اضطراب جديد مصدره الصين.. ما أسباب أزمة الطاقة في "مصنع العالم العظيم"؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة بوبليكو الإسبانية إن الصين، العملاق الآسيوي، يعيش من جديد معركة الاقتصاد القديم لمحاولة الحفاظ على الوضع الراهن للطاقة. 

في الأثناء، فإن رحلة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة تخاطر بالفشل خلال أول زلة. 

وهذا الهدف رسمه الرئيس الصيني شي جين بينغ في إطار الخطة الرابعة عشرة للفترة الفاصلة بين 2021 و2025، والمصممة لإكمال القفزة نحو الريادة العالمية.

من بين الوصفات الإستراتيجية الأخرى، انتقال الطاقة نحو صافي انبعاثات صفرية من ثاني أكسيد الكربون في 2060 في الاقتصاد الأكثر تلويثا على هذا الكوكب.

اعتماد كبير

وأوردت الصحيفة أن علامات الاعتماد الكبير لمصنع العالم العظيم على الكهرباء، كمصدر للطاقة، التي أغرقت الاقتصاد العالمي الثاني في ضغوط وتضخم هائلين؛ تكشف عن انقسام عميق. 

من جانب آخر، أصبح التحدي المحفز لمصادر الطاقة المتجددة أكثر إلحاحا بالنسبة لبكين من الرسالة الرئاسية للزعيم الصيني، نظرا لخضوعها الشديد لاستيراد الغاز والنفط وإدمانها على إنتاج الفحم المحلي.

ولكن، حتى يتم استيعاب حياد الطاقة، ستميل الصين إلى إعادة إطلاق سلسلة إنتاج الفحم - ودفع الأسعار الإضافية للغاز والنفط - لتزويد قطاع التصنيع القوي في البلاد؛ وهو ما يحدث بالفعل في المناجم في شمال البلاد. 

في ظل هذه الظروف، اقتحمت أول أزمة طاقة كبرى في عصر الاستدامة - مدعومة بالاقتصاد الجديد والثورة الرقمية - السوق الأكثر ديناميكية على هذا الكوكب.

ونقلت الصحيفة أن ديفيد فيكلينج، كاتب عمود في مجال الطاقة في صحيفة بلومبيرغ الأميركية، لخص المسألة ببلاغة: لقد عاد الشرير، الفحم غير الفعال والقذر، إلى نظام الإنتاج الصيني لتهدئة ضغوط أسعار الكهرباء.

في الأثناء، تحتاج الطاقة المتجددة، إلى الدافع الذي سيقوده للسيطرة على مزيج الطاقة والكهرباء للأمة التي تنقل معظم التلوث إلى الغلاف الجوي. 

نتيجة لذلك، سجل مركز الفحم في مقاطعة شانشي بالفعل زيادات في دخل شركاته، التي بدأت في تزويد التوربينات التي يجب أن تجلب الكهرباء إلى المناطق الشمالية الباردة من البلاد بحجم أكبر وبأسعار أعلى، تحسبا لفصل الشتاء القاسي بشكل خاص. 

وأوضحت الصحيفة أن الصدام الأول بين الاقتصاد القديم والجديد - أي بين الصناعة القديمة وتكنولوجيا مصادر الطاقة المتجددة التي لا تزال في مهدها، نظرا لحصة إنتاجها المنخفضة الحالية - أصبح حقيقة واقعية.

يضاف إلى ذلك حقيقة تفوق طريقة العمل التقليدية، أي الاقتصاد القديم.

وأشارت الصحيفة إلى أنه بعد تسجيل نوع من التعافي العالمي الناشئ للاقتصاد، أصبحت درجة التوتر التي تمارسها أزمة الطاقة في الصين عاملا يؤثر على ديناميكية دورة الاقتصاد إلى حد كبير بعد أزمة كورونا، ويحدد مصيره.

ونقلت أن هناك مؤشرات أساسية تكشف عن الخطر المتزايد لأزمة الطاقة في الصين. 

أولا، تعد الصين السوق الذي يستحوذ فيه قطاع التصنيع على 59 بالمئة من الطلب على الكهرباء في البلاد، مقارنة بنسبة 25 بالمئة تستهلكها الصناعة الأميركية من السعة المستخدمة في الولايات المتحدة.  

ثانيا، تتجاوز درجة استهلاك الكهرباء من قبل هذا القطاع الإنتاجي القوي، على سبيل المثال، مجموع الطلب على الكهرباء للمنازل والمكاتب والشركات الصينية. 

ويضاف إلى كل هذا عامل إضافي، وهو انخفاض سعر الطاقة الذي كان حاسما في التنمية الرائعة للصين، وتعويل بكين على أداة من الإعانات وضوابط التكلفة للعائلات والشركات والصناعات.

وأضافت الصحيفة أن الفحم أصبح أيضا خلال العقود الأخيرة باهظ الثمن.  

