سياسات طائفية.. كيف يزج وزير التعليم العراقي كتب الشيعة بمناهج الجامعات؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

يحاول وزير التعليم العالي والبحث العلمي في العراق، نعيم العبودي، فرض سياساته الطائفية في مناهج الكليات الشرعية، لا سيما تلك التي تتعلق بأصول الدين، بعد منع الترضي عن صحابة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذكر أقوال وأسماء عدد من العلماء.

تولي العبودي حقيبة التعليم العالي أثار جدلا واسعا في الأوساط الشعبية والأكاديمية العراقية، لكونه قبل ذلك قياديا ومتحدثا باسم مليشيا "عصائب أهل الحق" الشيعية الموالية لإيران، التي يرأسها قيس الخزعلي والمدرجة على لوائح الإرهاب الأميركية.

تشرّفت اليوم بمسؤوليّة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق. مع شكري لكلّ من وثق بحملي هذه الأمانة، أسأل الله أن أكون عند حسن ظنّ الجميع، وعيني على تلك الكوادر العظيمة من الأساتذة الكبار خبراء العمل الأكاديمي، لنكون معًا في هذه الرّحلة التي تحتاج إلى كلّ كفاءات الوطن..

— نعيم العبودي (@Drnaeemyasir) October 27, 2022

إقحام الشيعة

وفي سابقة لم تحصل ممن تولى إدارة الوزارة قبله من السياسيين الشيعة في مرحلة ما بعد عام 2003، أقدم الوزير العبودي على إلزام اللجنة العلمية في التعليم العالي على تضمين كتب مراجع شيعة في المناهج الدراسية، وتحديدا محمد باقر الصدر، ومحمد محمد صادق الصدر.

وكشف مصدر أكاديمي في إحدى الجامعات العراقية، أن "الوزير أبدى امتعاضه الشديد من امتناع اللجنة العلمية إقرار ما طلبه، وشكّل لجنة برئاسة صلاح الفتلاوي رئيس جهاز الإشراف والتقويم العلمي في وزارة التعليم لمتابعة تنفيذ ما يريده في كليات العلوم الإسلامية".

وأوضح المصدر لـ"الاستقلال"، طالبا عدم الإفصاح عن هويته، أن "وزير التعليم العالي، فرض مفردات من كتابي (فقه الأخلاق) و(الأسرة في الإسلام) للمرجع الشيعي، محمد محمد صادق الصدر، ضمن مناهج الدراسات الأولية الجامعية (البكالوريوس)".

ومحمد محمد صادق الصدر، لقي مصرعه مع نجليه مؤمل ومرتضى، بهجوم مسلح استهدف سيارتهم في مدينة النجف عام 1999، وهو والد زعيم التيار الصدري الحالي، مقتدى، الذي يتهم باستمرار السلطات الأمنية العراقية في عهد صدام حسين بالوقوف وراء عملية الاغتيال.

وأضاف المصدر أن "جرى أيضا، فرض مفردات أخرى من كتابي (دروس في علم الأصول) و(المدرسة الإسلامية) للمرجع الشيعي، محمد باقر الصدر، الذي أعدمته السلطات العراقية في ثمانينيات القرن العشرين".

محمد باقر الصدر، أعدم بتهمة التخابر مع إيران في أبريل/نيسان عام 1980، وذلك قبل ستة أشهر فقط من اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، والتي استمرت حتى عام 1988، وهو مؤسس حزب "الدعوة الإسلامية" الشيعي في العراق، ونجله جعفر هو سفير بغداد الحالي في لندن.

وفي الدراسات العليا (ماجستير، ودكتوراه)، يؤكد المصدر الأكاديمي العراقي، أن "وزير التعليم فرض مفردات تعليمية من كتابي (ما وراء الفقه) و(منة المنان) للمرجع الشيعي، محمد محمد صادق الصدر".

وفي أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلنت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية، المصادقة على أبحاث وكتب المرجعين الدينيين (الشيعيين) محمد باقر الصدر ومحمد صادق الصدر كمقررات جامعية، بعد توصيات من لجنة "إثراء المناهج الدراسية بمصادر وكتب مؤلفين ومفكرين عراقيين".

وتعليقا على ذلك، قال المتحدث باسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حيدر العبودي، إن "قرار وزير التعليم العالي نعيم العبودي إدراج مؤلفات محمد باقر الصدر ومحمد محمد صادق الصدر في الدراسات الجامعية يأتي لترسيخ الدور المرجعي والحوزوي في الدراسات الأكاديمية"، حسبما نقل موقع "العهد" الإخباري العراقي في أكتوبر 2023.

نهج طائفي

ومنذ قدوم العبودي إلى الوزارة، والذي لم يتسلم سابقا أي منصب إداري أو حتى أكاديمي في المؤسسات التعليمية العراقية، بدأت دوائر وجامعات "التعليم العالي والبحث العلمي" تأخذ منحى طائفيا في التعامل مع الرموز الإسلامية، من صحابة وعلماء.  

