قيس الخزعلي.. زعيم شيعي عراقي صنعته إيران وأصبح "أداة" لواشنطن

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جاءت محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 بعد يومين من تحذيرات أطلقها زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، من مخطط لاستهداف المنطقة الخضراء في بغداد وإلقاء الاتهام على "فصائل المقاومة".

تحذيرات الخزعلي التي تحققت بعد يومين أثارت الشكوك بخصوص علم زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" المسبق بالاستهداف الذي طال رئيس الحكومة العراقية، ومحاولة إيصال رسالة تبعد عنه أي شبه بأنه متورط بالعملية في حال وقوعها، حسبما رأى سياسيون عراقيون.

الخزعلي قال خلال تصريحات في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أثناء مظاهرات لأتباع قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي ضد نتائج الانتخابات: "نحذر من محاولات أطراف مرتبطة بجهات مخابراتية تخطط لقصف المنطقة الخضراء وإلقاء التهمة على فصائل المقاومة".

وتوعد "الخزعلي" بمحاسبة الكاظمي بعد مقتل معترضين على نتائج الانتخابات أمام "الخضراء"، مؤكدا أنه أوفى بتعهده بالثأر من الأميركيين بعدما قتلوا الجنرال الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.

سجين سابق

وفي معرض تعليقه على حادثة استهداف منزل الكاظمي، قال السياسي العراقي المقيم في الولايات المتحدة انتفاض قنبر "هذه طريقة الخزعلي للخروج من أي أزمة إذا شعر في وضع خطر".

وأشار قنبر خلال مقابلة تلفزيونية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 إلى أنه "التقى الأخير وشقيقه ليث مرتين في سجن مطار بغداد الدولي عامي 2007 و2008".

وأضاف: "جلست مع قيس وشقيقه في خيمة ونحن محاطون بنحو 25 ضابطا أميركا، وعانقني وشكرني لأنني كنت أدافع عن الشيعة في أيام معارضتي لنظام (الرئيس الراحل) صدام حسين".

وتابع: "خلال اللقاء الثاني طلبت من الأميركان البقاء لوحدنا، لأننا كنا نفاوضه لإطلاق سراح مختطف أميركي من أقاربي".

واستدرك: "لكن ما اكتشفته عن قيس أنه عندما ألقي القبض عليه استطاع بسرعة مذهلة أن يغير موضوع اعتقاله، وأن يقدم معلومات قيمة جدا عن علاقة (رئيس التيار الصدري) مقتدى الصدر بفيلق القدس الإيراني بالأرقام والتواريخ".

ولفت قنبر إلى أن "الخزعلي بما قدمه من معلومات للأميركيين أصبح مصدرا مهما عن علاقة جيش المهدي (مليشيا أسسها مقتدى الصدر عام 2003) بفيلق القدس الإيراني بالتسليح والتدريب، وأعطاهم معلومات كيف كانت الشرارة الأولى لتدريبهم وعملياتهم في العراق".

وأعرب عن اعتقاده بأن "الخزعلي متدرب على كيفية الخروج من الأزمات بالوضع الخطر، واستطاع بهذه البراعة أن يقفز من السفينة الغارقة، لأنه أراد القول إن لدي معلومات أن الكاظمي سيستهدف لكن ليس أنا من يفعل ذلك، فهو يعرف كيف يفكر الأميركيون، وأنه سيكون المتهم إذا استهدف الأخير، وبذلك يضحك حتى على الإيرانيين".

وتابع: "قيس الخزعلي هو من اختطف هذا الشخص الأميركي، لكن بالنهاية قتل الأخير، لأن ما حصل أن القوات الأميركية سلمته إلى عهدة الحكومة العراقية برئاسة (رئيس الوزراء السابق) نوري المالكي على أساس أن تجري محاسبتهم، لأن الأخير منحه فلة فارهة في المنطقة الخضراء فور خروجه من السجن".

وتواجه "عصائب أهل الحق" بزعامة الخزعلي اتهامات مع مليشيا "كتائب حزب الله" في العراق، بالوقوف وراء محاولة اغتيال الكاظمي عن طريق استهداف منزله بطائرة مسيرة، حسبما صرح به مسؤولان أمنيان عراقيان لوكالة "رويترز" في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021.

