"حراس أوروبا".. تحقيق يكشف تواطؤ دول مغاربية ضد المهاجرين الأفارقة

منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

أزاح تحقيق أوروبي الستار عن ممارسات 3 بلدان في شمال إفريقيا، هي المغرب وموريتانيا وتونس، ضد المهاجرين واللاجئين غير النظاميين، لمنع وصولهم إلى دول الاتحاد الأوروبي.

وأجرى التحقيق صحيفة إلباييس بالتعاون مع منظمة لايت هاوس ريبورت"Lighthouse report"المعنية بقضايا حقوق المهاجرين.

شهادات موثقة

ونقلت إلباييس شهادات جمعت خلال هذا التحقيق حول عمليات التهجير القسري. ومن بين شهود العيان، تيموثي هاكس، الذي يعيش الآن في الولايات المتحدة. 

ويعد ما حصل له في المغرب بمثابة عملية اختطاف. وتعود قصته إلى سنة 2019، عندما كان يعمل مدرسا للغة الإنجليزية في الرباط. 

وعندما توجه إلى أحد المتاجر في العاصمة المغربية، على بعد أربع دقائق من منزله، انتهى به الأمر بالاعتقال والنفي إلى مدينة تبعد أكثر من 300 كيلومتر عن العاصمة المغربية. 

وبرفقته، كان هناك العشرات من الشباب. كانوا يملكون عاملا مشتركا بينهم: حيث كانوا من السود. 

وخلال رحلتهما، توسل الشابان إيدياتو وبيلا، إلى القوات الموريتانية التي تعتقلهم كي لا يُتركا في منطقة محرمة، دون هاتف أو نقود، لأنهما لن يعرفا كيف يعودان أو كيف يطلبان المساعدة. 

لكن انتهى بهما الأمر منفيين وحافيي الأقدام في نقطة حدودية بين موريتانيا ومالي، في منطقة تنشط فيها الجماعات المسلحة. 

أما فرانسوا، وهو موسيقي كاميروني يرافقه طفل يبلغ من العمر ست سنوات، فقد انتهى به الأمر إلى المعاناة من الهلوسة وسط منطقة صحراوية في تونس استغرقت مغادرته لها تسعة أيام. 

كانت هذه هي المرة الأولى، ولكن ليست الأخيرة، التي تركوه فيها عالقا في مكان مجهول.

وأوردت إلباييس أن عشرات الآلاف من الأشخاص مثل تيموثي أو إدياتو أو بيلا أو فرانسوا - آخر ثلاثة لم يذكروا أسماءهم بالكامل لأسباب أمنية - ينتهي بهم الأمر، سنويا، بالنفي إلى المناطق الصحراوية أو المدن النائية في شمال إفريقيا. 

في الحقيقة، هي العقوبة التي يتعرض لها المهاجرون واللاجئون الذين يطمحون للوصول إلى أوروبا على متن قارب أو عبر عبور الأسلاك الشائكة التي تفصل بين حدود الدول. 

ونتيجة هذه السياسة، يُلقى بهؤلاء المهاجرين في أحد أركان الصحراء الكبرى، الصحراء الأشد حرارة في العالم، دون هواتف محمولة، ودون أموال، ودون ماء وحتى دون أحذية. 

شريك صامت

ويروي أولئك الذين نجوا عمليات اختطاف وابتزاز وتعذيب وعنف جنسي أو هجمات الكلاب بتحريض من قوات الأمن. 

في الحقيقة، هي ممارسة تطبّق بشكل منهجي وبشكل شبه حصري ضد السود؛ ولها شريك صامت: ألا وهو الاتحاد الأوروبي.

وقد وثق تحقيق أجرته صحيفة إلباييس بالتعاون مع منظمة لايت هاوس ريبورتس ووسائل إعلام دولية أخرى بطريقة أكثر شمولا حتى الآن كيف تقوم الصناديق الأوروبية بتمويل هذه العمليات في المغرب وموريتانيا وتونس.

ونقلت الصحيفة عن مصدر أوروبي يعمل في برامج تمولها الصناديق الأوروبية لإفريقيا، قوله: “عندما يمنحك الاتحاد الأوروبي المال لإغلاق الحدود، عليك التخلص من المهاجرين غير الشرعيين الموجودين على أراضيك".

"أو على الأقل، تعقيد حياتهم. وإذا كان مهاجر من غينيا موجودا في المغرب ورحّلته إلى الصحراء مرتين، فسيطلب في المرة الثالثة العودة الطوعية إلى بلده". 

ويعود أول دليل على هذه العمليات إلى سنة 2003 في المغرب، لكن مع مرور الوقت أصبحت منظمة بين مؤسسات هذه الدول. في الصيف الماضي، انتشرت صور هؤلاء المهاجرين على شاشة التلفزيون. 

وظهر رجال ونساء وأطفال سود أمام الكاميرات في منطقة محرمة بين تونس وليبيا. ومن هنا، انتشرت صورة امرأة وابنتها تموتان بسبب العطش في الصحراء، في جميع أنحاء العالم.

وفي مواجهة مثل هذه الصور، أعربت مفوضة الشؤون الداخلية بالاتحاد الأوروبي، إيلفا جوهانسون، عن قلقها، لكنها أكدت أن: "الأموال الأوروبية لا تمول ترحيل المهاجرين".

