"غوانتانامو" إسرائيلي.. ماذا تعرف عن سجن "سدي تيمان" لتعذيب معتقلي غزة؟

12

طباعة

مشاركة

لا يكتفي الاحتلال الإسرائيلي بإبادة أبناء الشعب الفلسطيني في غزة بالقنابل والصواريخ، ولكنه يقتل من ينجو منهم باعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت في سجن خاص بناه الاحتلال في الصحراء.

وهو على غرار نظيره الأميركي سيئ السمعة، "غوانتانامو"، أو "أبو غريب" الذي عذب فيه الاحتلال الأميركي العراقيين في بغداد.

أبشع سجن

ومطلع يونيو/حزيران 2024، كشف جيش الاحتلال عن استشهاد 36 معتقلا من غزة في مراكز الاحتجاز الإسرائيلية، منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

الشهداء كانوا ضمن حوالي 4000 فلسطيني اعتقلتهم قوات الاحتلال في أكبر مركز اعتقال يُسمي "سدي تيمان" Sde Teiman، منذ 7 أكتوبر، وتقول جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية إن المعتقلين به "يعانون التعذيب والموت".

معتقل "سدي تيمان"، الملحق به مستشفى عسكري صحراوي لعلاج الأسرى المصابين أو سرقة أعضائهم، بمثابة "غوانتانامو الإسرائيلي" على غرار نظير الأميركي الشهير.

وبسبب التعتيم الإسرائيلي لا يُعرف ما يجري داخله، إلا من خلال من تم الإفراج عنهم ووصلوا إلى غزة شبه ميتين من التعذيب والمعاملة القاسية، أو أطباء وجنود إسرائيليين كانوا يحكون عما يفعلونه هناك.

شهادات هؤلاء التي نشرتها وسائل إعلام غربية أو جماعات حقوقية، أظهرت أن الأسرى الفلسطينيين مقيدون ومعصوبو الأعين داخل خيم هذا السجن في الصحراء، والعمليات الجراحية تجرى لهم دون مسكنات كافية.

وبدأ الكشف عن “غوانتانامو الإسرائيلي” حين كتب "المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان"، ومقره جنيف في 31 أكتوبر 2023 يكشف الجرائم التي تجرى داخله.

المرصد أكد أنه وثق "عمليات تنكيل وتعذيب شديدة من جيش الاحتلال بحق معتقلين فلسطينيين وانتهاكات صارخة بحقهم، ومنع الصحفيين واللجنة الدولية للصليب الأحمر من دخوله.

لاحقا، بدأت صحيفة "هآرتس" العبرية في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، تنشر تسريبات عما يجري في هذا المعتقل من أهوال.

وكشفت أن مئات المعتقلين الفلسطينيين من غزة، يظلون معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي لأسابيع، ويتعرضون للعنف والعقاب الذي ينفذه جنود الاحتلال وفق أهوائهم، في المعتقل الذي قالت إن اسمه "سدي تيمان".

ونقلت عن جندي يعمل في المعتقل الصحراوي أن المعتقلين الفلسطينيين ينامون على الأرض، مكبلين، في مكان تفوح منه الروائح الكريهة، ويجبرون على ارتداء “حفاظات” لمنعهم من دخول الحمامات.

وأكد أن المعتقلين المرضى حتى في مستشفى المعتقل يتعرضون لظروف مزرية، وكثيرا ما أصيبت جروحهم بالالتهابات.

وأشار إلى أن رجلا مُسنا أخضعه الإسرائيليون لعملية جراحية في ساقه دون تناول مسكنات الألم، وقد "كان يصرخ ويرتعش".

ممارسات سيئة

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، مطلع يونيو 2024 عن طبيب التخدير الإسرائيلي "دونشين"، دفاعه عن المعتقل والمستشفى العسكري الملحق به، ونفيه سوء المعاملة، واعترافه مع ذلك ببعض الممارسات السيئة داخله.

وقال إن معظم المرضى يرتدون الحفاظات ولا يُسمح لهم باستخدام الحمام، ومقيدون حول أذرعهم وأرجلهم ومعصوبو الأعين، "أعينهم مغطاة طوال الوقت، ولا أعرف ما هو السبب الأمني في ذلك".

ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" عن ثلاثة إسرائيليين عملوا في المستشفى تأكيدهم أن المرضى يرقدون هناك مكبلي الأيدي ومعصوبي الأعين، فيما يتم إجراء العمليات الجراحية بدون مسكنات ألم كافية، وهي روايات أكدها أيضا عاملون في مجال حقوق الإنسان.

وفندت الوكالة الأميركية زعم إسرائيل أنها تحتجز فقط النشطاء الفلسطينيين المشتبه بهم، مؤكده أنها تحققت من أن العديد من المرضى هم من غير المسلحين الذين تم أسرهم خلال المداهمات، واحتجازهم دون محاكمة.

ونقلت عن طبيب في مستشفى سدي تيمان الملحق بالمعتقل أن الظروف في المنشأة "يمكن أن تضر بصحة السجناء وتجعل الحكومة الإسرائيلية تنتهك القانون".

وقال الطبيب: "في أسبوع واحد فقط، بترت ساقي سجينين بسبب إصابات بالأصفاد الحديدية التي يرتدونها منذ اعتقالهم، وهو أمر روتيني للأسف".

وكشف طبيب آخر يعمل في علاج الفلسطينيين المعتقلين في قاعدة "سدي تيمان" العسكرية، لصحيفة "هآرتس" في 7 أبريل/ نيسان 2024، عن "ظروف مؤسفة" تحيط بعمليات بتر "روتينية" لسجناء بسبب الأصفاد.

الطبيب وصف في رسالة إلى النائب العام، ووزيري الدفاع والصحة الإسرائيليين، تلك الظروف التي يتعرض لها السجناء بأنها "تنتهك" أخلاقيات المهنة.

ووصف الطبيب في تقريره ما يجري للمعتقلين وحالات الوفاة بينهم بسبب الإهمال الطبي أن ذلك "يجعلنا كطواقم طبية، وأنتم أيها المسؤولون في وزارتي الصحة والدفاع، متواطئين في مخالفة القانون الإنساني".

ونشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 13 مارس/آذار 2024 شهادات معتقلين فلسطينيين سابقين في “غوانتانامو الإسرائيلي”.

وقال بعضهم إن قوات الاحتلال أجبرتهم على الركوع لمدد تصل إلى 20 ساعة، والوقوف بأوضاع جسدية صعبة، بالإضافة إلى ركلهم وضربهم والاعتداء عليهم.

وأكدوا أن جنود الاحتلال يأمرون المعتقلين بـ"عدم التحرك، أو الجلوس في وضع مستقيم، أو الحديث، أو حتى إلقاء نظرة خاطفة من تحت غطاء العين"، وإلا تعرضوا لعقاب وتعذيب شديد.

معتقل غامض

وتحدثت “وول ستريت جورنال” مع أكثر من 10 معتقلين سابقين في السجون الإسرائيلية، بينهم بهاء أبو ركبة (24 عاما)، المسعف في الهلال الأحمر الفلسطيني، الذي قال إنه تعرض للضرب المتكرر بأعقاب البنادق والركل في الفخذ.

ووصف بعضهم تعرضهم لاعتداءات جسدية على أيدي القوات الإسرائيلية، والحرمان من النوم إلا لمدة 4 ساعات يوميا، دون أسرة أو أغطية لهم.

وقال العديد من الفلسطينيين الذين تحدثوا إلى صحيفة وول ستريت جورنال إن القوات الإسرائيلية اعتقلتهم في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول 2023، عندما كان مئات الآلاف ينتقلون إلى جنوب القطاع بعد الأوامر الإسرائيلية بالإخلاء.

وظهر هؤلاء المعتقلون وهم عرايا، فيما زعم الاحتلال أنه يأمرهم بخلع ملابسهم للتأكد من أنهم لا يحملون متفجرات أو أسلحة أخرى.

ومن بين المعتقلين الآخرين الذين تحدثت إليهم الصحيفة، محمد عبيد، الذي قال إن الجنود الإسرائيليين أمروه تحت تهديد السلاح بخلع ملابسه وقاموا بتقييد يديه وقدميه بأربطة مضغوطة، وحملوه في حافلة مع معتقلين آخرين، وتم استجوابه لمدة ست ساعات بينما كانت يداه مقيدتين بالسقف.

