بعبع إسرائيل في الضفة الغربية.. نشأة وتطور كتائب المقاومة
"كلما زادت إسرائيل العنف حفزت الشباب على تنفيذ مزيد من العمليات"
شهد صباح 29 أغسطس/ آب 2024، استشهاد المقاوم الفلسطيني محمد جابر الملقب بـ "أبو شجاع"، قائد كتيبة طولكرم، على يد قوة كبيرة من الجيش الإسرائيلي، بعد محاصرته رفقة 4 من أفراد كتيبته بمسجد في مخيم نور شمس شمال الضفة الغربية.
قبلها بأشهر قليلة نجا أبو شجاع من عملية مماثلة، وخرج قائلا: "إن اغتالوني أو اغتالوا أي أحد آخر، رح تضل (سوف تظل) حالة المقاومة مستمرة حتى تحرير الأرض إن شاء الله".
وجاء استشهاد أبو شجاع الذي دوخ إسرائيل، في اليوم الثاني لعملية موسعة أطلقها الجيش الإسرائيلي، في محافظات جنين وطولكرم وطوباس شمالي الضفة الغربية وصفت بأنها "الأكبر" منذ عقدين.
وفي ضوء قدراتها المحدودة، تشارك الضفة الغربية المحتلة في عملية "طوفان الأقصى" منذ انطلاقها في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
وفي الآونة الأخيرة مع اشتداد العدوان الإسرائيلي على غزة، تطورت عمليات المقاومة في الضفة الغربية، وحدث تراكم لقوتها العسكرية ما بات مصدر قلق للاحتلال.
وتزامنا مع العملية، طالب وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس بالتعامل مع الضفة الغربية تماما كما تم التعامل مع قطاع غزة.
ودعا كاتس عبر إكس إلى تنفيذ إجلاء مؤقت للسكان هناك، والقيام بأي خطوات أخرى مطلوبة، مبررا ذلك بالقول إن "هذه حرب على كل شيء وعلينا أن ننتصر فيها".
فما هي مجموعة المقاومة في الضفة الغربية؟ وكيف نشأت وتطورت؟ ولماذا تخشى منها إسرائيل بهذا الشكل؟
مجموعات مستحدثة
في 19 سبتمبر/ أيلول 2023، نشر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية "مسارات" ورقة بحثية عن مجموعات المقاومة في الضفة الغربية، وتفاصيل نشأتها وتطورها.
وكشف المركز في ورقته أنه تم تدشين قرابة 18 مجموعة وكتيبة للمقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي بين الأعوام من 2021 إلى 2023.
منها 8 مجموعات تابعة لسرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وهي كتائب: "جنين- طولكرم- نابلس- طوباس- مجموعات قباطية- مجموعات جبع- مجموعات الفارعة- مجموعة برقين".
و5 مجموعات تابعة لشهداء الأقصى التي كانت تابعة لحركة فتح، وهي "لواء الشهداء- كتيبة بلاطة- شباب الثأر والتحرير- كتيبة طولكرم (الرد السريع)- كتيبة الفجر".
وثمة مجموعات أخرى مثل “عرين الأسود- كتيبة مخيم عقبة جبر- كتيبة الضياء- كتيبة مخيم الجلزون- كتيبة مخيم الفارعة”، فضلا عن كتائب القسام.
وبحسب الورقة البحثية، تبنت حركات المقاومة خطابا داعما لتصعيد وتطوير المجموعات المسلحة.
وهو ما أكد عليه مثلا زياد النخالة، الأمين العام لحركة الجهاد، عندما قال: "هناك خطة وبرنامج لإحداث نقلة نوعية في الضفة وتطوير قدرات المقاومين".
وأوردت ورقة مركز "مسارات" أن مجموعة من العوامل لعبت دورا في توسع ظاهرة تأسيس مجموعات مسلحة جديدة وصاعدة.
منها غياب الأفق السياسي، وفشل مسار المفاوضات، وأزمات السلطة المركبة المتمثلة في الأزمة الاقتصادية وفقدان شرعيتها واستمرار علاقاتها الأمنية والاقتصادية مع الاحتلال الصهيوني.
وأكملت: من جانب آخر أزمة حركة حماس المتمثل في عدم قدرتها على الجمع بين السلطة والمقاومة، وتركيزها على تشجيع المقاومة المسلحة في الضفة والتهدئة في غزة (كان هذا قبل اندلاع طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023).
الأمر الآخر يكمن في تصاعد وتيرة الاقتحامات والتوسع الاستيطاني والقتل والاعتقال وتشجيع إرهاب المستوطنين على المناطق الفلسطينية، وغياب العمل المسلح للفلسطينيين.
نقطة فاصلة
ولا يغفل أن تراكم الأحداث الميدانية في الضفة الغربية عقب معركة سيف القدس في مايو/ أيار 2021، تسبب في إحداث فارق في اللجوء لخيار المقاومة المسلحة المتعددة والمتنوعة.
