تصنيف طائفي.. لماذا يسلم العراق معارضين سياسيين لبلادهم ويحتضن آخرين؟

الأعرجي ألمح إلى أن تسليم الخالدي سببه مهاجمته السابقة لنصر الله
رغم أن العراق يحكمه حاليا لاجئون سياسيون سابقون قبل الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003، لكن ذلك لم يمنعهم من تسليم معارضين سياسيين إلى بلدانهم، خلافا للقانون وخلافا للطريقة التي كانت تتعامل بها معهم دول اللجوء قبل توليهم السلطة.
ومع أن تسليم المعارضين السياسيين إلى دولهم يهدد حياتهم، بل إن البعض منهم جرى إعدامه بالفعل، لكن هذه المسألة لم تكن بعيدة عن المجاملات السياسية، إضافة إلى البعد الطائفي.
سلمان الخالدي
في مرحلة ما بعد 2003 سلمت السلطات العراقية، العديد من المعارضين إلى بلدانهم، وكان آخرهم الكويتي سلمان الخالدي (25 عاما)، اللاجئ لدى المملكة المتحدة، وذلك بعد مكوثه لأيام في العراق، والذي اعتقل في مطار بغداد عندما أراد العودة إلى بريطانيا.
وفي 1 يناير/ كانون الثاني 2025، أعلنت وزارة الداخلية الكويتية تسلمها الناشط المطلوب والصادر بحقه أحكام قضائية، سلمان الخالدي، من قبل السلطات العراقية، عادّة ذلك إنجازا أمنيا يعكس قوة التعاون الدولي وتنسيق الجهود بين الدول الشقيقة.
وحسب بيان الوزارة، فإن سلمان الخالدي صادر بحقه 11 حكما بالحبس واجب النفاذ، والمُعمّم عنه عربيا ودوليا بدءا من نهاية 2023 بناءً على ذمة أحكام قضائية، كما أنه جرى إرسال التعميم إلى جميع الدول لضبطه وتسليمه إلى الكويت.
وكان لافتا أن وزير الداخلية، والنائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الشيخ فهد اليوسف، حضر بنفسه إلى الحدود الكويتية مع العراق لتسلّم الخالدي من يد محافظ البصرة أسعد العيداني.
ونشرت الوزارة صورة تظهر الخالدي داخل منفذ العبدلي في الكويت، وهو مقيد وملقى على الأرض، فيما تداول ناشطون صورة أخرى يقف محافظ البصرة أسعد العيداني، إلى جانب اليوسف، الأمر الذي أثار تساؤلا عن سبب وجود الأخير وليس وزير داخلية العراق.
وقال العيدانيّ، إن "الشخص المعني تم إلقاء القبض عليه حسب مذكرة اعتقال دولية في مطار بغداد، وتم نقله إلى مطار البصرة من قبل الشرطة الدولية (الإنتربول) وسلم من الإنتربول العراقي إلى نظيره الكويتي وفق الاتفاقات بينهم".
وبرر محافظ البصرة وجوده بالقول: إنه "مثّل الحكومة العراقية"، أثناء تسليمه سلم الخالدي في المنفذ الحدودي، لأن الذي حضر وزير الداخلية الكويتي، ولم يحضر نظيره العراقي بسبب التزاماته.
وفي عمر الـ17 عاما، بدأ سلمان الخالدي في الظهور الإعلامي، إذ برز كطالب متفوق في مجالات علمية، يمثل اسم الكويت في بعض المحافل العلمية بدول الخليج.
ولاحقا، برز اسم الخالدي كطالب كويتي أيضا لكن هذه المرة بمناصرة القضية الفلسطينية، وإلقاء خطابات قوية في وقفات تضامنية، أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
إلا أن التحول الرئيس نحو السياسة، كان بعد اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي في قنصلية بلده بإسطنبول عام 2018، إذ هاجم الخالدي السلطات السعودية.
وفي عام 2022، رفعت السفارة السعودية في الكويت قضية ضد الخالدي، حيث صدر بالفعل حكم ضده بالسجن 5 سنوات، وهو ما دفعه إلى عدم العودة إلى بلده والذهاب إلى بريطانيا، والتي أكد أنها منحته حق اللجوء السياسي.
