مستهدفا حكومة الدبيبة.. كيف دخل مصرف ليبيا المركزي على خط الصراع السياسي؟

منذ شهر واحد

12

طباعة

مشاركة

بشكل شبه يومي، تتضاعف تعقيدات المشهد الليبي في ظل الانقسام السياسي والعسكري الذي يشق البلاد نصفين، حيث فشلت كل محاولات إنهائه مع تمديد المرحلة الانتقالية وعدم تحديد موعد نهائي للانتخابات العامة لحسم كل الخلافات.

ودخل محافظ مصرف ليبيا المركزي، الصديق الكبير، على خط الصراع السياسي، بعد تصاعد الخلاف مع حليفه السابق رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة.

وعرف هذا الخلاف نسقا تصاعديا خلال الأشهر الأولى من العام 2024، حيث تجاوز مرحلة التصريحات والبيانات إلى إجراءات وقرارات قد تؤثر على الوضع الاقتصادي وأداء الحكومة.

خلاف متصاعد

في الذكرى الـ13 لـ"ثورة 17 فبراير" (شباط 2011)، ألقى الدبيبة كلمة بالمناسبة أمام جموع المحتفلين وسط العاصمة طرابلس، تطرق خلالها للأوضاع المالية في ليبيا وسعر الصرف وزيادة المرتبات، ما أثار حفيظة محافظ المصرف المركزي.

الكبير لم يفوت الفرصة ليكشف عن حجم الخلافات بينه وبين الدبيبة حيث وجه له خطابا في 27 فبراير 2024، انتقد فيه زيادة الإنفاق الحكومي، ومتهما الدبيبة "بعدم قدرته وقدرة حكومته على الإدارة الرشيدة للموارد المالية".

وأضاف في نفس الخطاب "لا نختلف معكم في أن من حق الليبيين أن يحيوا حياة كريمة وأن يحصلوا على مرتبات تكفل عيشا كريما، ولكن ذلك لا يتحقق إلا بحسن إدارة الموارد المالية، مع ضمان استدامة تلك الحياة الكريمة".

من جانبه، نفى الدبيبة ما وصفها بـ"الشائعات التي تتحدث عن تدهور الوضع الاقتصادي للدولة وإفلاسها" .

وبين الدبيبة في كلمته التي ألقاها في 18 مارس/آذار 2024، بالأرقام والإحصاءات قيمة الإنفاق العام للدولة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، بما في ذلك باب التنمية الذي نفذت من خلاله عدد من المشاريع التنموية في مختلف ربوع البلاد ولأول مرة منذ الثورة.

وحسب المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة، أفصح الدبيبة في كلمته عما حققته حكومته من إيرادات بالعملة الصعبة، وما أنجزته من إطفاء (سداد) الدين العام الذي تسلمته من الحكومتين السابقتين، إلى جانب عملها على تعزيز احتياجات الدولة من النقد الأجنبي.

وعرف الخلاف تطورا حادا بدعوة محافظ مصرف ليبيا المركزي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح إلى تعديل سعر صرف الدولار، واقترح أن يكون سعر الصرف ما بين 5.95 و6.15 دنانير للدولار بعد فرض ضريبة نسبتها 27 ‎بالمئة.

وأعلن الدبيبة في كلمة متلفزة وجهها للشعب، رفضه لما وصفه بـ"الإجراء الأحادي" من عقيلة صالح، وقال إنه جاء بشكل مفاجئ ودون مشاورة المختصين بشأن "الضريبة الدولارية"، متهما إياه بأنه يستهدف تحميل المواطنين "ضريبة تغطية الإنفاق الموازي"، في إشارة إلى حكومة أسامة حماد المكلفة من البرلمان.

صراع سياسي

ورأت الصحفي الليبي، محمد الخلاب، أن "العلاقة بين محافظ مصرف ليبيا ورئيس حكومة الوحدة الوطنية كانت جيدة جدا وأغلب القرارات المهمة التي اتخذها الدبيبة بشأن الصرف وزيادة الرواتب وصرف المنح الخاصة بالمواطنين كلها كانت بحضور ودعم المحافظ". 

وأضاف الخلاب لـ"الاستقلال" أن "العلاقة توترت أخيرا بين الرجلين، وحسب معلوماتي أن المحافظ يقول إن مصروفات الحكومة مبالغ فيها ويطالب برفع الدعم عن المحروقات الذي يكلف ليبيا مليارات الدولارات سنويا، ويبدو أن الدبيبة كان مستجيبا لفكرة رفع الدعم واستبداله بطريقة أخرى تصل مباشرة للمواطن حيث أعلن عن ذلك وبدأ التحرك في هذا الاتجاه".

 

وأكد أن “الخلاف سياسي وليس اقتصاديا، وهذا ما يقوله خبراء اقتصاديون كثر، لأن الوضع الاقتصادي للدولة بلغة الأرقام وضع جيد، وهي بالمناسبة أرقام مصدرها المصرف المركزي نفسه”. 

