يسرائيل كاتس.. وزير خارجية إسرائيل الذي يقود دبلوماسية حرب الإبادة في غزة

داود علي | منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023، في غزة والضفة الغربية وصولا إلى لبنان، استدعت معها دبلوماسية لا تقل عدوانا وتطرفا، يقودها وزير الخارجية يسرائيل كاتس، عضو مجلس الوزراء الأمني المصغر “الكابينت”.

 ومنذ توليه وزارة الخارجية في 2 يناير/ كانون الثاني 2024، ويتبنى كاتس خطابا متطرفا بعيدا عن الدبلوماسية وقائما على التشهير والقدح في المسؤولين الدوليين.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، إعلانه في 20 أكتوبر 2024 بدء اتخاذ إجراءات قانونية ضد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمنعه شركات إسرائيلية متورطة في حرب الإبادة بغزة ولبنان من المشاركة في معرض تجاري عسكري في فرنسا.

وقبلها أعلن في 2 أكتوبر، أن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتريتش، بات شخصية غير مرغوب فيها ويمنع دخوله إلى إسرائيل، على خلفية إدانته جرائم الحرب التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد المدنيين في غزة ولبنان.

وتصدر كاتس لقيادة الدبلوماسية الخارجية الإسرائيلية في هذه الفترة، ناتج عن عمله الطويل داخل أروقة صنع القرار بالكيان؛ حيث تبوأ العديد من المناصب الأمنية والاستخباراتية. 

نشأة متطرفة 

ولد يسرائيل كاتس في 21 سبتمبر/ أيلول 1955، في مدينة عسقلان (المحتلة)،  لأبوين رومانيين هما مئير كاتس ومالكا نيدويتش، ويزعم أنهما من الناجين من الهولوكوست. 

نشأ كاتس داخل مستوطنة "كفار حاييم" الزراعية، التي أقيمت على أنقاض قرية "كاستينا" العربية عام 1953، بدعم مالي من الحكومة السويدية.

تلقى كاتس تعليمه الثانوي في مدرسة "أور عتصيون" الدينية، تحت قيادة الحاخام "حاييم دروكمان"، أحد الحاخامات البارزين في قيادة الحركة الصهيونية الدينية على مستوى العالم.

وقامت مبادئ “أور عتصيون” على أفكار الحاخام "يستحاق كوك"، ومن شروطها أنه لا يتم تجنيد طلاب المدرسة في الجيش إلا بعد عامين ونصف العام من دراسة التوراة.

وبحسب النظام المعمول في دولة الاحتلال آنذاك، كان الطالب ينتهي من دراسته الثانوية ثم يلتحق بالجيش، على أن يستكمل تعليمه الجامعي بعد ذلك. 

وبالفعل تم تجنيد كاتس في جيش الاحتلال الإسرائيلي في نوفمبر/ تشرين الثاني 1973، بعد شهر واحد من حرب 6 أكتوبر.

حينها تطوع كاتس في لواء المظليين وتدرج لاحقا في المناصب العسكرية حتى وصل لرتبة قائد سرية.

ففي عام 1976 أصبح ضابط مشاة بعد أن تخرج في مدرسة الضباط المرشحين، وعاد إلى لواء المظليين قائدا لفصيل، وعقب انتهاء خدمته العسكرية الإلزامية تم تسريحه عام 1977.

عدو العرب 

بعد ذلك حصل كاتس على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من الجامعة العبرية في القدس، ثم التحق بالدراسات العليا في الجامعة نفسها، لكنه لم يكمل الرسالة.

وشهدت فترة حياته الجامعية كثيرا من التوترات والصدامات، خاصة مع الطلاب العرب. 

ففي مطلع 1980 كان رئيسا لاتحاد الطلاب، وضمن حركة جامعية ناهضت تواجد الطلاب العرب في الجامعات العبرية، وبدأت في الاشتباك مع كثير منهم.

وقالت وسائل إعلام عبرية إن كاتس ورفاقه تبنوا أساليب عنيفة، فمثلا، قام كاتس بإمساك الميكروفون من يد عميد الجامعة آنذاك "جدعون شافسكي" عندما حاول انتقاد مجموعة كاتس.

ومن مواقفه أيضا في تلك الفترة، قيامه بتفريق تجمعات الطلاب العرب المناهضة للاحتلال بسلاسل حديدية. 

بعدها في 1981، أقدم على احتجاز رئيس الجامعة "رافائيل مشولام" في غرفته، احتجاجا على ما أسماه "تجاهل العنف العربي في الحرم الجامعي".

ونتيجة لذلك قامت إدارة الجامعة العبرية بفصله لمدة عام، ومنعه من دخول الحرم الجامعي خلال تلك الفترة. 

تلميذ شارون 

انضم كاتس إلى حزب "الليكود" وكان من فئة الشباب المقربة من رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "أرييل شارون".

وشغل كاتس في عام 1984، منصب نائب مدير مكتب شارون الذي كان يتولى آنذاك حقيبة وزارة الصناعة والتجارة.

وفي العام نفسه كان من مهندسي انتخابات عام 1988، حيث تولى قيادة المهام الخاصة في الليكود، وقاد مئات الآلاف من المواطنين الإسرائيليين في جولات ميدانية في الضفة الغربية، للدعاية للحزب.

