بتسهيلات استثمارية.. لهذا يستقطب نظام السيسي آلاف السوريين من مناطق الأسد

موجة هجرة جديدة من سوريا نحو مصر، بعد منح نظام عبدالفتاح السيسي، بشكل مفاجئ، تسهيلات في الحصول على تأشيرة الدخول والسماح بتقديم "الموافقات الأمنية" لكل سوري متقدم.
ومنذ مطلع يونيو/حزيران 2021، تشهد مصر وصول عشرات التجار والصناعيين الكبار، والشباب الهاربين من صعوبات العيش والمضايقات الأمنية لنظام بشار الأسد.
ونتيجة لتلك الصعوبات والمضايقات، بدا توجه السوريين نحو مصر خيارا مناسبا، إذ أضحت القوانين الكثيرة التي سنها نظام الأسد مؤخرا بحجة تنظيم الاقتصاد ما بعد الحرب "وبالا" على المستثمرين.
فترة عروض
مطلع 2021، كانت التأشيرة للسوري إلى مصر تبلغ 1200 دولار بعدما كانت في السنوات السابقة 2000 دولار، هذا عدا عن تكلفة السفر بالطائرة، إلا أن نظام السيسي وبشكل مفاجئ خفض سعر التأشيرة منتصف العام.
وخلال يوليو/تموز 2021، أكدت مكاتب سياحية سورية أن إصدار التأشيرة المصرية البطيئة للسوري كانت تكلفتها 1050 دولارا، لتنخفض قيمتها خلال فترة العروض إلى 500 دولار ويستغرق الحصول عليها أقل من شهر، بينما التأشيرة السريعة فتبلغ 1400 دولار ومدة إنجازها أسبوع.
وتتحكم مكاتب الطيران في دمشق بأسعار التذاكر وبتوقيت الرحلات، وذلك عبر خلق سوق سوداء لبيع التذاكر يشرف عليها أشخاص محسوبون على النظام.
وتتوقع تلك المكاتب السياحية بانخفاض عدد التأشيرات الممنوحة للسوريين مجددا، بعد أن تستوعب مصر الأعداد التي دخلت أراضيها وتنهي إجراءات الإقامة.
وبعد الوصول إلى مصر، يحصل السوري على إقامة زيارة سياحية إما لستة أشهر أو لشهر، ويجري التقديم عليها في دائرة الهجرة والجوازات للأجانب في القاهرة، بشرط وجود عقد إيجار منزل ودفع مبلغ 650 جنيه مصري، وبذلك يحصل الشخص على الزيارة السياحية التي تختم على جواز السفر.
وعند انتهاء إقامة الزيارة السياحية يمكن للشخص التقديم على إقامة سياحية لمدة ستة أشهر إضافية، أما من يذهب لمصر بقصد الدراسة فيمنح إقامة دراسية مدتها عام، بشرط وجود عقد إيجار ودفع مبلغ 1500 جنيه.
وقال منير السواح وهو طالب جامعي متخرج حديثا، أنه غادر دمشق أواخر أغسطس/آب 2021، ووصل القاهرة بمساعدة من صاحب مطعم سوري يعمل هناك، مبينا أنه تمكن من الفرار قبل أن تنفد مدة تأجيل الخدمة العسكرية لديه ودخول فصل الشتاء.
وأوضح السواح لـ"الاستقلال" أن اختيار مصر كوجهة جاء نظرا لرخص "الفيزا" وسهولتها مقارنة بتركيا، إضافة إلى أن العمل هناك متوفر وتكاد تكون الرواتب مقبولة، كما أن الحصول على تأشيرة دخول إلى مصر تستغرق 20 يوما بشكل نظامي.
ونوه بأن "القوانين المصرية تمنع العمل لحامل الإقامة السياحية، إلا أنه مسموح للسوريين بشكل استثنائي العمل، وهذا عامل أساسي مشجع للسفر إليها لكون الشخص يمكنه العمل دون مضايقات وبراتب مقبول يتراوح بين 200 إلى 400 دولار شهريا في ورش ومطاعم ومعامل السوريين".