واستطرد: "لذلك أقول الخلاف سياسي ودخول (النظام) المصري على الخط أخيرا ليس بريئا، فموقفه في ليبيا تخريبي، ومن المعروف أنه اتخذ موقفا معاديا للدبيبة منذ البداية تقريبا ورئيس مخابرات النظام عباس كامل هو من رتب لقاء بين المحافظ وعقيلة صالح في القاهرة، وهو اللقاء الذي تلاه فرض ضريبة على مبيعات النقد الأجنبي".

وبحسب الخلاب فإن "هذا الإجراء الذي اتخذه المصرف المركزي بمشاركة عقيلة صالح غير قانوني ومرفوض سياسيا، رفضه رئيس الحكومة ونواب في البرلمان ومجلس الدولة وأطراف عدة".

واسترسل: "هو مرفوض شعبيا كذلك، لأن تأثيره يكون مباشرا على المواطن، والحكومة في يدها ما تستطيع فعله لوقف هذا القرار، وبالتالي لا شك أن القرار له تأثير على الوضع السياسي في ليبيا وخاصة في المنطقة الغربية".

 وتابع: "لكن حجم هذا التأثير سيبقى رهين موقف المحافظ وكيف ستواجهه الحكومة وما الذي ستسفر عنه الطعون القانونية المقدمة أمام القضاء لإبطال الإجراء الأخير الذي اتخذه عقيلة صالح ومحافظ المصرف المركزي".

صراع صعب 

وبحسب جلّ المراقبين، لا يمكن الفصل بين المساعي الحاصلة للإطاحة بحكومة الدبيبة واستبدالها بحكومة جديدة لمرحلة انتقالية أخرى إلى حين حصول توافقات حول ملف الانتخابات.

إلا أن الدبيبة ورغم اتساع دائرة معارضيه حافظ على استقرار حكومته وضمان الاعتراف الدولي بها ونجح في تحقيق عدد كبير من الإنجازات والمشاريع، وهو ما يجعله متفوقا على خصومه السياسيين.

لكن الجميع يدرك في ليبيا أن لمحافظ المصرف المركزي “نفوذا كبيرا وواسعا وعلاقات متينة” مع عدد من المجموعات المسلحة القوية، كما أ له شبكة علاقات خارجية مع جل الدول المؤثرة في الشأن الليبي نجح في بنائها طيلة الفترة الطويلة التي حافظ فيها على منصبه على رأس المصرف.

كما أن الاتفاق السياسي الذي يعد مظلة قانونية لتسيير السلطة في ليبيا يمثل ضمانة لبقاء "الكبير" في منصبه، وعدم قدرة رئيس الحكومة على إقالته، حيث تنص المادة 15 من الاتفاق السياسي على ضرورة التوافق بين مجلسي النواب والأعلى للدولة لإقالة شاغلي المناصب العليا في الدولة أو تعيينهم ومن بينهم محافظ المصرف المركزي.

وبذلك تحول محافظ المصرف المركزي، إلى رقم صعب في المشهد الليبي منذ عام 2011، إذ تغير الكثير من المسؤولين سواء على مستوى رؤساء الحكومات المنقسمة، أو على صعيد رؤساء ومديري مؤسسات وشركات حيوية في البلاد.

ففي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2011، قرّر المجلس الوطني الانتقالي الليبي تعيين رجل الاقتصاد الصديق الكبير محافظا لمصرف ليبيا المركزي بعد الإطاحة بنظام الرئيس الراحل معمّر القذافي والسيطرة على العاصمة طرابلس.

إلا أنه في العام 2014، شهد مصرف ليبيا المركزي انقساما إلى مؤسستين، على ضوء الانقسام الذي شهدته البلاد إثر ما يعرف بـ"عملية الكرامة" التي أطلقها الانقلابي خليفة حفتر.

وبقي المصرف المركزي في طرابلس ويحظى باعتراف دولي، برئاسة الكبير، وأنشئ مصرف موازٍ بشرق البلاد برئاسة علي الحبري نائب المحافظ، قبل إقالته من مجلس النواب في طبرق، واختيار مرعي مفتاح رحيل بديلا له.

وأعاق وجود فرعين متنافسين تنفيذ سياسة نقدية واحدة، في حين انخفض الدينار الليبي بشكل حاد منذ ثورة 2011 وسقوط نظام القذافي.

وبعد مرور 9 سنوات على الانقسام، أعلن المصرف، في 20 أغسطس/ آب 2023، عودته كمؤسسة "سيادية واحدة"، وجاء إعلان إعادة التوحيد بعد اجتماع في طرابلس جمع محافظ المصرف الصديق الكبير ونائب المحافظ مرعي مفتاح رحيل ومستشارين في المصرف بطرابلس وبنغازي (شرق).