وأخذه المحققون الإسرائيليون في اليوم التالي إلى غرفة وسألوه عن مكان تواجده يوم 7 أكتوبر (عملية طوفان الأقصى)، ومواقع الرهائن الإسرائيليين، وأنفاق حركة “حماس”، ومواقع الصواريخ، بينما تناوبوا على لكمه في وجهه.

وبعد الاستجواب، أمروه بمسح الدماء من على وجهه والوقوف أمام العلم الإسرائيلي لالتقاط صورة له، ثم أطلق سراحه دون توجيه اتهامات إليه، بعد 40 يوما من الاحتجاز.

وقالت هبة (40 عاما) إنها اعتقلت أوائل ديسمبر، أثناء الاستجواب سُئلت عن سكان الحي الذي تسكن فيه وعن مكان وجود قادة حماس والرهائن الإسرائيليين.

وقالت: "لقد هددوني بصعقي بالكهرباء وعندما أعادونا إلى الزنزانة، كانوا يربطون أيدينا وأرجلنا".

وكان تقرير سابق لشبكة "سي إن إن" نقل 11 مايو/أيار 2024 عمن أسماهم "مخبرين إسرائيليين" تأكيدهم أن الفلسطينيين داخل "معتقل إسرائيلي غامض في الصحراء"، يعيشون "مقيدين ومعصوبي الأعين ويرتدون حفاظات".

ورسم هؤلاء “صورة مرعبة وقاسية وغير إنسانية” لما يحدث في مركز الاعتقال هذا.

وقالوا إن "الأطباء الإسرائيليين (غير المؤهلين) الملحقين بمستشفى المعتقل يقومون ببتر أطراف السجناء بسبب إصابات ناجمة عن تكبيل أيديهم المستمر".

مجزرة "سدي تيمان"

وتقول صحف عبرية إنه تم إنشاء هذا المعتقل قرب مدينة بئر السبع جنوب إسرائيل في الصحراء، في قاعدة عسكرية، عقب هجوم حماس في 7 أكتوبر.

ووصفته شبكة "سي إن إن" الأميركية في 11 مايو/أيار 2024 بأنه "مركز اعتقال غامض" في إسرائيل، وكان قاعدة عسكرية في صحراء النقب، يبعد عن غزة حوالي 18 ميلا (28.9 كلم).

ومعتقل "سدي تيمان"، مقسم إلى قسمين، "سجن" يتم فيه احتجاز المعتقلين تحت ظروف شديدة، و"مستشفى" يتم ربط المعتقلين المصابين فيه إلى أسرتهم، ويرتدون الحفاظات وتتم تغذيتهم عن طريق أنابيب خاصة.

وتم إلحاق المستشفى العسكري بالسجن لعلاج من أصابهم الاحتلال، لأن المستشفيات المدنية الإسرائيلية رفضت علاج معتقلي غزة.

وكشفت صحف أجنبية في مارس 2024 أن صور أقمار صناعية حديثة كشفت توسعا غير مسبوق في معتقل "سدي تيمان" التابع للقيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي، والذي كان قاعدة جوية تقع بين مستوطنة بئر شيفع (بئر السبع) وقطاع غزة.

وأكدت أن لقطات الأقمار الصناعية أظهرت عددا من المباني الجديدة بالإضافة لما يشبه خياما ضخمة (حظائر) بأماكن مختلفة في القاعدة التي تغير شكلها وتحولت من معسكر وقاعدة جوية إلى ما وصفته جهات حقوقية بـ"غوانتانامو إسرائيل".

وتقول جماعات حقوق الإنسان ومنتقدون آخرون إن "ما بدا كمكان مؤقت للاحتجاز والعلاج تحول إلى مركز احتجاز قاس لا يخضع إلا لقليل من المساءلة".

وأكدت "منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان" الإسرائيلية أن من أعلن الجيش الإسرائيلي وفاتهم من معتقلي السجن وعددهم 36 فلسطينيا من غزة "ماتوا بسبب الإهمال الطبي".

وقال المدير التنفيذي للجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل، تال شتاينر، إن بعض الفلسطينيين "محتجزون بمعزل عن العالم الخارجي، دون الحق في الاستعانة بمحام، ولا التواصل مع أسرهم".