وربط السواح بين أزمة الجوازات التي مرت بها سوريا أخيرا، وبين إقبال الأهالي على الحصول على جوازات سفر، مشيرا إلى أن "نصف هؤلاء كانت لديهم رغبة في الذهاب لمصر تحديدا كخطوة أولى حتى لو فكر باللجوء لاحقا إلى أوروبا".
وأكد السواح وهو الأخ الأكبر لإخوته الثلاثة الذين تركهم في دمشق، أنه "ذهب لمصر كي يعيل أهله، لأن المعيشة أصبحت لا تطاق هناك، ولا يمكن لأسرة أن تعيش دون تلقي حوالة مالية من الخارج، إضافة إلى قلق الأهل الدائم من مسألة سحب الشباب إلى الخدمة العسكرية".
وشهدت إدارة الهجرة والجوازات في يونيو/ حزيران 2021 وفروعها في المحافظات السورية، ازدحاما بسبب التأخر في إصدار جوازات السفر وفق المدد الزمنية المعهودة.
تهجير ممنهج
وينظر كثير من السوريين إلى أن التسهيلات التي تقدمها مصر للسوريين، هي "تهجير ممنهج، لكن بطريقة حضارية،" ولا سيما أنه في السابق كانت "الفيزا" لمصر تحتاج موافقة أمنية، أما حاليا فيجري منحها لأغلب المتقدمين.
ويقدر عدد السوريين في مصر بنحو نصف مليون شخص.
ووفقا لرئيس تجمع رجال الأعمال السوري في مصر، خلدون الموقع، فإن نظام السيسي تراجع عن إنشاء مدينة صناعية للسوريين هناك، مبينا أن المشروع طرحته وزارة الصناعة المصرية عام 2017 وكلف التجمع به، لكن لم يكتب له الاستمرار، من دون أن يكشف أسباب ذلك.
واكتفى بالقول خلال حديث مع إذاعة موالية للنظام السوري، في 27 سبتمبر/أيلول 2021: "لو أنشئت المدينة الصناعية المذكورة لانعكست إيجابا على الاستثمارات السورية، وكون المال السوري الموجود في مصر سيعود لاحقا لبناء وتعمير سوريا ودعم اقتصادها".
وأوضح "موقّع" أن "الغاية من إنشاء المدينة الصناعية لم تكن لجذب الصناعيين السوريين من سوريا أو توطين الموجودين في مصر، وإنما لتنظيم وجودهم في مصر، وهو بالنتيجة قرار سيادي مصري سياسي أمني اقتصادي واجتماعي، وليس قرار تجمع رجال الأعمال"، وفق قوله.
وانتقد في الوقت نفسه "خطورة خروج رأس المال البشري من سوريا، لا سيما الطلاب والعمال والمهنيين"، منوها بأنه "مستقبلا لا يمكن استعادتهم بكبسة زر كما هو الحال بالنسبة لإعادة الأموال الموجودة خارج سوريا"، على حد تعبيره.
ورأى الموقّع أن "مصر قدمت البيئة ومناخ العمل الذي أسس لنجاح عمل السوريين فيها"، لافتا إلى أن "عدد الصناعيين السوريين العاملين في مصر يقدر بين 15 و17 ألفا، أما رجال الأعمال عامة فيزيد عددهم على 30 ألفا".
وكشف تجمع رجال الأعمال السوري في مصر، المقرب من نظام الأسد، أن "حجم الأموال السورية في مصر يقدر بـ23 مليار دولار حسب تقرير للأمم المتحدة"، منوها "بأن الاستثمارات والمصانع السورية في مصر تضخ نحو 100 مليون قطعة شهريا من منتجات المصانع".
وأواخر سبتمبر/أيلول 2021، أقر عضو مجلس إدارة "غرفة صناعة حلب"، مجد ششمان، بهجرة 47 ألف شخص من سوريا إلى مصر.
ويجمع كثير من المراقبين أن مصر قدمت تسهيلات كبيرة للمستثمرين السوريين، لكنها تهدف لجذب أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، ولا سيما أن الأمر يتطلب كتلة كبيرة جدا من رأس المال.
