؤلاء المقيمين في الإمارات، الذين ذهبت معلوماتهم إلى الجانب الإسرائيلي نحو 42 ألف صيني، و49.5 ألف أمريكي، ومليون ونصف باكستاني، إضافة إلى 13 ألف تركي، و17 ألف روسي، و28 ألف فرنسي. 

فضلا عن 75 ألف فلسطيني، و450 ألف مصري، ونحو 64 ألف لبناني. 

ليصل مجموع من تم التجسس عليهم وأرسلت بياناتهم إلى إسرائيل من داخل الإمارات ما يقارب ثمانية ملايين شخص من جنسيات مختلفة، وفق "مجهر الجزيرة".

تنديد حقوقي

ذلك الوضع تسبب في انتقاد منظمات حقوق إنسان عالمية للإمارات، منها "هيومن رايتس ووتش"، التي أطلقت تقريرها في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، تحت عنوان "الإمارات رواية التسامح الزائفة".

وقالت المنظمة في التقرير إن "سلطات الإمارات تستخدم معرض "إكسبو 2020 دبي" للترويج لصورة عامة من الانفتاح تتنافى مع جهود الحكومة لمنع التدقيق في انتهاكاتها الممنهجة لحقوق الإنسان، من خلال الرقابة على الإنترنت".

وأضافت: "منذ 2015 تجاهلت السلطات الإماراتية أو رفضت طلبات دخول خبراء الأمم المتحدة والباحثين الحقوقيين والأكاديميين والصحفيين المنتقدين إلى البلاد". 

وذكرت أن "الرقابة المحلية المستفحلة من جانب الحكومة، أدت إلى رقابة ذاتية واسعة النطاق من قبل المقيمين في الإمارات والمؤسسات ووسائل الإعلام التي تتخذ من الإمارات مقرا لها".

وفي 26 يناير/ كانون الثاني 2021، نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية تقريرا يتهم أجهزة الاستخبارات الإماراتية بقدرتها على الاختراق المباشر إلى بيانات الأفراد الشخصية، مثل الرسائل والمحادثات عبر الفيديو، والموقع الجغرافي، وكاميرا الهاتف والميكروفون، وكل العمليات المتعلقة بشبكة الإنترنت. 

وكان وجود إسرائيل على هذا الخط عاملا إضافيا جعل الإنترنت الإماراتي بمثابة قنبلة يمكن أن تنفجر في أي وقت في وجه مستخدمها إذا ما كان معارضا أو ناشطا سياسيا.