خلافات متصاعدة بين سعيد وقادة الجيش في تونس.. الأسباب والتداعيات

داود علي | 17 days ago

12

طباعة

مشاركة

منذ انقلاب رئيس النظام التونسي قيس سعيد على الدستور والقانون في 25 يوليو/ تموز 2021، غاب قادة الجيش عن المشهد تماما بل أظهروا تساهلا وتعاونا.

لا سيما أن سعيد استعمل قوات الجيش الوطني لإغلاق البرلمان والسيطرة على قصر الحكومة، وفرض حالة الطوارئ في البلاد.

لكن خلافات قوية بدأت تظهر أخيرا بين الجيش وسعيد بسبب التباين في وجهات النظر حول مجموعة من القضايا الإستراتيجية.

عقبات بيروقراطية

ففي مطلع أغسطس/ آب 2024، خلال حضور سعيد اجتماعا لمجلس الأمن القومي دعا إليه كبار ضباطه، ظهر شقاق قوي بين الطرفين حول كيفية التعامل مع الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية القادمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2024. 

وذكر المجتمعون ملف الاعتقالات والمشاكل القانونية التي تعرض لها العديد من المرشحين الرئاسيين.

ويشمل ذلك زعيم حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي والوزير السابق المنذر الزنايدي وزعيمة الحزب الدستوري الحر عبير موسي. 

وقبل الاجتماع، أشار رئيس أركان الجيش الجنرال محمد الغول إلى العقبات البيروقراطية التي وضعت أمام أحد المرشحين، كما دعا إلى أن تكون بطاقة الاقتراع ذات مصداقية.

ولكن في 10 أغسطس، وافقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على ثلاثة ترشيحات فقط، من ضمنها ترشيح سعيد، من بين 17 ترشيحا مقدما. 

ومنذ إصلاح الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عام 2022، أصبح الرئيس مسؤولا بشكل مباشر عن تعيين رئيسها. 

وفي مايو/أيار من ذلك العام، عين فاروق بوعسكر المؤيد المخلص لقيس سعيد رئيسا للهيئة، وهو ما أثار حفيظة جنرالات الجيش وعلى رأسهم الغول.

سخط حول الرئيس

لكن لم يقف الخلاف عند هذا الحد، ففي 21 أغسطس نشرت مجلة "أفريكا إنتيليجنس" الفرنسية المختصة بالشؤون الاستخباراتية، أن سعيد تجاهل مرة أخرى موقف مجلس الأمن القومي، الذي يغلب عليه مجموعة كبيرة من العسكريين وقادة الاستخبارات وكبار رجال الأمن في الدولة.

وجاء ذلك عبر قرار رئيس النظام الإبقاء على وزيرة العدل ليلى جفال رغم التحقيق الذي تناول فسادا في دائرة السجون التابعة لوزارتها. 

وفي المقابل، اعتقل مكرم الجلاصي مستشار جفال، ثم فصل نتيجة لهذا التحقيق دون المساس بالوزيرة.

وذكرت "أفريكا انتيليجنس" أنه من بين الضباط الأربعة المتنفذين في القصر الرئاسي، أظهر مدير عام الصحة العسكرية والوزير المستشار لدى الرئيس سعيد مصطفى فرجاني امتعاضه من قرارات سعيد في الأشهر الأخيرة.

وذلك نتيجة مخاوفه بشأن نقص الأدوية في البلاد واستيائه من التعامل مع قضية مجموعة العقارات الإماراتية “بوخاطر”، التي يتابعها هو شخصيا. 

وكان من المقرر أن تعلن بوخاطر عن إحياء مشروع مدينة تونس الرياضية الضخم بتكلفة 5 مليارات دولار، في يناير/كانون الثاني 2024، قبل إلغاء المؤتمر الصحفي لذلك في ظروف غامضة.

وجاء إلغاء المؤتمر بشكل غير متوقع ودون أي تفسير، وذلك بعد 17 عاما من المماطلة في البدء بتنفيذ المشروع، ورغم تدخلات نوفل سعيد شقيق الرئيس والمحامي الذي يمثل بوخاطر في تونس.

وأوردت المجلة الفرنسية أنه من خلف الكواليس، لم يكن الرئيس سعيدا بتعليقات وزير الفلاحة اللواء عبد المنعم بلعاتي، الشخصية البارزة الذي يحظى باحترام زملائه الضباط. 

فبالنسبة لـ "بلعاتي"، يعد الضغط على موارد المياه في تونس على مر السنوات الماضية قضية مهمة من قضايا الأمن الوطني، وهو ما يتسبب في مزيد من الخلافات بين سعيد وبعض قادة الجيش.

أزمة المياه

ويرجع اللواء بلعاتي نقص المياه في تونس إلى تغير المناخ وانخفاض هطول الأمطار.

وفرض هو ورئيس شركة المياه الوطنية "SONEDE" محمد الهادي الأحمدي قيودا على المياه في منطقة الساحل وأجزاء أخرى من البلاد. 

ثم في 17 يوليو، ترأس اجتماعا مع رئيس العمليات بوزارة الداخلية جوهر بودريقة بهدف إيجاد سبل لتحسين إدارة الموارد المائية في تونس.

