عميد كلية يرفض تكريم طالبة ترتدي كوفية فلسطين.. كيف أثار غضب المغاربة؟

“يبدو أن بعض المسؤولين وخاصة في الجامعات أصبحوا إسرائيليين أكثر من نتنياهو ومن معه”
"طوفان" من الاستهجان والاستنكار قوبل به فعل عميد كلية بمدينة الدار البيضاء المغربية، بعد رفضه تكريم طالبة كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية تضامنا مع أهالي قطاع غزة الذين يتعرضون لـ"الإبادة" الإسرائيلية منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وندد آلاف المغاربة على منصات التواصل الاجتماعي بـ"السلوك الشاذ" للعميد برفضه تكريم الطالبة المتفوقة وتطاوله على الكوفية بمحاولة نزعها منها لتقديم الجائزة، إلا أن إصرار الطالبة على عدم نزعها أثار الثناء والتحية.
إهانة للقيم
وشهدت المدرسة العليا للتكنولوجيا بمدينة الدار البيضاء حدثا لافتا، في 13 يوليو/ تموز 2024، تمثل في رفض عميد الكلية العلوم بجامعة الحسن الثاني، محمد الطالبي، تكريم طالبة متفوقة خلال حفل توزيع الجوائز، لارتدائها الكوفية الفلسطينية، بدعوى أنها تعبر عن "موقف سياسي".
وأثار رفض العميد تكريم الطالبة استياء لدى جميع الحاضرين، خاصة أن هذا الحفل جاء بعد ساعات قليلة من مجزرة جديدة ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مخيم خانيونس بغزة، راح ضحيتها أزيد من 90 شهيدا و300 جريح، نصفهم أطفال ونساء.
وعبّر الحاضرون، من أساتذة وموظفين وطلبة ومدعوين، عن رفضهم الشديد لسلوك العميد، عادّين تصرفه غير مسؤول ويتعارض مع الموقف المغربي الداعم للقضية الفلسطينية، وهو ما اضطر العميد إلى مغادرة حفل توزيع الجوائز، بحسب موقع “العمق المغربي”.
وقالت النقابة المغربية للتعليم العالي والبحث العلمي بـ"المدرسة العليا للتكنولوجيا" (حكومية)، إن "عميد كلية العلوم، رفض تسليم طالبة جائزتها في حفل لتتويج المتفوقين، بسبب ارتدائها الكوفية الفلسطينية".
وأضافت النقابة في بيان نشرته في 14 يوليو، أن "عميد الكلية قال للطالبة، إنها تمارس السياسة، وإن هذا موقف يتعارض مع الموقف الرسمي للبلاد إزاء القضية الفلسطينية".
وأعربت النقابة عن "استنكارها قمع حرية التعبير" من طرف المسؤول الجامعي الذي رأت أنه “استؤمن على تكوين أجيال المستقبل على قيم الحرية والعدالة ومناصرة المستضعفين والاعتزاز بالهوية والانتماء الحضاري”.
بدوره، قال مكتب الطلبة بالمدرسة العليا للتكنولوجيا (هيئة طلابية) إن ما أقدم عليه عميد الكلية "إهانة للقيم الأكاديمية والإنسانية التي تقوم عليها مؤسساتنا التعليمية".
وأضاف المكتب في بيان أن "ارتداء الكوفية الفلسطينية هو تعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وهو حق يكفله الدستور المغربي والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان".
وأكد على ضرورة احترام حقوق الطلاب في التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم "بشكل سلمي وحضاري"، داعيا جميع المسؤولين في المؤسسات التعليمية إلى “الالتزام بمبادئ النزاهة والعدل واحترام حقوق الطلبة”.
كما طالب مكتب الطلبة بإجراء "تحقيق عاجل" في هذه الواقعة واتخاذ "الإجراءات المناسبة" لضمان عدم تكرار مثل هذه التصرفات في المستقبل.
وقال القطاع الطلابي لحزب “التقدم والاشتراكية” (معارض) إنه “تابع بغضب شديد حادثة رفض عميد كلية العلوم توشيح طالبة متفوقة في المدرسة العليا للتكنولوجيا بالدار البيضاء، فقط لأنها كانت ترتدي الكوفية الفلسطينية”.
ورأى في بيان صادر عنه في 15 يوليو أن “هذا التصرف المشين يُمثّل إهانة صارخة للقيم الأكاديمية والإنسانية التي يجب أن تسود مؤسساتنا الجامعية”،
وشدد طلبة الحزب اليساري على أنه “من غير المقبول إطلاقا ربط التفوق الدراسي بالتعبير عن المواقف السياسية، أو معاقبة الطلاب على ممارسة حقهم في التضامن مع قضايا عادلة مثل القضية الفلسطينية”.

متجرد من الإنسانية
وقال الباحث محمد بوزيدان اليدري: “في الوقت الذي تُسطر فيه الجامعات الغربية، أروع الأمثلة في التضامن مع الشعب الفلسطيني، من طرف الطلبة والأساتذة، وأمام الإبادة الذي تتعرض لها غزة، التحقت الجامعات الألمانية بركب المنددين والمتظاهرين، وهي التي كانت في بداية العدوان مع الكيان الصهيوني".