مصدر للأميركان

وفي 30 أغسطس/ آب 2018، كشفت محاضر تحقيقات أميركية مع زعيم "عصائب أهل الحق في العراق" قيس الخزعلي، ظلت سرية لعشر سنوات، عن تعاونه مع الولايات المتحدة والإفصاح عن معلومات مهمة.

وتحدث الخزعلي في المحضر الذي رفعت عنه السرية، ونشرت تفاصيله صحيفة "وول ستريت جورنال" في أغسطس/ آب 2021، عن الجهود الإيرانية في تدريب المليشيا التي كان يقودها، والتي تحولت لاحقا لحزب سياسي، وعن العلاقات بين طهران ورموز سياسية عراقية مثل الرئيس الراحل جلال طالباني ومقتدى الصدر.

​​في محضر تحقيق مع الخزعلي في 18 يونيو/حزيران2007، كشف الأخير عن تدريبات قدمها الحرس الثوري الإيراني لمليشيات شيعية عراقية في ثلاث قواعد بالقرب من طهران، بينها قاعدة الإمام الخميني التي زارها الخزعلي.

التحقيقات مع الخزعلي مليئة بالتفاصيل حول التعاملات بين الصدر والإيرانيين ورغبة زعيم التيار الصدري في التحكم بالمال الإيراني المتدفق إلى الجماعات السياسية في العراق، بحسب الصحيفة الأميركية.

وتحدث زعيم مليشيا "عصائب أهل الحق" في التحقيقات عن أن إيران هي من كانت تمد المليشيات العراقية بعبوات ناسفة خارقة للدروع تسببت بمقتل وإصابة مئات من الجنود الأميركيين.

وتقول محاضر التحقيقات إن "المعتقل (الخزعلي) قال إنه يمكن لأي شخص تلقي تدريب على تلك العبوات وإن إيران لا تكترث بمن يحصل عليها... ويرجع هذا إلى رخص ووفرة تلك العبوات".

الخزعلي اعتقل في عام 2007 وحققت معه السلطات الأميركية بعد عملية "مجلس محافظة كربلاء، والتي خططت لها إيران"، وفق ما تحدث المحققون الأميركيون.

الهدف من العملية كان تبادل الجنود الأميركيين المفترض اختطافهم بأتباع للصدر (عناصر من جيش المهدي) احتجزهم التحالف الذي كانت تقوده الولايات المتحدة، غير أن العملية انتهت بمقتل خمسة جنود أميركيين.

جرى تسليم قيس الخزعلي إلى السلطات العراقية في أواخر 2009 بعدما تعهد بأن المليشيا التي يقودها ستتخلى عن السلاح، وأطلق سراحه بعد ذلك بفترة قصيرة من قبل حكومة نوري المالكي.

الخزعلي أفصح للمحققين الأميركيين عن رحلات عديدة لإيران منفردا وبصحبة مقتدى الصدر بحثا عن المال والدعم السياسي والسلاح.

حسب "وول ستريت جورنال"، فإن التحقيقات مع الخزعلي مليئة بالتفاصيل حول التعاملات بين الصدر والإيرانيين ورغبة زعيم التيار الصدري في التحكم بالمال الإيراني المتدفق إلى الجماعات السياسية في العراق.

​​وخلال إحدى الزيارات التي أجراها منفردا في 2005 إلى طهران، قال الإيرانيون للخزعلي إن على الصدر أن يشارك في الانتخابات العراقية ليضمن "أن يربح (الشعب الشيعي) سيطرة كاملة على البلد والحكومة".

وقال الخزعلي للمحققين الأميركيين إن عددا من الشخصيات السياسية في العراق كانت متعاطفة مع إيران أو تأثرت بنفوذها ومنهم جلال طالباني.

وأفصح نص التحقيقات أنه "رغم قبول المعتقل (الخزعلي) للدعم الإيراني، فإنه الآن يرفض الإيرانيين بشكل صارخ. إن هذا المعتقل له عدوان: هما إيران ومقتدى الصدر".

صدري منشق

قيس هادي حسن غدير الخزعلي ولد في 20 يونيو/حزيران 1974 بمدينة الصدر في بغداد، وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية في بغداد، ثم درس في قسم الجيولوجيا بكلية العلوم بجامعة بغداد.

الخزعلي تلقى العلوم الشرعية للمذهب الشيعي في الحوزة العلمية بمدينة النجف العراقية، وكان أحد تلاميذ محمد صادق الصدر (والد مقتدى الصدر) ومن المقربين منه.

