سيون أسيدون.. يهودي مغربي فلسطيني الهوى يقاوم الاحتلال ويفضح المطبعين

عملية "طوفان الأقصى" هي انتصار كبير للمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية
بكوفية فلسطينية لا تفارق جسده وطاقية حمراء مغربية على رأسه، بات سيون أسيدون، أشهر يهودي مغربي معارض للاحتلال مدافع عن القضية الفلسطينية، يشكل صورته الخاصة في أذهان العموم.
إذ يتصدر أسيدون ومنذ عقود، الشخصيات الداعية لمقاطعة الاحتلال، وإيقاف التطبيع معه، كما يدعم المقاومة الفلسطينية، غير آبه بكل التهديدات التي قد يتعرض لها بسبب مواقفه السياسية والحقوقية.
ولد أسيدون بمدينة أغادير جنوبي المغرب عام 1948، ودرس بفرنسا قبل عودته إلى البلاد سنة 1967، ليحمل لواء الدفاع عن فلسطين ومجابهة الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية شبابه.
وقد انخرط في حركات عديدة، كان القاسم المشترك بينها هو النضال لأجل فلسطين، وعلى رأسها الجبهة المغربية لدعم فلسطين ومناهضة التطبيع، وكذا حركات مقاطعة الاحتلال، ذلك أنه قيادي في حركة المقاطعة العالمية "بي دي إس BDS".
طوفان الأقصى
منذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين أول 2023، أجرى أسيدون سلسلة حوارات مع عدد من المواقع الإعلامية الدولية والمحلية، وغيرهما، كشف فيها عن موقفه منها ومآل القضية.
ففي حواره مع "الجزيرة نت"، في الأول من نوفمبر/تشرين ثاني 2023، رأى أسيدون أن عملية "طوفان الأقصى" هي انتصار كبير للمقاومة الفلسطينية وعلى رأسها حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وشدد أن هذه العملية "بينت بكل وضوح أن مقولة الجيش الذي لا يقهر ليست سوى أسطورة، كما أنها فتحت صفحة جديدة لأن مستوى هجوم المقاومة الفلسطينية لم يسبق إليه إلا الجيش المصري في حرب 1973".
فاجتياح أراضٍ محتلة في مستوطنات غلاف غزة هو أمر جديد كليا ويبشر بدخول مرحلة جديدة في مستوى مقاومة الاحتلال.
وانتقد الناشط الحقوقي الأثر السلبي للتطبيع على مجريات الوضع، مبرزا أنه "لا يمكن أن تتجرأ دولة الاحتلال على ما تفعله من فظائع وإبادة لولا الشعور بفك عزلتها في العالم العربي عن طريق اتفاقيات أبراهام واتفاقيات التطبيع التي وقعتها مع عدد من الدول العربية ومنها المغرب".
وأضاف: "نحن كناشطين في دعم فلسطين ومناهضة التطبيع نطالب بفسخ وحل جميع التعاقدات التي أُبرمت منذ الإعلان عن استئناف العلاقات وأيضا طرد ممثلي المحتل الصهيوني وإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط".
وفي حوار مع موقع "عربي بوست"، 14 نوفمبر 2023، أكد أسيدون أن "السلطات المغربية لن تحصد من تعنتها في التشبث بالتواطؤ مع المجرمين إلا المزيد من الإحراج والشجب من الجماهير الواسعة، ودون أي استفادة من الأرباح المزعومة في حل قضية الصحراء".
وشدد المتحدث ذاته أن "صانعي التاريخ هم الشعوب، وانتصار الشعب الفلسطيني في 7 أكتوبر فتح مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة"، مبرزا أن "المعركة الحالية ستحدد إعادة ترتيب الأوضاع فيها".
وقال أسيدون إنه بصرف النظر عن مآل حماقات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إلا أن الأكيد أن "العدوان الصهيوني على غزة لن يتمكن من الوصول إلى أهدافه، ولا في إعادة نكبة جديدة ولا في "مَحوِ حماس".
وخلال مشاركته في البرنامج الحواري "في رواية أخرى"، بث على التلفزيون العربي، 21 فبراير/شباط 2024، أكد أسيدون على وجود علاقات استخبارية بين إسرائيل والمغرب منذ عقود.
