صحيفة فرنسية: أخطاء قاتلة حرمت سعيد بوتفليقة من رئاسة الجزائر

12

طباعة

مشاركة

وراء الكواليس وفي الاجتماعات الهامة على مستوى قيادات الحكم في الجزائر، كان يدعى سعيد بوتفليقة بـ"السيد الرئيس"، قبل أن توقفه السلطات الأمنية  السبت 4 مايو/آيار الجاري إضافة إلى اثنين من كبار قادة الاستخبارات السابقين على خلفية تهم بـ"المساس بسلطة الجيش" و"المؤامرة ضد سلطة الدولة".

فمنذ عام 2013، وإثر تدهور الحالة الصحية للرئيس (السابق) عبد العزيز بوتفليقة (82 عاماً)، صعد نجم شقيقه سعيد (61 عاماً) وحل مكان الرئيس في العديد من المهام، ونظم داخل مقر الرئاسة في زرالدة (مدينة ساحلية شمالي البلاد)، اجتماعات مع جميع المستشارين الرئاسيين لدراسة أكثر المسائل حساسية في الدولة.

الرجل القوي

تحت عنوان "سعيد بوتفليقة، الأخطاء القاتلة للرجل الذي كان يمكن أن يصبح رئيساً" جاء تقرير صحيفة "ألجيري بارت" الناطقة بالفرنسية قائلا: سافر سعيد بوتفليقة بانتظام إلى الخارج لعقد لقاءات مع مكاتب أجنبية مثل ممثلي قصر الإليزيه في باريس أو جنيف للقاء محاورين من عدة دول غربية، ومنذ عام 2015، كان سعيد بوتفليقة الرجل القوي في القصر الرئاسي وصاحب مختلف التعديلات الوزارية المقررة في البلاد.

الصحيفة أضافت: "كما أن سعيد بوتفليقة هو الذي درس ملامح الوزراء واختارهم وفق اعتبارات وجداول أعمال دقيقة، كان هناك إجماع عام في قصر المرادية الرئاسي، أن سعيد بوتفليقة، المستمع والمؤثر والقوي، لديه كل الأوراق الرابحة التي سمحت له أن يعيش مثل أمير في أعلى قمة بالسلطة الجزائرية".

وتابعت: "لكن الرجل ارتكب أخطاء كبيرة تفسر اليوم سقوطه الرهيب، فمنذ عام 2017، بدأ سعيد بوتفليقة، الذي أعمته نجاحاته السابقة وقوته الموسعة، في ارتكاب هذه الأخطاء. أول خطأ له هو عدم التخطيط لسيناريو حقيقي لخلافة شقيقه عبد العزيز بوتفليقة، وربما كانت الفترة الخامسة لبوتفليقة أسوأ خطأ لسعيد، بعد أن حاول الرجل دراسة طرق لإيجاد بديل لرئيس مريض وضعيف وغائب وعاجز تمامًا".

الصحيفة أشارت إلى أنه في ظل محاولته هذه واجه سعيد حقيقة سياسية مرعبة: فمنذ الفترة الرابعة، نشأ فراغ سياسي كبير في الجزائر، لا يمكن لأي شخصية بارزة أن تظهر في أعقاب النظام البلشفي الذي سحق كل شيء في طريقه، ولذلك وضع سعيد بوتفليقة الفارس الوحيد الذي يبدو "صلبًا".

أحمد أويحيى

هذا الرجل هو أحمد أويحيى! الذي رآه سعيد مرشحا وحيدا لمعرفته العميقة بالنظام الجزائري ومؤسساته. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان أحمد أويحيى مرحبا به من قبل الدول الأجنبية وعلى رأسهم الإليزيه، تم تأجيل الخطة: سحب أويحيى من الحكومة وإطلاقه في السباق الرئاسي الذي كان مقررا في 18 أبريل/نيسان 2019.

وأوضحت الصحيفة أن خطة سعيد لم تنجح وذلك بسبب العيوب الكثيرة، وهي أن أويحيى لا يحظى بشعبية، أو عشيرة، وقبل كل شيء، لا يتمتع بأي تعاطف داخل مؤسسة الجيش، فأحمد قايد صالح والعديد من الجنرالات يرفضون هذه الخطة.

فشل سعيد بوتفليقة في إقناعهم، والأسوأ من ذلك أنه لم يبذل أي جهد للدفاع عن "مرشحه" لسبب وجيه، هو أنه لا يثق تمامًا في أويحيى الذي يعتبره "متقلب و"ثعلب"، وبينما كان ينفذ الوقت أمام سعيد بوتفليقة لم يجد "مرشحًا" لتجنب الولاية الخامسة الجديدة و"غير المنطقية" تمامًا، وفقا لأحد المسؤولين في كاي دورسي (وزارة الخارجية الفرنسية).