بعد فترة من الانكماش قبل عام 2016، أصبح سعره أعلى بنسبة 40 بالمئة في العام التالي، وبعد أن انخفض خلال الوباء (كورونا) بشكل متواضع وانتعش بارتفاع بنسبة 57 بالمئة بين أغسطس/ آب 2020 والشهر نفسه من العام الذي يليه.  

ومن المفارقات، أن الصين حملت قطاعات عالية الاستهلاك للطاقة مثل الصلب أو المصافي مسؤولية التلوث المرتفع؛ لكنها في الوقت نفسه سمحت باستخدام أكبر للفحم، بمعدلات باهظة أيضا، لتوفير الطلب على الكهرباء. 

نفوذ وتأثير 

قالت بوبليكو إن تحول الصين إلى الاستدامة لن يكون سهلا. وتبدو هذه المهمة مستحيلة دون تصنيف واضح يجمع بين مصالح وأهداف السياسة البيئية والطاقية للدولة.

وبشكل عام، كان على الصين تحديد إستراتيجية أكثر جرأة لتعزيز الطاقة المتجددة في النقل والصناعة. 

ونقلت الصحيفة عن جيف مور، مدير آسيا في موقع بلاتس أناليتيكس، أن "الطلب على الغاز في الاقتصاد الصيني سينمو بنسبة 41 بالمئة في السنوات الخمس المقبلة".

ويأتي هذا تزامنا مع النمو المستمر في الإنتاج الوطني، وأيضا في التدفقات التي تصل من خلال خطوط أنابيب الغاز التي تزود الصين بها احتياجاتها الصناعية من الخارج والتي ستزداد بنسبة 26 بالمئة خلال السنوات الخمسة المقبلة. 

ومن هنا، تأتي الحوافز من أجل بدء التحول من "صناعة الأحافير المقيدة والتضخمية والملوثة" إلى "طاقة الرياح والطاقة الشمسية والهيدروجين"، مع تكاليف ثابتة مدعومة للغاية. 

في هذا المعنى، تقول أوشيانا زو، من مؤسسة ستاندارد أند بورز المالية، إن الحكومة الصينية تعتزم ما بين 2021 و2025 "تحفيز الاقتصاد المحلي" من خلال "الابتكار التكنولوجي ومشاريع الاستدامة البيئية"، من أجل تقليل اعتماد الصين على المواد الخام في السنوات المقبلة.  

وحاليا، تتحدث أحدث البيانات الصادرة عن وكالة الطاقة الوطنية عن مساهمة الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في مزيج الطاقة بنسبة 11 بالمئة لكامل عام 2021، مقارنة بحوالي 9.7 بالمئة من العام السابق.

أما الآن، فيبقى أن نرى ما إذا ما ستعمل الصين على ضبط الأسعار بشكل أكثر صرامة في مواجهة الأسعار المتصاعدة والمخاطر التي تقترب من بكين.  

ونوهت الصحيفة بأن الإجابة تأتي من وان جينسون، مدير اللجنة الوطنية للإصلاح والتنمية، وهو كيان مسؤول عن وضع مبدأ الخطط الطاقية للسنوات الخمس القادمة.  

وأشار المسؤول إلى أن "نطاق التقلب في أسعار الطاقة سيفتح حاجزا بين الشركات غير الفعالة وتلك التي ستضيف قيمة في المستقبل". 

وتأتي هذه العبارات في الإجمال للإشارة إلى استمرار تذبذب الأسعار بدلا من تحديد أسعار ثابتة للطاقة.

ونوهت الصحيفة بأنه إذا تم تجنب هذه الخطوة، فإن الضغوط التضخمية ستستمر لبعض الوقت، كما يحذر المحللون، الذين يرددون القراءة الأكثر تشاؤما، ويرون أن العالم يتجه نحو زيادة تدريجية في الأسعار، في هذه الحالة، لصادرات التصنيع الصينية. 

وبالتالي، سينعكس ذلك في شكل ارتفاع أسعار المنتج النهائي بين المستهلكين في الأسواق الخارجية. 

وتجدر الإشارة إلى أن صندوق النقد الدولي في قمته الخريفية الأخيرة، أشار إلى هذه النتائج المتوقعة. 

وأكد خبراء المنظمة أن الضغوط التضخمية للطاقة، واضطراباتها من جانب الطلب، والتعقيد الذي تتخذه العلاقات التجارية، قد ولدت حالة من عدم اليقين الظرفية. 

وأوردت الصحيفة أن محللي وكالة الطاقة الدولية يرون أن توازن السوق الأولي سيكون ضروريا في إرساء الأساس للتحول الأخضر واستدامة دورة الأعمال بعد كورونا. 

ويقرون بأن 300 ألف برميل إضافية يوميا، والتزام روسيا بإضافة المزيد من الغاز إلى السوق، ستنجح في استعادة سلاسل القيمة خلال هذا الربع والربع الأول من عام 2022، لاحتواء أسعار المواد الخام وبالتالي وقف ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين وتحفيز النمو. 

من أجل ذلك، يجب أن تعود الصناعة الصينية إلى تأمين استقرار الأسعار، تقول الصحيفة.