وكان أيضا ضمن أوائل من التحق بصفوف "جيش المهدي" الذي أسسه مقتدى الصدر لمحاربة الأميركيين في العراق عام 2003. 

جرأته جعلته يترقى سريعا، ليصل إلى الحلقة الضيقة للصدر، ويرافقه في كل جولاته، بصفته "قياديا".

لكن تطلعات الخزعلي كانت أبعد من البقاء في "جيش المهدي"، فلم يتردد في استخدام صلات الصدر بالإيرانيين، ليعرض نفسه عليهم، ويكتشفوا فيه حليفا مستقبليا.

ووجد الخزعلي من يشاركه تطلعاته، وفي مقدمهم أكرم الكعبي، الذي كان يتولى الإشراف على الشؤون العسكرية لـ "جيش المهدي"، فانطلق مشروع "عصائب أهل الحق" في أول ملامح انشقاق صريح عن الصدر.

يزعم الخزعلي أنه أسس حركته في 2003، لكن الحقيقة أنه حينها كان مقاتلا في صفوف "جيش المهدي".

 ولم يبدأ الإعلام بتداول اسم "عصائب أهل الحق"، بصفتها مجموعة مسلحة تختلف عن "جيش المهدي"، إلا منذ 2006.

لم تكن العلاقات جيدة بين الصدر والخزعلي، فحسب محضر تحقيق مؤرخ في يناير/ كانون الثاني 2008، كشف الخزعلي خلافا مع الصدر الذي قال عنه إنه "ليس لديه أي مبادئ ويعمل فقط من أجل مكاسب شخصية".

في 20 مارس/آذار 2007 سأل المحققون الأميركيون الخزعلي عن سبب انفصاله عن جيش المهدي وهل حصل ذلك لأسباب مالية تتعلق برغبته في الحصول على دعم مباشر من إيران.

أجاب الخزعلي أن أسباب الانشقاق الأولية كانت مالية، لكن الانفصال التام حدث لأسباب أيديولوجية. 

يضيف: الصدر والمليشيات التابعة له كانت تحصل على أموال إضافية، غير تلك التي تحصل عليها من إيران (750 ألف دولار شهريا)، من الأعمال غير القانونية وعمليات الخطف التي تقوم بها.

كانت لحظة اعتقال الخزعلي على يد القوات الأميركية حاسمة بالنسبة إلى مستقبل "عصائب أهل الحق"، إذ نجح داخل السجن في فعل ما لم يتمكن من فعله خارجه.

خلال عامين من الحبس، كسب الخزعلي عناصر جددا "للعصائب"، ووضع هيكلا تنظيما لها، وفعل صلاته بالإيرانيين، بعدما جمعت المصلحة بينه وبين رئيس الوزراء في حينها، نوري المالكي.

منذ ذلك الحين، شاركت "العصائب" في تنفيذ عمليات عسكرية ضد القوات الأميركية بعد 2003، ثم انخرطت في الحرب الطائفية بعد 2006.

 إذ أوردت تقارير أنها تورطت في عملية قتل جماعية ضد السنة في العراق، ردا على التفجيرات الانتحارية التي كان عناصر تنظيم القاعدة يستهدفون بها تجمعات شيعية في بغداد.

بين عامي 2006 و2010 تورطت "عصائب أهل الحق" في أكثر من عملية اختطاف لموظفين أجانب في العراق، تبين لاحقا أن الحركة تستخدمهم للإفراج عن أعضائها المعتقلين لدى القوات الأميركية والعراقية.

تفيد تقارير بأن المالكي، الذي حكم البلاد بين 2006 و2014، هو من سهل "للعصائب" اختطاف موظفين بريطانيين وأميركيين، قايضتهم ببعض أبرز قادتها المعتقلين، بينهم قيس الخزعلي نفسه، وشقيقه ليث، المسؤول عن الأعمال المالية سابقا، والبرنامج السياسي حاليا.

جرائم وسرقات

خلال حكومة المالكي الثانية (2010- 2014) تشكلت عشرات المجموعات العراقية المسلحة، التي أعلنت ولاءها الصريح لنظام الولي الفقيه في إيران، لكنها اتخذت من العراق مسرحا للعمليات.

