تنظيم الدولة في السودان.. حقيقة الدور المصري وفرص النمو والتمدد

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم تقارير أميركية ودولية عن وجود "تنظيم الدولة" في السودان، إلا أن نجاحه في قتل 5 ضباط مخابرات سودانيين في 28 سبتمبر/أيلول 2021، ألقى الضوء على حجم وقوة هذا التنظيم، ودور المصريين داخله وفرص نموه وتمدده.

فبحسب المخابرات السودانية، تم اعتقال 11 من أعضائه بينهم 10 مصريين، قالت صحف عربية مقربة من القاهرة، إن مصر سعت لتسلمهم، وروجت أخبارا عن نية السودان تسليمهم لمصر.

وزعم مصدر أمني مصري لتلفزيون "الشرق" السعودي في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن "المصريين المعتقلين من (جماعة) الإخوان" وأن "وفدا مصريا أمنيا رفيع المستوى توجه إلى السودان لبحث إمكانية تسليمهم للقاهرة".

لكن مخابرات السودان، أعلنت رسميا أنها لم تسلم عناصر "تنظيم الدولة" إلى أي جهة.

قلق من التمدد

وجود "تنظيم الدولة" في السودان ليس بجديد، لكن الكشف عن مصريين بينهم أقلق القاهرة بسبب الخشية من تمدد التنظيم من سيناء إلى السودان وإفريقيا.

تقارير الخارجية الأميركية عن الإرهاب لعامي 2018 و2019، أكدت وجود "تنظيم الدولة" في السودان وحذرت من تمدد نشاطه إفريقيا، ورصدت محاولاته تنفيذ عمليات، منها إنقاذ الحكومة السودانية شابة بعد تجنيدها من قبل التنظيم في يونيو/حزيران 2018، واتهام عضو بالتنظيم في يناير/كانون الثاني 2021، بطعن ضابط شرطة سوداني كان يحرس سفارة واشنطن.

كانت أبرز العمليات التي اتهم التنظيم بتنفيذها واعتبرت دليلا على وجوده، هي محاولة اغتيال رئيس الوزراء عبد الله حمدوك في مارس/آذار 2021.

مركز "أتلانتيك كونسل" للأبحاث أكد في 27 مايو/أيار 2019، أن تنظيم الدولة زاد اهتمامه بالسودان عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير.

وحذر المركز من نجاح التنظيم في تجنيد آلاف المعارضين السودانيين للنظام الجديد، بسبب التطبيع مع إسرائيل، وتمرد قادة مليشيات وعسكريين تم الاستغناء عنهم واحتمال انضمامهم للتنظيم.

واعتبر المركز أن "هذا لو حدث سيؤدي إلى منح تنظيم الدولة وصولا مباشرا إلى البحر الأحمر ونقطة اتصال بشبكتها المتنامية من المجموعات التابعة التي تعمل بالفعل في مالي والنيجر والكونغو المجاورة".

عقب سقوط نظام البشير، وفي 19 أبريل/نيسان 2019، نشرت "مؤسسة الوفاء" التابعة لتنظيم الدولة رسالة لأهل السودان بعنوان "نداء إلى أهل السودان من الداخل منها وإليها".

وقالت إن "الفرصة في السودان جاءت الآن، فهي سهلة الاقتناص ولا يجب أن نضيعها كي لا نندم بـعد ذلك، ولا نريد أن تضيع الفرصة من تحت أيدينا".

وأضافت أن "العتاد والعدد مطلوبان، والجميع داخل التنظيم يعلم أن لا سلمية، ولكن توخي الحذر واجب، والتكتيك الإستراتيجي يحتاج مدة زمنية، وذهابا وإيابا مع تحري الدقة في تتبع الأخبار للانتشار هناك".

بعدها خرج أمير التنظيم أبو بكر البغدادي، في أبريل/نيسان 2019 ليصف السودان بأنه "ساحة معركة مستقبلية".

ورغم تأكيده وجود 15 طالبا في جامعة بالخرطوم التحقوا بالتنظيم وقاتلوا ضمن صفوفه، إلا أن وزير الأوقاف السوداني نصر الدين مفرح قال لصحيفة "الشرق الأوسط" في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2019: "لا وجود لتنظيم الدولة في السودان".

وأضاف: "ليس لدينا تنظيم مؤسس لتنظيم الدولة لكن لدينا متطرفون، وهم أفراد، وليس لدي رقم محدد لهم".

توطين فعلي

ولاحقا، تطورت الأحداث بما يشير إلى أن التنظيم "توطن" بالفعل في السودان.

ففي 6 فبراير/شباط 2021، نشرت مجموعة شباب فيديو لهم وهم يحملون علم "تنظيم الدولة" الشهير في مدينة القضارف، معلنين عن "إمارة السودان".

بعدها في 9 مارس/آذار 2021، جاءت محاولة اغتيال لرئيس الوزراء حمدوك، بعد شهر من تهديد زعيم تنظيم الدولة في اليمن للحكومة السودانية.

