الشيخ رائد صلاح: تطبيع العرب أوهم إسرائيل أن بإمكانها الاستفراد بغزة (خاص)
"تطبيع الدول العربية جعل إسرائيل تشعر أن بإمكانها الاستفراد بغزة"
قال القيادي الإسلامي الشيخ رائد صلاح، إن كل أوهام الاحتلال الإسرائيلي بفرض سيادته الدينية على المسجد الأقصى سترتد عليه وسيكتشف أنه حقيقة قرآنية باقية كبقاء القرآن الكريم في هذه الدنيا.
وأكد صلاح (66 عاما) الذي يرأس الحركة الإسلامية في الأراضي المحتلة أن المسجد الأقصى في خطر ويواجه احتلالا مُركبا، فهو مُحتل من قبل إسرائيل والأطماع الأميركية البروتستانتية الصهيونية التي ترغب بتسريع إنشاء هيكل مزعوم.
وأضاف في حوار مع "الاستقلال"، أن الداخل المحتل (عرب 48) يعيش ظروفا استثنائية قاهرة ما مرت عليه منذ نكبة فلسطين، و"ها هو مجتمعنا يُطارد بسبب جملة عادية أو حديث نبوي أو آية قرآنية أو دعاء".
وعن حرب الإبادة الجماعية في غزة، أوضح "أسد الأقصى"، وهو لقب ضمن ألقاب عديدة يطلقها الفلسطينيون على الشيخ، أن تطبيع الدول العربية جعل إسرائيل تشعر أن بإمكانها الاستفراد بغزة، وإعادة احتلالها، وها هو مشهد الكارثة الإنسانية يتواصل بغزة وكل أهل الأرض يتفرجون.
ورغم كل المخاطر التي تحيط به، شدد صلاح بالقول: “ندعو أهل الأرض علانية للسعي الجاد لرفع الكارثة الإنسانية عن غزة، ومازلنا على العهد مع المسجد الأقصى، ومازلنا صامدين في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا.”.
الأقصى في خطر
- كيف ترون اقتحامات الأقصى التي نفذها المستوطنون ومن بينهم وزراء أخيرا فيما يخص توقيتها وتأثيرها على المشهد الحالي والمستقبلي؟
هي اقتحامات مُكررة وليست جديدة، إذ كانت في الماضي، وها هي تعود اليوم، وستتواصل في المستقبل القريب ويهدف من ورائها الاحتلال الإسرائيلي– وفق حساباته الوهمية– إلى فرض سيادة دينية له على المسجد الأقصى.
وكأنه يريد أن ينتقل من المرحلة الراهنة التي ظنّ فيها أنه قد نجح بفرض سيادته الاحتلالية على المسجد الأقصى إلى فرض سيادة دينية عليه، وهو يظن أنه إذا نجح بذلك فسيُمارس أداء صلواته التلمودية على المكشوف في المسجد الأقصى.
ثم يقوم بذبح قرابين أعياده في المسجد الأقصى، ثم يبدأ بالتحرك علانية لبناء هيكل مزعوم على حساب المسجد الأقصى.
وأنا أجزم أن كل أوهامه سترتد عليه وسيكتشف أن المسجد الأقصى هو حقيقة قرآنية باقية كبقاء القرآن الكريم في هذه الدنيا، فهو المسجد الأقصى اليوم كما كان في الماضي، وهو المسجد الأقصى في المستقبل إلى قيام الساعة.
- بعد حرب غزة.. هل ترون الأقصى أصبح في خطر أكبر أم أن الأحداث الحالية قد تكون مقدمة لحالة جديدة إيجابية؟
ما دام المسجد الأقصى لا يزال مُحتلا فهو في خطر وسيبقى في خطر حتى يرتفع عنه هذا الاحتلال الإسرائيلي.
وكل ما يُعانيه المسجد الأقصى اليوم من مظاهر اقتحامه والدعوة إلى تقسيمه زمانيا ومكانيا والتظاهر بأداء الصلوات التلمودية علانية فيه ومحاولة ذبح قرابين الأعياد العبرية على بلاطه، هي مظاهر للخطر.
وأما الخطر ذاته فهو لأن المسجد الأقصى مُحتل، وإلى جانب أنه مُحتل إسرائيليا، فهو مُحتل للأطماع الأميركية البروتستانتية الصهيونية التي تعتقد أن التسريع بقيام هيكل مزعوم على حساب المسجد الأقصى سيؤدي لا محالة– في حساباتها الوهمية– إلى التسريع بوقوع حرب (هار مجدون) التي تطمع من ورائها أن تسود العالم ألف عام وهو ما تطلق عليه الألفية السعيدة.
لذلك فإن احتلال المسجد الأقصى هو احتلال مُركّب، إسرائيلي أميركي، ولذلك فهو في خطر، ويوم أن يرتفع هذه الاحتلال المُركب عن المسجد الأقصى، فسيرتفع الخطر عن المسجد الأقصى.
كارثة غزة
- على المستوى الشخصي.. كيف تتعاملون مع الإقامة الجبرية التي دأب الاحتلال على فرضها عليكم، ومنع حرية التعبير عن مساندة غزة؟
نحن في ظروف استثنائية قاهرة ما مرت علينا منذ نكبة فلسطين، وها هو مجتمعنا في الجليل والمثلث والنقب والمدن الساحلية عكا وحيفا ويافا واللد والرملة، ها هو يُطارد بسبب جملة عادية أو بسبب حديث نبوي أو آية قرآنية أو دعاء قد يُردده البعض منا أو قد يكتبه على صفحته في مواقع التواصل.