فبدأت تتبلور المجموعات المسلحة إثر ذلك، وتعد كتيبة جنين أولى هذه التشكيلات، ومقرها مخيم جنين، وتشكلت في 7 أيلول/ سبتمبر 2021.
وضمت الكتيبة عناصر من مختلف الانتماءات، خاصة لواء الشهداء الذي أسسه الشهيد داود الزبيدي، الأقرب إلى حركة "فتح".
بعدها تشكلت كتيبة نابلس في البلدة القديمة أواخر 2021، واغتال الاحتلال أبرز قادتها محمد الدخيل، وأشرف مبسلط، وأدهم مبروكة، في 8 فبراير/ شباط 2022.
ثم اغتيل إبراهيم النابلسي ورفيقاه إسلام صبوح وحسين طه في 9 أغسطس/ آب من العام ذاته.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل انبثقت منها مجموعة عرين الأسود التي ظهرت رسميا في 2 سبتمبر/ أيلول 2022، وينسب تأسيسها إلى الشهيد محمد العزيزي، رفيق النابلسي.
وفي 22 أغسطس/ آب 2023، نشر مركز "معطى" للمعلومات الفلسطينية إحصائيات حول أعمال المقاومة في النصف الأول من عام 2023.
ووفق هذه الإحصائية تم تنفيذ 6704 عمليات مقاومة في مدن الضفة الغربية، توزعت كالتالي: "841 عملية إطلاق نار - 19 عملية طعن - 11 عملية دهس- عمليتا إطلاق صواريخ- 9 عمليات إسقاط طائرات استطلاع".
وبالنظر في النطاق الجغرافي لهذه العمليات، كانت مدن نابلس، جنين، والخليل في المقدمة بأعلى وتيرة لعمليات المقاومة، خاصة عمليات إطلاق النار.
ومن بين مجموعات المقاومة المتنوعة، برزت “عرين الأسود”.
عرين الأسود
وتميزت عرين الأسود بذات الفكر الجامع لكل الأحزاب السياسية الفلسطينية، إضافة إلى لعبها على وتيرة الإعلام الدعائي والفني لرفع الروح المعنوية.
حتى صار الفلسطينيون يتناقلون بياناتهم، وينشدون أغاني باسمهم. وهناك أمثلة وجمل يرددها الفلسطينيون في الضفة على وتيرة: "إذا دعا العرين للنفير تردد كل زوايا فلسطين بالتهليل والتكبير".
ومن التطورات المهمة التي أحدثتها عرين الأسود، أنها قامت بنقل المقاومين من الدفاع عن نابلس جراء اقتحامات جنود الاحتلال المستمرة إلى الهجوم على الحواجز ونصب الكمائن والتصدي للمستوطنين المقتحمين لقبر يوسف في المدينة.
وتطورت قوة عناصرها حتى نفذوا عمليات فدائية مشتركة مع كتائب أخرى مثل كتيبة جنين وكتيبة بلاطة وكتيبة عسكر.
لكن الملاحظ أن عرين الأسود يمتلكون جهازا ووحدة خاصة لكشف العملاء وتحديدهم.
وفي 10 أبريل/ نيسان 2023، قاموا بتنفيذ أول عملية إعدام لعميل في الميدان بشكل علني بالضفة منذ انتفاضة الأقصى عام 2000، وذلك بعد إخضاعه للتحقيق وتصوير اعترافه ونشره على الملأ.
ومن المزايا التي كانت تقدمها عرين الأسود، قيامها بعروض عسكرية، كبيرة على غرار ما تقوم به حركة حماس في قطاع غزة.
وكانوا يستعرضون الشبرة الحمراء التي تغلق فوهات البنادق في حفلات التأبين وزفات الشهداء بمعنى ضمني أن "بنادقهم لا تطلق رصاصاتها إلا ضد المحتل".
كما عرفوا بخطاباتهم وبياناتهم الموجهة للشعب الفلسطيني، إذ جمعت البيانات بين شحن الناس نفسيا والوعد بحمايتهم ضد الاحتلال وبين الفخر بالصمود والمقاومة ونشر الإنجازات الميدانية بالصوت والصورة.
كما فرض الاحتلال عقوبات جماعية كالحصار والتضييق على الحواجز، إضافة إلى استخدام الطائرات المسيرة لاغتيال المقاومين.
فضلا عن تنفيذ عمليات عسكرية، كما حصل في أريحا ونابلس وجنين، وذلك عقب عمليات المقاومة، حيث قامت مجموعات منظمة من المستوطنين بحماية الجيش بهجوم على القرى والمناطق الفلسطينية.
وقاموا بتخريب وتدمير للممتلكات، لمنع وإنهاء أي حالة ثورية قد تنشأ، ولردع الشباب عن الانضمام إلى المقاومة.
ورغم ذلك يؤكد معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي أن عملية كسر الأمواج أدت إلى دورة عنف أعادت إنتاج ذاتها، فكلما زادت إسرائيل بالعنف حفز ذلك الشباب على القيام بمزيد من العمليات والانخراط ضمن صفوف المقاومة.