وبينت "ألجيري بارت" أن رمضان لعمامرة، وهو أحد الشخصيات السياسية الصاعدة في الجزائر، جاء متأخرا، فمع قرب نهاية عام 2018، عقدت محادثات بين سعيد بوتفليقة ورمضان لعمامرة، وأردفت: "لكن الأخير يطالب بمناخ سياسي صحي ودعم قوي من الجيش للانضمام إلى الترشح للانتخابات الرئاسية في 18 أبريل/نيسان 2019، ولم يتم تلبية أي من هذه الشروط لأن القيادة العسكرية العليا لا تريد مرشحا فرضه سعيد".

وأكدت الصحيفة أنه في الواقع اتسعت الفجوة بين قادة الجيش الوطني الجزائري وسعيد بوتفليقة منذ صيف عام 2018، فعزل اللواء حبيب شنتوف، قائد الناحية العسكرية الأولى، وسعيد باي، قائد الناحية العسكرية الثانية، والرؤساء الإقليميين الثلاثة الآخرين والقائد السابق للدرك الوطني اللواء مناد النوبة، أضعفوا كثيراً سعيد بوتفليقة.

ونوهت الصحيفة بأن أحمد قايد صالح ظل يفرض رجاله على أعلى هرم بالجيش، بينما سعيد بوتفليقة يفقد دعمه ولا يستطيع أن يثقل كاهل أحمد قايد صالح الذي كان يتمتع بجميع الصلاحيات داخل أقوى مؤسسة في البلاد، وهي الجيش الوطني الشعبي.

السيناريو المجنون

وقالت الصحيفة إنه في ذلك الوقت، قرر سعيد بوتفليقة تنفيذ "مناورة البقاء" الأخيرة: الولاية الخامسة لإدامة حكم سلالة بوتفليقة، وكانت الفترة الخامسة هي النقطة الوحيدة للتوافق بين الأقطاب المختلفة في العشيرة الرئاسية.

وذكرت أن حسابات سعيد بوتفليقة كانت بسيطة وهي في حال فرضت الولاية الخامسة وتمكن عبد العزيز بوتفليقة من الفوز على غرار الدورة الرابعة عام 2014، سيقوم بإجراء جميع التغييرات بما في ذلك إقالة أحمد قايد صالح.

وأردفت الصحيفة: "كان الحساب بسيطًا، لكنه خاطئ لأنه لا يوجد عقل يمكن أن يراهن على نجاح الولاية الخامسة، سوى سعيد بوتفليقة، والوفد المرافق له، كانوا يؤمنون بشدة بهذا السيناريو المجنون تمامًا. وتتكون هذه الحاشية من أشخاص مثيرين للجدل، الذين قامت أجهزة الأمن بجمع ملفات الفساد الخاصة بهم".

فلم يتوقف كل من عائلة كونينيف وعلي حداد وطحكوت محي الدين ومراد عولمي وغيرهم من أصحاب المليارات الأثرياء عن تشجيع "حاشية" سعيد على الولاية الخامسة فقط، بل منذ سبتمبر/أيلول 2018، كوّن هؤلاء القلة لوبيًا ضخمًا لإقناع سعيد بمواصلة العمل في الفترة الخامسة، حسب الصحيفة.

ولفتت الصحيفة إلى أنه فيما بعد عرف كل الجزائريين ذلك، حيث تم الإعلان بداية فبراير/ شباط 2019، عن ترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وبقي سعيد واثقًا ومقتنعًا بأن هذه الولاية الخامسة سينتصر بها رغم بعض الاحتجاجات الشعبية.

سعيد لم يشكك أبدًا في دعم الجيش الوطني الشعبي، ولم يتخيل في أي وقت من الأوقات أن الضغط أو التعبئة الشعبية من شأنها أن تغير موقف هيئة الأركان العامة فعدم وجود بصيرة كلفته كثيرا، وفق الصحيفة.

فرئيس أركان الجيش الشعبي الوطني، أحمد قايد صالح، والمتمردون، يطبقون المادة 102، ويتم القبض على أصدقاء سعيد من عائلة كونينيف، وعلي حداد وسجنهم. أما بالنسبة لسعيد نفسه، فبعد مناورات اليأس الأخيرة مع الجنرال توفيق، ينتهي به المطاف بالاعتقال ويحتجز في سجن البليدة العسكري، في نهاية حزينة لمن كان يمكنه أن يكون خليفة لأخيه، ومصير محزن للشخص الذي غرق في العمى بسبب عدم وجود بصيرة مكنته من إيجاد حلول عقلانية لمشاكل السراي الجزائرية، بحسب الصحيفة الفرنسية.

ورغم استقالة عبد العزيز بوتفليقة في 4 أبريل/ نيسان الماضي بعد 20 عاما في السلطة إثر مظاهرات شهدتها الجزائر منذ 22 فبراير / شباط، لكن ما زال المحتجون يطالبون برحيل كافة رموز النظام المرتبط بالرئيس المستقيل.