"عفو طبي".. ما قصة كريم الهواري الذي أغضب المصريين خبر خروجه من السجن؟

من يستحق الإفراج "الطبي" عن السجناء وفقا للقانون المصري؟ سؤال انتشر بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي وبين المصريين، عقب الإفراج الطبي عن نجل رجل أعمال، يدعى "كريم الهواري".
ففي مطلع فبراير/ شباط 2024، أعلن محامي دفاع الشاب كريم الهواري (32 سنة)، المتهم في دهس مواطنين، وتعاطي مواد مخدرة، الإفراج عن موكله بموجب عفو طبي بعد قضاء نحو سنتين في السجن.
فما قصة الهواري؟ ولماذا أثار قرار الإفراج الطبي عنه كل هذا الجدل؟ وكيف أن تلك الآلية باتت معتمدة للالتفاف على العدالة وإخراج المتورطين من السجون؟
متعاطي مخدرات
تعود تفاصيل واقعة جريمة كريم الهواري إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول 2021، عندما كان يقود سيارته بسرعة جنونية، قرب منطقة الشيخ زايد في محافظة الجيزة، ليدهس سيارة بها 4 طلاب كانوا في طريقهم إلى منازلهم، ما تسبب في مصرعهم.
وقتها تم تداول تسجيلات كاميرات المراقبة والتي رصدت سرعة سيارة "الهواري" وسحقها لسيارة الـ4 طلاب.
لكن مكمن الغضب في تلك القضية نجم عن تقرير النيابة العامة الذي أثبت أن المتهم حاز وأحرز في سيارته مواد كحولية ومخدرة كان واقعا تحت تأثيرها، ما تسبب في حادث الشيخ زايد ومصرع المواطنين.
وبناء على تقرير النيابة حكمت محكمة جنايات الجيزة، في 4 يونيو/ حزيران 2022 على المتهم كريم الهواري، بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات.
وكان يمكن للواقعة أن تكون طبيعية في حال أن المتهم شخص عادي من العامة، لكنه نجل رجل الأعمال ومالك سلسلة متاجر "هايبر وان" الملياردير المقرب من النظام محمد الهواري.
وقد ألقى الأخير بثقله لانتشال ابنه من القضية المتورط فيها، حتى إن موقع "القاهرة 24" المحلي، كشف في 9 مايو/ آيار 2022، كواليس جلسات الأسر مع رجل الأعمال والد المتهم.
والتي بدأت من جانب الوالد مبكرا، حيث سعى الأب الملياردير طوال تلك الفترة لكسب ود أفراد أسر الضحايا ودفعهم للتنازل عن القضية.
وحسب الموقع، فقد أكد فريق الدفاع أن الصلح سيكون أهم مخرج لنجل رجل الأعمال.
وإذا نجح فستكون العقوبة مخففة، وبالفعل نجح في ذلك الأمر مع 3 من الأسر، إلا أن الأمر تعطل بعد رفض أسرة شاب من الضحايا، ليبدأ الدفاع في إقناعها بالصلح من أجل إنهاء القضية.
وقتها استخدم الهواري الأب سلاح المال لإخراج نجله من المأزق، فبحسب "القاهرة 24" فإن أسر الضحايا الثلاث حصلت على مبالغ مالية وصلت لأكثر من مليوني جنيه مصري لكل أسرة.
لكن بسبب رفض الأسرة الرابعة فشل الأمر وحكم على الهواري الابن بالسجن المشدد 3 سنوات، ما اضطر والده للبحث عن باب آخر للخروج.
وتحدث صحفيون ونشطاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن أموال رجل الأعمال محمد الهواري، هي السبب الرئيس لإخراج كريم من القضية.
وقال الصحفي المصري جمال سلطان في منشور على إكس: "ابن رجل الأعمال الملياردير محمد الهواري، شاب مترف مستهتر في العشرينيات من عمره، كان يقود سيارته بسرعة جنونية وهو متعاط للمخدرات فقتل أربعة شبان مصريين قتلة بشعة، حكموا عليه فقط بثلاث سنوات سجن، ثم أفرجوا عنه بعد سنتين بدعوى العفو الصحي".
وأضاف: "المرشح الرئاسي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح في حديث تليفزيوني قال للسيسي أنت فشلت، لم يقتل أحدا ولا يتعاطى سوى الشاي والقهوة، فاعتقلوه وحكموا عليه بالسجن 15 عاما، تعرض في سجنه لثلاث أزمات قلبية مميتة بحكم كبر سنه الذي تجاوز السبعين عاما وتدهورت صحته، رفضوا الإفراج عنه أو حتى نقله لمستشفى !".
