صلاح عمر العلي.. سياسي عراقي يرحل بعد عمر مديد عارض فيه صدام والأميركان

يوسف العلي | 4 months ago

12

طباعة

مشاركة

"رفيق صدام، وزير سابق، معارض بارز"، العديد من الألقاب التي أطلقت على السياسي، عضو قيادة قطر العراق لحزب البعث، صلاح عمر العلي، الذي طالما تردد اسمه إذا ذكرت قوى المعارضة في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، بعدما كان من أبرز المقربين منه.

وفي فجر يوم 27 مايو/ أيار 2024 أعلن زياد، نجل صلاح عمر العلي، وفاة والده في مدينة إسطنبول عن عمر ناهز الـ86 عاما، بعد مسيرة طويلة قضاها ثائرا وسياسيا ووزيرا ودبلوماسيا، ثم معارضا عنيدا للظلم سواء قبل الاحتلال الأميركي عام 2003 أو بعده.

قيادي ثوري 

صلاح عمر العلي ولد في 17 يوليو 1938، بمدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين شمال العراق، أكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، ثم انتقل إلى العاصمة بغداد، وحصل على شهادة البكالوريوس من كلية الحقوق من جامعة بغداد.

ينتمي العلي إلى عشيرة الشياشية التكريتية، وكان والده عمر مالكا صغيرا للأراضي شارك في الإنتاج الزراعي للبلاد، لكنه ابتعد عن مهنة الزراعة، واختار طريق العمل السياسي منذ شبابه.

في حقبة الخمسينيات، كان الحزبان السياسيان الرئيسان اللذان كانا شائعين بين الشباب العراقي هما الحزب الشيوعي وحزب البعث، وفضّل العلي الانضمام إلى الأخير، وولّد نشاطه قدرا معينا من العداء من الحكومة.

وعمل صلاح العلي ابن مدينة تكريت، موظفا في البلديات بمدينة الناصرية محافظة ذي قار جنوب العراق، من عام 1959 ولغاية عام 1962، ويرتبط بعلاقات واسعة مع العديد من نخبها السياسية والاجتماعية.

لكن من أبرز محطات حياته، مشاركته في انقلاب القصر على الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف، والذي لم يرق فيه أي دماء، وكان هو مبعوثا لقائد الانقلاب آنذاك أحمد حسن البكر، الذي أصبح رئيسا للبلاد بعدها، ثم تنفيذه أوامر الإطاحة برئيس الوزراء عبد الرزاق النايف.

ويروي العلي خلال مقابلة تلفزيونية عام 2013، ما حصل في فجر  يوم 17 يونيو/ تموز 1968، أنه كان أحد الأفراد الذين قادوا كتيبة الدبابات التي طوّقت القصر الجمهوري في بغداد، الذي يقطنه الرئيس العراقي الراحل عبد الرحمن عارف، بعدما تولى رئاسة البلاد لمدة عامين خلفا لأخيه عبد السلام.

وأوضح العلي أنه شارك في التخطيط والتنفيذ للانقلاب الذي قام به البعث على حكم عبدالرحمن عارف في 17 يونيو عام 1968، وكُلِّف باصطحاب الرئيس المطاح به من القصر الجمهوري إلى المطار، إذ ذهب الأخير إلى المنفى الاختياري في تركيا.

في الثلاثين من يونيو عام 1968 قام صلاح عمر العلي مع صدام حسين باعتقال رئيس الوزراء عبدالرحمن النايف أثناء وجوده في مكتب الرئيس أحمد حسن البكر بترتيب مسبق مع الأخير، بتهمة التآمر على الحزب والثورة، ثم أصبح الحكم خالصا للبعث بعد ذلك.

وظهر صلاح عمر العلي على شاشات التلفزيون مع صدام حسين واثنين من رفاقه، وهم فريق التنفيذ، الذي أطاح بالنايف، واقتياده إلى الطائرة الخاصة التي أقلته إلى كندا.

وزير ودبلوماسي

وبعد هذه الأحداث عُين “العلي” عضوا في أعلى جهة حزبية تتصرف بالبلاد، وهو مجلس قيادة الثورة العراقية، الذي تشكله مجموعة من ستة مسؤولين بارزين في حزب البعث العربي الاشتراكي العراقي، والذين يتمتعون بسلطة تنفيذية مشتركة في جميع أنحاء البلاد. 

وفي حينها، شغل كل عضو من أعضاء "مجلس قيادة الثورة" مناصب حكومية، وتولى صلاح عمر العلي منصب وزير الثقافة والإعلام، وبذلك صار مسؤولا عن الشؤون الثقافية وإدارة الحملة الإعلامية الرسمية للدولة.

بقي العلي يجمع بين عضوية مجلس قيادة الثورة العراقية ووزير الثقافة والإعلام العراقي من 1968 إلى 1970، حتى جرى تعيينه سفيرا في السويد وإسبانيا والأمم المتحدة من 1973 إلى 1979.

لكن خلال المدة التي تولى فيها منصب وزير، حصل عدد من الاختلافات بين العلي وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة دفعه للاستقالة من منصبه الحكومي في عام 1970، واختار المنفى في مصر، ثم بعد مدة قصيرة انتقل للعيش  في لبنان حتى عام 1973.