وفي أبريل 2024، عرضت منظمة "أطباء من أجل حقوق الإنسان" تقريرا تحدثت فيه عن الجرائم الأخلاقية في "سدي تيمان"، والأضرار الصحية التي تلحق بالمعتقلين نتيجة لظروف الاعتقال والتي قد تؤدي إلى "تلف الأعصاب" تماما.

وقالت المنظمة إن "ما يحصل في سدي تيمان عموما، وفيما يتعلق بالعلاج الطبي المقدم للمحتجزين في ذلك المعسكر، يعكس نقطة تدني غير مسبوقة للأخلاقيات والمعايير الطبية المقبولة".

وفي فبراير/شباط 2024، ومع تزايد نشر وسائل إعلام غربية ما يجري داخل المعتقل من جرائم، قامت لجنة الأخلاقيات الطبية المكونة من ممثلين عن وزارة الصحة والنقابة الطبية الإسرائيلية وإدارات المستشفيات بزيارة سدي تيمان.

وقالوا إنهم اطلعوا على تقارير من الطاقم الطبي في المنشأة بأنهم يواجهون "مشاكل أخلاقية"، رغم أن اللجنة لم تنشر نتائجها بعد.

إلا أن مصدرا زار القاعدة قال لصحيفة "هآرتس": “هذه هي بالطبع نفس ظروف معتقل سجن أبو غريب في العراق”.

إساءة مفرطة

واعترف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، خلال مؤتمر صحفي في مايو 2024 بوجود هذا المعتقل سيئ السمعة.

وقال كيربي إن "البيت الأبيض يشعر بقلق عميق بسبب تقارير حول سوء معاملة المعتقلين"، مشيرا إلى أن واشنطن "بصدد طرح أسئلة على المسؤولين الإسرائيليين".

واضطرت المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية يفعات تومر يروشالمي للاعتراف في مايو 2024 بأنه "يتم التحقيق مع بعض الجنود بسبب إساءة معاملة السجناء والاستخدام المفرط للقوة".

لكن موقع "973+" العبري أوضح أن “حكومة بنيامين نتنياهو أمضت شهورا في خلق حصانة قانونية لمواقع مثل سدي تيمان”.

وأقر الكنيست تعديلا على "قانون سجن المقاتلين غير الشرعيين"، إلى جانب أنظمة طوارئ جديدة أخرى، تمنح صلاحيات واسعة لاحتجاز السجناء دون قدر كبير من الرقابة أو الإجراءات القانونية الواجبة.

وفقا للتعديل الجديد، الذي تم إقراره ليصبح قانونا في 18 ديسمبر 2023، يجوز احتجاز الشخص لمدة 45 يوما دون أمر قضائي، واحتجازه دون مراجعة قضائية بشأن قضيته لمدة 75 يوما، وحرمانه من الاجتماع مع محام لمدة 180 يوما. 

وأوضح الموقع أن "الأثر التراكمي لهذه الأنظمة هو أنه يمكن أن يتعرض الشخص للتعذيب، وحتى الموت، دون أن يعلم أحد باعتقاله أو ظروف ومكان سجنه".

وبحسب تقرير مصلحة السجون ربع السنوي، حتى مارس 2024، احتجزت مصلحة السجون 829 معتقلا (828 رجلا وامرأة واحدة) بموجب قانون سجن "المقاتلين غير الشرعيين".

ومنذ ذلك الحين، أفادت التقارير أن عدد المعتقلين في غزة ارتفع بنسبة 150 بالمئة. 

وبحلول مارس، وفقا لمصلحة السجون الإسرائيلية، وصل عدد المعتقلين الفلسطينيين الذين تم تعريفهم على أنهم "سجناء أمنيون" إلى أكثر من 9 آلاف، بينهم 3 آلاف و582 معتقلا إداريا، محتجزون دون تهمة أو محاكمة.

يذكر أن القانون القانوني الإسرائيلي لا يحظر التعذيب صراحة، ورغم توقيعها والتصديق على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، فقد امتنعت إسرائيل عن إصدار تشريع يعرف التعذيب كجريمة ويحدد عقوبة مرتكبيه.