وذكر المتحدث ذاته أن من أبرز الأمثلة على ذلك، سماح المغرب للمخابرات الإسرائيلية بالتجسس على القمة العربية التي نُظمت في مدينة الدار البيضاء في سنة 1965، وفق تعبيره.
وقال أسيدون، إن المخابرات الإسرائيلية كانت حاضرة في الطابق الخامس الذي كان فوق الطابق الذي عقدت فيها القمة العربية آنذاك، واستمعت لكل ما كان يدور وكان ذلك بمشاركة من السلطات المغربية.
وأضاف في هذا السياق، أن المثال الثاني للعلاقات بين المغرب وإسرائيل، يتجلى في التطبيع العسكري، حيث اقتنى المغرب أسلحة وتجهيزات عسكرية من إسرائيل، ومن ذلك ثلاث طائرات بدون طيار من صنع إسرائيلي في الأسابيع الماضية.
وأبرز الناشط الحقوقي أن تطبيع المغرب مع الاحتلال يمتد إلى قطاعات أخرى، من بينها الفلاحة والزراعة، مشيرا إلى أن الرباط تعتمد على تجهيزات وبذور زراعية يتم جلبها من إسرائيل واستعمالها في المملكة.
مسيرات ومواقف
ولا تكاد توجد مسيرة وطنية أو شعبية لدعم فلسطين أو مناهضة التطبيع مع الاحتلال إلا وسيون أسيدون في مقدمتها، رافعا شعاراته وكلماته القوية، بصوت جهوري، وبملامح تجمع بين الابتسامة الدائمة والصلابة في تبيان القول والثبات عليه.
وكان أسيدون من السباقين إلى الخروج إلى شارع محمد الخامس بمركز العاصمة الرباط للتعبير عن رفض التطبيع بين بلاده وتل أبيب.
وواجهت السلطات الأمنية تلك الوقفات بالمنع، ومنها وقفة بتاريخ 14 ديسمبر/كانون أول 2020، عقب توقيع المغرب للاتفاق الثلاثي الذي أقام بموجبه علاقات تطبيع مع إسرائيل بوساطة أميركية في العاشر من نفس الشهر.
ورأى أسيدون في الوقفة التي كان خلالها بمعية شيخ الحقوقيين بالمغرب النقيب عبد الرحمن بنعمرو، أن هذا المنع ضد القضية الفلسطينية، وضد الحقوق والحريات، مرفوض ومدان، ومخالف للقانون.
وأكد عبد العلي حامي الدين، المستشار البرلماني السابق وعضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، دعمه وتضامنه مع أسيدون.
وقال حامي الدين في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك، "تضامني الكامل مع اليهودي المغربي القح سيون أسيدون، ومع رمز الحركة الحقوقية المغربية الأستاذ عبد الرحمن بنعمرو".
وهذه المواقف جعلت أسيدون حجة على باقي المواطنين المغاربة، لأجل دعم القضية الفلسطينية ومواجهة الاحتلال وكل أشكال التطبيع.
وفي هذا الصدد، قالت حليمة الشويكة، نائبة الأمين العام لنقابة الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، "رسالة إلى كل متصهين يبحث عن تبريرات واهية للانزياح عن قضية فلسطين، الشريف سيون أسيدون يقول لكم إن فلسطين هي البوصلة لشرفاء الأمة".
كما شارك أسيدون في تظاهرات سياسية وحزبية متعددة بغية إيصال رسالته ومواقفه بخصوص القضية الفلسطينية.
وفي هذا الصدد، حذر في كلمة له بالمؤتمر الوطني الخامس لحزب الاشتراكي الموحد، أكتوبر 2023، من محاولة إسرائيل إعادة نكبة جديدة بقطاع غزة، ومن "مشروع واضح للتطهير العرقي بها".
وشدد أسيدون في كلمته أن جيش الاحتلال لا يستطيع الانتقام من حماس بشكل مباشر، إثر عملية طوفان الأقصى، لذلك ينتقم من المدنيين الفلسطينيين.
ولفت إلى ضرورة تكاثف الجهود من أجل وقف المد الصهيوني، ومواجهته من أجل الحد من سفك الدماء والاعتداء على المدنيين في قطاع غزة.