وكان أصل الخلاف اعتراض العلي على تعذيب شخصيات سياسية جرى اعتقالها، وهي تنتمي للمرحلة التي سبقت تولي البعث السلطة في البلاد، وأبدى تذمرا لما يسمعه من أساليب تعذيب بشعة بحقهم.

وفي عام 1973، قررت سلطات حزب البعث التواصل مع المنشقين وإعادتهم إلى العراق ومنهم العلي، فبعد مدة وجيزة من وصوله إلى بغداد، عرض عليه تولي منصب سفير في السويد، وبعدما رفض ذلك في بداية الأمر أصر صدام حسين، وكان نائبا للرئيس، على ذلك، ثم تولى المنصب حتى عام 1976.

ثم شغل العلي منصب سفير لدى إسبانيا في الفترة من 1976 إلى 1978، وبعدها عين بمنصب ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة في نيويورك، من 1978 إلى 1981.

معارض بارز

مع تنحي أحمد حسن البكر عن رئاسة العراق، والذي كانت تربطه علاقة قوية به، وتولي صدام حسين المنصب في عام 1979، بدأت بوادر الذهاب إلى المعارضة تتشكل لدى صلاح العلي.

وتظهر أولى تلك البوادر في حضور صدام حسين في سبتمبر/ أيلول 1979 مؤتمر حركة عدم الانحياز في كوبا، الذي حضره العلي أيضا، والتقى بممثلي جمهورية إيران الإسلامية الجديدة، بعد الإطاحة بحكم الشاه.

وعن لقاء صدام حسين بوزير خارجية إيران إبراهيم يزدي، قال العلي: في هذا الوقت كانت هناك مشاكل كثيرة بين العراق وإيران وبدأت عمليات تفجير واستفزازات على الحدود بين البلدين وخطف بعض المخافر الحدودية، وتفجيرات في بعض المدن العراقية.

وأشار العلي إلى طلب يزدي مقابلة صدام حسين خلال قمة عدم الانحياز في كوبا، موضحا أنه أبلغ وزير الخارجية العراقي سعدون حمادي، إلا أن الأخير رفض أن يتحدث مع صدام في هذا الأمر، واضطر العلي إلى التحدث إليه ووافق على المقابلة.

وأكد العلي أن المقابلة تمت بين صدام ويزدي، وأن الأخير كان يريد بكل الطرق إنهاء الأزمة بين البلدين، كما أن الأول كان حديثه أيضا إيجابيا، وكان دبلوماسيا ومتجاوبا مع أفكار يزدي إلى الدرجة التي اتفق الطرفين على البدء في تبادل الوفود.

وعن شخصية صدام، قال العلي، إن صدام حسين كأنه يملك شخصيتين في جسد واحد، دبلوماسي، دمث الأخلاق، مؤدب، راقٍ في علاقاته وفي لحظة أخرى يتحول إلى وحش كاسر، معقد، غامض جدا، لا يمكن أن تفهم حقيقة نواياه أبدا، يظهر عكس ما يبطن.

وبعد عام واحد اندلعت الحرب الإيرانية العراقية وكان العلي من أشد المعارضين لها، بعد بضعة أشهر منها استقال من منصبه ممثلا دائما في الأمم المتحدة، ونتيجة لهذا القرار منع من العودة إلى وطنه ولم يتمكن من زيارته إلا بعد احتلال العراق عام 2003.

بعد حرب الخليج الثانية عام 1991، قرر العلي الانضمام رسميا إلى المعارضة العراقية ومع إياد علاوي شكل حزب "الوفاق"، وحضر العديد من مؤتمرات المعارضة في بريطانيا وغيرها من البلدان، كأحد أبرز الشخصيات المطالبة برحيل نظام صدام حسين.

وأصدر العلي صحيفة سياسية أسبوعية من لندن أطلق عليها اسم "بغداد"، اعتمدت خطا وطنيا ومعاديا للرئيس العراقي الراحل صدام حسين، ورفضت أي نفوذ أجنبي في البلاد وعارضت بشدة العقوبات الدولية التي فرضها المجتمع الدولي على العراق.

مع بدء الحرب الأميركية على العراق في مارس/ آذار 2003، أجرى العلي مقابلة في عدد من المناسبات على قناة "الجزيرة" القطرية، أدان فيها غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة وحكومة صدام حسين. 

مع بدايات الاحتلال الأميركي للعراق، دخل العلي البلاد عبر الحدود السورية العراقية وصُوِّرَ هذا الحدث في فيلم وثائقي في قناة "العربية" السعودية، وبُثّ بعد فترة وجيزة من الحرب.

استمر العلي في العيش في بغداد منذ الحرب، وأنشأ صحيفة سياسية أسبوعية جديدة باسم "الوفاق الديمقراطي" وكان هو رئيسا للتحرير، والتي تبنت موقفا مناهضا للاحتلال والطائفية، منذ عددها الأول مطلع عام 2004، والتي دعت فيه إلى تغليب الهوية الوطنية.

لكن بعد عام على إصدار الصحفية، وتحديدا في عام 2005، تدهور الوضع الأمني في عموم العراق، لا سيما العاصمة بغداد التي كانت تشهد تفجيرات بشكل يومي، قرر العلي مغادرة البلاد مرة ثانية واستقر في الخارج حتى وافته المنية في إسطنبول.