"فرصة هائلة".. هل تتخلى السعودية عن أميركا لصالح روسيا والصين؟

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

قال موقع أميركي متخصص في مجال الطاقة والنفط، إن روسيا تعمل منذ سنوات بمساعدة ودعم صيني على فصل السعودية عن حليفها التاريخي، الولايات المتحدة.

واعتبر موقع "أويل برايس" أن "اجتماع 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بين نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك، ووزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان، لبحث توسيع وتعميق التعاون بين البلدين في قطاع الطاقة، يمثل جزءا من المحاولات المستمرة من قبل موسكو لفصل المملكة بشكل حاسم عن حليفها القديم، الولايات المتحدة".

وأوضح أن "هذه الإستراتيجية تتماشى مع النية النهائية لروسيا والصين لتحييد النفوذ الأميركي عبر الشرق الأوسط، الذي يعد بدوره بندا مركزيا في خطط روسيا لزيادة نفوذها في أوروبا، حيث تتمثل المرحلة النهائية في تقسيم التحالف الأمني ​​لحلف (شمال الأطلسي) الناتو".

وتابع: "كما أنها تتفق مع خطط الصين لطرح مشروع الاستيلاء على الطاقة - حزام واحد، طريق واحد - الذي من شأنه أن يحل محل الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى الأولى في جميع أنحاء العالم".

تحول زلزالي

نشأة هذا التحول الزلزالي في التحالفات الجيوسياسية جاءت بسبب فشل حرب أسعار النفط في السعودية 2014-2016، والتي تم إطلاقها بنية محددة من قبل المملكة لـ"تدمير أو على الأقل تعطيل ثورة النفط الصخري الأميركي لأكثر عدد ممكن من السنوات".

وكان من الواضح للسعوديين في تلك المرحلة أن إنتاج النفط الصخري الأميركي بأحجام متزايدة باستمرار، سيعني في النهاية التضاؤل ​​الشديد لقوة السعودية في العالم وكلاعب رئيس في الشرق الأوسط، بالنظر إلى أن أساس قوتها الحقيقي الوحيد هو إمدادات النفط.

وباختصار، لم يكن أمام السعوديين خيار حقيقي سوى محاولة السيطرة على قطاع النفط الصخري الأميركي، وقد فعلوا ذلك، لكن الرياض "خسرت ودفعت ثمنا باهظا" فيما يتعلق باحتياطيات النفط الخام السعودية، يقول الموقع الأميركي.

ولم يكن من الآثار المباشرة لحرب أسعار النفط 2014-2016 أن السعودية دمرت اقتصادها واقتصاد حلفائها في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) لسنوات قادمة، ولكن الأهم من ذلك من منظور جيوسياسي، أنها "فقدت مصداقيتها كحاكم بالأمر الواقع".

وفقدت السعودية ومنظمة "أوبك" مصداقيتهما كقوتين "لا تقهران" في أسواق النفط العالمية.

وهذا يعني أن تصريحات "أوبك" بشأن مستويات العرض والطلب على النفط في المستقبل- وبالتالي بشأن التسعير- فقدت الكثير من قدرتها على تحريك الأسواق في حد ذاتها، وأن صفقات الإنتاج المشتركة الخاصة بها قد تضاءلت من حيث الفعالية. 

ونهاية عام 2016، وإدراكا تاما للإمكانيات الاقتصادية والجيوسياسية الهائلة التي كانت متاحة لها من خلال أن تصبح مشاركا أساسيا في معادلة العرض/الطلب/التسعير، وافقت روسيا على دعم اتفاق خفض إنتاج أوبك والمشاركة في اتفاق "أوبك+" بأسلوب فريد يخدم مصالحها الذاتية.

ومنذ ذلك الحين، استخدمت روسيا موقعها كلاعب رئيس حقيقي في تحالف "أوبك+" لفعل ما تفعله على أفضل وجه، "التسبب في جبهات من الفوضى يمكن أن تكون جزءا من الحل فيها وبالتالي توسيع قوتها"، بحسب "Oil Price".

وفي حالة الشرق الأوسط، تم استخدام إستراتيجية "حجر الزاوية هذه" في جميع بلدان "الهلال الشيعي" تقريبا -وإن كان ذلك واضحا في الآونة الأخيرة في إيران والعراق وسوريا- ولكنها أيضا كانت تقلل بشكل منهجي من أحجار الأساس القديمة.

صفقات ملموسة

وأشار الصحفي والكاتب الأميركي سيمون واتكينز، إلى أن صياغة أساس هذه العلاقة بين واشنطن والرياض كان خلال اجتماع عقد في 14 فبراير/شباط 1945 بين الرئيس الأميركي آنذاك فرانكلين دي روزفلت والملك السعودي في ذلك الوقت، عبد العزيز بن عبد الرحمن.

وكان الاتفاق التاريخي الذي تم التوصل إليه كالتالي، ستحصل الولايات المتحدة على جميع إمدادات النفط التي تحتاجها طالما أن السعودية تمتلك النفط، وفي المقابل ستضمن الولايات المتحدة أمن كل من آل سعود، وبالتالي، المملكة.

وبحلول نهاية حرب أسعار النفط 2014-2016، تم تغيير الاتفاقية بشكل طفيف لتعكس "تزايد نفاد صبر الولايات المتحدة من محاولات السعودية إعاقة تطوير قطاع النفط الصخري".