لاحقا، في 23 مارس/آذار 2021 قالت المخابرات السودانية إنها ألقت القبض على 5 من عناصر التنظيم في الخرطوم، وضبطت مبلغ 2 مليون دولار، ثم أعلنت مرة أخرى في 7 يونيو/حزيران 2021 اعتقال خلية إرهابية مكونة من 9 أفراد، منهم 4 سودانيين.

الباحث في الشؤون العسكرية والسياسية، ركن أمين إسماعيل مجذوب، أكد "وجود خلايا لتنظيم تنظيم الدولة في السودان منذ عام 2018".

وأوضح لموقع "إندبندنت عربية" في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2021 أن أعضاء هذا التنظيم "انتقلوا من سوريا لإفريقيا بعد عودة عناصره إلى تونس والجزائر ومصر وليبيا".

ولفت إلى تسلل بعضهم لجنوب ليبيا واتخاذها حاضنة لهم، ثم الاتجاه للبحث عن خلايا وحاضنات أخرى في دول الجوار السوداني، ومنها إلى داخل السودان.

وأشار الموقع إلى أنها "خلايا صغيرة، لكن خطورتها تكمن في أنها مدربة تدريبا تقنيا عاليا، إلى جانب امتلاكها للمعلومات والأموال والأجهزة المتقدمة، مما يشكل خطورة على الأمن الداخلي للسودان".

واعتبر أن "خطر هذه الجماعات المتشددة يتمثل في اعتراضها على إقامة السودان علاقات مع إسرائيل، وفصل النظام الجديد بعد البشير، للدين عن الدولة، ومحاولة تطبيقه العلمانية في البلاد".

تشكيك شعبي

رغم الضجة الإعلامية حول مقتل 5 ضباط من المخابرات السودانية وتأكيد المخابرات رسميا أن وراء قتلهم تنظيم "تنظيم الدولة"، فقد شكك سودانيون في كل حوادث العنف الأخيرة وكذا الإعلان عن انقلاب تم إجهاضه. 

وصل الأمر للتشكيك في المواجهات الأخيرة بين المخابرات السودانية وعناصر التنظيم، وما أعلن عن اعتقال مصريين ثم الحديث عن اختفائهم قسريا في مصر، ملمحين إلى استغلال العسكر لهذه الأحداث للبقاء في السلطة.

خبراء رجحوا لـ"الاستقلال" أن يكون الحديث عن تصاعد نشاط "تنظيم الدولة" في السودان، هدفه تعزيز دور الجيش في المرحلة الانتقالية للبلاد.

وقالوا إن العسكر ربما هدفهم استغلال الحوادث الإرهابية للبقاء في السلطة، وعدم تسليم رئاسة المجلس السيادي للمدنيين في نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

أستاذ علوم سياسية بجامعة القاهرة، طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، توقف عند الإعلان عن انقلاب وهمي أسمته قوى المعارضة السودانية نفسها "مسرحية"، وتفاصيل عملية قتل ضباط المخابرات الخمسة من قبل تنظيم الدولة "غير مقنعة".

واعتبر أن "هذا يشير لرغبة المكون العسكري في مجلس السيادة في عدم تسليم السلطة لعنصر مدني كما هو مقرر في 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2021".

الناشطان السودانيان مجاهد بشري، وعبد الدافع عثمان، نشرا تفاصيل عن المواجهات بين المخابرات وتنظيم الدولة، واتهما ضمنا أجهزة رسمية مشبوهة بالتواطؤ لقتل ضباط المخابرات، لتبرير بقاء العسكر في السلطة.

وقالا، عبر فيسبوك، إن "النقيب أنس"، أحد ضباط المخابرات الخمسة الذين قتلوا، كان يشتكي من اختطاف جهاز المخابرات السوداني "من قبل أجنحة داخلية" ومن "إملاءات المخابرات المصرية على السودان".

ولفت الناشطان إلى أن "هؤلاء الضباط الشهداء كانوا ضباطا مؤهلين ومدربين خير تدريب، لكنهم ضحية لخطة قذرة وصراعات وتقاطعات محلية وإقليمية".

وأشارا إلى ملف الفتاة آية حسن التي اعتقلها الأمن المصري "وقدمها ككبش فداء لأي مسرحية يمكن أن تعد مستقبلا"، والتي أعلنت المخابرات السودانية أنها وزوجها أحد المقبوض عليهم ضمن "خلية السودان".

وشككا في ادعاء جهاز المخابرات السودانية اعتقال هذه الطالبة بكلية الآداب جامعة بني سويف، لأن "الأمن المصري سبق أن اعتقلها وأودعها بأمن الدولة ولم يتم إطلاق سراحها أو السماح لأهلها بمقابلتها"، وتساءلا باستنكار: "كيف انتهى بها المطاف هنا في السودان، والحديث عن أنها زوجة لأحد الإرهابيين؟!".

كما شكك الناشطان أيضا في اعتقال أحد معتقلي خلية السودان، إسلام إبراهيم إسماعيل (أبو بلال) ، وقالا: "كيف يتم اعتقاله وهو معتقل منذ أبريل/نيسان 2021، ويمكننا نشر أمر القبض عليه بواسطة المخابرات السودانية إذا أرادوا ذلك؟".