وأضاف اليدري في تدوينة عبر فيسبوك "ومع تزايد التظاهرات في المغرب بشكل شبه يومي، والتي خرجت فيها كل فئات المجتمع من تيارات إسلامية ويسارية وغيرها، منددة بهذه الإبادة العرقية، ومع ارتفاع عدد الشهداء وتوالي القصف بشكل مرعب، مما أنطق البشر والحجر، وجعل دولا أجنبية تقطع علاقاتها مع الكيان الغاصب".
واستطرد: "في هذا التوقيت بالضبط، يرفض عميد كلية العلوم الذي استدعي كضيف شرف لحضور حفل تخرج أن يوشح طالبة متفوقة بدعوى حملها للكوفية الفلسطينية، مما خلق استياء لدى الطلبة والآباء والأساتذة الحاضرين".
وتابع اليدري: “أتساءل عن إحساس العميد وهو يرى إخوانه في فلسطين يبادون ويقتلون، ويتداعى لنُصرتهم عمداء كليات غربية، الذين يحملون اسم جون وميشيل، الذين لا تجمعهم بهم لا رابطة الدين و لا اللغة، أي خزي هذا!”.
وفي مقال نشره موقع "زون 24" المحلي تعليقا على الحادث قائلا: "يبدو أن بعض المسؤولين المغاربة وخاصة في الجامعات أصبحوا إسرائيليين أكثر من (رئيس الوزراء، بنيامين) نتنياهو ومن معه، وهي الصورة التي عاشتها المدرسة العليا للتكنولوجيا في حفل التخرج الخاص بالمتفوقين".
ولفت الموقع إلى أن "الأساتذة رأوا في سلوك العميد قمعا لحرية التعبير، متضامنين مع الطالبة المتفوقة بفوزها، ومعتبرين حمل الكوفية عربونا إضافيا عن نجاحها ووعيها ويقظتها".
من جهتها، قالت الصحفية سناء القويطي إن “الكوفية وغيرها من الرموز الفلسطينية ترفع في العالم كله كشكل من أشكال التضامن مع الشعب الفلسطيني في محنته وضد الإبادة التي يتعرض لها…”.
وأضافت أن “الكوفية رفعها الطلبة في الجامعات والفنانون في المهرجانات والمغنون في الحفلات ويأتي عميد كلية في دولة المغرب -التي يخرج شعبها يوميا في وقفات تضامنية مع غزة ويرأس ملكها لجنة القدس ويرسل مساعدات إنسانية (..)-، ويحاول خلع الكوفية عن طالبة متفوقة في حفل تخرجها ويرفض منحها الجائزة ”.
وشددت القويطي في تدوينة عبر “فيسبوك” على أن “مثل هؤلاء يحاولون جعل الكلية فضاء لتدجين الشباب وقولبتهم، وليس فضاء للتفكير الحر وحرية التعبير وحرية المواقف كما يجب أن تكون، هؤلاء صهاينة أكثر من الصهاينة أنفسهم”.
من جانبه، قال وزير العدل الأسبق، المصطفى الرميد: “إذا صح أن عميدا بكلية مغربية رفض توشيح طالبة لأنها تحمل الكوفية الفلسطينية، فهو جبان لا يستحق العمادة”.
وأضاف الرميد في تدوينة عبر فيسبوك في 14 يوليو، “العميد متجرد من الإنسانية لا يستحق الاحترام...”.
فيما نددت النائبة البرلمانية عن “فدرالية اليسار الديمقراطي”، فاطمة التامني، بما سمته “فضائح التطبيع المستمرة، وآخرها ما تعرفه الجامعات المغربية من سلوكات بئيسة”.
وجاء كلام التامني خلال جلسة المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة عزيز أخنوش، في 15 يوليو، بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، حيث كانت ترتدي الكوفية.
وقال الكاتب عبد الحميد جماهري: “لا أملك الجدارة الأخلاقية لإعطاء الدروس، لكن لو كنت مكان السيد العميد لتشبت بأهداب الكوفية كما يتشبث مذنب بأستار الكعبة بعد أن منت عليه العناية الإلهية بفرصة نادرة للسمو الروحي..”.
وأضاف في منشور عبر فيسبوك أن "تلك الطالبة منحت العميد فرصة كي يكون عاقلا.. فينظر إلى الطلبة في الأرض كلها، في جامعات أوروبا وأميركا معاقل النزعة المؤيدة للتميز العرقي وهم يصلحون للعالم ضميره ويصوبون بوصلته إلى قبلتها السليمة..".
واستدرك: “لكن الفداحة ليست معنوية فقط، بل هي بيداغوجية (تربوية) عندما يكون الأكاديمي غريبا عن عقلانية أخلاقية حازمة في اللحظة الراهنة ولا يدري ما يفعله بوضعه الاعتباري...".
