لقاء استخباراتي بين الحوثيين ونظام الأسد.. ما الذي يجمع الطرفين؟

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تنطلق العلاقة بين النظام السوري ومليشيا الحوثي اليمنية من كونهما ينتميان لمحور إيران ويشكلان ذراعا لها خارج حدودها ويسيطران على عاصمتين عربيتين؛ دمشق وصنعاء.

وبناء عليه، فإن الحديث عن التنسيق بين مؤسسات النظام السوري العسكرية والأمنية، ومليشيا الحوثي يصب في نهاية المطاف بمصلحة ومشاريع إيران طويلة الأمد والإستراتيجية في سوريا واليمن.

لقاء استخباراتي

جديد العلاقة تمثل في عقد الملحق العسكري بسفارة الحوثيين العقيد الركن طيار شرف الماوري، اجتماعا مع رئيس شعبة استخبارات النظام السوري اللواء الركن كفاح ملحم، وذلك في مكتب الأخير بالعاصمة دمشق 17 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وناقش الطرفان "مستجدات الأوضاع الميدانية في اليمن وأوجه التعاون بين البلدين في المجالات ذات الصلة".

 فيما أكد اللواء ملحم على "أهمية تعزيز التعاون بين اليمن وسوريا في مواجهة التنظيمات الإرهابية القاعدة وتنظيم الدولة وتبادل المعلومات والتجارب التي تحد من أنشطة الجماعات التكفيرية في البلدين".

لم يكن النظام السوري برئاسة بشار الأسد ليقبل أن يعترف بالحوثيين دبلوماسيا ويسلمهم مفاتيح السفارة اليمنية، لولا الإيعاز الإيراني بذلك، وهو ما قضى بتعيين المليشيا أول سفير لها لدى دمشق في مارس/آذار 2016.

وسمت مليشيا الحوثي آنذاك نائف أحمد القانص، سفيرا لها لدى النظام السوري، قبل أن تعزله، وتعين عبد الله صبري، عوضا عنه في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وشكل ذلك أول اعتراف خارجي بالمليشيا بعد سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014 بدعم عسكري من طهران، وأثبت الحوثيون آنذاك أنهم الخيار الوحيد لطهران لتمرير مشروعها في البلاد.

اللافت أن النظام السوري جعل من سفارة دولة اليمن مركزا حيويا لمليشيا الحوثي، الذي تتكرر إليها زيارات قادتها وإجراء نشاطات وفعاليات بداخلها ودعوة بعض أطراف المحور الإيراني لحضور تلك الفعاليات، بمعنى تحولها لغرفة عمليات خارج البلاد.

وحرب اليمن لها امتدادات إقليمية، فمنذ مارس/ آذار 2015، ينفذ تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية، عمليات عسكرية فيها دعما للقوات اليمنية الحكومية، في مواجهة الحوثيين المدعومين من إيران.

وحاليا يبدو أن الواقع العسكري أكثر اشتعالا من أي وقت مضى، حيث اتسعت رقعة المعارك بين القوات الحكومية والحوثيين في عدة جبهات، خصوصا في محافظة مأرب النفطية وسط البلاد والتي تعد أغلبها تحت سيطرة الحكومة.

وهذا ما دفع مراقبين لربط اللقاء بين ممثل الحوثي مع مخابرات الأسد، في هذا التوقيت بالمعارك الدائرة في مأرب وحاجة المليشيا لبعض الدعم اللوجستي أو الاستشاري العسكري، وذلك بتفويض مباشر من إيران بوصف كلا الطرفين من أبرز أذرعها في المنطقة.

حكام عسكريون

ويعمل كل من نظام الأسد ومليشيا الحوثي وكلاء لتحقيق طموحات إيران خارج حدودها.

ففي سوريا، تسعى إيران إلى إنشاء ممر بري يربطها بالبحر الأبيض المتوسط، وهو من الأسباب الرئيسة التي جعلتها تتدخل مبكرا إلى جانب قوات الأسد منذ عام 2012 لقمع ثورة الشعب السوري.