وخلال وجوده في المملكة المتحدة، كان الخالدي يبث فيديوهات له وهو يلاحق مسؤولين كويتيين في بريطانيا، ويقذفهم بالبيض، ويكيل لهم الشتائم، ليصدر القضاء الكويتي مجموعة أحكام بالسجن ضده بتهم مختلفة، تتعلق بمنشوراته والفيديوهات التي ينشرها.
وبقي الخالدي يقدم نفسه كناشط كويتي معارض، إلى حين صدور قرار بسحب جنسيته في نيسان/ أبريل 2024، ثم تحول بعدها من معارض سياسي ضد حكومة بلده، إلى داع لثورة مسلحة ضد الكويت.

تسليم المعارضين
لم تكن هذه المرة الأولى التي يسلم فيها العراق معارضين سياسيين إلى بلدانهم، المطلوبين فيها على قضايا سياسية، إذ جرى في 7 سبتمبر/أيلول 2024، تسليم المعارض الإيراني الكردي بهزاد خسروي، وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني المعارض.
وأعلنت قوات الأمن الداخلي الكردي (الأسايش) في محافظة السليمانية بإقليم كردستان العراق، والتي يحكمها "الاتحاد الوطني الكردستاني" الحليف لإيران، أنها سلمت إيران ناشطا كرديا إيرانيا ينتمي إلى حزب معارض بارز، على ما أكّد الحزب، في بيان.
وقالت "الأسايش"، إن تحقيقاتها كشفت بعد "اعتقال المواطن الإيراني بهزاد خسروي، لعدم وجود (تصريح) إقامة له في السليمانية" عن أنه بالفعل "لا يحمل أوراق إقامة في إقليم كردستان ولا علاقة له بالنشاط السياسي".
من جهته، أكّد "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الإيراني، أن خسروي أحد أعضائه، لافتا النظر إلى أنه استُدعي مرتين من جانب "الأسايش" قبل "اعتقاله وتسليمه إلى مديرية الاستخبارات الإيرانية".
وأشار الحزب خلال بيانه في 8 سبتمبر/أيلول 2024، إلى أن الناشط "حاصل مع والدته وشقيقته على تصريح إقامة في السليمانية، وكانت إقامتهم في المدينة قانونية ويعيشون فيها منذ أكثر من 10 سنوات".
وأشار إلى أن الرجل "مسجّلٌ كلاجئ" لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في إقليم كردستان العراق، و"لديه حق اللجوء بوصفه لاجئا سياسيا يعيش في إقليم كردستان".
والحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، هو أقدم حزب كردي إيراني تأسس عام 1945، وأن طهران ترى أنه وأحزابا أخرى تتمركز منذ عقود في كردستان العراق، الذي يحظى بحكم ذاتي، منظمات "إرهابية" تتهمها بشنّ هجمات على أراضيها.
وقبل تسليم خسروي، سلمت السلطات العراقية، المعارض الإيراني البارز روح الله زم، إذ كانت بغداد المحطة الأخيرة له قبل أن يختفي هناك ويظهر فجأة في طهران بعدها بفترة وجيزة وتعلن السلطات الإيرانية اعتقاله في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.
ولم تشر طهران إلى مكان حدوث عملية الاعتقال أو تاريخها، لكن معارضين إيرانيين تحدثوا عن حصولها في مطار بغداد بمجرد أن وطأ زم أرض العراق قادما من الأردن.
ونقل موقع قناة "الحرة" الأميركية عن حسن راضي، مدير مركز "الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية" المعارض، قوله إن اعتقال زم تم بعد استدراجه من قبل المخابرات الإيرانية وإيهامه أن المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني يرغب بلقائه.
وأضاف راضي أن "زم أعطي ضمانات بأنه سيقابل السيستاني بشكل سري في منزله في النجف بوصفه صحفيا بارزا وينشر قضايا حساسة وكبيرة من داخل أروقة النظام الإيراني".
وفي 12 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أعدمت السلطات الإيرانية "زم" شنقا، بعدما أدانته طهران بـ"معاداة الثورة" وضلوعه في موجة احتجاجات ضد طهران في عام 2017.