وقال طالب إحدى الكليات الشرعية في العراق (طلب عدم الكشف عن هويته) لـ"الاستقلال" إن المسؤولين في كليته، منعوا ذكر أسماء أو أقوال عدد من علماء الأمة الإسلامية، تزامنا مع فرضهم منهج محمد الصدر في علم الأصول في الأقسام الشرعية.

وأوضح الطالب أن "العلماء الذين منع تداول أسمائهم أو أقوالهم، هم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وكذلك جلال الدين الرومي وغيرهم الكثير، إضافة إلى منع الترضي عن صحابة رسول الله، وتحديدا الخلفاء الثلاثة (أبوبكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان)".

ولفت إلى أن "موضوع منع الترضي على الصحابة كان في بداية الأمر يعمل به المشرفون الشيعة في الرسائل والأطاريح للدراسات العليا، لكن الأمر تطوّر بعد ذلك ليصل إلى جميع المراحل الأولية (البكالوريوس)، وفرضه ضمن المناهج الدراسية بشكل عام".

وأكد الطالب أن "الجامعات اليوم، تعج فيها المحسوبية والتعامل الطائفي مع الموظفين والطلبة من السنة، كونهم محاربين في مؤسسات وزارة التعليم، ويُعاملونهم على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية، وربما سائق أو موظف خدمة شيعي، نفوذه أكثر عميد كلية أو رئيس قسم سني".

وفي السياق ذاته، قال (أبو عبد الله) الموظف في إحدى الجامعات العراقية ببغداد، إن "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تتعمد إرسال من طالتهم عقوبات تتعلق بالنزاهة أو التلاعب بالقوانين، إلى جامعتنا وتسلمهم مناصب كانت شخصيات سنية تديرها".

وأوضح الموظف أن "سياسة السيطرة الشيعية على مفاصل وزارة التعليم وجميع المؤسسات التابعة لها ماضية على قدم وساق، فهم يعمدون إلى تسلم أقسام مهمة مثل المالية والموارد البشرية والمساعدين الإداريين لرؤساء الجامعات، وذلك للتحكم بالقرارات الإدارية والمالية".

وأشار إلى أن "القليل من عمداء الكليات ورؤساء الجامعات من المكون السني لا يقبلون بهذا الواقع في الوقت الحالي، فالكثير منهم مهمش وليس بيديه أي قرار، أو أنه يرضى أن يكون فاسدا ويقدّم حصصا مالية لمن هم أعلى منه من المسؤولين الشيعة حتى يبقى في منصبه لمدة أطول".

تطهير مستمر

تعرضت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي العراقية إلى هزات طائفية عدة في مرحلة ما بعد عام 2003، وكان من أكثرها مأساوية هي حادثة اختطاف نحو 100 موظف من دائرة البعثات الثقافية في نوفمبر/تشرين الثاني 2006 وسط بغداد، بسيارات حكومية تابعة إلى وزارة الداخلية.

وعلى إثر ذلك، أصدر وزير التعليم العالي عبد ذياب العجيلي في 15 نوفمبر 2006، أمرا بتعطيل الدراسة في الجامعات العراقية "مؤقتا" وإلى حين تحسن الأوضاع الأمنية في البلاد.

وقال العجيلي، وهو وزير سني وعضو في جبهة التوافق السنية آنذاك، إنه كان طلب من وزارتي الداخلية والدفاع توفير حماية أكبر لطاقم وزارته لأنه كانت لديه معلومات أنهم مهددون بهجوم.

وأضاف وزير التعليم العالي أن "ما حدث هو اختراق أمني كبير، خصوصا أن المنطقة التي توجد بها هذه المكاتب تعج بنقاط التفتيش سواء التابعة للشرطة أو للجيش"، مؤكدا أن المسلحين الذين كانوا يرتدون زي الشرطة "زعموا أنهم من العاملين لدى وزارة الداخلية".

وتحدثت تقارير صحفية في وقتها أن أغلب المختطفين من دائرة البعثات هم من المكون السني، باستثناء بعض الأشخاص من الطائفية الشيعية الذين أفرج عنهم بعد ساعات من العملية، فيما فقد أثر الآخرين في حينها.

وفي 22 أكتوبر/تشرين الأول 2012، كشفت صحيفة "المدى" العراقية نقلا عن مسؤول أمني عراقي (لم تكشف هويته) أنه عثر على مقبرة جماعية في منطقة السدة على أطراف مدينة الصدر تعود لموظفين لدائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي اختفوا في 2006.

وأوضح المصدر للصحيفة المحلية أن "قوة أمنية عثرت على 16 جثة دفنت بشكل جماعي في منطقة السدة التابعة لمدينة الصدر في بغداد تعود- بحسب اعترافات أحد المعتقلين- إلى موظفين تابعين لدائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي الذين اختطفوا عام 2006".

ومنذ انتهاء مدة تولي السياسي السني عبد ذياب العجيلي منصبه وزيرا للتعليم العالي والبحث العلمي في العراق، والتي استمرت 4 أعوام بداية من 2006 إلى 2010، لم تمنح الوزارة إلى شخصية سنية أبدا، إذ إنها أصبحت منذ ذلك الحين من حصة المكون الشيعي.