أما في اليمن، فإن مليشيا الحوثي تكمن أهميتها بالنسبة لطهران، في كونها تعمل على تسهيل وصول طهران إلى البحر الأحمر وتزويدها بوسيلة لمضايقة خصمها اللدود؛ المملكة العربية السعودية.

وإلى الآن تدعم طهران قوات النظام السوري في حربه ضد شعبه، وكذلك الحوثيين في المعارك ضد التحالف السعودي الإماراتي والحكومة اليمنية المعترف بها أمميا.

ورأى الباحث السياسي اليمني عاتق جار الله أن "العامل المشترك الذي يجمع مخابرات الأسد مع مليشيا الحوثي، هو أنهما ينتميان إلى الأقليات (في إشارة إلى الطائفة العلوية بسوريا والشيعة باليمن") والتي تدرك أن بقاءها في السلطة لا يمكن إلا بالسلاح وليس بالتشاركية أو الديموقراطية".

ويتابع لـ"الاستقلال" أن الطرفين "يعرفان حجمهما في المجتمع مما أوصلها إلى فكرة الحكم من خلال القمع والبقاء بفعل القوة العسكرية".

وأوضح جار الله لـ "الاستقلال" أن هناك "ركيزة تجمع النظام السوري بمليشيا الحوثي، فهما راعيان للاعبين، دولي تمثله روسيا وإقليمي تمثله إيران".

وبالتركيز على طهران فإنها ترى أن زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وبشار الأسد عبارة عن شرطة مرور أو حكام عسكريين يمهدون وصولها للبحر العربي والبحر المتوسط.

وأضاف أن "دعم إيران لهؤلاء يجعلهم بحاجة دائمة لها لأنها جماعات متوحشة وغير مكلفة ولا تسعى إلى التنمية وتحسين البنية التحتية بل همها الأول وجود من يزودها بالسلاح".

وألمح إلى أن من "أكثر ما يمكن لنظام الأسد أن يفيد به مليشيا الحوثي هو أن الأخيرة أصبحت تطور من الطيران المسير، وبالتالي يمكن أن تستفيد من خبرة البراميل المتفجرة في ظل عجزه عن صناعة الصواريخ".

رابط عقائدي

أثبتت الوقائع والمعطيات الميدانية في كل من سوريا واليمن، أن النظام السوري ومليشيا الحوثي يعدان أحد أدوات إيران لتنفيذ مشروعها في المنطقة العربية.

إذ إن الدعم الإيراني العسكري لنظام الأسد منذ عام 2012 لمنع سقوطه، وكذلك دعم طهران الحوثي، كان لتبادل المليشيات الإيرانية والخبرات فيما بينها سواء بسوريا أو اليمن مما يسهم بإحداث تغير كبير في سير المعارك.

ولهذا فإن التنسيق الأمني والعسكري بين وكلاء إيران لم ينقطع بل يتزايد وفقا للتطورات الميدانية العسكرية.

وفي هذا السياق يؤكد المحلل المختص في الشأن الإيراني، معن الشريف لـ "الاستقلال" أن "الرابط العقائدي بين الحوثيين والدائرة الضيقة الممسكة لزمام الحكم بسوريا متقاربة".

لذا فإن توافد عناصر من الحوثيين إلى سوريا هو أمر اعتيادي بهدف الحصول على استشارات عسكرية وأمنية بتفويض من إيران.

ولفت الشريف إلى وجود "عامل مهم يحمله اللقاء وهو تلقي نخبة معينة من الحوثيين تدريبات أمنية وتأهيلهم على بعض الأمور التكنولوجية أو التقنية العسكرية بشكل عملي بما يساعد في العمليات العسكرية الجارية في اليمن، وذلك عبر تنفيذ تجارب حية وميدانية في معسكرات خاصة بسوريا".