وكان زم، وهو ابن لرجل الدين الشيعي الإصلاحي محمد علي، يرأس قناة (أمد نيوز) التي حظيت بمتابعة أكثر من مليون شخص على "تليغرام" قبل أن يوقفها التطبيق نفسه عام 2018 بعد أن وجهت إليها إيران الاتهام بإطلاق دعوات للعنف خلال الاحتجاجات الشعبية.

رائحة الطائفية
ورغم أن عمليات تسليم المعارضين تأتي مخالفة للقوانين العراقية، وحتى إنها منافية لعمل الشرطة الدولية (الإنتربول)، والتي تذرعت بها بغداد في عملية تسليم سلمان الخالدي، لكن مقربا من رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ألمح إلى بعد طائفي في قضية الخالدي.
وحسب القانون الدستور العراقي، فإن المادة 21 / ثانيا تنص على منع تسليم اللاجئ السياسي في العراق لسلطات بلاده، إضافة إلى أن قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 358 يمنع تسليم المطلوبين بتهم سياسية إلى بلدانهم أو البلدان التي فروا منها.
أما عمل الشرطة الدولية (الإنتربول) والتي تشارك فيها 195 دولة حول العالم، فهو ملاحقة المتهمين بقضايا جنائية (قتل، فساد، اتجار بالبشر، إرهاب، وغيرها من القضايا) ولا تقبل التدخل في قضايا سياسية بالمطلق، سواء كانت معارضة أو آراء سياسية.
كما أن الشرطة الدولية لا تجبر الدول على تسليم المطلوبين في القضايا التي تتعامل معها، على تقدير أن هذا الأمر يتعلق بالقوانين المحلية للبلدان التي تستضيفهم، وهذا يفسر عدم تسليم بريطانيا للخالدي الذي يقيم على أراضيها منذ عامين بصفته لاجئا سياسيا.
وعند سؤاله عن سبب تسليم الخالدي، رغم أن الطبقة الحاكمة في العراق معظمها من اللاجئين السياسيين السابقين، قال بهاء الأعرجي نائب رئيس الوزراء العراقي الأسبق، المقرب من السوداني، إن "المعارض الكويتي، ليس لاجئا سياسيا في العراق حتى لا يسلمه".
وفي لهجة طائفية، رد الأعرجي على المتعاطفين من البرلمانيين العراقيين مع الخالدي، بالقول: “هذا الشخص لديه مقاطع فيديو يهاجم فيها زعيم حزب الله اللبناني السابق حسن نصر الله، ويتكلم ضده، هل هذا يرضيكم؟”، حسبما ذكر خلال مقابلة تلفزيونية في 6 يناير/كانون الثاني 2025.
وتقدمت نيسان الزاير، عضو لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، بطلب رسمي في 4 يناير/كانون الثاني 2025، لاستجواب وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، على خلفية تسليم الخالدي إلى سلطات بلاده.
وعدت البرلمانية الشيعية، هذا الإجراء "مخالفا للدستور العراقي، لا سيما المادة (21/ثانيا)، التي تمنع تسليم اللاجئين السياسيين إلى أي دولة"، مؤكدة أن “تسليم الخالدي يمثل انتهاكا للمعايير الدستورية والإنسانية”.

الكيل بمكيالين
ورأى مراقبون عراقيون أن السلطات الحاكمة في العراق، تتعامل بتمييز طائفي في هذا الملف، فبينما ذهبت إلى إبعاد الخالدي واثنين من المعارضين الإيرانيين، لكنها تجيز لجماعة الحوثي اليمنية بفتح مقر لها في بغداد، رغم أنها مصنفة على لوائح الإرهاب من الحكومة الشرعية اليمنية وكذلك الولايات المتحدة الأميركية.
وأشار المراقبون إلى الشخصيات الشيعية البحرينية المعارضة، والتي توجد في النجف وبغداد، ولم تُقدم الحكومة العراقية على تسليم أي منهم إلى سلطات بلادهم، خلافا لما يجرى مع المعارضين الإيرانيين وغيرهم.
وتعليقا على ذلك، قال رئيس "المركز العراقي" للدراسات الإستراتيجية، غازي فيصل السكوتي إن "موضوع تسليم المجرمين والمحكومين من العراق إلى البلدان الأخرى أو العكس، يخضع لطبيعة الاتفاقيات الثنائية بين الدول".