وسرت أنباء كثيرة عن أن المالكي استخدم أموال النفط الطائلة في تمويل بناء هذه المليشيات، للتدخل في سوريا والقتال إلى جانب رئيس النظام السوري بشار الأسد إبان اندلاع الثورة السورية في 2011 بحجة حماية المراقد الشيعية.

وكانت "عصائب أهل الحق" في مقدمة المليشيات الشيعية التي قاتلت إلى جانب نظام بشار الأسد بدعم من إيران ورئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي، لحين اجتياح تنظيم الدولة للعراق عام 2014.

قبل انطلاق المعارك صد تنظيم الدولة في العراق، شكل المالكي قوات الحشد الشعبي وكان عمودها الفقري المليشيات التي كانت تقاتل في سوريا، ومنها "عصائب أهل الحق" بقيادة الخزعلي.

وأثناء المعارك التي خاضها الحشد الشعبي ضد تنظيم الدولة في محافظة صلاح الدين والأنبار والموصل وديالى وبابل في أعوام 2014- 2017، وجهت اتهامات كثيرة للمليشيات التي يقودها الخزعلي بارتكاب جرائم بحق عشرات آلاف العراقيين السنة واختطافهم واقتيادهم إلى جهة مجهولة.

وكذلك وجهت اتهامات إلى "عصائب أهل الحق" بتفكيك ونهب أكبر مصفاة للنفط كان يمتلكها العراق في مدينة بيجي بمحافظة صلاح الدين شمال العراق (تقدر طاقته الإنتاجية بمعالجة 310.000 برميل يوميا)، وبيعها إلى جهات إيرانية عام 2015.

منذ انفصال الخزعلي، الذي كان دائم الظهور خلف مقتدى الصدر، بدأ زعيم التيار الصدري بتوجيه نقد لاذع للفصائل الشيعية المقربة من إيران، وأطلق عليها مرارا وصف "المليشيات الوقحة" في إشارة إلى مليشيا "عصائب أهل الحق".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2017 ظهر الخزعلي في لقطات تلفزيونية وهو يستهزئ بتوصيفات الصدر وقال "نعم نحن المليشيات الوقحة، لكن وقاحتنا مع الحق ضد الباطل".

في الخامس من يناير/ كانون الثاني 2012 قال مقتدى الصدر في رد نشر على موقعه على الإنترنت على سؤال بشأن التكهنات الخاصة بانضمام "عصائب أهل الحق" إلى الحكومة، إن أياديهم جميعا مخضبة بدماء العراقيين وإنه يجب تحميلهم المسؤولية واستئصال شأفتهم.

وشاركت كتلة "صادقون" الجناح السياسي لمليشيا "عصائب أهل الحق" التي يقودها الخزعلي في العملية السياسية عام 2014، وحصلت في الانتخابات البرلمانية العراقية على مقعد واحد.

وفي عام 2018 شاركت "العصائب" في الانتخابات البرلمانية ضمن قائمة أطلق عليها اسم تحالف "الفتح" بقيادة هادي العامري زعيم مليشيا بدر، حيث كان هذا التحالف بمثابة الجناح السياسي للمليشيات التي تشكل "الحشد الشعبي".

وحصلت "العصائب" على عشرين مقعدا في انتخابات 2018 التي شهدت تزويرا كبيرا وحرقا لمراكز العد والفرز الإلكتروني، وفق مصادر محلية متطابقة.

 ثم كانت وزارة الثقافة من حصتها في حكومة عادل عبد المهدي التي استقالت عام 2020 جراء احتجاجات شعبية اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2019، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية قيس الخزعلي وشقيقه ليث على لائحة المعاقبين، وبموجب القانون الأميركي، تمنع العقوبات المعاقب من السفر إلى الولايات المتحدة حيث تم تجميد أي أصول يملكونها.

وسخر الخزعلي من القرار الأميركي أمام جمع من مؤيديه في 9 ديسمبر/كانون الأول 2019، بالقول: "لقد تأخروا كثيرا، كان المفروض أن يعطونا هذا الشرف منذ زمن".

وأضاف ساخرا "إنه محرج، لقد صنفوني إرهابيا، إرهابيا عالميا، ما هي لائحة عقوبات وزارة الخزانة الأميركية؟ إنها تعني أن جميع أموالنا في البنوك الأميركية ستصادر".