سودانيون شككوا في القصة كلها واعتبروها مفبركة بغرض استعادة المخابرات السودانية اختصاصات تم انتزاعها منها عقب الانقلاب على البشير، مثل اعتقال المتهمين واستعمال أسلحة متطورة.

وقالوا عبر مواقع التواصل، إن "الهدف قمع السودانيين أنفسهم بالترويج لأن سبب قتل 5 ضباط هو ضعف تسليحهم الذي تم انتزاعه منهم عقب الثورة على البشير".

التيار الرسالي 

على نقيض الرواية الرسمية عن مسؤولية "تنظيم الدولة"، أصدرت جماعة تدعى "التيار الرسالي للدعوة والقتال-ولاية السودان"، بيانا في 28 سبتمبر/أيلول 2021 تبنت فيه عملية قتل ضباط المخابرات السودانيين ونفت علاقتها بالتنظيم.

وقالت إنها صدت هجوم أجهزة المخابرات السودانية "على إحدى مقرات المجاهدين من التيار الرسالي للدعوة والقتال، وقتلت 6 منهم".

وأفادت بأن العملية "أسفرت عن القبض على 11 من مجاهدي التنظيم داخل المسجد وهم يؤدون فريضة الله".

وتحدثت الجماعة عن مسؤولية "التيار الرسالي للدعوة والقتال" عن "استهداف موكب رئيس الوزراء السوداني وكيل الاستعمار الغربي المدعو حمدوك"، بحسب البيان.

ونفى "التيار الرسالي" ما أسماه "مزاعم جهاز المخابرات السوداني" عن علاقته بتنظيم الدولة، مؤكدا: "لا علاقة للتيار الرسالي للدعوة والقتال بتنظيم الدولة وهو غطاء للتمويه الإعلامي الرخيص".

وقال إنه سيرد على "العملية الغادرة" على مقراته والتي قامت بها المخابرات السودانية وسيرد "الصاع صاعين".

وكان ملفتا قول التيار: "على أجهزة المخابرات السوداني تحمل مسؤوليتها الكاملة بزعزعة الأمن الوطني لحماية مصالحها ووكلائها الاستعماريين بالداخل من المؤسسة العسكرية"، وهو اتهام ضمني للعسكر بالمسؤولية عن العنف للبقاء في الحكم.

ودعا هذا سودانيين للقول عبر مواقع التواصل إن "عدم تبني التنظيم للعملية رسميا، دفع المخابرات لاختلاق ما يعرف بالتيار الرسالي للدعوة والقتال".

ولا توجد معلومات كثيرة عن هذا "التيار"، لكن بدايات الإعلان عنه كانت في مدينة الموصل العراقية في 14 يوليو/تموز 2014 عبر فيديو عن أنشطتهم.

إمارة الحبشة

قبل عامين من إعلان "تنظيم الدولة" قتل 5 ضباط مخابرات سودانيين، تحدثت تقارير عن نية التنظيم إقامة ما أسماه "إمارة الحبشة" الموسعة، التي تضم السودان ودول شرق إفريقيا.

وأشار تقرير لـ"مركز إفريقيا للدراسات الإستراتيجية"، وهو مؤسسة بحثية تابعة لوزارة الدفاع الأميركية، إلى تصاعد مقلق في أنشطة "تنظيم الدولة-إفريقيا"، وأعمال عنف قال إنه يشارك فيها "متطرفون إسلاميون متشددون" في جميع أنحاء القارة. 

وذكر التقرير الصادر في 29 يناير/كانون الثاني 2021، ارتفاع العنف المرتبط بهذه الجماعات بنسبة 43 بالمائة عام 2020 مقارنة بعام 2019 في قارة إفريقيا.

تقرير آخر لمعهد "راند" الأميركي في 24 يوليو/تموز 2020 أشار إلى أن الجزء الأكبر من مشكلة السودان مع الإرهاب هو الجغرافيا، حيث يتاخم السودان سبع دول ويشترك في شواطئ واسعة مع البحر الأحمر.

واعتبر المركز التابع للقوات الجوية الأميركية، أن هذا يضع السودان "في قلب بعض المناطق الأكثر انتشارا للنشاط المتشدد في إفريقيا وشبه الجزيرة العربية".

ورصد منها، جماعة بوكو حرام، وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" (JNIM)، وتنظيم القاعدة على الحدود الشمالية للسودان مع ليبيا ومصر (ولاية سيناء).

وقال المركز إن "الطبيعة الوعرة للتضاريس في هذا الجزء شمال السودان لا تصلح للمراقبة والسيطرة الشاملة، وتستغل ذلك مجموعات، مثل القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة اليمن، في تصدير الإرهاب من خليج عدن إلى القرن الإفريقي".

"راند" وتقارير غربية أخرى تحدثت عن علاقات بين أطياف تنظيم الدولة المختلفة في إفريقيا، وتمدد ولاية سيناء في الجنوب عبر تنظيم الدولة-السودان، أو "إمارة السودان"، وانتقال الجهاديين عبر سواحل إفريقيا والبحر الأحمر والجبال بين مصر والسودان.