وبموجب اتفاق جديد كانت الولايات المتحدة ستحافظ على أمن كل من السعودية وأمن آل سعود، طالما تضمن الرياض أن واشنطن ستتلقى جميع إمدادات النفط التي تحتاجها، وأن المملكة لن تحاول التدخل في نمو وازدهار قطاع النفط الصخري الأميركي.

ورأت روسيا في هذا الاتفاق "فرصة هائلة" لفصل السعودية بشكل حاسم عن الولايات المتحدة، بمساعدة الصين أيضا، وفق الصحفي واتكينز.

وفي إستراتيجية كتابية جندت لها وكالات الاستخبارات، تمت مناقشة صفقة بين السعودية وروسيا في الأسبوع الثالث من يونيو/حزيران 2020، وضعت الأسس لتعاون أكبر بكثير في المستقبل.

ومن الناحية النظرية، بدا الأمر وكأنه مجرد امتداد هامشي لاتفاقيات "أوبك +" التي كانت قائمة بين روسيا والسعودية منذ عام 2016، لكنها تضمنت أيضا إضافات استندت إلى المناقشات التي أجريت خلال زيارات الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو عام 2017 وولي عهده محمد بن سلمان في 2019.

وتمت الإشارة بوضوح إلى هذا التفاهم المتبادل الجديد عندما دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الملك سلمان لزيارة موسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2017، وهي أول زيارة على الإطلاق يقوم بها ملك سعودي في منصبه إلى موسكو.

وفي هذا الاجتماع، والاجتماعات العديدة التي عقدت بين المسؤولين في البلدين -والتي تتم فيها الصفقات الحقيقية- تم إبرام العديد من الصفقات الملموسة عبر مجموعة واسعة من المجالات، وليس فقط في قطاع النفط.

وضع أقوى

ومن بين الصفقات المحددة التي تبلغ قيمتها 3 مليارات دولار أو نحو ذلك والتي تم الإعلان عنها في ذلك الوقت، كان استثمار السعوديين ما لا يقل عن 150 مليون دولار في شركة "أوراسيا" الروسية للحفر، وعلى الجانب الآخر، اتفاقية بقيمة 1.1 مليار دولار لشركة البتروكيماويات الروسية سيبور لبناء مصنع في السعودية.

كما أشار وزير الطاقة الروسي، نوفاك، في ذلك الوقت إلى أن شركة نوفاتيك الروسية المنتجة للغاز تجري محادثات مع المستثمرين السعوديين للمشاركة في مشروع القطب الشمالي للغاز الطبيعي المسال 2، وهو جزء من مصنعها الذي تبلغ تكلفته 27 مليار دولار في شبه جزيرة يامال.

وفي الوقت نفسه، تم الاتفاق على أن يؤسس صندوق الثروة السيادية للسعودية "صندوق الاستثمارات العامة"، صندوقا بقيمة مليار دولار بالشراكة مع صندوق الثروة السيادية الروسي "صندوق الاستثمار المباشر الروسي".

وعلى نفس المنوال، دخلت شركتا النفط والغاز الروسيتان المملوكتان للدولة "روسنفت" و"غازبروم" في محادثات مع نظيرتهما السعودية "أرامكو" لإجراء عمليات تجارة النفط والغاز المنسقة - لجلب الخبرات  لشركة "Litasco" التابعة لشركة "Lukoil" الروسية عند الحاجة - وإنشاء مركز بحثي وتقني مشترك.

والأكثر جدية من وجهة نظر الولايات المتحدة، كانت هناك نقطتان رئيستان أخريان تمت مناقشتهما -وتم الاتفاق عليهما من حيث المبدأ- بين روسيا والسعودية خلال هذه الاجتماعات.

أولا، تراجع السعوديين عن مطالبهم بإزاحة رئيس النظام السوري بشار الأسد من السلطة، وثانيا، وربما الأكثر استثنائية، توقيع السعودية مذكرة تفاهم لشراء نظام الدفاع الجوي الروسي S-400.

ويمكن اعتبار هاتين النقطتين الأخيرتين أول دليل على محاولة موسكو الاستفادة من تحالف "أوبك+" عام 2016، لإبعاد السعودية بشكل حاسم عن علاقتها الطويلة مع الولايات المتحدة واستبدالها بروسيا (وبالتبعية الصين).

وبحلول الوقت الذي جاءت فيه زيارة ابن سلمان إلى موسكو عام 2019، كانت روسيا في وضع أقوى، فيما كانت الأوضاع المالية للسعودية "لا تزال تتدهور"، بالنظر إلى انخفاض أسعار النفط، بالتزامن مع كشف تغريدة الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب التي قال فيها: "إن الملك السعودي سلمان لن يستمر في السلطة لمدة أسبوعين دون دعم جيشنا".

وأمنيا، نقاط ضعف السعودية في ظل الهجمات الصاروخية التي شنها الحوثيون المدعومون من إيران في 14 سبتمبر/أيلول 2019 على اثنين من المنشآت النفطية الرئيسة في المملكة، منشأة بقيق الضخمة لمعالجة النفط وحقل خريص النفطي. 

وختم الموقع الأميركي مقاله بالقول: "منذ ذلك الحين، ساءت علاقة السعودية بالولايات المتحدة عندما كسرت المملكة القانون الإضافي الذي يحظر المزيد من التحركات ضد قطاع النفط الصخري الأميركي في حرب أسعار النفط لعام 2020، فيما تستمر روسيا في زيادة نفوذها شرقا".