يني شفق: أمريكا أزاحت فنزويلا وإيران من معادلة الطاقة

12

طباعة

مشاركة

الحرب المقبلة هي حرب تجارية عالمية بامتياز، تقود رحاها من جهة الولايات المتحدة عبر العقوبات التي تفرضها على الدول التي تخالف هوى واشنطن وتوجهاتها، ومن جهة أخرى الصين التي تمتلك الآن نصف الناتج العالمي من التجارة معلقًا حول طريق الحرير، الذي تشرع ببنائه ويربط القارات الثلاث الآسيوية والأوروبية والإفريقية.

هذا الطريق بالذات يثير انزعاج واشنطن بشكل كبير، بحسب بروفيسور الاقتصاد التركي، إردال طاناس كاراجول، الذي اعتبر في مقال له على صحيفة "يني شفق" التركية، أنه وعلى الرغم من المؤسسات والمنظمات الدولية القائمة التي كانت رائدة في أعقاب عام 1945، فإن الولايات المتحدة ترى التغيير واجب وبشكل مستمر في ميزان القوة الاقتصادية.

وقال المحلل الحاصل على الدكتوراه من جامعة كونيتيكت بأمريكا: "نرى أن الدول التي قد تتعرض للتهديد من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تعمل على تسريع الجهود لتشكيل معادلة جديدة من خلال التدخل وفرض مجالات جديدة وطرق مبتكرة للطاقة والتجارة".

"المعادلة الجديدة للطاقة"

تحت هذا العنوان، قال الكاتب، إن الطاقة هي واحدة من أهم قضايا الهيمنة الأمريكية، وتعد هي الثابت الوحيد في كافة المتغيرات للعلاقات الأمريكية مع الحلفاء والأعداء بشكل عام، وإذا ما تغيرت معادلة الطاقة وفق اتفاقية ما فإن الاتفاقيات الأخرى أيضا سيصيبها التعديل والاختلاف.

وتتمتع فنزويلا، التي تمتلك أغنى احتياطيات النفط في العالم، بإمكانية تعطيل معادلة النفط والطاقة الجديدة التي سيتم إنشاؤها، لكنها، تعاني حالياً من صعوبات اقتصادية وسياسية. ومن ناحية أخرى، لم تقف إيران، التي تصنف بأنها رابع احتياطي نفط في العالم، موقف المتفرج على العقوبات الجديدة التي فرضت بحقها، بل قامت بالتهديد بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله 40% من تجارة النفط حول العالم. وأوضح الكاتب أن الجميع يعرف أن هناك معادلة طاقة جديدة وراء موجة العقوبات الجديدة على إيران.

بالإضافة إلى ذلك، زاد المقال، ستحدد الولايات المتحدة معادلة الطاقة الجديدة التي ستنشئها الجهات الفاعلة الأخرى، وكذلك كمية النفط التي ستصدرها. وإذا أضفنا أن الولايات المتحدة لم تعد مصدرًا للطاقة، فمن الواضح أنها لن تشارك تفوقها في مجال الطاقة مع أي طرف، وهذا موقف صريح وجلي من طرف الولايات المتحدة.

ووفقا لتقارير منظمة "أوبك" فإن عائدات إيران النفطية بلغت نحو 52.7 مليار دولار خلال العام الماضي، بينما بلغ إجمالي الصادرات الإيرانية 110.8 مليار دولار من صادرات المواد الكيميائية والمعادن والمنتجات الصناعية والزراعية الأخرى.

تعتمد على السعودية

ومنذ مايو/ أيار 2018، انخفضت صادرات النفط الإيراني إلى النصف تقريبا، حيث تراجعت من 2.8 مليون برميل يوميا إلى 1.3 مليون، بحسب المقال. واعتبر الكاتب أنه من المحتمل استمرار تراجعها، مع الإصرار الأمريكي على اتخاذ إجراءات عقابية على الدول التي لا تلتزم بقرار العقوبات على إيران. وفي ذات الوقت، فإن ذلك يعتمد أيضا على قدرات السعودية ودول أخرى على زيادة إنتاجها لتعويض تخفيض إنتاج النفط الإيراني.

وأعلنت الرياض، بحسب الصحيفة التركية، تعرّض ناقلتي نفط سعوديتين، أحدهما كانت متجهة لواشنطن، لـ"هجوم تخريبي" وهما في طريقهما لعبور الخليج العربي قرب المياه الإقليمية للإمارات، على بعد نحو 70 ميلاً من مضيق هرمز، الممر المائي الحيوي لشحنات النفط العالمية.