واستطرد جماهيري: "هذا العميد منحته الطالبة فرصة لكي يجاور الحق، ويتمسح بكوفيته، فرفضه.. أما نحن سنكون ممنونين لها على هذا الدرس الرفيع.. وقد نسمح لأنفسنا بأن نرضى عليها إذا غفرت لنا جريرة هذا العميد!!!”.
مطالب الإقالة
كما ارتفعت المطالب بإقالة عميد الكلية محمد الطالبي، وسط تساؤلات عن مدى وجود توجيهات رسمية بخصوص "تحييد" أي تضامن مع فلسطين في الجامعات، في ظل عدم تراجع بعض الجامعات عن "اتفاقيات التطبيع الأكاديمي" مع جامعات إسرائيلية.
وقال الطالب محمد آيت المانح إن “مسؤولا جاهلا أو متصهينا تقمص منصب عميد لكلية، ورفض فوق المنصة وأمام الجميع تسليم الجائزة لطالبة بسبب ارتدائها الكوفية وطلب منها نزع الكوفية لكنها رفضت، فطلب المسير من مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا بتسليمها ففعل تحت تصفيق الجميع”.
وتساءل آيت المانح في تدوينة عبر فيسبوك “هل الكوفية محظورة في الجامعات أو الفضاءات؟؟!!، أليس الدعم الشعبي والملكي للقضية الفلسطينية واضح؟!! هل القانون يجرم ذلك؟؟!!”.
وأضاف مجيبا: “بطبيعة الحال لا، لذلك وجب عزله ليكون عبرة لعباد المناصب”.
وبعد الضجة الإعلامية الرافضة للموقف، قالت مصادر أكاديمية إن العميد محمد طالبي، سيغادر منصبه بعد انتهاء ولايته الثانية في 23 يوليو 2024.
وأوضحت المصادر لموقع "صوت المغرب"، أن "عدم التمديد للعميد، يأتي بالتزامن مع الضجة التي أحدثها خلال حضوره لحفل تتويج طلبة".
ويأتي هذا الحادث في سياق سعي طلاب عدد من المدارس والجامعات المغربية، للتعبير عن تضامنهم مع فلسطين خلال حفلات تخرجهم بالكوفية الفلسطينية، مثل عدد من جامعات العالم.
وفي الوقت الذي سمح فيه عدد من الجامعات بحمل الكوفية، اتخذ آخر تدابير رافضة، منها كلية الآداب بجامعة محمد الخامس بالرباط، حيث قال طلبة شعبة اللغة العربية بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط في 12 يوليو، إنهم حرموا من حفل التخرج بسبب التضامن مع فلسطين.
كما أن كلية الحكامة بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات ألغت حفل تخرج طلابها لذات السبب.
وتتعاون جامعة محمد السادس مع ثماني جامعات ومؤسسات تعليمية إسرائيلية، من بينها جامعة بار إيلان، وجامعة بنغوريون، وجامعة تل أبيب، والجامعة العبرية في القدس، ومعهد تخنيون، وهي مؤسسات متورطة في برامج عسكرية وتكوين قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وقال الطلبة والخريجون الذين أطلقوا مبادرة تحمل اسم "مبادرة طلبة وخريجي جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ضد التطبيع الأكاديمي" في 12 يوليو، إن الجامعة ألغت بشكل مفاجئ حفل التخرج في وقت كان الطلبة يعدون للتعبير عن تضامنهم مع فلسطين خلاله.
وأوضح الطلبة أنه بلغ إلى علمهم في 11 يوليو أن كلية الحكامة والعلوم الاقتصادية والاجتماعية التابعة لجامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية ألغت بشكل مفاجئ حفل التخرج الذي كان مقررا، منذ شهور، في 12 يوليو.
من جانبها، استنكرت منظمة “التجديد الطلابي” إلغاء جامعة محمد السادس بالرباط حفل التخرج بسبب عزم طلبتها المتفوقين اصطحاب الكوفيات والرموز التضامنية مع القضية الفلسطينية.
وقالت المنظمة (طلابية تابعة لحركة التوحيد والإصلاح الدعوية)، في 15 يوليو 2024، إن هذا القرار "يأتي في وقت كان من المفترض أن تتخلى فيه عدد من الجامعات المغربية عن تطبيعها مع الكيان الصهيوني”، استجابة لمطالب الطلبة بهذا الشأن.
وشددت على أن إدارات هذه الجامعات تواصل التردي “إلى مستوى مهين ومخزٍ، بمنع طلبتها من التضامن مع القضية الفلسطينية”.
وأعلنت رفضها لهذه القرارات، عادّة إياها “قرارات مخزية تلطخ سمعة الجامعة المغربية وتاريخها المشرف، ولا تعبر بأي شكل عن الموقف الجامعي طلبة وأستاذة”.
ودعت المنظمة إدارات الجامعات ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي “إلى التحلل من عار الاتفاقيات المبرمة مع الكيان الصهيوني”، مستنكرة في نفس الوقت جرائم جيش الاحتلال بحق المدنيين العزل".