ونوه إلى أنه "يوجد حاليا معسكرات خاصة للحرس الثوري الإيراني في البادية السورية محصنة جيدا، وكذلك على الحدود السورية اللبنانية بمنطقة القلمون".

وتابع قائلا: "يجرى في تلك المعسكرات تدريبات لمقاتلين من المليشيات الإيرانية الأجنبية على مهارات قتالية واستخباراتية خاصة بإشراف مباشر من ضباط بالحرس الثوري، حيث يمكن تلقي مجموعات من الحوثيين أو نخبة منهم لهذه التدريبات والفنون الحربية الحديثة".

وذهب الشريف للقول: "يمكن قراءة لقاء (الماوري- ملحم) في سياق مخابراتي بحت، من حيث بحث مليشيا الحوثي عن دعم في مسائل متعلقة بالأمن والاستخبارات من عمليات التحقيق مع المعتقلين وتنفيذ الاغتيالات أو الإعداد لتفجيرات باحترافية عالية".

ملف المرتزقة

ما يمكن استشفافه من اللقاء الاستخباراتي بين الحوثيين ومخابرات الأسد، كما يرى الشريف هو أن "المليشيا بالأصل تخضع لإشراف مباشر من خبراء يتبعون حزب الله اللبناني منذ سيطرتهم على السلطة في اليمن عام 2014".

وربما يوجد الكثير من تطورات المشهد اليمني العسكرية تدفع للتواصل مع النظام السوري في مسائل تفوق قدرات حزب الله، يقول الشريف.

وزاد بالقول: "كما لا يمكن استبعاد طلب مليشيا الحوثي في هذا التوقيت وأمام معارك مأرب اليمنية لتجنيد مرتزقة سوريين، لأن مسألة التجنيد مرتبطة بمكاتب تتبع حصرًا لجهاز المخابرات في سوريا وليس للجيش".

ويجرى ذلك عبر مكاتب محددة تتبع للمخابرات في سوريا ويشرف عليها رؤساء الأفرع الأمنية في المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، وفق الشريف.

وفي مايو/أيار 2021، كشفت وكالة الأناضول عن إرسال الحرس الثوري الإيراني مرتزقة سوريين ينتمون لمليشياتها المحلية للقتال إلى جانب الحوثيين في اليمن ضد الحكومة اليمنية، بموجب عقود تمتد لثلاثة أشهر قابلة للتجديد وبمرتب شهري يبلغ 450 دولارا أميركيا.

ووفقا للوكالة فإن الحرس الثوري أرسل دفعة أولى تضم نحو 120 مرتزقا، مبينة أن تلك العناصر توجهت إلى العراق عن طريق معبر "البوكمال- القائم" الحدودي مع سوريا بصفتهم حجاج إلى المقامات الشيعية، ومنها إلى إيران عن طريق رحلات الحج.

وبعد ذلك يجرى نقل هؤلاء المرتزقة، من إيران على دفعات إلى العاصمة اليمنية صنعاء عبر رحلات بحرية ضمن سفن "إغاثية" أو عن طريق التهريب.

وترويج النظام السوري لمليشيا الحوثي وإرسال رسالة إعلامية بوجود تنسيق معها من جهاز المخابرات ربما يعكس وجود ترابط بين بعض الملفات الإقليمية.

وعلى الرغم من وجود تنازع حاد بين الرياض وطهران على ملفات إقليمية عديدة أبرزها دعم طهران للحوثيين في اليمن، فإن الشريف استبعد "وجود ترابط بين اللقاء المخابراتي لممثل الحوثيين ونظام الأسد والحديث عن تسارع التقارب بين إيران والسعودية".

وتخوض طهران والرياض جولات متقطعة منذ عدة أشهر في العاصمة بغداد وصفت بـ "الإيجابية" بهدف عودة تطبيع العلاقات بينهما.

وقطعت السعودية العلاقات مع إيران في يناير/كانون الثاني 2016 عقب هجوم على سفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد الإيرانية نفذه محتجون على إعدام المملكة رجل الدين الشيعي البارز نمر النمر.