ودخل كاتس الكنيست للمرة الأولى في نوفمبر 1998، حيث عمل بعدة لجان، منها الشؤون الخارجية والأمن، والمالية، والقانون والدستور والعدالة، والداخلية والبيئة.

كما عمل في لجنة الالتماسات العامة واللجنة المشتركة لميزانية الأمن واللجنة الخاصة لمناقشة قانون جهاز الأمن.

كما شغل أيضا منصب رئيس مؤتمر حزب الليكود، بعد أن أصبح من كبار المسؤولين المؤثرين في هيكل الحزب اليميني.

مسؤول فاسد

ومن هنا بدأت مسيرة كاتس في الصعود تختلف، حيث أصبح وزيرا للزراعة والتنمية الريفية في حكومة أرييل شارون عام 2003. 

ومع ذلك شهدت أول حقيبة وزارية تولاها وقائع فساد، ففي مارس/ آذار 2007، وجهت الشرطة الإسرائيلية اتهامات إلى كاتس بالاحتيال وخيانة الأمانة، إذ أقدم على تعيينات في وزارة الزراعة بنيت على محاباة سياسية وعائلية.

وكشف تقرير شرطة الاحتلال أن 24 موظفا موسميا في الوزارة كانوا أعضاء باللجنة المركزية لليكود، أو أبناء وأقارب لهم.

وأحالت نتائج التحقيق إلى النيابة المركزية بالمنطقة، لكن النيابة رفضت فيما بعد الملاحقة القضائية.

ورغم اتهامات الفساد، تسلم كاتس حقيبة وزارة المواصلات عام 2009.

وفي عام 2015 أعيد اختياره مجددا وزيرا للمواصلات، لكن أضيفت له حقيبة وزارة الاستخبارات. 

وفي عام 2019 بدأ كاتس ولايته الأولى كوزير للخارجية، وفي الوقت نفسه كان يتولى منصب وزير الاستخبارات.

وخلال جائحة فيروس كورونا عام 2020، تم تعيينه إضافة إلى مسؤولياته في الخارجية والاستخبارات، وزيرا للمالية وأدار السياسة الاقتصادية.

وفي يناير 2023، تم تعيين كاتس وزيرا للطاقة والبنية التحتية، ضمن حكومة بنيامين نتنياهو الأكثر تطرفا في تاريخ الكيان.

وقتها تم اتفاق ثلاثي بين نتنياهو وكاتس، ووزير الخارجية آنذاك إيلي كوهين، أنه بعد عام واحد سيتبادل المنصب مع كوهين.

وبالفعل في 2 يناير 2024، بدأ كاتس فترة ولايته الثانية وزيرا للخارجية، بالتزامن مع شن الاحتلال حرب إبادة على غزة.

ومع أن حقيبة الدبلوماسية يغلب عليها التوازن والسعي إلى الحلول للمسائل المعقدة، لكن كاتس كان وجها حقيقيا لدولة الاحتلال.

فهو يتبنى سياسة متطرفة ضد الوجود العربي برمته في فلسطين، وهو داعم لإنشاء المستوطنات ومعارض شديد لفكرة حل الدولتين.

وفي 3 فبراير/ شباط 2024، أطلق مبادرة مثيرة للجدل، تتلخص فكرتها في إنشاء جزيرة صناعية قبالة سواحل غزة لنقل السكان الفلسطينيين إليها، وإحلال مستوطنين يهود بدلا منهم. 

وعرض كاتس الفكرة بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، أثناء اجتماعه مع نظرائه بالاتحاد الأوروبي لبحث ما بعد حرب إبادة غزة.

عدو أردوغان

وعلى صعيد الخارج، يركز كاتس منذ توليه منصبه على القدح ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، صاحب الشهرة الواسعة حول العالم.

ويقود أردوغان حملة منذ بدء حرب الإبادة تسلط الضوء على جرائم إسرائيل وحكومة حربها ودائما ما ينعت نتنياهو بـ"هتلر هذا العصر".

ففي 26 فبراير 2024، هاجم كاتس، أردوغان، وقال عبر "إكس"، إن أردوغان يحاول إنكار حق إسرائيل في الدفاع عن النفس ضد منظمة إرهابية تشن هجمات من لبنان بأوامر من إيران"، وأضاف "اصمت، عار عليك".

ووصلت الحالة الانفعالية لوزير خارجية إسرائيل، أن وجه اتهامات وسباب لأردوغان، فيما يخص تعامله مع الأكراد على الحدود السورية حيث وصفه بـ"المجرم".

كما استهدف أردوغان في أغسطس/ آب 2024، بسبب تنكيس العلم التركي في سفارة أنقرة بتل أبيب بعد أن أعلنت تركيا حداداً ليوم واحد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران.

وبسبب هجومه المتكرر على أردوغان، أصدرت وزارة الخارجية التركية، بيانا في 8 سبتمبر 2024، قالت فيه "إن كاتس كتب منشورا مليئا بالافتراءات والأكاذيب ضد الرئيس أردوغان وتركيا". 

وأتبعت "الشخص المذكور لا يملك أي وزن، حتى داخل حكومة نتنياهو التي دخلت التاريخ البشري باعتبارها وصمة عار من خلال ارتكاب إبادة جماعية".

ويرى كثير من المراقبين أن كاتس يسعى عبر هذه المنشورات إلى الدفاع عن نتنياهو وإظهار نفسه كزعيم سياسي يواجه أردوغان صاحب الحضور الكبير عالميا.