وعلى مدار أكثر من سنة، جمع هذا التحقيق أدلة لا تظهر فقط أن هذه العمليات كانت معروفة جيدا في أروقة بروكسل منذ سنوات، ولكنها تنفذ بفضل الأموال والمركبات والمعدات والاستخبارات التي قدمها الاتحاد الأوروبي. 

في الواقع، هي إستراتيجية تشتيت تلعب فيها إسبانيا دورا بارزا.

وتشير المقابلات مع أكثر من خمسين من الناجين، فضلا عن عشرات من مصادر الشرطة والأوروبيين، إلى الانتهاكات الروتينية للاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتمييز والتعذيب. 

كما أن وكالة الحدود الأوروبية، فرونتكس، ووكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمنظمة الدولية للهجرة على دراية بهذه الممارسات، وفقا لوثائق سرية تمكنت صحيفة إلباييس من الوصول إليها.

ريادة إسبانية

وأشارت الصحيفة إلى أن إسبانيا رائدة في توقيع اتفاقيات لتمويل بلدان المنشأ والعبور الإفريقية لمنع أولئك الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا. 

في الحقيقة، هي عبارة عن اتفاقيات تم التوصل إليها خلال حكومة الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو لوقف القوارب التي وصلت إلى جزر الكناري في سنة 2006، والتي لا تزال تسلك نفس الطريق حتى يومنا هذا. 

وعلى مر السنين، قدمت مدريد، بالإضافة إلى زيادة تمويلها للدول الإفريقية، هذه الإستراتيجية في بروكسل بافتراضها وصفة للنجاح في مكافحة الهجرة غير الشرعية. 

ومنذ سنة 2015، وقعت أوروبا اتفاقيات مع تركيا وليبيا وتونس والمغرب، وأخيرا مع موريتانيا ومصر؛ جميعها محل تساؤل بسبب أوجه القصور وعدم احترام الحقوق الأساسية.

وأشارت الصحيفة إلى أن تونس والمغرب وموريتانيا، تلقت من الاتحاد الأوروبي أكثر من 400 مليون يورو بين سنتي 2015 و2021 في إطار الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي من أجل إفريقيا، المخصص حصريا لمعالجة أسباب الهجرة غير النظامية. 

بالإضافة إلى ذلك، يقوم السبع والعشرون بدفع تكاليف عشرات المشاريع الأخرى، لكن يمنع غياب الشفافية في نظام التمويل التحقق من حجم الأموال التي يتم إنفاقها وأين ينتهي بها المطاف. 

وبشكل عام، تعد دول شمال إفريقيا الثلاث من بين الدول التي تتلقى أكبر قدر من الدعم الاقتصادي وتلعب دورا رئيسا في السياسة الأوروبية لإغلاق الحدود. ونقلت الصحيفة أن طريقة العمل متشابهة في جميع البلدان. 

وعلى أرض الواقع، تعمل قوات الأمن التونسية والمغربية والموريتانية على اعتقال المهاجرين من جنوب الصحراء الكبرى عن طريق مداهمات في الشوارع أو في منازلهم أو على متن القوارب التي تحاول الوصول إلى أوروبا، ثم تكدّسهم في حافلات وتقودهم مئات الكيلومترات إلى مناطق نائية. 

وأشارت الصحيفة إلى أن عمليات النقل القسري شائعة جدا بين المهاجرين الذين يحاولون عبور أسوار سبتة ومليلية، مثلما حدث بشكل جماعي مع الناجين من مأساة مليلية في حزيران/ يونيو سنة 2022، حيث كانت الغالبية العظمى منهم من اللاجئين السودانيين.

في هذا السياق، كشف مصدر في الشرطة الإسبانية من ذوي الخبرة في إفريقيا أن "المعيار المعتمد خلال عمليات الترحيل هو أن تكون الوجهة مناطق نائية، خارج المراكز السكانية الكبيرة، كما أن السود هم هدف مثالي خلال هذه العمليات". 

ونقلت الصحيفة أن التبرعات الأوروبية إلى تونس تكشف الكثير عن التمويلات الأوروبية لمنع المهاجرين من الوصول إلى أوروبا. وعلى وجه الخصوص، تتطابق سيارات نيسان نافارا التي تستخدمها الشرطة التونسية لمداهمات المهاجرين مع طراز ونوع تلك التي تبرعت بها إيطاليا وألمانيا. 

بالإضافة إلى ذلك، أنفقت برلين أكثر من مليون يورو بين سنتي 2015 و2023 لتدريب أكثر من ثلاثة آلاف عنصر من الحرس الوطني التونسي والمديرية العامة للحدود، المشاركين في تنفيذ هذه العمليات. 

ومولت النمسا والدنمارك وهولندا مركز تدريب لحرس الحدود التونسيين. وزوّد الاتحاد الأوروبي نفسه أخيرا الشرطة البحرية التونسية، التي تعترض المهاجرين قبل طردهم إلى الصحراء، بمعدات مثل أنظمة الرادار المتنقلة والكاميرات الحرارية لمساعدتها على الكشف عن السفن المتجهة إلى أوروبا.