نضال مستمر
ومنذ سنوات طويلة وأسيدون يحذر من كل أشكال التطبيع، ويدعو إلى مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي، وينافح للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وعلى رأسها الحق في الاستقلال والحرية.
وهكذا، اتهم أسيدون جامعات مغربية بتعمد التعاون الدائم مع أخرى إسرائيلية، في الوقت الذي تتسع فيه مقاطعتها في مختلف أنحاء العالم.
وقال أسيدون: "المقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني في أميركا تسير بشكل أفضل مما هي عليه بالمغرب، حيث تعمدُ جامعات مغربية إلى التعاون الدائم مع أخرى إسرائيلية".
وأضاف، وفق "هبة زووم"، 11 أبريل/نيسان 2016، أن "فكرة المقاطعة الأكاديمية للكيان الصهيوني بدأت سنة 2004، وتدعو إلى مقاطعة التعاون مع الجامعات الإسرائيلية التي يعيش فيها عرب 48 تمييزا وحيفا ملحوظيْن".
وأوضح الناشط المغربي أن المقاطعة الأكاديمية، هي واحدة من الطرق التي تعتمدها حركة "BDS" السلمية العالمية، والتي تأسست سنة 2005 بثلاثة مطالب أساسية.
وهي حق رجوع اللاجئين الفلسطينيين، وتفكيك المستوطنات، وهدم جدار الفصل العنصري ووضع حد للتمييز الذي يعاني منه فلسطينيو 48.
وقال أسيدون إن "هذه المطالب الثلاثة، إن تحققت، ستشكل إخفاقا وفشلا لأهداف الحركة الصهيونية، كما ستوحد جميع شرائح المجتمع الفلسطيني بكل توجهاتها".
كما قاد أسيدون أولى حملات مقاطعة تمور إسرائيل، وهي الحملة التي تنشط فعالياتها في شهر رمضان، حيث يزداد الإقبال على تناولها.
وفي تصريح لموقع "صوت المغرب"، 12 ديسمبر 2023، أكد أسيدون أن العديد من المحلات التابعة للشركات العالمية التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي صارت فارغة في المملكة، رغم التخفيضات المغرية التي باتت تعرضها على زبائنها.
وأشار أسيدون إلى أنه "منذ أحداث 7 أكتوبر، دخلت حملة المقاطعة بالمغرب في طور التصعيد، كوسيلة لتعبير المغاربة عن أن عملية التطبيع مع مجرمي الاحتلال ليست باسمهم".
وأكد المناضل المناهض للتطبيع مع إسرائيل أن الشركات التي تتعرض لحملة المقاطعة باتت تتكبد خسائر كبيرة جراء ذلك.
كما وقف أسيدون وقفة تاريخية منذ سنوات لمنع وصول التمور الإسرائيلية إلى الأسواق المحلية، حيث شرع في تواصل مباشر مع المواطنين رافعا شعار "قاطعوا التمور الصهيونية، لا تدفعوا ثمن رصاصة في صدر فلسطيني".
وفي حوار أجراه مع "وكالة الأناضول"، 23 يونيو/حزيران 2016، أكد أسيدون أن تحركاته هي للتعبير عن رفض وجود تمور المحتلين بالمغرب، والتي كانت تدخل حينها بطرق رسمية وبالتهريب.
وأضاف، "عندما نعطي ثمن التمر فإننا نمول الاحتلال، ونقدم ثمنا لميزانية الكيان الصهيوني، ونحن نعلم المكانة المهمة للميزانية العسكرية لهم".
وشدد أسيدون أن وجود تمور الاحتلال هو اختراق تطبيعي، داعيا إلى مقاطعة إسرائيل ومحاسبتها بسبب جرائمها في حق الفلسطينيين.
كل هذه الأنشطة الداعمة لفلسطين والمقاومة ومجابهة الاحتلال والتطبيع، حدت بلطيفة البوحسيني، الناشطة الحقوقية وأستاذة التاريخ بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن تؤكد أسيدون هو مفخرة للمغرب.
وقالت البوحسيني في تدوينة نشرتها عبر حسابها على فيسبوك، مارس 2024، "المناضل سيون أسيدون مفخرة لنضال المغاربة دعما للقضية الفلسطينية".