أما فئات الشباب فهاجروا بقصد العمل والتخلص من سوء الوضع المعيشي وعدم تناسب المدخول الشهري والرواتب مع حجم الإنفاق اليومي على أساسيات الحياة في مناطق نفوذ النظام.
وتشير الأرقام الرسمية إلى أن المستثمرين السوريين في مصر يشكلون 30 بالمئة، ويستثمرون في مشاريع عدة أهمها، الألبسة وورش الخياطة والمطاعم والمقاهي.
ومدينة "6 أكتوبر" التي تتبع إداريا لمحافظة الجيزة، والواقعة على بعد 38 كيلومترا من القاهرة، باتت تسمى في مصر "دمشق الصغرى"، بعدما حولها السوريون إلى مطاعم ومقاهي بات الإقبال عليها من المصريين والعرب بشكل غير مسبوق.
وتنتشر في المدينة مطاعم تقدم الأكلات السورية الشهيرة وبأجواء دمشقية، فضلا عن المقاهي ومحلات لبيع المنتجات السورية، إضافة إلى محلات الملابس والمفروشات.
تسهيلات مصرية
نزيف هجرة السوريين من مناطق نفوذ الأسد، لم يتوقف منذ عام 2011، إلا أنه عاد واشتد أمام عوامل داخلية كثيرة مرتبطة بهرم النظام السوري وتركه للشعب يواجه مصيره وأزماته المعيشية لوحده.
وأكد الأكاديمي والخبير الاقتصادي السوري، فراس شعبو، لـ"الاستقلال" أن "الأوضاع الاقتصادية سيئة في سوريا وإحساس التجار والمواطنين معا أن حكومة نظام الأسد بعيدة عن الحلول بل تعمد إلى فرض ضرائب وإزالة الدعم عن المواد الأساسية، إضافة إلى رفع الأسعار، وبالتالي أصبح الوضع هناك كارثيا".
وأوضح شعبو أن "غياب الأمل ولد هجرة كبيرة من قبل المهنيين والتجار وأصحاب الشهادات من سوريا، إذ لم تحدث أي انفراجة اقتصادية بعد هدوء المعارك، بل وصل الحال لتحديد نصيب الفرد الواحد من الخبز في مناطق الأسد برغيفين، فضلا عن عدم توافر الكهرباء والمحروقات وسط انفلات أمني وسطوة الشبيحة".
ونوه الخبير الاقتصادي إلى أن "الصناعي شعر أن رأس ماله أخذ يضمحل، ولا سيما مع حالة التشبيح المالي، من خلال فرض إتاوات مالية معينة عليه حاليا، عبر إجبار التجار والصناعيين على دفع جزء من أرباحهم للنظام بالقوة".
ورغم أن "أرض الكنانة" تعد من الوجهات القليلة التي لاتزال تستقبل السوريين، إلا أن فتح القاهرة الباب أمام السوريين على مصراعيه في هذا التوقيت، له مسوغات عدة، وهي ذات شقين الأول مرتبط بالنظام والثاني بالتجار.
ويرى شعبو أن النظام المصري "ينظر إلى المشاريع السورية باعتبارها ناجحة، لذلك يعمل على استقطاب رجال الأعمال عبر تقديم حوافز وميزات استثمارية ومنح ضريبية، كون النظام أدرك أن المستثمر السوري قادر على خلق فرص جديدة وزيادة الناتج المحلي الإجمالي وهو ما يؤدي لتحصيل موارد وزيادة العملة الصعبة وتحسين عجز الميزان التجاري".
أما المستثمر السوري، فيمنحه العمل في مصر "حرية التحويل المالي وحرية الاستيراد والتصدير لعدة دول دون أي مضايقات وبعيدا عن أي قيود وجمارك وتدخلات أمنية كما هو عليه في سوريا من قبل أذرع نظام الأسد".
يذكر أن مصر بدأت بفرض التأشيرة على السوريين منذ 2013، بعد شهر من إعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد، إلا أن نظام السيسي يجتهد حاليا في إقناع الدول العربية باتخاذ خطوة لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية وتطبيع العلاقات معه من جديد بعد عقد من الزمن على إخراجه من الجامعة بسبب قمعه لثورة الشعب عام 2011.