وقد يتعرض للفصل من عمله حتى لو كان مُحاضرا في جامعة أو طبيبا في مستشفى أو معلما في مدرسة أو عاملا في مصنع، وقد يُعتقل، وقد يُحاكم، وقد يُحكم عليه بالسجن لسنوات.
وهي مُطاردة رسمية متواصلة حتى الآن، نالت من القيادات والجماهير بالداخل، ومع ذلك نحن نُسدد ونُقارب ونُقدر للأمور قدرها، ومازلنا نقول كلمتنا الحُرة إسنادا لحق شعبنا الفلسطيني بتقرير مصيره وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس المباركة المحتلة.
ومازلنا ندعو أهل الأرض علانية للسعي الجاد لرفع الكارثة الإنسانية عن غزة، ومازلنا على العهد مع المسجد الأقصى، ومازلنا صامدين في أرضنا وبيوتنا ومقدساتنا لا يضرنا من خالفنا أو خذلنا.
- ما رؤيتكم للدور العربي على المستوى الرسمي والشعبي تجاه مجازر الاحتلال ضد غزة؟
الدور العربي الرسمي مُخيب للآمال بما في ذلك دور الجامعة العربية ومُنظمة التعاون الإسلامي، وأما الشعوب فهي مغلوبة على أمرها.
ولو أُعطيت حقها الكامل بالتعبير عن نفسها لشهد العالم العربي على مدار الأشهر العشر التي مرّت على فاجعة غزة لخرجت مُظاهرات شعبية بالملايين واعتصامات شعبية بالملايين، ولغطت هذه المليونيات كل الوطن العربي.
ولما توقفت حتى ترتفع الكارثة الإنسانية عن غزة، ولكن مسكينة هي الشعوب في العالم العربي، وسنبقى نحبها ونرجو لها الحرية الحقيقية والاستقلال الحقيقي كما نرجو ذلك لشعبنا الفلسطيني.
الوضع الإقليمي والدولي
- منذ عام 2017 انطلقت عمليات صريحة للتطبيع بين بعض الدول العربية والخليجية.. ما علاقتها بالحرب على غزة؟
طمعت أميركا وطمعت المؤسسات الإسرائيلية من وراء عملية التطبيع مع بعض الدول العربية والخليجية، والتي عُرفت باسم (اتفاقية أبراهام)، في تجاوز القضية الفلسطينية وتجاوز قضية القدس والمسجد الأقصى المباركين.
وكأن هذه القضايا قد أصبحت من وراء ظهور من انخرطوا في عملية التطبيع هذه، وكأنه ما عاد هناك أي معوق يمنع من فتح السفارات والمطارات وتبادل الرحلات والزيارات بين كل هذه الدول المُطبِعة بما في ذلك المؤسسة الإسرائيلية.
وهكذا استفردت المؤسسة الإسرائيلية بقضية فلسطين وقضية القدس وقضية المسجد الأقصى، وهكذا ارتبط مصير هذه الدول المُطبعة بمصير المؤسسة الإسرائيلية، وليس بمصير الحق الفلسطيني ولا بمصير قدسية القدس والمسجد الأقصى المباركين.
وهكذا وجدت المؤسسة الإسرائيلية أن بإمكانها الاستفراد بغزة، وإعادة احتلالها، وها هو مشهد الكارثة الإنسانية يتواصل بغزة ويتفاقم وينظر إليه كل أهل الأرض بالبث المباشر.
على المستوى الدولي.. ما أبرز الأدوار التي ساندت غزة بالفعل من وجهة نظركم وكيف يمكن توظيفها لصالح المقاومة؟
إذا تحدثنا عن المساندة الشعبية العالمية فقد حظيت القضية الفلسطينية من خلال غزة بمساندة لم تحلم بها في يوم من الأيام، لدرجة أن الدول الخاملة التي لم تكن مُعتادة على الحراكات الشعبية كاليابان خرج قطاع من جماهيرها إلى الشوارع بهدف إسناد القضية الفلسطينية.
وهذا ما كان في سائر قارات الدنيا على صعيد الأميركيتين وأوروبا والدول الإفريقية الواعية كجنوب إفريقيا، وهذا يعني أن الكارثة الإنسانية بغزة قد أيقظت الضمير العالمي، وبنت لها حاضنة تأييد شعبي عالمي لم تحظَ بها أية قضية في الأرض، وسيكون لذلك الآثار المباركة على مستقبل القضية الفلسطينية.
وأما على صعيد الدور الرسمي للدول والحكومات، فأميركا وبعض الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا)، هي التي تقود هذه الحرب على غزة إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي، لأن هذه الدول– تحديدا– ترى أن إسرائيل مشروع غربي قبل أن يكون مشروعا صهيونيا.
وهي تُدافع عنه كما تُدافع عن واشنطن ولندن وباريس وروما وبرلين، وهو موضوع شائك يطول شرحه، ومع ذلك تجرأت دول أخرى وتمردت على هذه الدول الغربية وكان في مقدمتها دولة جنوب إفريقيا، وأنطونيو غوتيريش أمين الأمم المتحدة ومجموعة من المؤسسات الحقوقية والإغاثية والإعلامية العالمية.
ثم سارت مجموعة دول خلف جنوب إفريقيا، ما أدى إلى بناء مكانة سياسية عالمية للقضية الفلسطينية، وسيكون لذلك إسقاطات لا محالة في قادمات الأيام إيجابية على مسيرة القضية الفلسطينية.