وجاء إعلان الرياض بعد ساعات من تأكيد وزارة الخارجية الإماراتية، أنّ 4 سفن شحن تجارية من عدة جنسيات (لم تحددها)، تعرضت لعمليات تخريبية قرب المياه الإقليمية، باتجاه ميناء الفجيرة البحري، بعد وقت قصير من نفي أبوظبي تعرّض مينائها لانفجارات.

ورداً على ذلك الحادث، قالت وزارة الخارجية السعودية، إنّ المملكة تدين "الأعمال التخريبية التي طالت السفن"، مشددة على أنّ "هذا العمل الإجرامي يشكل تهديداً خطيراً لأمن وسلامة حركة الملاحة البحرية، وبما ينعكس سلباً على السلم والأمن الإقليمي والدولي".

وأشار الكاتب هنا إلى أنه وبالطبع، لا ينبغي نسيان معادلة الغاز الطبيعي الجديدة التي ستنشأ بعد 100 عام، إذ تقوم الولايات المتحدة أيضًا بتصميم معادلة الغاز الطبيعي.

وبالحديث عن تركيا، أوضح الكاتب أن بلاده دولة ذات موقع إستراتيجي بين البلاد التي تتمتع بموارد الغاز الطبيعي، حيث تقع وسط ممرات نقل الغاز الطبيعي بين البلدان التي تطلب هذه الموارد. ومن المتوقع أن تتحقق نتائج الحفر شرق البحر المتوسط في تركيا العثور على مصادر جديدة للطاقة واكتشاف موارد جديدة بالإضافة إلى الاستمرار في عملية نقل موارد الطاقة عبر أراضيها.

ورأى بروفيسور الاقتصاد في هاتين الخطوتين، أن تركيا قد تصبح ضمن الدول التي تعد من مراكز تجارة الطاقة في المنطقة. وبالطبع اعتراض واشنطن على عمليات الحفر التركية شرق المتوسط والبحث عن آبار غاز طبيعي لم يكن مستغربًا لدى القنوات السياسية في تركيا.

الحرب التجارية

ومن ضمن وسائل الهيمنة التي تنهجها الولايات المتحدة على العالم، بحسب المقال، التجارة الخارجية؛ إذ أن الهيمنة على السوق هي مجال آخر مهم في طريقة التجارة الخارجية للولايات المتحدة، موضحًا أن تقدم الصين الواضح وسيطرتها على نصف تجارة العالم يقلق الولايات المتحدة بشكل واضح.

ووفق مقياس GSYH، وهو الناتج المحلي الإجمالي، هو مقياس نقدي للقيمة السوقية لجميع السلع والخدمات النهائية المنتجة في فترة زمنية، وغالبًا ما يكون ذلك سنويًا، حققت الصين الرتبة الأعلى عالميًا.

لذلك، عندما تعود قواعد منظمة التجارة العالمية ضد الولايات المتحدة، فإنها تزيد من نطاق الزيادات التعريفية التي تطبقها الصين لتخفيض واردات البضائع؛ والأهم من ذلك، أن خطر فقدان التجارة العالمية مع إدخال طريق الحرير التاريخي يقلق الولايات المتحدة، بحسب الكاتب.

ومن المقرر أن تستكمل الصين مشروع طريق الحرير في عام 2049، وستتاح الفرصة للصين للتصدير إلى 65 دولة في طريق يربط آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهذا يمثل ربع الناتج المحلي الإجمالي التجاري في العالم.

إن الحقيقة المتمثلة في أن طريق الحرير سيختصر النقل البري والبحري والسكك الحديدية، ويعمل على تنوع طرق التجارة العالمية، ويقلل من أوقات النقل، ويعمل على تخفيض التكاليف وتغير ميزان التجارة العالمي بالكامل، ستغدو الصين من خلاله من أهم البوصلات التجارية في العالم.

وختم الكاتب مقاله قائلا: "حقيقة إن الولايات المتحدة عارضت وتعارض هذا المشروع منذ البداية وتحاول منعه من رغبة الصين في السيطرة على التجارة العالمية والحصول على أكبر ناتج محلي إجمالي في العالم". وخلص إلى أن "هذه علامة على أن حروب التجارة والطاقة ستكون أكثر سخونة".