ابن رجل الأعمال الملياردير محمد الهواري، شاب مترف مستهتر في العشرينات من عمره، كان يقود سيارته بسرعة جنونية وهو متعاط للمخدرات فقتل أربعة شبان مصريين قتلة بشعة، حكموا عليه فقط بثلاث سنوات سجن، ثم أفرجوا عنه بعد سنتين بدعوى العفو الصحي، المرشح الرئاسي الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح… pic.twitter.com/BGyHcbHCNO
— جمال سلطان (@GamalSultan1) February 3, 2024
وكتب الناشط محمد أبو سويلم: "ابن المليونير الهواري اللي كان سايق وهو شارب حشيش وسكران وقتل 4 شباب زي الورد اخد عفو طبي ومش هيتعاقب طبعا عشان ابن ناس من ايجيبت واللي قتلهم من مصر الحزينة.. صدق اللي قال (تسعة أعشار الظلم في مصر)".
طلعت مصطفى
وتعد أبرز وقائع الإفراج الطبي المثيرة للجدل في زمن السيسي، تلك المتعلقة برجل الأعمال هشام طلعت مصطفى.
وبدأت قصة جريمة طلعت مصطفى في 28 يوليو/ تموز 2008، عندما استيقظت مصر والعالم على جريمة قتل مروعة في مدينة دبي الإماراتية، حيث تم العثور على المطربة اللبنانية سوزان تميم مقتولة داخل شقتها.
سرعان ما اكتشفت الشرطة الإماراتية هوية القاتل، وهو ضابط مصري سابق، عمل بجهاز مباحث أمن الدولة، وحاصل على فرق في مكافحة الإرهاب، يدعى محسن السكري.
وفد من شرطة دبي حضر إلى مصر حاملا معه معلومات الجريمة، بعد ضبط السكري في أحد الفنادق التي كان يعتاد التردد عليها.
واعترف بعد ضغوط بأنه نفذ الجريمة بتحريض من هشام طلعت مصطفى الذي دفع له بشكل مقدم مبلغ 300 ألف دولار، جرى تحويلها لحسابه في بنك (HSBC) في القاهرة في أبريل/ نيسان 2008.
وضبطت الشرطة المصرية مليون دولار أخرى حصل عليها السكري من هشام طلعت مصطفى نقدا وكان يخبئها في بوتوجاز شقته.
فر بعدها هشام طلعت إلى سويسرا، وجرى إقناعه بالعودة إلى مصر، لا سيما وأن هروبه كان سيعرضه لملاحقة الإنتربول، ويدمر إمبراطوريته الاقتصادية.
والتي كانت تأثرت بالفعل أسهمها في البورصة (آنذاك) وانخفضت أكثر من 30 بالمئة بسبب الأخبار التي بدأت تتسرب عن الواقعة، وهو ما دفع طلعت للعودة بالفعل في ظل وعود بحكم مخفف في القضية.
وبعد القبض عليه، وجهت له النيابة، التهمة بأنه دفع مليوني دولار لضابط الشرطة السابق محسن السكري لقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم طعنا في شقتها بإمارة دبي.
وقتها تحدثت تقارير صحفية عن زواج هشام طلعت من سوزان تميم، بعقد عرفي عام 2005، وأنه دفع مبلغا ماليا ضخما لها ولعائلتها كما ساعدها في تصوير عدد من الأغاني المصورة في سويسرا.
وفي 21 مايو/ آيار 2009، قضت محكمة جنايات القاهرة بإعدام هشام والسكري بعد إدانتهما بقتل المطربة اللبنانية، وفي 28 سبتمبر/ أيلول 2010، تم تخفيف الحكم، إلى السجن 15 عاما لهشام، و25 عاما للسكري.
وبعد سنوات بدأت قصة رجل الأعمال المصري تأخذ منحى مختلفا، ففي 26 فبراير 2017 أوصت هيئة "مفوضي الإدارية العليا" بالإفراج الصحي عن هشام طلعت مصطفى.
وبالفعل في يونيو 2017، أصدر رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، قرارا جمهوريا بالعفو عن 502 من المحبوسين في قضايا مختلفة، بمناسبة عيد الفطر، بينهم هشام طلعت مصطفى.
شروط الإفراج الطبي
وقائع طلعت مصطفى ومن بعده كريم الهواري، أبرزت التساؤل عن شروط الإفراج الصحي في مصر، وعن تباينات تطبيقه بين المعتقلين والمسجونين.
وبحسب القانون المصري تنص المادة 36 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 على "كل محكوم عليه يتبين لطبيب أنه مصاب بمرض يهدد حياته بالخطر أو يعجزه عجزا كليا يُعرض أمره على مدير القسم الطبي للسجون لفحصه بالاشتراك مع الطبيب الشرعي للنظر في الإفراج عنه".