وأوضح السفير العراقي الأسبق لدى فرنسا في حديث لـ"الاستقلال" أنه "من المؤكد أن تسليم الكويتي سلمان الخالدي إلى بلاده، جاء من ناحية مبدئية طبقا للاتفاقيات المعقودة في هذا الصدد بين بغداد والكويت".
وفيما يتعلق باستضافة المعارضين البحرينيين وجماعة الحوثي اليمنية في العراق، قال السكوتي إن "هذا الأمر يُعد تدخلا خطيرا في الشأن الداخلي البحريني. كذلك الحال، فإن عقد تحالفات مع الحوثيين وإيواء قياداتهم والمساهمة بدعمهم بمختلف الأشكال يعد مخالفا للشؤون السيادية لليمن، الذي يعاني من مشكلات داخلية خطيرة منذ انقلاب الحوثي على السلطة الشرعية والدستورية عام 2014".
وأعرب الدبلوماسي العراقي الأسبق عن اعتقاده بأن تعامل العراق مع هذا الملف يأخذ جانبين، الأول: "إذا كان الموقف يتطابق مع اتفاقيات معقودة بين البلدين، فمن المؤكد أن تسليم المجرمين والمحكومين والملاحقين من سلطات الدولة الأخرى، يأتي طبقا لهذه الاتفاقيات".
أما الجانب الثاني، بحسب السكوتي، فإنه "إذا كان إيواء قوى مسلحة معارضة لبلدان عربية أو غيرها، فمن المؤكد هذا يعد تدخلا في الشؤون السيادية للدول الأخرى، ويُعرّض مصالح العراق وعلاقاته مع هذه الدول إلى مشكلات ومخاطر كثيرة".
وفي 22 ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعلن ما يسمى "ائتلاف شباب ثورة 14 فبراير" في البحرين تأسيس المكتب السياسي للائتلاف في العاصمة العراقية، وذلك خلال مؤتمر عقد في بغداد حضرته شخصيات سياسية عراقية.
وظهر هذا الائتلاف في البحرين عام 2011 عندما دعا إلى مظاهرات يومية ضد الحكومة للمطالبة بالديمقراطية، ولكن المنامة صنفته منظمة إرهابية -كما فعلت كل من السعودية والإمارات ومصر- بعد مقتل واعتقال متظاهرين عام 2017.
وفي 3 يناير/كانون الثاني 2025، نقل موقع "أمواج ميديا" البريطاني عن مصدر مطلع في مكتب رئيس الوزراء العراقي (لم يسمه) أن "أحزاب المعارضة الشيعية من دول الخليج العربية بدأت تتجه نحو العراق منذ عام 2013".
وذكر تقرير الموقع البريطاني أن "العملية بدأت بعد أن أرسل رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي (2006 إلى 2014) مبعوثين للتنسيق مع قوى المعارضة السعودية في لندن وباريس، بمساعدة مؤسسات إسلامية محلية".
وحسب التقرير، فإن "الاجتماعات جرت تحت إشراف دبلوماسيين عراقيين وإيرانيين أخذوا على عاتقهم بشكل جماعي إنشاء مجموعات معارضة خليجية عربية سرية في العراق".
المصادر
- هل خالف العراق الأعراف والقوانين بتسليم المعارض الكويتي سلمان الخالدي؟
- من هو سلمان الخالدي؟.. وزير داخلية الكويت تسلّمه بنفسه من العراق
- طلب نيابي لاستجواب وزير الداخلية العراقي بشأن تسليم المعارض الكويتي
- الجيش.. حصر السل!ح يغلب حديث العيد - من الأخير
- روح الله زم.. من بغداد إلى المشنقة في إيران بعد "خدعة لقاء السيستاني"
- تسليم معارض كويتي إلى سلطات بلاده يثير جدلاً في العراق
- كردستان العراق يسلّم طهران ناشطاً كردياً إيرانياً
- ائتلاف بحريني معارض يؤسس مكتبه السياسي في بغداد
- تحليل معمق: العراق يبرز كملاذ آمن للمعارضين الشيعة القادمين من دول الخليج العربية