لكن في اليوم التالي، استدعى سعيد وزير الداخلية خالد النوري وكاتب الدولة للأمن الوطني سفيان بالصادق للتنديد "بالمسؤولين عن انقطاع المياه والكهرباء في عدة مناطق من البلاد".

كما طالت هذه الخطوات اللواء بلعاتي؛ حيث زار الرئيس بعد بضعة أيام سد نبهانة في محافظة القيروان.

وتسرع وقتها في توجيه الاتهامات إلى بلعاتي، الذي كان من المقرر أن يزور السد في وقت لاحق من ذلك اليوم.

وأثناء وجوده هناك، اتهم سعيد مرة أخرى "أطرافا" بالوقوف وراء انقطاع المياه، وهو ما لم يرض أطرافا مهمة داخل الدولة.

ففي بيان صور في مكتب رئيس الوزراء وقتها أحمد حشاني في 7 أغسطس، دافع الأخير عن تعامل حكومته مع وضع المياه.

وذكر قضية الجفاف وأشاد ضمنا بتصرفات وزير الفلاحة اللواء بلعاتي متجاهلا النظريات التي طرحها سعيد في هذا الشأن. 

وبعد ساعات قليلة من نشر البيان، أقيل الحشاني من منصبه دون سبب رسمي، ليثير مرة أخرى حفيظة العسكريين وكبار الضباط. 

حسابات أخرى

وفي 29 مارس/ آذار 2023، نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأميركية، مقالا للباحث شادي حميد من معهد بروكينغز، يتحدث فيه عن تململ بين سعيد والجيش في عدد من الملفات، على رأسها الملف الاقتصادي.

وقال: "ربما ظهر سعيد عنيدا في سياساته العامة ولا يريد تغيير سلوكه، إلا أن حلفاءه في الجيش والبيروقراطية لديهم حسابات أخرى".

وأضاف: “على خلاف الدول العربية الأخرى ظل الجيش التونسي بعيدا عن السياسة، وجرى تأكيد مهنيته بما في ذلك السنوات التي سبقت عام 2011”.

إذ إن زين العابدين بن علي الذي حكم تونس منذ عام 1987 وحتى 2011، خشي ترفيع الجيش ومنافسته على السلطة، واعتمد بدلا من ذلك على قوى الأمن والمخابرات كأداة لفرض الأمن.

واستطرد: "لكن بالمقابل دفع سعيد الجيش إلى السياسة وأصر على مرافقة قادته له في لقاءاته وجولاته، مما وضعهم في وضع غير مريح".

خاصة أن الجيش لاحظ تراجع شعبية الرئيس، وسط عدم ارتياح في صفوفه بسبب التوجه الديكتاتوري لسعيد.

وهو ما أكده ضابط تونسي متقاعد لصحيفة "لوموند" الفرنسية بالقول: "القلق يتمكن من الجيش تجاه سعيد نظرا لمركزة كل السلطات في يده".

وذكرت “فورين أفيرز”، أن لدى الجيش ما يخاف منه، فانهيار اقتصادي بسبب أداء سعيد يعني توجيه اتهامات لأفراده بالتورط في الأزمة وتحمل المسؤولية مما يعني تآكل سمعته كمؤسسة مهنية بعيدة عن السياسة.

قذافي تونس

وفي 15 يناير/ كانون الثاني 2022، تطرق مركز "جيوبوليتيكال فيوتشرز" الأميركي إلى علاقة الجيش مع قيس سعيد الذي وصفه بأنه “ديكتاتور يكافح من أجل إعادة تونس إلى عصر الاستبداد، لينهي آخر معقل متبقٍّ للانتفاضات العربية”.

ووصف المركز الأميركي سعيد بأنه مثل الديكتاتور الليبي "معمر القذافي"، الذي شبه المعارضة إبان سنوات حكمه الطويلة لليبيا بالكلاب الضالة.

بينما يصف "سعيد" معارضيه في خطبه بالميكروبات والثعابين والغربان والفيروسات والشياطين والخونة.

وعن علاقته بالمؤسسة العسكرية، قال المركز: "إن الجيش التونسي سيكون هو من يحدد مصير سعيد".

وأتبع: "لكنه لن يتحرك ضده لحماية المعارضة التي لا يُكِنّ لها احتراما، ولن يتحرك للإطاحة بسعيد إلا إذا حدثت انتفاضة شعبية مثل ثورة ديسمبر/كانون الأول 2010 التي أطاحت بابن علي".

ويعد الجيش التونسي الوحيد بين الجيوش العربية الذي لم يشارك بشكل علني في الشؤون السياسية أو الاقتصادية المحلية. 

فعندما حصلت تونس على استقلالها عن فرنسا عام 1956، لعب الرئيس الأسبق  الحبيب بورقيبة دورا رئيسا في ضمان ابتعاد الجيش عن الشؤون السياسة والاقتصادية. 

حتى إن الدستور أقر في تونس منع الجنود من التصويت في الانتخابات وهو الأمر الذي لا يزال ساريا حتى الآن.