وأضاف: "يُنفذ قرار الإفراج بعد اعتماده من مدير عام السجون وموافقة النائب العام وتُخطر بذلك جهة الإدارة والنيابة المختصة، ويتعين على جهة الإدارة التي يطلب المُفرج عنه في دائرتها عرضه على طبيب الصحة لتوقيع الكشف الطبي عليه كل ستة أشهر".
وأتبع: "ثم يتم تقديم تقرير عن حالته يرسل إلى مصلحة السجون لتبين حالته الصحية توطئة لإلغاء أمر الإفراج عنه إذا اقتضى الحال ذلك".
واستطرد القانون "أنه يجوز لمدير عام السجون ندب مدير قسم طبي السجون والطبيب الشرعي للكشف على المُفرج عنه لتقرير حالته الصحية كلما رؤي ذلك".
كما يقضي بعودة المسجون الذي أفرج عنه إلى السجن لاستيفاء العقوبة المحكوم بها عليه بأمر من النائب العام إذا تبين من إعادة الفحص التى يجريها الطبيبان المأموران أن الأسباب الصحية التى دعت إلى هذا الإفراج قد زالت، ويجوز إعادته أيضا بأمر من النائب العام إذا غيّر محل إقامته دون إخطار الجهة الإدارية التي يقيم في دائرتها.
كذلك تنص المادة 486 من قانون الإجراءات الجنائية على "إذا كان المحكوم عليه بعقوبة مصابا بمرض يهدد ذاته أو بسبب التنفيذ حياته للخطر جاز تأجيل تنفيذ العقوبة عليه".
لم يفرج عنهم
وعلى عكس الفئة المفرج عنها صحيا تحت رعاية السيسي، فإن هناك في مصر المعتقلين السياسيين، وأولئك يتركون يواجهون المرض والموت في معتقلاتهم، رغم أنه ينطبق عليهم قواعد الإفراج الصحي.
وفي 1 سبتمبر 2021، نشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية تقريرها بعنوان، "السيسي يترك المرضى يعانون في سجون مصر".
وقالت: "إن الحكومة المصرية تعمدت ترك المرشح الرئاسي السابق عبدالمنعم أبو الفتوح، يقبع في السجن دون رعاية طبية كافية رغم أعراض نوبة قلبية".
وفي 3 مايو/ آيار 2020، توفي المصور المصري شادي حبش في سجن طرة، بعد أكثر من عامين على اعتقاله بسبب مشاركته في إعداد أغنية سياسية ساخرة (بلحة).
وقتها أعلن نشطاء حقوقيون أن صحة شادي تراجعت بشدة في الفترة الأخيرة، وأضافوا أن "استغاثات زملائه في الزنزانة لإنقاذه، لم تلق استجابة من قبل إدارة السجن".
وفي حديثه "للاستقلال" قال المحامي الحقوقي المصري كريم اليعقوبي، إن "واقعة الإفراج الصحي عن (كريم الهواري) تعد من أكثر الوقائع هزلية، لأسباب قانونية عديدة".
أولها أن (كريم) شاب يبلغ من العمر 32 سنة ولم تظهر عليه أعراض الإصابة بمرض عضال يهدد حياته، كما أنه لم يمكث في السجن سوى 7 أشهر من 3 سنوات، وبالإفراج الصحي الأخير من المتوقع أنه لن يسجن وسيقضي عقوبته طليقا.
وأضاف اليعقوبي: "أزمة القانون والقضاء في مصر أنه أصبح مسيسا، فلا قواعد محددة تحكم أي عملية خاصة تلك المتعلقة بالقضايا السياسية أو الشخصيات البارزة".
وأتبع: "هناك معتقلون سياسيون قضوا فترة عقوبتهم وتم تدويرهم في قضايا أخرى، وهناك من يستحق الإفراج الصحي منذ زمن بل والمكوث في المستشفى مثل عائشة خيرت الشاطر وهدى عبد المنعم، ومع ذلك مازالوا رهن الحبس والتنكيل".
وشدد المحامي المصري على أن "سقوط العدالة بهذه الطريقة، يقوض مع الوقت الأمن المجتمعي، لأن المجتمعات الحديثة يحكمها القانون، والعالم الثالث وما يعرف بجمهوريات (الموز) يعيشون على طريقة قوانين العصور الوسطى والحاكم الأوحد".
المصادر
- محامي الأسرة: الإفراج عن كريم الهواري نجل مالك هايبر بعفو طبي في قضية الدهس
- حيثيات النقض بتأييد سجن كريم الهواري: وفاة الطلاب وقعت بخطأ المتهم وتعاطيه الكوكايين
- تعرف على الشروط القانونية للعفو الصحى عن السجناء
- شادي حبش: وفاة المخرج المصري المحبوس بسبب أغنية تنتقد السيسي
- السيسي يترك المرضى يعانون في سجون مص